رغم الدعوات الإنسانية المتتالية والمنادية بضرورة استقبالهم، أصرت السلطات الإيطالية الجديدة على رفض السماح للسفينة التي تقل مئات المهاجرين الأفارقة غير النظاميين الذين تقطعت بهم السبل في البحر الأبيض المتوسط منذ يوم السبت الماضي، بالرسو في أي ميناء إيطالي، ما استدعى تدخل السلطات الإسبانية لإنهاء محنتهم.
إصرار على رفض استقبال السفينة
قرار السلطات الإيطالية رفض استقبال السفينة يعتبر الأول من نوعه منذ بدء أزمة المهاجرين منذ سنوات، وأُنقذت المجموعة التي تتكون من 629 مهاجرًا غير نظامي في إطار 6 عمليات ليلية وسط البحر المتوسط يوم السبت الماضي، وأنقذتهم وحدات البحرية الإيطالية من البحر ثم نقلوا بعد ذلك إلى السفينة.
وتدير السفينة أكواريوس التي تقل المهاجرين منظمة “إس.أو.إس ميديتيراني” الإنسانية التي قالت على تويتر في وقت سابق إن القارب يقل 629 مهاجرًا، من بينهم 123 قاصرًا لا يرافقهم بالغون و11 طفلًا و7 نساء حوامل، وأكدت المنظمة أن معظم الذين أُنقذوا من منطقة إفريقيا جنوب الصحراء.
رفض السلطات الإيطالية استقبال هذه السفينة تم رغم ضغط الاتحاد الأوروبي ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين
ونفذت المنظمة هذه العمليات بناء على طلب من مركز تنسيق الإنقاذ البحري الإيطالي، لكن عندما اقتربت السفينة التي تقل المهاجرين فوجئت بإعلان السلطات الإيطالية أن الموانئ مغلقة أمام المهاجرين، وعوضًا عن ذلك طلبت السلطات الإيطالية من المنظمة الألمانية محاولة العثور على ميناء آخر في مالطا المجاورة من أجل استقبال اللاجئين، لكن مالطا رفضت أيضًا استقبالهم.
رفض السلطات الإيطالية استقبال هذه السفينة تم رغم ضغط الاتحاد الأوروبي ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، وقال فينسنت كوشتيل المبعوث الخاص للمفوضية المعني بالوضع في وسط البحر المتوسط في بيان صدر في جنيف: “الناس في محنة وتنفد منهم المؤن ويحتاجون للمساعدة سريعًا، أمور الحدود مثل من عليه المسؤولية وكيف يمكن تقاسم تلك المسؤوليات بأفضل صورة بين الدول يجب أن تُبحث لاحقًا”.
ومع بداية الأزمة أعلنت موانئ إيطالية عدة بينها ميناءي نابولي وباليرمو في صقلية الاستعداد لاستقبال السفينة، وكتب رئيس بلدية نابولي لويدجي دو ماجيستراتيس في تغريدة: “إذا ترك وزير بلا قلب نساء حوامل وأطفالًا ومسنين وأناسًا يموتون في البحر، فإن مرفأ نابولي مستعد لاستقبالهم”، إلا أن ذلك لم يحدث لإصرار الحكومة على رفض الرسو.
إسبانيا تنقذ الموقف
أمام الإصرار الإيطالي قررت السلطات الإسبانية التدخل وإنقاذ الموقف وانهاء محنة هؤلاء المهاجرين بالسماح لهم بالرسو في موانئها، وسينقل قسم من المهاجرين إلى سفينة لحرس السواحل الإيطالي وأخرى للبحرية الإيطالية، على أن ترافقا إكواريوس إلى فالنسيا في إسبانيا، كما تفيد الخطة التي سلمها في وقت مبكر صباح الثلاثاء مركز التنسيق في روما لمنظمة “إس أو إس المتوسط”.
أغلب العالقين من إفريقيا جنوب الصحراء
وقالت رئاسة الحكومة الإسبانية التي بدأت الحكم قبل أسبوع تقريبًا في بيان لها: “من واجبنا المساعدة في تجنب كارثة إنسانية وتقديم مرفأ آمن لهؤلاء الأشخاص”، موضحًا أنه تم اختيار مرفأ فالنسيا لاستقبال سفينة المهاجرين، وأوضحت الحكومة في بيانها أن رئيس الحكومة بدرو سانشيز أعطى توجيهاته بأن تحترم إسبانيا التزاماتها الدولية فيما يتعلق بالأزمة الإنسانية.
