فجر 10 أغسطس/ آب 2024، اصطفَّ المصلون النازحون في مصلى أعدّوه داخل مدرسة “التابعين” في حي الدرج وسط مدينة غزة لأداء صلاة الفجر، لكن أصواتًا عالية قاطعت تكبيرات المصلين، وعلت أعمدة الدخان المكان، وتناثر الركام والشظايا، قبل أن يستوعب من نجا ما حصل.
يواصل الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة على قطاع غزة من خلال قصف مراكز الإيواء التي تأوي نازحين، والتي كان آخرها المجزرة التي نفّذها في مدرسة التابعين بحي الدرج وسط مدينة غزة، والتي استشهد على إثرها أكثر من 100 فلسطيني وأُصيب 150 بجروح خلال أدائهم صلاة الفجر يوم السبت الماضي، في جريمة متكررة أمام العالم الصامت.
“جثث متفحمة وأشلاء متناثرة”، هكذا تصف المشهد الطفلة ليان الجعبري، التي تعيش مع عائلتها في مركز الإيواء بعد نزوح متكرر إثر قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي منزلهم، ليستقرَّ بهم الحال أخيرًا في مدرسة “التابعين” مع عدد كبير من النازحين الآخرين، بعد أن تقطعت بهم السبل ولم يجدوا مكانًا للمبيت ولا ملجأ يحتويهم من آلة القتل الإسرائيلية.
تقول ليان الجعبري لـ”نون بوست” إن والدها وشقيقها وخمسة من أفراد عائلتها استشهدوا أثناء أداء صلاة الفجر في مصلى المدرسة، وتروي الطفلة الجعبري أهوال ما شهدته بعدما ألقت طائرات الاحتلال عددًا من القنابل على المصلين أثناء أدائهم الصلاة دون سابق إنذار، ما أحدث انفجارات ضخمة.
وتضيف ليان أنها “كانت في القاعة داخل الغرفة برفقة والدتها أثناء حدوث الانفجار، وعندما خرجت وجدت جثامين محروقة وأشلاء متفحمة في منطقة المصلى، وتناثر بعضها في فناء المدرسة”.
أما أمّ خالد ياسر، شاهدة أخرى على المجزرة، فتروي في التفاصيل قبل قصف مصلى مدرسة التابعين أن طائرات الاحتلال الإسرائيلي حلقت بشكل مكثّف وعلى ارتفاع منخفض جدًّا في المنطقة، لافتة إلى أنه بعد ساعات حصلت ضربة قوية على المصلين أثناء تأدية الصلاة.
وتقول أمّ خالد ياسر في حديث يصحبه غصة لـ”نون بوست”، إنها بعد الاستهداف بشكل مباشر ركضت باتجاه المصلى حيث يوجد أبناؤها بين المصلين، حين تحول المكان إلى كتلة نار كبيرة وأشلاء متناثرة، ما جعلها تتوجه إلى المستشفى المعمداني بعد ساعات من البحث، لتجد ابنها بين الشهداء.
من جهته، يوضح عليان الزيتونية، أحد السكان المجاورين لمدرسة التابعين، أن “الانفجار الذي حدث في المدرسة أحدث نيرانًا كبيرة وانفجارًا ضخمًا جدًّا، ما جعلني أتوجّه إلى المسجد، ولم أتمكن من الدخول بسبب اشتعال النيران”.
واستطرد الزيتونية قائلًا إن “المصلين كانوا يؤدون صلاة الفجر في مصلى داخل مدرسة الإيواء التي تضم مدنيين فلسطينيين، ولا يوجد بها أي مسلح ولا مقاوم بين النازحين”.
وفي وقت القصف، كان إسماعيل سالم، أحد الناجين من المجزرة، يتوضأ حين تطايرت الشظايا وقطع الحجارة عليه ما تسبّب في إصابته، لينقذه عدد من الشبان الذين يسكنون بجوار المدرسة من تحت الركام.
