يعيش الوزير الأول الجزائري أحمد أويحيى هذه الأيام وضعًا لا يُحسد عليه بسبب قراراته وتصريحاته التي لقيت معارضة من طرف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بسبب زيادات في رسوم الوثائق الإدارية، ومن منظمة المجاهدين بسبب موقفه الداعم لإقامة علاقات اقتصادية مع الأقدام السوداء (المستوطنين الفرنسيين في فترة الاحتلال).
ويصنع أويحيى في كل المرة الجدل في البلاد بسبب تصريحاته التي تكون صريحة حسب البعض ومستفزة حسب آخرين، وهو ما يضعه في مواجهة مرة مع معارضيه وأخرى مع جهات في السلطة التي يقول إنه يظل “خدامها” وابنها المطيع.
بوتفليقة يحرج وزيره الأول
للمرة الثانية قبل عام على تسميته وزيرًا أول، يجد أويحيى نفسه في مواجهة مع الرئيس بوتفليقية، فبعد قراره الداعم لخصخصة المؤسسات العمومية، أصدر الوزير الأول بيانًا يبرر الزيادة في الرسوم المفروضة على الوثائق الإدارية البيومترية.
وفي 24 من مايو/أيار الماضي أصدرت الوزارة الأولى بيانًا تعلن فيه التسعيرات الجديدة المطبقة على الوثائق الإلكترونية وقالت إنها تعكس سعر التكلفة.
وأوضحت إدارة أحمد أويحيى أن المؤسسة التابعة لوزارة الداخلية التي أنجزت الوثائق قدمت أسعار تكلفة كل وثيقة من هذه الوثائق، حيث تم من هذا المنطلق تحديد تكلفة بطاقة التعريف الوطنية البيومترية الإلكترونية بمبلغ 2000 دينار، وسيتم استصدارها مقابل مبلغ 2500 دينار (21 دولارًا).
وزير الداخلية والجماعات المحلية نور الدين بدوي الذي أعدت دائرته الوزارية هذه الأسعار قال إنها مجرد مشروع قانون، في حين أن إدارة أويحيى كانت تتحدث عن إقرار شبه رسمي لهذه الزيادات
وأضافت “بالنسبة لجواز السفر البيومتري الإلكتروني، فإن كلفته قدرت بمبلغ 6000 دينار بالنسبة للنموذج المتكون من 28 صفحة وسيسلم مقابل مبلغ 10 آلاف دينار(84 دولارًا)، وبمبلغ 12 ألف دينار بالنسبة للنموذج المتكون من 48 صفحة وسيسلم مقابل مبلغ 50 ألف دينار”.
وأوضحت أن إعداد جواز السفر وفق الإجراء الاستعجالي ستترتب عنه كلفة أكثر ارتفاعًا، حيث سيسلم جواز السفر من 28 صفحة بمبلغ 25 ألف دينار، وجواز السفر المتكون من 48 صفحة بمبلغ 60 ألف دينار، حيث سينتج عن ذلك سعر تسليم بمبلغ 50 ألف دينار و150 ألف دينار (1250 دولارًا) حسب النموذج.
وحددت كلفة إعداد رخصة السياقة البيومترية الإلكترونية بمبلغ 10 آلاف دينار (84 دولارًا)، وكلفة بطاقة ترقيم السيارات بمبلغ 20 ألف دينار.
لكن وزير الداخلية والجماعات المحلية نور الدين بدوي الذي أعدت دائرته الوزارية هذه الأسعار قال إنها مجرد مشروع قانون، في حين أن إدارة أويحيى كانت تتحدث عن إقرار شبه رسمي لهذه الزيادات.
ويُطرح بدوي في الأوساط السياسية ومن بعض التحليلات الصحفية كاسم مرشح لخلافة أويحيى على رأس الوزارة الأولى كلما عادت إشاعات قيام الرئيس بوتفليقة بتعديل وزاري.
وقالت الوزارة الأولى إن الانتقادات بشأن المساس بالقدرة الشرائية للمواطنين غير مؤسسة، لأن بطاقة التعريف الوطنية وجواز السفر ورخصة السياقة وبطاقة ترقيم السيارات كلها وثائق تستمر مدة صلاحيتها 10 سنوات على الأقل، وبالتالي فإن سعر تسليم كل وثيقة من هذه الوثائق بعد رفع مدة صلاحيتها يصبح سعرًا زهيدًا أما جواز السفر من 48 صفحة الذي يعد وفق الإجراء الاستعجالي، فإنه وثيقة موجهة لرجال الأعمال الذين لن يجدوا أي مشكل لتسوية هذا المبلغ.
