ترجمة وحرير: نون بوست
خلال الشهر الماضي، وعلى أطراف قرية البقع التابعة لمحافظة الحديدة اليمنية، وقف المقاتلون اليمنيون مرتديين مزيجا بين الزي العسكري والمعوز في تشكيلة مترامية الأطراف على طول الطريق السريع الرئيسي المحاذي لمياه البحر الأحمر التي تتمتع بزرقة ساطعة. وعموما، يتكوّن المعوز من تنورة تقليدية يلفها الرجال اليمنيون حول الخصر.
كان المقاتلون، الذي ينضوون تحت ما يعرف بالمقاومة الوطنية اليمنية، قد ضموا إلى صفوفهم عناصر من مقاومة تهامة، الذين أضنتهم وأتعبتهم الحرب بعد مرور سنوات من القتال. كما انضم تحت لواء هذه المقاومة الحرس الجمهوري الذي انتشر مؤخرا والذي يخضع لقيادة ابن أخ علي عبد الله صالح، الرئيس السابق لليمن الذي حكم البلاد لمدة 33 سنة.
جنبا إلى جنب مع اليمنيين الجنوبيين والسلفيين المحافظين للغاية والقوات السودانية، تحالفت الجماعات الآنف ذكرها مع الولايات المتحدة الأمريكية بحكم الواقع في حربهم ضد الحوثيين. وقد حارب الحوثيون، وهم جماعة متمردة حليفة لإيران، منذ سنة 2015، التحالف المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية والمتكون من 10 دول بقيادة كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
منذ تكثيف الإمارات العربية المتحدة لدعمها للتحالف اليمني عقب مقتل صالح في كانون الأول/ديسمبر، حقق مقاتلو التحالف تقدما سريعا. وقد ساعد صالح، الذي اعتبر حليفا للولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج لفترة طويلة، الحوثيين على الاستيلاء على العاصمة اليمنية خلال سنة 2014. في المقابل، في أواخر سنة 2017، غيّر صالح من استراتيجيته، حيث أعلن ولاءه للتحالف وأشعل فتيل الحرب مع الحوثيين الذين قضوا عليه إثر ذلك.
يتجه مقاتلون تابعون لمقاومة إقليم تهامة شمالا، نحو قرية البقعة التابعة لمحافظة الحديدة والخاضعة لسيطرة الحوثيين، في 15 أيار/مايو سنة 2018.
عقب ذلك، هرب البعض ممن تبقى من الموالين للرئيس اليمني السابق، بمن فيهم ابن أخيه طارق، من أراضي الحوثيين. وسواء كان ذلك سعيا للانتقام أو لمصلحة سياسية، انضم طارق إلى التحالف لقتال الحوثيين محضرا معه قوات جديدة بما في ذلك مجموعة صغيرة من الجنود من عناصر الحرس الجمهوري السابق لصالح، وهي وحدة عسكرية حصلت على الدعم الأمريكي سابقا.
في هذا الإطار، قامت الإمارات العربية المتحدة بتدريب المجندين الجدد، كما وفرت إمدادات مهمة من ناقلات الجنود المدرعة ودبابات جديدة لكسر الجمود على الخط الأمامي غربيّ اليمن. وقد صرح قائد ميداني “للإنترسبت” أنهم يتلقون أوامرهم من الإماراتيين. بعد ذلك، اتجه نحو الباب المفتوح لشاحنته ليلتقط اللاسلكي حتى يتمكن من طلب الدعم الجوي بينما يتقدم رجاله نحو قرية البقع تحيط بهم مركبات عسكرية إماراتية جديدة.
خلال الأسبوعين الأخيرين، تمكن المقاتلون اليمنيون من الظفر بحوالي 50 ميلا أخرى، إذ لم تبطئهم سوى آلاف الألغام الأرضية التي زرعها الحوثيون المنسحبون الذين أبدوا مقاومة ضئيلة. وبحلول هذا الأسبوع، حط المقاتلون اليمنيون الرحال في مديرية الدرهيمي، التي تبعد 10 أميال عن هدفهم النهائي؛ ألا وهو ميناء مدينة الحديدة الذي كان تحت سيطرة الحوثيين منذ سنة 2017.
