تشهد حرب 15 أبريل/ نيسان السودانية العديد من التحولات التي قد تضع البلاد على مسار جديد، حيث تقاسمت الأطراف المتنازعة (الجيش وقوات الدعم السريع) مناطق السيطرة العسكرية في ظل فشل كبير في المسار السياسي والإنساني.
منذ منبر جدة الأول الذي انطلق في 6 مايو/ أيار 2023 وحتى الآن، تسارعت التطورات على الأرض بالتصعيد العسكري لقوات الدعم السريع، الذي سرّع وتيرة هجومه على مدينة الفاشر من جهة، والقصف المدفعي في ولاية الخرطوم من جهة أخرى، إلى جانب الانتشار الواسع وسط السودان.
في الأسابيع الأخيرة، بدأت العديد من التحركات الإقليمية والدولية لاحتواء النزاع، من مفاوضات جنيف غير المباشرة بشأن الملف الإنساني، إلى جانب مؤتمر القاهرة وجلسات أديس أبابا ذات الطابع السياسي، وصولًا إلى دعوات جولة جنيف من الإدارة الأمريكية وردود الأفعال، يتبلور النشاط الدبلوماسي الإقليمي والدولي في محاولة لإيجاد حلول فعّالة تؤدي إلى احتواء الأزمة في السودان.
ومع اقتراب جولة جنيف المرتقبة، تختلف القراءات بين متفائل ومتشائم، وبين من يرى أنها مفاوضات استسلام للقوات المسلحة والدولة السودانية ككل، ومن يراها فرصة جيدة يجب استغلالها للسلام، معلّلين ذلك بالظروف الإنسانية المتدهورة والمجاعة أو “التجويع” الذي يلوح في الأفق مع فشل الموسم الزراعي.
اتفاقية الهدنة الأولية
مع اندلاع القتال بين طرفي النزاع في 15 أبريل/ نيسان 2023، أُغلقت الطرق وتمّ إعلان سيطرة الدعم السريع على عدد من المقارّ الرئيسية في العاصمة، مع موجات نزوح كبيرة خارج ولاية الخرطوم، وبعد التدخل الأمريكي أُعلن عن الالتزام بوقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة في 18 أبريل، للسماح بمرور آمن للمدنيين والمساعدات الإنسانية.
لكن بعد ساعات رفض طرفا النزاع الالتزام وسط تبادل الاتهامات بينهما، لتتوالى فشل محاولات لوقف إطلاق النار التي بلغت 4 محاولات، قبل أن تبدأ الوساطات الإقليمية والدولية للتهدئة.
أسفرت جهود الوساطة برعاية الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والإيقاد، بالإضافة الى جهود المجموعة الرباعية الدولية (الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، الإمارات، السعودية)، عن الوصول إلى قرار بوقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة في أواخر أبريل/ نيسان 2023.
في 6 مايو/ أيار 2023 انطلقت المفاوضات في مدينة جدة بتيسير سعودي أمريكي، وبعد 5 أيام تم التوقيع على إعلان جدة، وهو إعلان حمل التزامات واضحة من الطرفين واجبة التنفيذ، ليعلن عقب ذلك الفريق عبد الفتاح البرهان إقالة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب بـ”حميدتي” عن منصبه كنائب لمجلس السيادة، وتعيين مالك عقار بدلًا منه.
ومع مواصلة التفاوض بين الطرفين اتفقا في 20 مايو/ أيار على اتفاقية وقف إطلاق النار قصير الأمد والترتيبات الإنسانية، وأدرج الطرفان إعلان جدة (الالتزام بحماية المدنيين في السودان) كمرجع في نص الاتفاقية، مؤكدين على جميع الالتزامات الواردة فيه.
في 31 مايو/ أيار علقت القوات المسلحة مشاركتها في منبر جدة، معلّلة قرارها بخرق الدعم السريع للهدنة وعدم التزامها بإخلاء المستشفيات ومنازل المدنيين، وبعد يومين أعلنت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية في بيان مشترك تعليق محادثات السلام بين الطرفين.
بعد 4 أشهر من تعليق التفاوض، وسّعت قوات الدعم السريع دائرة الحرب لولايات أخرى في السودان، قبل العودة إلى جولة جديدة من المفاوضات تحت اسم “جدة 2” في 26 أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، نتج عنها مجموعة من الالتزامات حول إجراءات بناء الثقة وترتيبات إنسانية، في حين أعرب ميسرو الاتفاق عن أسفهم لعدم توصُّل الطرفين إلى اتفاق حول وقف إطلاق النار.