جاء في بيان مجلس الوزراء “خلال مناقشة مشروع القانون هذا وفيما يخص رفع الحقوق المستحقة على بعض الوثائق الإدارية، قرر رئيس الجمهورية سحب كل زيادة مقترحة فيما يخص الوثائق الإدارية”
لكن هذه الزيادات لقيت استهجانًا من طرف الجزائريين خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، واتهموا الوزارة بالمتاجرة في وثائق المواطنين، في حين أن هذه الوثائق تدخل في واجبات الخدمة العمومية المطالبة أن تقوم بها الحكومة.
وسارع الرئيس بوتفليقة إلى احتواء هذا الاستهجان ووضع وزيره الأول في موقف حرج، وقرر في مجلس الوزراء الذي ترأسه الثلاثاء الماضي سحب كل زيادة مقترحة في الوثائق الإدارية.
وجاء في بيان مجلس الوزراء “خلال مناقشة مشروع القانون هذا وفيما يخص رفع الحقوق المستحقة على بعض الوثائق الإدارية، قرر رئيس الجمهورية سحب كل زيادة مقترحة فيما يخص الوثائق الإدارية”.
غضب الأسرة الثورية
الوزير الأول أحمد أويحيى المعروف بخطابه الصريح أحيانًا والمستفز أحيانًا أخرى، وجد نفسه هذه الأيام أيضًا وسط زوبعة انتقادات من طرف منظمة المجاهدين التي يتولى أمانتها العامة وزير المجاهدين الأسبق السعيد عبادو عضو حزب “التجمع الوطني الديمقراطي” الذي يقوده أويحيى الذي دعا في حفل توزيع جائزة أفضل مصدر جزائري إلى التوجه نحو الجالية الجزائرية المقيمة في مختلف أنحاء العالم التي يمكن أن تكون حلقة وصل في ترقية المنتجات الجزائرية، وكذا جاليات قدامى الجزائر في الخارج (الأقدام السوداء) التي يمكنها فتح أبواب لدخول الأسواق الخارجية.
لكن السعيد عبادو قال في بيان إن منظمته والمجاهدين والأسرة الثورية ترفض أي تطبيع مع الدولة الفرنسية دون اعتذار رسمي من السلطات الفرنسية.
حسب عبادو فإن أويحيى ومن سانده – مثل الأمين العام لحزب “جبهة التحرير” الحاكم جمال ولد عباس الذي حاول إيجاد تبرير لتصريحات الوزير الأول – تناسوا ما ألحقه الأقدام السوداء والمعمرون من مآسٍ بالشعب طيلة الحقبة الاستعمارية
وأضاف “الأمانة الوطنية لمنظمة المجاهدين لاحظت منذ مدة أن هناك تصريحات لا تبعث على الارتياح وتسيء إلى مكاسب الأمة وثوابتها وتنال من قيم ثورة نوفمبر 1954”.
وتابع عبادو قائلًا إن منظمته تستنكر مثل هذه التصريحات التي تمس بكرامة الشعب الجزائري وتسيء إلى تاريخ ثورته من مسؤولين في القيادة العليا، خاصة مع ما تناقلته وسائل الإعلام الوطنية في المدة الأخيرة من دعوة رجال الأعمال الجزائريين إلى التعامل مع الأقدام السوداء متجاهلين ما قام به هؤلاء من جرائم طيلة الاحتلال في حق الشعب الجزائري.
وحسب عبادو فإن أويحيى ومن سانده – مثل الأمين العام لحزب “جبهة التحرير” الحاكم جمال ولد عباس الذي حاول إيجاد تبرير لتصريحات الوزير الأول – تناسوا ما ألحقه الأقدام السوداء والمعمرون من مآسٍ بالشعب طيلة الحقبة الاستعمارية، وعلى وجه الخصوص في أواخر الثورة من تشكيل عصابات سرية إرهابية ارتكبت أبشع الجرائم وعاثت في البلاد فسادًا وتقتيلًا وتخريبًا.