ويضيف سالم: “كالعادة كل يوم أصلي الفجر في المصلى التابع للمدرسة، لكن في ذات اليوم تأخرت قليلًا في الوضوء، وفي تلك اللحظة كان الشيخ يقيم الصلاة وفي نصف الركعة الأولى سمعنا صوتًا ضخمًا، بعد ذلك لم أرَ أي شي، إلى أن صحوت في المستشفى”.
مجازر متكررة
يرتفع عدد المدارس المستهدفة باستهداف مدرسة التابعين في مدينة غزة، والتي تأوي نازحين، إلى 6 مدارس خلال 10 أيام فقط.
في 8 أغسطس/ آب أعلن جهاز الدفاع المدني الفلسطيني في القطاع استشهاد أكثر من 15 فلسطينيًا وإصابة العشرات بينهم أطفال ونساء، إثر استهداف طائرات حربية إسرائيلية لمدرستَي الزهراء وعبد الفتاح حمود، اللتين تأويان نازحين في حي التفاح شرق مدينة غزة.
وفي 4 أغسطس/ آب استهدفت طائرات حربية إسرائيلية مدرستَي النصر وحسن سلامة في حي النصر (غرب مدينة غزة)، استشهد على إثرها 30 فلسطينيًا وأصيب العشرات 80% منهم أطفال.
وفي 3 أغسطس /آب استهدف الاحتلال الإسرائيلي مدرسة حمامة في حي الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة، ما أسفر عن استشهاد 17 فلسطينيًا وإصابة آخرين.
وفي 1 أغسطس/ آب قضف الاحتلال الإسرائيلي مدرسة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، ما أدّى إلى استشهاد 15 فلسطينيًا بينهم طفلان.
استهداف متعمَّد لمراكز الإيواء
بحسب توثيق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن الاحتلال الإسرائيلي استهدف 172 مركز إيواء منذ اندلاع الحرب، من بينها 152 مدرسة تابعة للأونروا وحكومية وخاصة مأهولة بالنازحين، وقد تجاوز عدد الشهداء من النازحين داخلها أكثر من 1040 شهيدًا.
وذكرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، أن الاحتلال الإسرائيلي قصف أكثر من 200 مركز إيواء ومدرسة وتجمعات خيام كان يتخذها نازحون ملجأ لهم، بعد أن أُجبروا على مغادرة منازلهم ومناطقهم السكنية التي تعرضت للقصف والتدمير والاجتياحات البرية في مختلف مناطق قطاع غزة، من بينها 190 مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”.
وتشير الهيئة إلى أن المدارس كانت تضمّ الآلاف من النازحين قسرًا، حيث تمّ تدمير هذه الأماكن، وإعادة تهجير النازحين من جديد، للبحث عن أماكن أخرى وموارد للحياة مفقودة، في ظلّ مواصلة العقوبات الجماعية وإغلاق المعابر ومنع وإعاقة دخول المساعدات الإنسانية، وتدمير الخدمات الصحية وآبار المياه ومحطات الصرف الصحي وفق سياسة ممنهجة.
وتقول الهيئة إن “الاحتلال الإسرائيلي يهدف إلى القتل والترويع والتجويع والتعطيش، وجعل قطاع غزة غير قابل للحياة، ومواصلة فرض وتعميق الإنهاك والهلاك للسكان المدنيين الذين باتوا يعيشون ظروف جحيم وكارثة إنسانية تتفاقم كل لحظة، جرّاء استمرار حرب الإبادة الجماعية من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي وعجز المجتمع الدولي عن وقفها”.
ووفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد بلغ عدد الشهداء منذ السابع من أكتوبر أكثر من 39 ألف فلسطيني، ما يشكّل نسبته 1.8% من إجمالي سكان قطاع غزة، منهم حوالي 24% من الشباب، مشيرًا إلى أن عدد الشهداء نتيجة المجاعة بلغ 34 شهيدًا، وهناك حوالي 3 آلاف و500 طفل معرضون للموت بسبب سوء التغذية ونقص الغذاء.