مع إعلان قوات المقاومة المشتركة (ألوية العملاقة الجنوبية وحراس الجمهورية والمقاومة التهامية) المدعومين من الإمارات العربية المتحدة إطلاق عملية عسكرية لتحرير مدينة الحديدة من قبضة مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، تهاوت الحصون والدفاعات الأمامية للحوثيين، واستطاعت المقاومة تحرير مناطق مفرق زبيد والتحيتا والطائف مدينة البرح شمال غرب تعز ومفرق الوازعية ومنطقة موزع وكهبوب والعمري وعزَّان والمنصورة ومعسكر خالد بن الوليد والحسينية، وسيطرت ناريًا على مطار الحديدة.
الانتصارات السريعة التي تحققت في الساحل الغربي لليمن، جعلت المليشيا مضطرة لسحب مسلحيها من جبهات صرواح وعمران وحجة ومأرب في محاولة لمواجهة التقدم المتسارع نحو الحديدة التي تمثّل شريان حياة للميليشيا.
وكان للحوثيين خيارات متعددة لوقف هذا التقدم المتسارع، أبرزها الاستفادة من تحركات المبعوث الأممي إلى اليمن الذي ربط زيارته إلى صنعاء بوقف التقدم السريع للمقاومة الوطنية المشتركة، وطالب الإمارات التي تقود هجوم الساحل الغربي لليمن بأن تعطيه فرصة للحوار مع الحوثيين الذين بدورهم كانوا قد اشترطوا استقباله بوقف التقدم نحو ميناء ومطار ومدينة الحديدة الساحلية التي يدخل منها الحوثي شهريًا ما يقارب 400 مليون دولار، إضافة إلى أنهم يستقبلون الدعم الإيراني من خلال الجزر القريبة من الميناء.
طالبت الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة القوات الإماراتية التي تدعم المقاومة اليمنية المشتركة في الساحل الغربي بالاكتفاء بتأمين المناطق التي سيطرت عليها ونزع الألغام والتوقف عن التقدم نحو المزيد، خوفًا من إزهاق الكثير من الأرواح لا سيما أن عدد سكان المحافظة يبلغ 2.5 مليون نسمة، إضافة إلى أن أمريكا تعتبر أن السيطرة على الميناء قد يتسبب بكارثة إنسانية ومجاعة إضافية في اليمن.
أول خيار كان للحوثيين هو اقتحام القرى والمدن في المناطق التي تحت سيطرتهم، وشنوا حملة اختطافات واسعة للأطفال والشباب وعدد من النساء اللواتي تقل أعمارهن عن 30 عامًا، وحملوهم الأسلحة واقتادوهم نحو الساحل الغربي
خيارات الحوثي
ومع الهزائم المتلاحقة للمليشيا الحوثية الموالية لإيران، وخساراتها لقوات النخبة العسكرية التي تم تدريبها في إيران (كتائب حسين بدر الدين الحوثي والموت) وقتل العديد من قياداتها، لجأت المليشيا إلى أربعة خيارات لوقف استنزافها عسكريًا وقتل المزيد من قياداتها التي تعتمد عليهم في جمع المقاتلين والدفاع عن المناطق التي يحتلونها، والترويج لـ(خزعبلات عبد الملك الحوثي الذي يقول إن حكم اليمن بالنسبة له أمر إلهي).
أول خيار كان للحوثيين اقتحام القرى والمدن في المناطق التي تحت سيطرتهم، وشنوا حملة اختطافات واسعة للأطفال والشباب وعدد من النساء اللواتي تقل أعمارهن عن 30 عامًا، وحملوهم الأسلحة واقتادوهم نحو الساحل الغربي.
هناك العديد من الأطفال والنساء لا يعرفون التعامل مع الأسلحة، وكانت المواجهات العسكرية الأولى لهم، فكانوا بالنسبة للقوات المقاومة المدربة تدريبًا عسكريًا ومتخصصة لاقتحام المدن والسيطرة على المناطق العسكرية اصطياد سهل، وتمكنوا من أسرهم وقتل العديد منهم نتيجة التغرير بهم وسحرهم من مليشيا الحوثي التي وعدتهم بجنة زائفة.
استطاع الحوثيون من خلال اختطاف الأطفال والشباب وإجبار مشرفيهم وشيوخ بعض القبائل وإجبار الأسر على الزج بأبنائهم عنوة إلى جبهات الساحل الغربي، جمع ما يقارب 50 ألف شاب وطفل وفتاة، بحيث أسند لكل محافظة أو منطقة موقع إستراتيجي في الحديدة، متوعدًا من سيفشل في المكان المسند إليه بقتل أهله وإبادة قريته، إضافة إلى إنشائهم كتائب جديدة في الحديدة تسمى كتائب الانتحاريين وعملوا على تفخيخهم بالمتفجرات استعدادًا لسيناريوهات اقتحام المحافظة.