بدء حملة طرد المهاجرين
قرار السلطات الإيطالية جاء في إطار الحملة التي وعد بها وزير الداخلية الإيطالي الجديد ماتيو سالفيني – الذي يرأس أيضًا حزب الرابطة المنتمي لأقصى اليمين – الرامية لوقف تدفق المهاجرين إلى البلاد، تطبيقًا لبرنامجه الانتخابي.
بالتزامن مع ذلك قال سالفيني في صفحته على فيسبوك: “مالطا لا تقبل أحدًا، فرنسا ترد الناس على أعقابهم عند الحدود، إسبانيا تدافع عن حدودها بالسلاح، من الآن فصاعدًا ستبدأ إيطاليا أيضًا رفض تهريب البشر وتقول لا لأعمال الهجرة غير المشروعة”.
وعقب صدور القرار الإسباني غرد سالفيني الذي يقود الحملة ضد المهاجرين بوصفه وزيرًا للداخلية على “تويتر”: “النصر!”، وأضاف خلال مؤتمر صحافي: “أمر صائب أن يرفع المرء صوته بأدب، وهو ما لم تفعله إيطاليا منذ سنوات”.
اقترح سالفيني تحويل مراكز استقبال المهاجرين إلى مراكز احتجاز
وخلال حملته الانتخابية الأخيرة ركز سلفيني على مسألة الهجرة، متوعدًا المهاجرين غير النظامين بمستقبل أسود، وكان سلفيني قد قال بعد ساعات من تشكيل الحكومة الجديدة إن بلاده سوف تتخذ نهجًا أكثر صرامة فيما يتعلق بقضية المهاجرين غير الشرعيين، وأضاف “أبواب إيطاليا ستكون مفتوحة أمام الطيبين، بينما ستعطى تذكرة ذهاب بلا عودة لأولئك الذين يأتون إلى إيطاليا لإثارة الفوضى ويعتقدون أنهم سيحظون بالاحترام، إن إرسال هؤلاء إلى أوطانهم على رأس أولوياتنا”.
واقترح سالفيني تحويل مراكز استقبال المهاجرين إلى مراكز احتجاز، واستخدام الأموال المخصصة لإيوائهم في عمليات الترحيل الجماعي، وبموجب القوانين الحاليّة يجب على كل مهاجر غير شرعي يُرحل بالطائرة أن يرافقه اثنان من الوكلاء الإيطاليين، بتكلفة تقدر بـ3000 آلاف يورو لكل مهاجر.
تعديل اتفاقية دبلن
هذه الخطوة تسعى من خلالها الحكومة الإيطالية الجديدة للضغط على دول الاتحاد الأوروبي لتعديل اتفاقية دبلن للجوء، خلال قمة الاتحاد الأوروبي المبرمجة نهاية يونيو/حزيران الحاليّ، وستحاول الحكومة الجديدة إثبات أنها أكثر صرامة من الحكومة السابقة بشأن موضوع الهجرة.
ويتضمن برنامج الائتلاف الحكومي “رفض اتفاقية دبلن المتعلقة بطالبي اللجوء، وإلزامية إعادة توزيع المهاجرين في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتقييم إجراءات طلب اللجوء في بلد المنشأ، وتحسين الاتفاقات الثنائية مع الدول الأجنبية تجنبًا لتدفق المزيد من المهاجرين، وتكوين مركز لترحيل اللاجئين في كل منطقة”.
تسعى حكومة إيطاليا الشعبوية للضغط على الأوروبيين لفرض توجهاتهم
رابطة الشمال التي يرأسها سلفيني اعتمدت في برنامجها الانتخابي على تخويف الناخب الإيطالي من الأجنبي والمهاجر لترفع من نسبتها في الانتخابات من 4% إلى 17%، وإحصائيًا وصل إلى سواحل إيطاليا منذ عام 2013 نحو 700 ألف مهاجر، من بينهم 7100 من ليبيا حطوا رحالهم في إيطاليا منذ بداية العام الحاليّ فقط، ومثلهم وصل 3500 من تونس والجزائر واليونان في نفس الفترة، بحسب وزارة الداخلية الإيطالية.
وينظر إلى المهاجرين في إيطاليا على أنهم السبب الرئيس وراء إطالة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد التي تحتل المرتبة الثالثة في اقتصاديات منطقة اليورو، والسبب المباشر لخطر وقوع هجمات إرهابية، على الرغم من أن الهجوم الوحيد الذي يمكن أن ينظر إليه على أنه مجزرة حقيقية كان قد ارتكبه إيطالي ضد الأجانب.