أفاد جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمجموعة الأزمات الدولية، قائلا: “لا يمكن لهذه القوات أن تهزم الحوثيين دون مساعدة الإمارات العربية المتحدة، ولا يمكن لدولة الإمارات أن تقوم بذلك أيضا دون الحصول على موافقة ودعم الولايات المتحدة الأمريكية”.
في الواقع، لا يستطيع مقاتلو المقاومة الوطنية اليمنية الذين يسعون للاستيلاء على الحديدة القيام بذلك بمفردهم. ويوضح الوقت الذي يمضيه المقاتلون على الخط الأمامي أنهم يعتمدون على القوات الجوية التابعة للتحالف إلى جانب الدعم البري الذي تقدمه الإمارات العربية المتحدة.
في هذا السياق، صرح مسؤول أمريكي سابق رفيع المستوى في البيت الأبيض “للإنترسبت” أن العديد من المسؤولين الأمريكيين أشاروا إلى تصريح الإمارات بشأن عدم عزمها على مهاجمة الحديدة دون الدعم الأمريكي. وقد أفاد جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمجموعة الأزمات الدولية، قائلا: “لا يمكن لهذه القوات أن تهزم الحوثيين دون مساعدة الإمارات العربية المتحدة، ولا يمكن لدولة الإمارات أن تقوم بذلك أيضا دون الحصول على موافقة ودعم الولايات المتحدة الأمريكية”.
إلى حد الآن، لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية راغبة في دعم “غزو” مماثل، إلا أن التقارير الأخيرة تشير إلى إمكانية تغير موقفها. وفي هذا الصدد، صرّح مسؤول أمريكي بارز مجهول الهوية لصحيفة وول ستريت جورنال قائلا: “لدينا أشخاص محبطون ومستعدون للقيام بذلك. لقد راودنا هذا الأمر لفترة طويلة. ينبغي تغيير الديناميكية، وإذا ما ساعدنا الإماراتيين على القيام بذلك بشكل أفضل، قد يكون هذا الأمر جيدا”.
يتوقع مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة تهجير 340 ألف شخص إذا ما وصل القتال إلى محافظة الحديدة
في الواقع، تدحض هذه اللهجة المتعجرفة العواقب الكارثية المحتملة لهجوم مماثل. علاوة على ذلك، يعتبر ميناء الحديدة وسيلة بالغة الأهمية لإدخال الإمدادات الإنسانية وواردات الأغذية التجارية إلى البلاد على الرغم من القيود الصارمة التي فرضتها المملكة العربية السعودية على غرار فرض حظر على دخول شحنات الحاويات إلى ميناء الحديدة.
في هذا السياق، يتوقع مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة تهجير 340 ألف شخص إذا ما وصل القتال إلى محافظة الحديدة. وسيؤدي هذا الأمر إلى زيادة عدد النازحين داخل اليمن البالغ حاليا ثلاثة ملايين شخص منذ تدخل التحالف السعودي في اليمن في آذار/مارس سنة 2015.
من جهة أخرى، أفاد عبدي محمد، مدير مكتب اليمن في منظمة “ميرسي كوربس”، أن أي عرقلة لشريان الحياة الحيوي هذا سيكون بمثابة حكم بالإعدام على الملايين من اليمنيين. وأضاف عبدي محمود قائلا: “تضخمت الاحتياجات الإنسانية بشكل كبير حاليا. ويمكن لتعطيل ميناء الحديدة أن يقتل أية آمال في تجنب كارثة إنسانية أكبر”.
مدنيون يفرون من القتال مع قيام التحالف السعودي الإماراتي بتزويد المقاتلين اليمنيين بناقلات جنود مدرعة من أجل السيطرة على قرية البقعة في محافظة الحديدة في 15 أيار/مايو سنة 2018.
في الحقيقة، يعتبر نجاح القوات المدعومة من المملكة العربية السعودية، في محاولة للاستيلاء على الحديدة، أمرا غير مضمون. ووفقا لتحليل عسكري أمريكي قد عاينه “الإنترسبت”، قد يبطئ افتقار اليمنيين للإرادة، مقترنا بحلول شهر رمضان المبارك، الذي يمتد من منتصف أيار/مايو إلى منتصف حزيران/يونيو والذي يجب فيه الصيام من شروق الشمس إلى غروبها، الهجوم. وعموما، أوردت القوات القابعة في الخطوط الأمامية “للإنترسبت” خلال ليلة رمضان أنهم كانوا مترددين بشأن القتال خلال الشهر الفضيل.
