منذ أربعينيات القرن الماضي، عرفت القضية الأمازيغية في الجزائر خاصة في منطقة القبائل الجبلية تحولات كبرى، قضية بدأت بالاحتجاجات السلمية والتحركات الميدانية في الداخل الجزائري والخارج وتشكيل كيانات موازية، وصولًا هذه المرة إلى الدعوة لحمل السلاح والتمرد على الدولة والسلطة المركزية.
تشكيل ميليشيات مسلحة
دعوة حمل السلاح وتشكيل ميليشيات مسلحة جاءت عن طريق رئيس الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل عن الجزائر (ماك) فرحات مهني، حيث قال في مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة البريطانية لندن، موجهًا كلامه لمؤيدي فكرة استقلال منطقة القبائل عن الجزائر: “حتى يصبح الاستقلال حقيقة، أنادي منطقة القبائل والشعب القبائلي لقبول تكوين جهاز حماية خاص بمنطقة القبائل”.
وتابع مهني الذي يتخذ من باريس مقرًا لمنظمته الانفصالية قائلًا: “لماذا أطلب منكم ذلك؟ لأنه من دون قوة لن نكون إلا شعراء نتغنى بآمالنا، نحن الآن كذلك، أنا الآن كذلك، لن نتحكم في واقعنا، لن نتمكن من حماية أبنائنا من الأمن الجزائري الذي يعتدي عليهم بالقوة كلما أرادوا الاحتجاج”.
تعد حركة “الماك” تنظيمًا سياسيًا يرفع مطالب انفصال منطقة القبائل عن الجزائر منذ سنوات
تقع منطقة القبائل شرق الجزائر العاصمة في منطقة أغلب تضاريسها جبلية تنفتح على البحر الأبيض المتوسط، وتضم 6 محافظات هي: تيزي وزو وبجاية وبومرداس والبويرة وسطيف وبرج بوعريريج، وكانت معقلًا لعدد من الثورات، يتحدث سكان هذه المنطقة الأمازيغية وتشهد تيارات مختلفة تطالب بالاعتراف بثقافتها ولغتها.
وأكد رئيس منظمة “ماك” أن هذه المنظمة المسلحة المزمع إنشاؤها يجب أن تحل محل المصالح الأمنية الحاليّة، إذ إنه يعتبر أن وجود السلطة الجزائرية في منطقة القبائل بمثابة استعمار يجب على سكان منطقة القبائل مقاومته بمختلف الطرق.
https://www.youtube.com/watch?v=Y7JvKNt7DQo
تعد حركة “الماك” تنظيمًا سياسيًا يرفع مطالب انفصال منطقة القبائل عن الجزائر منذ سنوات، ويملك التنظيم أنصارًا له في عدد من مدن منطقة القبائل، وكثيرًا ما تعبر هذه المنظمة عن موقفها المناهض للسلطة المركزية التي تعتبرها استعمارًا سياسيًا وثقافيًا وتسجل حضورها في مختلف الاحتجاجات السياسية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة من حين لآخر.
تدرج في المطالب
لم تكن الدعوة إلى حمل السلاح أولى حركات التمرد التي يقودها المغني السابق فرحات مهني، فقد سبق أن شكل سنة 2010 حكومة منفى تعمل من باريس، إلا أنها لا تلقى اعتراف أي دولة، وتهدف هذه الحكومة إلى استقلال منطقة القبائل التامة عن الجزائر، ولا تفوت حركة “الماك” التي يرأسها مهني أي فرصة سياسية لاستعراض حضورها في منطقة القبائل، في محاولة منها لاستمالة الإعلام وإبراز تمددها في المنطقة.
وتأسست حركة “الماك” عام 2002 على يد فرحات مهني الذي كان فنانًا يؤدي الأغنية الأمازيغية، وعمل في الجزائر لصالح القضية الأمازيغية وانخرط في صفوف الحركة الثقافية البربرية، اعتُقل بسبب مواقفه السياسية ثم انخرط في حزب “التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية” بعد عام 1988.
انتقلت أطروحة “الماك” من المطالبة بالأمازيغية إلى المطالبة بحكم ذاتي لمنطقة القبائل، ثم استقلال المنطقة
ويعرف مهني بمواقفه الغريبة والمعادية لهوية الجزائريين، حيث زار عام 2012 الكيان الإسرائيلي، والتقى مسؤولين في دولة الاحتلال وأعلن موقفه الداعم لـ”إسرائيل” وطالب بدعم من وصفهم بـ”الشرفاء في الكنيست”، وأدلى بتصريح جاء فيه “نحن في بيئة معادية، كلا البلدين (يقصد دولة الاحتلال ودولته المزعومة) يشتركان في الطريق نفسها، ولكن “إسرائيل” موجودة بالفعل وهذا هو الفارق الوحيد”، وتعهد بفتح سفارة إسرائيلية في دولته حين إقامتها، وحاول بعدها الحصول على دعم من المغرب قبل أن يعلن الأخير رفضه التعامل معه مجددًا بسبب الخوف من انتقال فكرة الانفصال إلى أمازيغ المغرب.
