في ساعة مبكرة من صباح اليوم السبت أعلن الديوان الملكي السعودي في بيان له اجتماعًا رباعيًا غدًا الأحد، يضم الملك سلمان بن عبد العزيز والملك عبد الله الثاني عاهل الأردن والشيخ صباح الأحمد الصباح أمير الكويت ومحمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي بمدينة مكة المكرمة، لبحث سبل دعم الأردن الشقيق للخروج من الأزمة الاقتصادية التي يمر بها.
بيان الاجتماع جاء بعد ساعات قليلة من تلقي العاهل الأردني اتصالًا هاتفيًا من نظيره السعودي، ومن قبله ولي العهد، ركز حسبما قالت وكالة الأنباء الأردنية “بترا” على العلاقات الأخوية والتاريخية الراسخة بين البلدين والتطورات الإقليمية الراهنة، فيما أكدا الحرص على توطيد العلاقات الأردنية السعودية في شتى الميادين، وإدامة التنسيق والتشاور حيال مختلف القضايا، بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين والقضايا العربية.
تأتي هذه التحركات بعد يوم واحد فقط من انتهاء الاحتجاجات الواسعة التي استمرت قرابة الأسبوعين، وتعد الأشد منذ انطلاق ثورات الربيع العربي في 2011، وعمت معظم محافظات ومدن الأردن، تنديدًا بقانون ضريبة الدخل الجديد وهو ما استجابت له المملكة باستقالة الحكومة والتراجع عن المشروع المعدل للقانون المثير للجدل.
الدور الخليجي في الأزمة
للوقوف على الدوافع الحقيقية وراء تطور أزمة الاحتجاجات في الأردن التي توسعت جغرافيًا حتى غطت معظم أرجاء المملكة، وتعمقت سياسيًا بين النقابات المهنية الداعية للإضراب، فضلًا عن التفاعل الشعبي الواسع وغير المسبوق معها، لا بد من الإشارة إلى بعدين أساسين.
الأول: البعد الداخلي والمتعلق بالتعديلات الجديدة المفروضة على قانون ضريبة الدخل، إذ تقوم خطط الإصلاح المالي للحكومة الأردنية – استجابة لتوجيهات صندوق النقد الدولي – على تحصيل إيرادات ضريبية بقيمة 1.5 مليار دينار (ملياري دولار) خلال 2017 – 2019 من جيوب الأردنيين.
استئناف المساعدات الخليجية للأردن لكن بشروط، تتعلق بإعادة النظر في توجهات السياسة الخارجية لعمان حيال بعض الملفات محل الخلاف
الحكومة الأردنية وعلى لسان رئيسها – المستقيل مؤخرًا – أشارت إلى إنجاز ما يقرب من 70% من البرنامج الإصلاحي المعتمد تحت إشراف المؤسسة الدولية، وأنه في حال إقرار القانون المعدل يصل البرنامج إلى نهايته، تمهيدًا للعبور إلى بر الأمان منتصف العام المقبل.
يذكر أن التعديلات المدرجة على القانون تقضي بفرض ضريبة بنسبة 5% على كل من يتجاوز دخله عتبة 8 آلاف دينار للفرد (11.2 ألف دولار) أو 16 ألف دينار للعائلة (22.5 ألف دولار) التي تتصاعد بشكل تدريجي حتى تصل إلى 25% مع تصاعد شرائح الدخل، هذا بخلاف زيادة الضرائب المفروضة على شركات التعدين والبنوك والشركات المالية وشركات التأمين والاتصالات والكهرباء بنسب تتراوح بين 20% و40%، وتُقدر الحكومة أن توفر هذه التعديلات على مشروع القانون لخزينة الدولة قرابة 100 مليون دينار (141 مليون دولار).
تعديلات قانون الضريبة على الدخل ليس السبب الوحيد في اشتعال الاحتجاجات
الثاني: الضغوط الخارجية.. ليس موضوعيًا أن تلخص الأزمة في مشروع القانون المعدل فقط، إذ إن نيران مثل تلك الاحتجاجات ما كان لها أن تشتعل لو ظلت الأوضاع على ما هي عليه فيما يتعلق بالدعم الخارجي الذي تتلقاه المملكة لموازنتها السنوية.
أوساط سياسية تحدثت عن جانب آخر لما يحدث في الأردن منذ أسبوعين وحتى الآن، يتعلق بما يرى هؤلاء أنه تخلي دول إقليمية عن دعم الأردن، في إشارة لتوقف المساعدات السعودية والإماراتية التي كانت تصل لدعم الموازنة سنويًا، وسط حديث بين النخب الأردنية عن ثمن سياسي مطلوب من الأردن في ملفات إقليمية تتعلق أساسًا بـ”صفقة القرن” وموقف الأردن من القدس والقضية الفلسطينية.