من جانب آخر، تسلط الوثائق العسكرية التي اطلعت عليها صحيفة “الإنترسبت” الانتكاسات الأخيرة التي شهدها المقاتلون المدعومون من قبل الإمارات العربية المتحدة عند محاولتهم التقدم شرقا نحو مدينة تعز، التي يسيطر عليها الحوثيون جزئيا. وتشير الوثيقة إلى أن “العمليات شرق المخا التي ذكرها الحرس الرئاسي الإماراتي لم تسر كما هو مخطط لها وأسفرت عن العديد من الإصابات”.
بالإضافة إلى ذلك، ذكرت الوثائق شن قوات النخبة الإماراتية لهجوم ضد الحوثيين في نفس المنطقة من ساحل البحر الأحمر. كما أشارت هذه الوثائق أيضا إلى تعرض الإماراتيين للقصف وإلى معاناتهم من مشكلة استخدام الأسلحة وتعطلها، حيث وصفوا المعركة في وقت لاحق بأنها “جهنمية”. وعلى الرغم من تعهد الإمارات العربية المتحدة بعدم القيام بالتقدم الأخير في الحديدة دون موافقة أمريكية، ادعى مسؤولون إماراتيون عدم سيطرتهم على أفعال القوات الوكيلة. وفي الحقيقة، أثار هذا التصريح القلق بشأن تقدم القوات المناهضة للحوثيين في المدينة دون إذن.
يبدو أن أي تقدم عسكري أخير نحو الحديدة يعتمد على نجاح مارتن غريفيث، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن
في شأن ذي صلة، يتناقض هذا الأمر مع المشهد الذي وقع على خط المواجهة خلال الشهر الماضي والذي يشير إلى أن المقاتلين اليمنيين لا يتحركون دون أوامر إماراتية. في خذا الصدد، صرح الجنود لصحيفة “الإنترسبت” أن الإمارات العربية المتحدة هي التي تدفع لهم أجورهم. علاوة على ذلك، أفاد الجنود أن بعض مقاتلي المقاومة تصلهم مبالغ نقدية يومية إضافية، حيث تُحمل إليهم في أكياس بلاستيكية إلى خط الجبهة.
أقر أكثر من ستة قادة ميدانيين تلقيهم لأوامر من الإماراتيين، على رأسهم كبار الضباط الإماراتيين المتمركزين على ساحل البحر الأحمر. ووفقا لما أفاد به هيلترمان، تعد قوة تسلسل القيادات الإماراتية مهمة. ويرجع ذلك إلى أن فكرة عدم سيطرة الإماراتيين والأمريكيين على المقاتلين، تفتح المجال أمام هذه الدول “للإنكار العقلاني” في حال وقوع هجوم.
على صعيد آخر، يبدو أن أي تقدم عسكري أخير نحو الحديدة يعتمد على نجاح مارتن غريفيث، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، الذي وصل إلى العاصمة صنعاء في الثاني من حزيران/يونيو في إطار زيارة تستغرق أربعة أيام. وعلى العموم، يقوم غريفيث بمحاولة حاسمة للتوصل إلى حل ديبلوماسي لتفادي حرب وشيكة من خلال عقد اتفاق مع الحوثيين للانسحاب وقبول مقترح وضع الميناء إما تحت إشراف الأمم المتحدة أو تحت الإشراف الدولي.
مع وجود القوات على مشارف المدينة، تتصاعد وتيرة الضغط. فقد شهد المتساكنون بالحديدة ليلة الخميس حضورا مكثفا لمركبات الحوثيين في أجزاء عديدة من المدينة. علاوة على ذلك، يمكن سماع أصوات نيران مدفعية ناتجة عن قتال قريب في وسط المدينة. وتجدر الإشارة إلى أنه من شأن الاتفاق بين الطرفين أن يمهد الطريق لمزيد من المفاوضات السياسية. في المقابل، قد يقود الفشل إلى اندلاع صراع مدمر وطويل الأمد من أجل السيطرة على الحديدة.