تطورات متسارعة
في منتصف فبراير/ شباط الماضي، نُشر نص اتفاق “سرّي”، تم توقيعه في العاصمة البحرينية المنامة في 20 يناير/ كانون الثاني، بين الجيش السوداني بقيادة نائب القائد العام شمس الدين الكباشي، والقائد الثاني للدعم السريع عبد الرحيم دقلو، وأثار جدلًا كثيفًا بين مصدّق ومكذّب عندما كُشفت تسريبات عنه لأول مرة عبر جريدة “السوداني” المحلية.
مع وصول المبعوث الأمريكي الخاص توم بيرييليو إلى القاهرة ولقائه وزير الخارجية المصري سامح شكري شباط الماضي، بات واضحًا أن الترتيبات الدولية والإقليمية لاحتواء الأزمة في السودان تسارع الخطى في ظل البدء بترسيم رؤية جديدة.
في أواخر شهر مارس/ آذار أعلن المبعوث الأمريكي استئناف محادثات جدة خلال أسابيع محدودة، وسط مواصلة الاتصالات أبرزها اتصال وزير الخارجية الأمريكي بالقائد العام للقوات المسلحة، الذي حثَّ فيه على العودة للتفاوض، وهو ما رفضته الأخيرة حسب تصريحات صدرت من مالك عقار بعد يوم واحد فقط.
وأصدر مجلس السلم والأمن الأفريقي في اجتماع يونيو/ حزيران 2024 قرارًا بتكوين آلية رئاسية رفيعة المستوى بقياده الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، وعضوية رئيس كل منطقة من مناطق القارة الخمسة، بهدف الترتيب لاجتماع مباشر بين البرهان وحميدتي للتفاوض على وقف عاجل لإطلاق النار.
ووفقًا للترتيبات الجديدة، استضافت مصر في السبت 6 يوليو/ تموز الماضي، مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية، تحت شعار “معًا لوقف الحرب في السودان” بمشاركة “تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية” (تقدم) و”الكتلة الديمقراطية”.
وعقب اختتام المؤتمر الذي استمر يومَين، رفضت شخصيات سياسية أبرزها مالك عقار وجبريل إبراهيم ومني أركو مناوي والتجاني السيسي ومحمد الأمين ترك وآخرون، التوقيع على البيان الختامي لأنه لم يصحب ملاحظاتها وتعديلاتها.
وفقًا للبيان الختامي، فإن القوى السودانية المشاركة بحثت ضرورة الوقف الفوري للحرب، بما يشمل آليات وسبل ومراقبة الوقف الدائم لإطلاق النار، وشدّد المشاركون على ضرورة الالتزام بإعلان جدة والنظر في آليات تنفيذه وتطويره لمواكبة مستجدات الحرب، كما توافق المؤتمرون على تشكيل لجنة لتطوير النقاشات ومتابعة هذا المجهود من أجل الوصول إلى سلام دائم.
عقب ذلك شهدت الساحة السودانية زيارات من قبل مسؤولين كان أبرزها زيارة نائب وزير الخارجية السعودي، وليد الخريجي، بهدف حث البرهان على العودة إلى مسار منبر جدة المطوَّر في مظهر و جوهر جديد، كما زار رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد المفاجئة السودان بعد توتُّر طويل شابَ العلاقات بين البلدَين منذ اندلاع النزاع، خصوصًا بعد استضافة أبي أحمد لحميدتي في 2023.
وبعد اجتماع القاهرة شهدت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لقاءات أخرى، بتنظيم من الآلية رفيعة المستوى برئاسة محمد بن شمباس، إلا أن “تقدم” وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور والحركة الشعبية – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو والحزب الشيوعي السوداني وحزب البعث، قاطعت هذه الاجتماعات.
وخلصت الاجتماعات إلى أن يكون الحوار “عملية سودانية خالصة” على مرحلتَين، وتوافقت على بيان ختامي يطالب بتشكيل حكومة “تصريف أعمال”، والبدء بحوار سوداني لا يستثني إلا من أدانته محكمة سودانية، ما يعني إفساح عودة الإسلاميين إلى الملعب السياسي مجددًا.
كما أكدت الاجتماعات على ضرورة تنفيذ اتفاق جدة مع التشديد على أولوية المساعدات الإنسانية، في حين دان البيان الختامي للاجتماعات ما وصفها بالانتهاكات الجسيمة التي قامت بها “ميليشيا الدعم السريع”، من “قتل واغتصاب واحتلال للمنازل ونهب وسرقة ممتلكات المواطنين واحتلال الأعيان المدنية والتخريب”.