وانتقلت أطروحة “الماك” من المطالبة بالأمازيغية إلى المطالبة بحكم ذاتي لمنطقة القبائل، ثم استقلال المنطقة وإعلان حكومة ووضع علم خاص بالحركة لا علاقة له بالعلم الأمازيغي الشهير الذي يُرفع في كل البلاد المغاربية والذي هو علم ثقافي مغاربي يشير إلى البُعد الأمازيغي، على عكس علم حركة الماك الذي هو علم سياسي وفقًا لعدد من المحللين.
صمت رسمي
دعوة مهني لرفع السلاح قابلتها السلطات الجزائرية بصمت، حيث لم تعقب عليها ولم تبد أي اهتمام كان، ويفسّر عدد من الخبراء هذا الصمت برغبة السلطات في تجاهل فرحات مهني وعدم إعطائه أي اهتمام حتى لا تقوى فكرته.
فضلًا عن ذلك، تبدو السلطات الجزائرية من خلال هذا الصمت مطمئنة إلى ضعف تأثير “الماك” على سكان المنطقة في الوقت الحاليّ، ذلك أن نظام عبد العزيز بوتفليقة سحب البساط من هذا التنظيم بعد أن استجاب لمعظم مطالب الأمازيغ التي ينادون بها منذ سنوات.
فيما يبرر البعض من المتابعين للشأن الجزائري، هذا التساهل برغبة السلطة في تجنب تأزيم الوضع في المنطقة وتلافي خلق حالة توتر جديدة، وعدم الوقوع في فخ الاستدراج نحو المواجهة مع هذه الحركة، بما يعطيها فرصة لتدويل موقفها، خاصة أن منطقة القبائل تعرف بطابعها المتمرد.
تقول السلطات الجزائرية إنها استجابت لمعظم مطالب الأمازيغ
ينقسم الأمازيغ في الجزائر بحسب باحثين إلى عدة مجموعات منفصلة جغرافيًا، وهم القبائل في منطقة القبائل والشاوية في منطقة الأوراس والمزاب (المجموعة الأمازيغية الوحيدة ذات المذهب الإباضي) في منطقة غرداية والطوارق في الجنوب والشناوة في منطقة شرشال، وهناك مجموعة بربرية أخرى قرب مدينة ندرومة على الحدود مع المغرب، وتتميز لهجتها بقربها الكبير من الشلحية وهم أمازيغية الشلوح في المغرب.
يذكر أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قام بترقية اللغة الأمازيغية إلى لغة وطنية في تعديل دستوري عام 2001 وأصحبت مادة تعليمية ولها نشرات خاصة في التليفزيون الحكومي، وفي سنة 2016 جعل التعديل الدستوري اللغة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية مع تنصيصه على إنشاء الأكاديمية الجزائرية للغة الأمازيغية تابعة لرئيس الجمهورية، وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي أقر بوتفليقة بجعل رأس السنة الأمازيغية الموافق لـ12 من يناير/كانون الثاني يوم عطلة رسمي، كما أمر بالعمل على تعميم اللغة الأمازيغية.
رفض أمازيغي
يعول مهني كثيرًا على معاناة الأمازيغ للترويج لأفكاره الانفصالية، غير أنه كثيرًا ما يجد صدًا من الأمازيغيين أنفسهم، ذلك أن الحديث عن وجود تأثيرات لهذه الحركة الانفصالية ما زال محدودًا في الجزائر مع استجابة السلطات لمعظم مطالبهم.
ويعتقد الكثير من المتابعين لتطور الحراك الأمازيغي في الجزائر أن دعوة مهني لن تجد صدى لدى الأمازيغ، حيث يعترض أغلب سكان منطقة القبائل على نشاط حركة “الماك”، ويعتبرون أن مطلبها بانفصال منطقة القبائل عن الجزائر وهم سياسي تغذيه أطراف دولية، وقد زادت علاقات حركة “الماك” بـ”إسرائيل” من الرفض الشعبي لها.
يعتبر الكثير من الأمازيغيين أن فكرة الانفصال فكرة دخيلة
وتعارض الأحزاب السياسية الكبرى التي تمثل المنطقة – خصوصًا حزب “جبهة القوى الاشتراكية” الذي تأسس عام 1963 وحزب “التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية” – نشاط الحركة التي تحاول التمركز في جامعات منطقة القبائل، وتعتبر أنها نوع من التطرف.
ويعتبر الكثير من الأمازيغيين أن فكرة الانفصال فكرة دخيلة، وينظرون بعين الريبة إلى فرحات مهني، حيث سبق أن خرج الآلاف من الأمازيغيين للاحتفال بذكرى الربيع الأمازيغي بمدينة تيزي وزو معقل الأمازيغ، رافعين لافتات تعبر عن تمسكهم بالهوية الأمازيغية في بعدها الوطني.