بعد أن كانت الصورة والفيديو دليلًا كافيًا وقويًا لكشف وفضح جرائم الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين أمام العالم أجمع، بدأت دولة الاحتلال سن قوانين جديدة تُغلف جنودها من العقاب والمساءلة وتمنحهم الضوء الأخضر للقتل دون محاسبة.
“إسرائيل” أقرت أحد القوانين العنصرية والغريبة التي لم تسبق له أي دولة أخرى، بعد أن صادق الكنيست على مشروع قرار “حظر تصوير الجنود الإسرائيليّين في أثناء أداء مهامهم”، مما يشجع جنود الاحتلال على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين بعد أن ضمنوا الحماية القضائية.
وينص مشروع القانون على “أي شخص يقوم بتصوير شريط أو يلتقط صورًا أو يسجل جنودًا في أثناء قيامهم بوظيفتهم، بهدف زعزعة معنويّات الجنود والمواطنين، ستكون عقوبته السجن 5 سنوات، أما إذا كان بهدف المس بأمن الدولة فإنّ العقوبة تكون 10 سنوات”، كما اقترح القانون “منع نشر مضامين التصوير أو التسجيل في الشبكات الاجتماعية”.
تشريع للجرائم
كان ناشط فلسطيني يعمل لصالح منظمة “بتسيلم”، قد وثق بكاميرا فيديو عملية إطلاق النار بدم بارد على رأس عبد الفتاح الشريف وهو مصاب بجروح خطيرة في مدينة الخليل، آذار/مارس 2016.
سيمنع القانون بث هذه الصور في وسائل الإعلام التقليدية أو نشرها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وقد يتعرض من يقوم بذلك للسجن خمس سنوات
وإثر ذلك حوكم الجندي أزاريا، وقررت المحكمة سجنه 18 شهرًا، خُفضت إلى 14 شهرًا، وخففت لجنة خاصة الحكم إلى ثلثي المدة لتصبح فترة سجنه تسعة أشهر فقط، فيما أفرج عن الجندي قبل ثلاثة أسابيع تقريبًا بعد قضائه مدة السجن المخففة.
صحيفة “هآرتس” العبرية اتهمت حكومة تل أبيب بالسعي إلى سن قانون لحماية جنودها الذين يرتكبون جرائم بحق الفلسطينيين، وقالت: “لجنة وزارية ستبحث مشروع قانون يمنع تصوير الجنود خلال تنفيذهم مهامهم بدعوى أن ذلك قد يؤثر سلبًا على معنويات الجنود ومواطني “إسرائيل“”.
كما سيمنع القانون بث هذه الصور في وسائل الإعلام التقليدية أو نشرها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وقد يتعرض من يقوم بذلك للسجن خمس سنوات.
وكتبت الصحيفة افتتاحيتها تحت عنوان “قانون حماية أليئور أزاريا”، وهو الجندي الذي أطلق النار على رأس الفلسطيني عبد الفتاح الشريف فقتله رغم أنه كان مصابًا بعدة رصاصات وملقى على الأرض جنوبي الضفة، وذلك قبل عامين، وتم توثيق عملية إطلاق النار من ناشط بالفيديو.
بحسب “هآرتس”، فإن الهدف من هذا القانون واضح وهو اعتبار المنظمات الحقوقية – مثل بتسيلم والمركز الإسرائيلي للمعلومات عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة – المجرم الحقيقي وليس الجندي أزاريا الذي أطلق سراحه، وذلك تمهيدًا لمنع “إسرائيل” من المحاسبة على جرائمها.
طالبت نقابة الصحافيين الفلسطينيين، الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية ذات العلاقة بحرية العمل الصحفي، ممارسة الضغوط على دولة الاحتلال لإلزامها بمواءمة “قوانينها” بما يتفق مع الشرائع والمواثيق الدولية
نقابة الصحافيين الفلسطينيين أصدرت بيانًا في 26 من مايو/أيار تعبر فيه عن رفضها للقانون، واصفة إياه بالعنصري، مؤكدة أنه يوجه ضربة قاسية لمهنة الصحافة، ويشرعن الممارسات الإجرامية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، ومحاولة للإفلات من العقاب والعدالة الدولية.
وطالبت الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية ذات العلاقة بحرية العمل الصحفي، ممارسة الضغوط على دولة الاحتلال لإلزامها بمواءمة “قوانينها” بما يتفق مع الشرائع والمواثيق الدولية، وعدم المس بحرية العمل الصحفي ودور الصحفيين الأساسي في كشف الحقيقة وتوثيقها.
واعتبر عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين عمر نزال، أن هذا القانون مس خطير بالعمل الصحفي ويهدد العمل الصحفي بمجمله لأن منع التصوير بمثابة إعلان منع العمل وفيه مس مباشر بالصحفيين.
ورأى نزال أن الأخطر في مشروع القانون المقدم من حزب وزير جيش الاحتلال ليبرمان حظر تصوير نشاطات جنود الاحتلال التي تتعلق بممارسات ضد الشعب الفلسطيني ومنعهم من القيام بمهمة كشف وتوثيق جرائم الاحتلال.
وأشار إلى أن كاميرات الصحفيين أزعجت الاحتلال وكشفت وحشية الجرائم التي يرتكبها التي حدت بمقدمي هذا المشروع العنصري لتقديمه وينبئ بجرائم إسرائيلية جديدة لا يريد الاحتلال لها أن تخرج للعلن.