روج الحوثيون في كل قنواتهم الإعلامية ومواقعهم الإخبارية وعبر عقال الحارات والإذاعات، لفكر الحوثي الشيعي، وأن عبد الملك زعيم الجماعة الموالية لإيراني، ابن الرسول ولا بد من الدفاع عنه
ثاني الخيارات التي اعتمدوا عليها، التغرير بأبناء اليمن وخصوصًا الحديدة التي تعد مسرحًا للعمليات العسكرية، ونشروا ملازم تجرم وتكفر طارق محمد عبد الله صالح الذي يقود معركة في الساحر الغربي وكل القوات التي تعمل معه.
وروج الحوثيون في كل قنواتهم الإعلامية ومواقعهم الإخبارية وعبر عقال الحارات والإذاعات، لفكر الحوثي الشيعي، وأن عبد الملك زعيم الجماعة الموالية لإيراني، ابن الرسول ولا بد من الدفاع عنه.
الحوثيون ألزموا خطباء المساجد في المناطق التي يسيطرون عليها بتحريض الناس على القتل، ويغررون بهم بالقول إن “إسرائيل” جاءت لتحتل الحديدة مع أمريكا بالاتفاق مع طارق صالح والمقاومة الوطنية، وإيران تدافع عنهم وعن اليمنيين.
مثل هذه الأخبار والترويج الكاذب وفي ظل انعدام الكهرباء وانقطاع الوسائل الإعلامية لطرف الشرعية، يصبح اليمني والقبائل التي تحت سيطرة الحوثيين متلقيين من جهة واحدة، ومثل تلك الأنباء تعمل على شحن هممهم وغيرتهم على أرضهم، وهو ما يجعل بعضهم يجود بمدخراته للعصابة المليشاوية ظنًا منه أنها تدافع عن أرضه وعرضه حقًا، وعلى الشرعية أن تجد مخرجًا لمثل هذا الوصول إلى المناطق التي يحتلها الحوثيون وفرض سلطاتهم عليهم لتوعيتهم بأهمية المخاطر التي تحدق باليمن أرضًا وإنسانًا جراء اغتصاب المليشيا الإيرانية الحوثية وتعمل على تغيير الهوية اليمنية من عربية إسلامية إلى شيعية فارسية.
ثالث خيار للحوثيين الذين لجأوا إليه، هو زرع المناطق الصحراوية والساحلية والشاطئية والبحرية بالألغام والمتفجرات بهدف إعاقة تقدم القوات المشتركة والمقاومة الوطنية.
ووفقًا لمصادر ميدانية فإن القوات المشتركة وخبراء نزع الألغام يستخرجون ألغامًا مغروسة في الأرض، ما يقارب 5 آلاف لغم لكل كيلو وبعض الأمتار، وهو ما يثبت مدى هول المليشيا الحوثية من التقدم السريع ولجأت إلى تفخيخ كل شيء حتى تعيق المقاومة الوطنية من التقدم لتحرير الحديدة.
نجح المبعوث الأممي في وقف تقدم المقاومة الوطنية نحو الحديدة التي توقف بفعل الضغط الدولي، لكنه فشل في إقناع الحوثيين بتسليم مدينة الحديدة إلى القوات الحكومية والمقاومة الوطنية
تحريك العملية السياسية
بعد أن كان يرفض الحوثي استقبال المبعوث الأممي الجديد في صنعاء إلا بشروط وقف الغارات الجوية، أعلن الحوثيون استعدادهم لأي مهام سياسية يقوم بها المبعوث مارتن غريفيث من أجل الوصول إلى تسوية سياسية، وهذا هو الخيار الرابع لهم، والمجدي في وقف تقدم المقاومة الوطنية نحو الحديدة.
وحينما حان موعد زيارة المبعوث الأممي إلى صنعاء رفض الحوثيون استقباله، وغيروا شرط وقف الهجمات الجوية إلى وقف تقدم القوات الميدانية في الساحل الغربي، وبدوره مارس مارتن غريفيث ضغوطه على الإمارات العربية المتحدة بصفتها من تقود هجوم الساحل الغربي والمملكة العربية على اعتبار أنها من تقود التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن لمنحه فرصة إيجاد حلول سياسية ومحاولة إقناع الحوثيين تسليم مدينة الحديدة إلى الشرعية في اليمن.
نجح المبعوث الأممي في وقف تقدم المقاومة الوطنية نحو الحديدة الذي توقف بفعل الضغط الدولي، لكنه فشل في إقناع الحوثيين بتسليم مدينة الحديدة إلى القوات الحكومية والمقاومة الوطنية.