ويبدو أن حزب أويحيى الذي ينتمي إليه عبادو لا ينوي التراجع عن موقفه رغم انتقادات منظمة المجاهدين، فقد قال الناطق الرسمي باسم التجمع الوطني الديمقراطي صديق شهاب في مقابلة مع صحيفة الشروق الجزائرية “كلام الوزير الأول جاء في سياق تشجيع المستثمرين الجزائريين على تصدير المنتج الجزائري والنهوض به، بعد سنوات من التخوف والتبعية إلى المحروقات، وهو التصور الذي رددناه طيلة 50 سنة دون جدوى، والآن أضحت عملية التصدير وتنويع واردات الجزائر من العملة الصعبة حتمية اقتصادية وتجارية واجتماعية، وهذا هو السياق الذي أتى به أويحيى ولا علاقة له بالأقدام السوداء”.
إن المتمعن في تصريحات أويحيى والفترة التي فصلت الرد عليه يرى أنه قد تكون للقضية خفايا غير معلنة
وأضاف شهاب “هذه ليست دعوة إلى طي صفحة الماضي لأن مشكلة الذاكرة والتاريخ وما اقترفته فرنسا الاستعمارية في الجزائر سيبقى ملفًا مفتوحًا، ومن حين إلى آخر يطفو إلى السطح، وهذه المشكلة في كثير من الأحيان تبقى حجر الزاوية التي ترتكز عليها العلاقات الفرنسية الجزائرية، وسيستمر الجزائريون في مطالبة فرنسا الاستعمارية بالاعتراف والاعتذار عما قاموا به من جرائم في حق الجزائريين، فحديث أويحيى يستثني من يحملون مواقف عدائية للجزائر، وسيبقى مشكل الذاكرة مفتوحًا بيننا وبين فرنسا إلى أن يصل إلى حل يرضي جميع الأطراف”.
مخاوف
إن المتمعن في تصريحات أويحيى والفترة التي فصلت الرد عليه يرى أنه قد تكون للقضية خفايا غير معلنة، فرد منظمة المجاهدين جاءت بعد قرار بوتفليقة المخالف لرؤية وزيره الأول رغم أن الحادثة كان قد مر عليها نحو أسبوع، ما جعل البعض يذهب حتى القول إنها حملة تستهدف شخص أحمد أويحيى الذي يبقى دومًا محل ريبة بسب إمكانية ترشحه للانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها في أبريل/نيسان 2019.
ويشكل أويحيى بالنسبة لكثيرين في دواليب السلطة في الجزائر خيارًا يمكن الرهان عليه لخلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يقود البلاد منذ 1999، حتى إن قال إنه لن يترشح لأي انتخابات يكون فيها منافسًا لبوتفليقة، وسيكون سعيدًا لو ترشح الأخير لفترة خامسة.
ولم يعلن بوتفليقة حتى اليوم نيته من عدمها في المكوث في كرسي الرئاسة لـ5 سنوات إضافية بعد 2019 رغم دعوته من حزبه جبهة التحرير الوطني للترشح من جديد، كما لم تعلن الشخصيات التي قد تبدو أكثر حظًا لمنافسته هي الأخرى ذلك، وهي في أغلبها رؤساء الحكومة في عهد بوتفليقة مثل أويحيى وعلي بن فليس وعبد العزيز بلخادم وأحمد بن بتور وعبد المجيد تبون.
حسب متابعين للمشهد السياسي الجزائري سواء قرر أويحيى خوض سباق الرئاسيات أم لا، فإن دهاءه قادر على تجاوز هذا الوضع الذي وجد نفسه فيه اليوم بسبب خلافه مع بوتفليقة وتصريحاته بشان الأقدام السوداء
وإن كان ترشح أويحيى منافسًا لبوتفليقة من الأمور المستبعدة حسب مراقبين، إلا أنه قد يكون مرشحًا لجناح غير ذلك الذي يدعم بوتفليقة حاليًّا في حال استجاب الرئيس الجزائري لدعوة مجموعة 14 التي تطالبه بوضع حد لمسيرته في قيادة البلاد بانتهاء ولايته الرئاسية الحاليّة.
وحسب متابعين للمشهد السياسي الجزائري سواء قرر أويحيى خوض سباق الرئاسيات أم لا، فإن دهاءه قادر على تجاوز هذا الوضع الذي وجد نفسه فيه اليوم بسبب خلافه مع بوتفليقة وتصريحاته بشان الأقدام السوداء، فالرجل عُرف دائمًا أنه ابن السلطة القادر على التأقلم والتكيف مع مختلف الظروف ومهما كانت، حتى لو هبت رياحها بما لا يشتهيه مركبه.