أكد المختص في الشأن الإسرائيلي مأمون أبو عامر، أن القانون يسعى إلى منع أي صحافي أو مواطن من تصوير أي نشاط للجيش الإسرائيلي أو نشره
في ذات السياق قالت وزارة الإعلام الفلسطينية: “تبرير الاحتلال لمناقشة القانون، والادعاء بأن الصحافيين يؤثرون سلبًا على معنويات الجنود، وفرض عقوبة 10 سنوات عليهم، ومنع بث الصور في وسائل الإعلام التقليدية أو نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تثبت أن البرلمان الإسرائيلي وقوانينه وقادة جيشه يمنحون الجنود رخصة لتكرار جرائم قتل الصحافيين، ويطلقون اليد لتنفيذ المجازر وانتهاك أبسط حقوق الإنسان”.
وأكد وكيل وزارة الإعلام الفلسطينية فايز أبو عطية، أن القانون يهدف إلى منع مراقبة الجنود وكشف ما يقومون به من انتهاكات وجرائم ضد الشعب الفلسطيني، خصوصًا أنه يتزامن مع تزايد تلك الانتهاكات في حقّ المتظاهرين السلميين على الشريط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة و”إسرائيل”، إذ قتل الجنود منذ انطلاق مسيرات العودة الكبرى في 30 من مارس/آذار الماضي ما يقارب الـ121 مواطنًا، وأصابوا الآلاف.
هروب من المحاكم
من المؤكد إذا أن القانون عبارة عن تحريض للجنود الإسرائيليين وتشجيع لهم على ارتكاب المزيد من عمليات القتل والجرائم، من دون محاسبة، ويسعى لتوفير حماية لهم من العدالة الدولية ويدلل على السياسة الإسرائيلية التي لا تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني.
كما أن القانون يشكل انتهاكًا صارخًا لقرار مجلس الأمن الدولي 2222 الداعي إلى توفير حماية للصحافيين، والرافض لمنع إفلاتهم من العقاب، حاثًّا الاتّحاد الدولي للصحافيين على التحرك لدى برلمان العالم الحرّ لمنع إقراره.
بحسب “إسرائيل”، فإن تبريرها للقانون جاء بسبب أن دولة الاحتلال تواجه منذ سنوات “ظاهرة مقلقة”، تتمثل في “توثيق جنود الجيش الإسرائيلي، بواسطة تصوير فيديو أو تسجيلات صوتية من منظمات معادية لـ”إسرائيل” وداعمة للفلسطينيين
لكن صحفيون فلسطينيون أكدوا أن “الصحافي الفلسطيني لن تثنيه تلك القوانين عن ممارسة عمله وواجبه في كشف الجرائم الإسرائيلية”. كما أكد أبو عيطة أن وزارة الإعلام ستتخذ الطرق والسبل كافة لمواجهة القانون، عبر التواصل مع المؤسّسات الحقوقية والصحافية، كما ستعمل على كشف فضائح الانتهاكات التي يتعرض إليها الشعب الفلسطيني من جيش الاحتلال الإسرائيلي، وجرائمه، ونشرها إعلاميًا وأمام المحاكم الدولية والجنائية.
من ناحيته، أكد المختص في الشأن الإسرائيلي مأمون أبو عامر، أن القانون يسعى إلى منع أي صحافي أو مواطن من تصوير أي نشاط للجيش الإسرائيلي أو نشره، مما يعني أن “إسرائيل” تريد أن تحدد ما ينشر وما لا ينشر على وسائل الإعلام، فيما يتعلق بجيشها، لافتًا إلى أن هذا القانون جاء على خلفية الصور والفيديوهات التي توضح فضائح سلوك الجيش الإسرائيلي ضد المتظاهرين في قطاع غزّة.
وقال أبو عامر إن “إسرائيل تريد أن تجرّم قانونيًا عمل توثيق جرائم جيشها لكي يفلت من الملاحقة الدولية”. مبينًا أن البُعد السياسي للقانون هو منع إظهار جيشها إعلاميًّا كقاتل همجي يستهدف الأبرياء العزل، وكشف زيف الدعاية الإسرائيلية التي تروج إلى أنها تحارب الإرهاب، أما القانوني فهو حمايته من المحاسبة والملاحقة في المحافل الدولية، مضيفًا: “لا يحق لـ”إسرائيل” فرض قوانينها على الأراضي الفلسطينية، لأنها غير تابعة إليها”.
زعم معدو الاقتراح أن توثيق الجنود يتم في الغالب من خلال “التشويش على التحركات الجارية لجنود الجيش، وفي بعض الأحيان توجيه التهم والإهانات لهم”
وبحسب “إسرائيل”، فإن تبريرها للقانون جاء بسبب أن دولة الاحتلال تواجه منذ سنوات “ظاهرة مقلقة”، تتمثل في “توثيق جنود الجيش الإسرائيلي، بواسطة تصوير فيديو أو تسجيلات صوتية من منظمات معادية لـ”إسرائيل” وداعمة للفلسطينيين”، مثل “بتسيليم” و”نساء حاجز واتش” و”نكسر الصمت” وحركة مقاطعة “إسرائيل” وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) .
وجاء أيضًا في التبرير، أنه في حالات كثيرة، فإن ناشطي هذه المنظمات يقضون أيامًا كاملة بالقرب من الجنود الإسرائيليين في انتظار عمل “يسمح بتوثيق منحاز ومغرض”، على حد زعم مقدمي اقتراح القانون.
كما زعم معدو الاقتراح أن توثيق الجنود يتم في الغالب من خلال “التشويش على التحركات الجارية لجنود الجيش، وفي بعض الأحيان توجيه التهم والإهانات لهم”. وادعوا أيضًا أن غالبية هذه المنظمات تتلقى دعمًا من جمعيات وحكومات ذات أجندة معادية لـ”إسرائيل”، وتستخدم هذه المضامين للمس بـ”إسرائيل” وأمنها