بيان الاجتماع جاء بعد ساعات قليلة من تلقي العاهل الأردني اتصالًا هاتفيًا من نظيره السعودي ومن قبله ولي العهد
إرهاصات الثمن المتوقع دفعه أردنيًا كان استثناء عمان من الاتفاق الذي تم بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” والسعودية ومصر، في موضوع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؛ ما دفع العاهل الأردني للمشاركة في القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي التي عقدت في إسطنبول التركية الجمعة 18 من مايو/أيار الماضي التي بحثت تطورات الوضع في فلسطين المحتلة عقب نقل السفارة، وهو ما فجر غضب حلفاء الأمس ومن ثم توقف الدعم، ما تسبب في إرباك الاقتصاد الأردني وتدهوره بهذه الصورة.
لكن يبقى السؤال: بعد أسبوعين من الاحتجاجات، ما الذي يدفع تلك الدول إلى الترتيب لاجتماع يهدف إلى مناقشة سبل بحث دعم الأردن؟ ما المستجدات؟ ولماذا غيرت تلك الدول من مواقفها؟
قلق أم ابتزاز؟
حالة من القلق انتابت النظم الخليجية جراء الوضع في الأردن، خشية انتقال عدوى الاحتجاجات إلى مثل هذه الدول التي تسخر كل طاقاتها وإمكاناتها لترسيخ أركان حكمها مهما كان الثمن، أسوة بما حدث في دول الربيع العربي التي لعبت تلك العواصم دورًا محوريًا في إجهاضها بشتى الصور، ومن ثم فإن ما يحدث في المملكة من انتفاضة شعبية وصلت هتافاتها في بعض المدن إلى “إسقاط النظام” وهو الشعار الذي ربما يحمل بين ثناياه دلالات خطيرة، فسرت وبشكل واضح الاستجابة السريعة لمطالب المحتجين، كان له أثر بالغ على الجيران والحلفاء.
القلق الخليجي حيال تلك الاحتجاجات ربما يدفع – بحسب فريق من المحللين – إلى إعادة النظر في مواقف الدول التي أوقفت دعمها للأردن، فمن المرجح أن تستأنف السعودية والإمارات استثماراتها في المملكة ومساعداتها، كما قطر والكويت اللتان بادرتا بإعلان عزمهما تقديم المساعدة للأردنيين.
شبح الربيع العربي لا يزال يؤرق بعض الأنظمة الخليجية
هذا الفريق يرى أن اجتماع الغد والمقرر عقده في مكة المكرمة يأتي في إطار استشعار القلق مما حدث ولا تزال أصداؤه على الأرض، ومن ثم كان التدخل لإنقاذ الوضع قبل تفاقم الأمور بما لا يمكن السيطرة على تمددها الذي ربما قد يتجاوز الحدود الجغرافية وهو الكابوس الذي يؤرق مضاجع الأنظمة الخليجية لا سيما السعودية والإمارات منذ 2011 وحتى الآن.
فريق آخر يذهب إلى استئناف المساعدات الخليجية للأردن لكن بشروط، تتعلق بإعادة النظر في توجهات السياسة الخارجية لعمان حيال بعض الملفات محل الخلاف، على رأسها الموقف من نقل السفارة الأمريكية للقدس والدخول كطرف في “صفقة القرن”، كذلك مسألة التقارب مع تركيا وقطر خلال الآونة الأخيرة التي أججت غضب كل من الرياض وأبو ظبي.
أوساط سياسية تحدثت عن جانب آخر لما يحدث في الأردن منذ أسبوعين وحتى الآن، يتعلق بما يرى هؤلاء أنه تخلي دول إقليمية عن دعم الأردن، في إشارة لتوقف المساعدات السعودية والإماراتية
الموقف الصعب الذي يحياه العاهل الأردني الآن في ظل احتجاجات عارمة لا تهدأ وأوضاع اقتصادية مترهلة ترجح – إن لم تُحسّن – تكرار هذا المشهد مرات ومرات خلال الفترات القادمة، وضغوط أمريكية إسرائيلية سعودية إماراتية كفيلة بأن تزيد الأمور تعقيدًا، كل هذا ربما يدفع عمان إلى التفكير في الأمر.
ورغم ما تمثله معادلة “الدعم مقابل تغيير المواقف” من مغامرة غير محسوبة لدى النظام الأردني، غير أن آخرين يراهنون على عدم خضوع المملكة لهذا النوع من الابتزاز وصمودها أمام تلك المحاولات، خاصة أن العاهل الأردني قد ألمح في كلمة له تعليقًا على الاحتجاجات أن بلاده تتعرض لضغوط إقليمية ودولية بسبب مواقفها السياسية.