ذكرت بعض التقارير وجود خطة سلام أممية منفصلة، لم يكشف عنها النقاب بعد، تتضمن التوجه بالنداء للحوثيين من أجل التخلي عن صواريخهم الباليستية مقابل إنهاء الغارات الجوية التي يشنها التحالف الإماراتي السعودي
ومن أجل أن تكلل هذه الجهود السياسية بالنجاح، ينبغي على كلا الطرفين الاقتناع بأن هذه الحرب لا سبيل للفوز فيها عسكريا، وفقا لما أشار إليه هيلترمان. وبعد سويعات من مغادرة غريفيث اليمن، أطلق الحوثيون صاروخا باليستيا أرادوا من خلاله استهداف المملكة العربية السعودية.
في هذا الصدد، ذكرت بعض التقارير وجود خطة سلام أممية منفصلة، لم يكشف عنها النقاب بعد، تتضمن التوجه بالنداء للحوثيين من أجل التخلي عن صواريخهم الباليستية مقابل إنهاء الغارات الجوية التي يشنها التحالف الإماراتي السعودي. كما تشمل خطة الأمم المتحدة اقتراحا لإنشاء حكومة انتقالية بعد وقف إطلاق النار، إذ من المقرر أن يقدم مقترح اليمن بحلول منتصف حزيران /يونيو.
والجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية أنشأت التحالف في آذار/مارس سنة 2015 وأطلقت حملة قصف جوي في اليمن لردع الحوثيين الذين سيطروا على العاصمة صنعاء في أيلول/سبتمبر سنة 2015. ومنذ سنة 2015، حملت الإمارات العربية المتحدة على عاتقها مسؤولية جزء كبير من الحرب البرية، لا سيما في جنوبيّ وغرب البلاد.
يمنيون بصدد حمل جثة ضحية قُتلت في غارة جوية في مديرية الحالي في محافظة الحديدة، في الثاني من نيسان/أبريل سنة 2018
يحتاج أكثر من 22 مليون يمنيا، أي ثلاثة أرباع السكان، إلى المساعدات الإنسانية. ويضاف إلى هذا الوضع، القيود التي فرضها التحالف بقيادة سعودية إماراتية والحصار الكامل على المساعدات الإنسانية الذي فُرض في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ردا على إطلاق الحوثيين لصواريخ باليستية على المملكة العربية السعودية. بالإضافة إلى ذلك، يزعم مسؤولون سعوديون وجود عمليات تهريب لصواريخ إيرانية إلى اليمن عبر الحديدة على الرغم من نظام رقابة الذي تعتمده الأمم المتحدة لمراقبة السفن التي تصل إلى الميناء.
من جهتهم، أفاد قادة عسكريون متمركزون على الخطوط الأمامية في الحديدة، لصحيفة “الإنترسبت”، أن قواتهم خططت لقطع خطوط الإمداد ومحاصرة القوات الحوثية في المدينة بدلا من دخولها. في المقابل، قالت الإمارات العربية المتحدة إنه من الممكن أن يتغير هذا الوضع “في حال شُنّ هجوم على قواتها أو كان هناك أي نوع من أنواع الاستفزاز من داخل المدينة”. ويرجح استحالة التحقق من أي ادعاء بالتحريض خلال المعركة المقبلة.
في الواقع، أسفر الصراع في اليمن عن مقتل حوالي 28.033 شخصا منذ كانون الثاني/يناير سنة 2017 وتجويع حوالي 8.4 مليون نسمة. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 50 ألف طفل قضوا نحبهم خلال السنة الماضية جراء الجوع والأمراض التي يمكن الوقاية منها، وهو ما وصفته وكالات المعونة التابعة للأمم المتحدة “بأسوأ أزمة إنسانية في العالم”. وفي هذا السياق، حذّر عبدي محمد قائلا: “الحديدة ليست بيدقا سياسيا جُعل للمفاوضة والمتاجرة به. إنها بمثابة شريان الحياة الذي يعتمد عليه الملايين من اليمنيين البسطاء من أجل البقاء. ولا يمكن إطعام الناس المزايدات والغلو إذا ما جفت منابع المساعدات.
المصدر: الإنترسبت