لم يمضِ إلا بضعة أيام حتى كانت المفاجأة باتصال هاتفي بين الرئيس الإماراتي محمد بن زايد ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ويأتي الاتصال في ظل اتهامات للإمارات بدعم قوات الدعم السريع وإطالة أمد الحرب.
وإلى جانب مفاجاة الاتصال ووسط صدمة الكثيرين، جرت محاولة اغتيال في 31 يوليو/ تموز، للبرهان عقب حضوره الاحتفال بتخريج دفعات من طلاب الكلية الحربية السودانية والكليتَين البحرية والجوية، الذي أُقيم بمنطقة جبيت العسكرية الواقعة في ولاية البحر الأحمر بشرق السودان على بُعد حوالي 100 كيلو متر جنوب غربي العاصمة الإدارية المؤقتة بورتسودان.
تحديات السياسية وعقبات
وللوقوف على الفروقات الرئيسية بين المفاوضات الحالية ومفاوضات جدة يقول محمد طاهر، الباحث السياسي، لـ”نون بوست” إن “مفاوضات جنيف تتميز بأنها تجمع الفاعلين الإقليميين الذين لهم دور في الحرب، ومع ذلك ارتكبت الولايات المتحدة خطأً بدعوة الإمارات كمسهّل أو مراقب للتفاوض، في حين أن الإمارات هي إحدى الدول الداعمة للحرب”.
ويضيف طاهر: “أعتقد أن موقف الحكومة من مشاركة الإمارات هو موقف منطقي، يجب أن تكون المفاوضات وسيلة للضغط على الفاعلين الإقليميين لوقف دعم الحرب، لأن التدخل الخارجي هو العنصر الحاسم في وقف النزاع”.
ويشير طاهر إلى أن “نوايا الدعم السريع ليست واضحة، بدليل استمرار الهجمات على الفاشر، هذا يشبه بشكل كبير ما حدث في وقت سابق خلال منبر جدة، حيث قام عبد الرحيم دقلو بإسقاط 4 ولايات في دارفور أثناء سير التفاوض، ويحاول الآن إعادة السيناريو نفسه في الفاشر لكسب موقف تفاوضي أفضل”.
ويرجع طاهر سبب فشل مفاوضات جدة إلى “تجاهل عنصر التدخل الخارجي في الحرب”، مؤكداً أن دعوة مفاوضات جنيف لم تعالج هذا الأمر بشكل كافٍ، ما لم يكن هناك خطاب مباشر للأطراف الخارجية الداعمة للحرب للوقف عن دعم النزاع والضغط عليها، فإن أي عملية تفاوض ستظل في النقطة نفسها”.
في المقابل، علّق بدر الدين الصادق، عضو تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية “تقدم”، لـ”نون بوست” على تأثير توقف العمليات العسكرية في وسط السودان على مفاوضات جنيف المرتقبة، قائلًا: “التصعيد العسكري وتوقف معظم العمليات العسكرية في ولايات وسط السودان بسبب الخريف قد يؤثر على المفاوضات المرتقبة في جنيف”.
ويضيف بدر أنه “من الأخطاء التي صاحبت الدعوة إلى جنيف هي عدم تحديد الأطراف السياسية بوضوح، يجب أن تصاحب منبر جنيف عملية سياسية شاملة، لأن الأسباب الجذرية للحرب في مجملها سياسية، ويمكن معالجتها من خلال العملية السياسية”، معتبراً أنه “لا يمكن القول إن منبر جدة قد فشل بالكامل، حيث يمكن لأي محادثات في المستقبل أن تنطلق منه كأساس جيد للمفاوضات”.
ويؤكد بدر على دعم تنسيقية “تقدم” لأي عملية تهدف إلى وقف إطلاق النار وتخفّف من معاناة الشعب السوداني، قائلًا: “نحن في “تقدم” ندعم أي عملية تهدف إلى وقف العدائيات وإيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوداني”.
الطريق إلى جنيف
في 11 يوليو/ تموز 2024 وصل وفدا القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى جنيف لحضور محادثات غير مباشرة، يعقدها المبعوث الشخصي للأمين العام للسودان رمطان لعمامرة، للسعي نحو وقف إطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
وحسب ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمم المتحدة، فإن أحد الوفدَين لم يحضر الجلسة المقررة، والذي اتضح لاحقًا أنه وفد الجيش السوداني.