إذ وضع الحوثيون شروطهم وهي إذا كان الأمم المتحدة تعنيها مدينة الحديدة فعليها القبول باستلام الميناء وإدارته وتشغيله، وهذا يفسر أن الحوثيين ليس لهم وطن يحتكمون إليه، فبدلًا من أن تختار قوات يمنية غير مشاركة في الحرب ولا متورطة في قتل الأبرياء لتكون حيادية وتدير الميناء، راحت بدعوة أممية إلى احتلال جزء من اليمن وأهم مرفق يعتمد عليه اليمنيون.
من ضمن شروط المليشيا في عرضها الذي قدمته، أنه في حال تسليم مطار وميناء ومدينة الحديدة للأمم المتحدة، يمنع اعتراض وتفتيش البضائع المتجهة إلى المناطق التي تحتلها المليشيا الحوثية، وهنا يريد الحوثيون تأمين سير السلاح القادم من إيران إليهم دون أي اعتراض.
منذ تغيير وزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي، وتعيين خالد اليماني، تغيرت اللهجة الحكومية التي كانت تطالب الحوثيين بتنفيذ القرار الأممي بشكل كامل وإعلان الاستسلام التام، وتحولت إلى داعية سلام
وأضافت جماعة لاحوثي شروطًا لتبدو أنها من تتحكم في سير المعركة والمنتصرة فيها، بأن تلزم الأمم المتحدة الحكومة الشرعية بتسليم رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها وإيقاف الحرب وعدم استهداف مناطق جديدة تحت سيطرتها وإلزام التحالف الشرعية بإيقاف الحرب والغارات وبدء مفاوضات سلام مع وضع ضمانات كافية بعدم خرق وقف إطلاق النار.
موقف الحكومة
منذ تغيير وزير الخارجية اليمنية عبد الملك المخلافي، وتعيين خالد اليماني، تغيرت اللهجة الحكومية التي كانت تطالب الحوثيين بتنفيذ القرار الأممي بشكل كامل وإعلان الاستسلام التام، وتحولت إلى داعية سلام في عهد وزير الخارجية اليمني الجديد خالد اليماني الذي أصبحت تصريحاته إما تتحدث نيابة عن الحوثيين أو تدعو إلى السلم معهم.
فبدا الأمر مثيرًا للريبة لدى الشارع اليمني أن يكرر رئيس الدبلوماسية اليمنية الحديث عن استعداده لحل يضمن للحوثيين المشاركة في العملية السياسية، بعد حديث سابق ذاته أعلن استعداد الحوثيين المثول للقرار الأممي 2216، دون أن يتحدث الحوثيون صراحة بذلك، وبدلًا من ممارسة الضغط السياسي على الحوثي أصبح وزير الخارجية يتحدث بلسان الحوثية.
ومع أنه يعلم جيدًا أن الحوثيين وقعوا في سبتمبر 2014 اتفاق سلم وشراكة مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ومع ذلك لم يلتزموا به، فاعتدوا على شريك الحوثيين في الاتفاقية الرئيس هادي وقتها، ووضعوه تحت الإقامة الجبرية، واتفقوا مع علي عبد الله صالح على تشكيل مجلس رئاسي ومع ذلك استولوا عليه وقتلوا شريكهم، وحينما يتعرض الحوثيون لهزائم متلاحقة يسعى اليماني لوقف تلك الهزائم ويدعوا إلى سلام ويتعهد بأن يضمن للحوثيين المشاركة في العملية السياسية، وهو خطأ يكرره اليماني بعد خطأ الرئيس هادي وسلفه صالح.
يرى العديد من المراقبين السياسيين أن تصريحات اليماني بعد تعيينه وزيرًا للخارجية اليمنية ورئيسًا للدبلوماسية اليمنية، بعد اقتراب حسم المعركة ضد مليشيات إيران الحوثية التي باتت بالقرب من مطار الحديدة ومينائه، يشير إلى أن هناك مساعٍ من الرئيس هادي إما لإنقاذ الحوثيين نكاية باليمنيين، أو إطالة أمد الحرب
لم يتبق لخالد اليماني إلا الإعلان صراحة وعلى الملأ أن الحوثيين مستعدين للحلول السياسية كافة، وأن التحالف العربي والشرعية اليمنية يرفضون ذلك، وأنهم من يعتدون على الحوثيين، من أجل الحفاظ على قوة الحوثيين وإنشاء كيان في شمال اليمن يوازي مليشيا حزب الله بهدف تهديد دول الخليج.
يرى العديد من المراقبين السياسيين أن تصريحات اليماني بعد تعيينه وزيرًا للخارجية اليمنية ورئيسًا للدبلوماسية اليمنية، بعد اقتراب حسم المعركة ضد مليشيات إيران الحوثية التي باتت بالقرب من مطار الحديدة ومينائه، يشير إلى أن هناك مساعي من الرئيس هادي إما لإنقاذ الحوثيين نكاية باليمنيين، أو إطالة أمد الحرب، لأن انتهاء المعركة سريعًا تقضي على مستقبل هادي وفريقه من السياسيين.