واعترضت الحكومة السودانية على أي تفاوض مباشر بين الطرفَين، وأشارت إلى أن وفدها في جنيف لم يتلقَّ أي أجندة أو برنامج عن هذه المداولات، رغم مكوثه هناك لأيام، قائلة “طُلب من الوفد الحكومي الذهاب إلى قصر المؤتمرات بجنيف، وهو أمر يتناقض مع مقترح المناقشات غير المباشرة، ومع التفاهم عن عدم الإشهار الإعلامي لهذه المناقشات، الذي طالب به الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة”.
في حين قال لعمامرة في بيان صحفي، إن “أحد الطرفين”، دون أن يسميه، أعلن التزامه بتعزيز المساعدة الإنسانية وحماية المدنيين، وعدّ مناقشات جنيف “خطوة أولية مشجّعة” ضمن عملية أطول وأكثر تعقيدًا.
ورغم أن لعمامرة لم يكشف الطرف الذي أبدى التزامًا أحاديًا، فإن وفد الدعم السريع المفاوض قال في بيان منفصل بنهاية المفاوضات، إنه سلّم مبعوث الأمين العام خطابًا رسميًا من قائد القوات، تضمن الالتزام بتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية بالتنسيق مع الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية، والتزامات بتعزيز حماية المدنيين، وعدد من المطالب العاجلة والملحّة المقدَّمة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
في 23 يوليو/ تموز 2024 أعلن واشنطن مبادرة جديدة برعاية سعودية-سويسرية، دعت فيها الطرفين إلى ضرورة العودة للمحادثات لوقف الحرب وتمكين توصيل المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، ومن المقرر أن تبدأ المباحثات في 14 أغسطس/ آب المقبل في سويسرا، بمشاركة أطراف فاعلة قد تلعب دور المراقب كالأمم، المتحدة والاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات.
وبينما رحّب حميدتي بالدعوة والمشاركة في المحادثات، قالت وزارة الخارجية السودانية إنها ستقوم بإجراء مشاورات لاتخاذ قرار بشأن كيفية الردّ على هذه الدعوة من حيث الشكل والمضمون.
في 5 أغسطس/ آب تحدث وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، للمرة الثانية خلال 3 أشهر مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، وشدّد بلينكن على ضرورة مشاركة القوات المسلحة السودانية في المحادثات على وقف إطلاق النار في سويسرا.
وفي سياق متصل، قالت وزارة الخارجية السودانية يوم 9 أغسطس/ آب 2024 في بيان صحفي، إن “الحكومة” قررت إرسال وفد برئاسة وزير المعادن محمد بشير عبد الله إلى مدينة جدة، للتشاور مع حكومة الولايات المتحدة حول الدعوة المقدَّمة منها لحضور مفاوضات جنيف يوم 14 أغسطس/ آب الحالي، وشروط مشاركة الحكومة السودانية في المفاوضات.
بعد وصول الوفد السوداني إلى جدة لمناقشة شروط الحكومة السودانية للمشاركة في محادثات جنيف مع المسؤولين الأمريكيين، أشار بيرييلو في تصريحات صحفية إلى أن الاجتماعات في جدة تأتي لاختتام أشهر من المشاورات مع أطراف الصراع والشركاء الإقليميين والخبراء الفنيين، قائلًا إن عشرات الآلاف من السودانيين تواصلوا معه مطالبين بإنهاء الحرب والمجاعة.
في السياق ذاته، قال رئيس وفد الحكومة في جدة ووزير المعادن محمد بشير ابونمو، على حسابه في فيسبوك يوم 11 أغسطس/ آب، إن الوفد السوداني اختتم المشاورات الأولية لمفاوضات جنيف مع الخارجية الأميركية في جدة بالمملكة العربية السعودية، دون الوصول إلى اتفاق.
ولاقى تصريح ابونمو ردود فعل غاضبة حيث اعتبره خالد عمر يوسف، القيادي في “تقدم” بأنه “موقف مخيّب لآمال الملايين من السودانيين/ات ممّن شردتهم هذه الحرب ودمّرت حياتهم”.
آفاق جنيف المرتقبة
وحول مفاوضات جنيف المحتملة قال الدكتور إبراهيم النجيب، رئيس الحزب الليبرالي في السودان، لـ”نون بوست” إن “جنيف تقترحها الولايات المتحدة، وهي نفسها المسهّل الثاني في مفاوضات جدة، الولايات المتحدة حليف الإمارات والسعودية ومصر وكينيا، وكلها أطراف متصارعة في حرب السودان، وبالتالي هذه الدول تتحكم في العديد من أجندة المفاوضات”.
وضيف أن “التسويق السياسي الذي تقدمه الولايات المتحدة وكذلك الجيش والدعم السريع وحلفاؤهم، يفيد بأن مفاوضات جنيف ستوقف الحرب في السودان، لكن توقف الحرب في السودان لن يكون توقفًا دائمًا ولا حقيقيًا إذا تم بواسطة اتفاق مرعي بهذا الطرف أو ذاك، يجب في البداية أن يتم الاتفاق بين الأطراف المحلية داخل السودان وبرعاية سودانية على ماهية الدولة ومن يحكمها، وكيف تحكم وكيف نستطيع تغيير الحكام”.
وتابع: “هي أمور لا تحلها اتفاقيات دولية، إنما اتفاقيات محلية يتم التوافق عليها، وتكون حرب الكل ضد الواحد إذا قرر واحد تجاوز هذه الاتفاقيات والعمل من عنده على تقويضها”.
وأكد أن “إرادة الطرفَين مستثمَرة في المعونات والأموال الخارجية والعلاقات المعقدة مع الخارج، وليس منهما طرف يملك إرادة نفسه، إنما يملك شهوة يتم تطويعها، شهوة للسلطة والمال وفرض القوة وكسر الآخر، لا أظن أن إرادة تتوفر عند أي منهما لمنع الحرب، إنما يريدان اتفاقًا يعيدان به ترتيب أوضاعهما”.
وحول مشاركة الجيش السوداني، يرى النجيب أن “الإشارات حتى الآن تدلّل على أنه سوف يذهب إذا لم يكن يوم 14 ففي يوم آخر، في النهاية سوف يذهب، والتسويق الإلكتروني للمواقف هذا غرضه سياسي وليس مبدئيًا”.
وفي حال “فشلت مفاوضات جنيف، فلن يحصل شيء جديد كنتيجة مباشرة لفشل المفاوضات، إنما سوف يستمر الوضع القائم وهو الحرب، كما فشلت جدة الأولى والثانية والمنامة وغيرها. فهي مجرد منبر تفاوضي، هذه المرة تلعب الولايات المتحدة كلاعب أول وليس كلاعب ثانٍ كما في جدة”، حسب كلامه.
ويختتم حديثه قائلًا: “يمكن الملاحظة أن أمريكا تحتاج أن تضع حدًّا لأحد الحروب التي اشتعلت في أيدي الديمقراطيين، مثل أوكرانيا والسودان وفلسطين، وذلك لدعم موقفهم في الانتخابات. لا أظن أن الغرض هو التوصل إلى إيقاف الحرب فعلًا، إلا إذا التقت إرادة الطرفَين لغرض تكتيكي”.
وضع إنساني مأساوي
وفي ظل المفاوضات بين الأطراف المتنازعة، تحذر العديد من المنظمات من تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان، حيث وصفت لجنة الإنقاذ الدولية ما يجري بـ”السقوط الحر”، وحذّرت من أن الأزمة الإنسانية في البلاد ستتفاقم أكثر، ما لم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات حازمة لمعالجة الوضع الذي مزقته الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023.
وتسببت الحرب في السودان في أكبر موجة نزوح في العالم بواقع 11.1 مليون نازح داخلي، وحوالي 2 مليون عبروا الحدود بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
ومنذ بداية النزاع سجّل نظام مراقبة الهجمات على مرافق الرعاية الصحية التابع لمنظمة الصحة العالمية 73 هجومًا، وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل 53 شخصًا وإصابة حوالي 100 آخرين، ما أدى الى خروج 70% من المستشفيات في البلاد عن الخدمة.
وتظل أزمة السودان المنسية واحدة من أكثر الأزمات تعقيدًا في المنطقة، بأبعادها الإنسانية والسياسية، والتصعيد العسكري الأخير من قبل قوات الدعم السريع، بما في ذلك قصف المدنيين في أم درمان ومحاولات اقتحام مدينة الفاشر، في المقابل يبذل الجيش السوداني والقوات المشتركة جهودًا كبيرة للدفاع عن المدينة ومنع سيطرة الدعم السريع عليها، في معركة يسمّيها الكثيرون بالوجودية.
وسط العديد من التكهُّنات والتساؤلات والترقُّب، يظل شبح المجاعة في السودان أو “التجويع” كما يسمّيه البعض حاضرًا في بيانات وأرقام وكالات الأمم المتحدة، حيث أن أكثر من 750 ألف شخص في السودان يعانون من مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، مع وجود 25.6 مليون شخص في مستويات أزمة الجوع.