ترجمة وتحرير: نون بوست
تبذل الأمم المتحدة جهودا دبلوماسية عاجلة لوقف الهجوم المتوقع لدولة الإمارات العربية المتحدة على أهم ميناء في اليمن في الأيام المقبلة،للحيلولة دون وقوع كارثة إنسانية أخرى. وحسب بعض الأشخاص المطلعين على المحادثات، يمكن لهذا الهجوم المحتمل أن يعرقل الجهود الواعدة التي بذلتها الأمم المتحدة خلال السنوات الأخيرة لإنهاء الصراع في اليمن.
في الوقت الحالي، تعمل منظمات الإغاثة والمسؤولون التابعون للأمم المتحدة الذين يعملون في مدينة الحديدة، التي تطل على البحر الأحمر، لسحب الموظفين الدوليين العاملين معهم من المنطقة بعد أن حذرهم المسؤولون البريطانيون من حدوث هجوم وشيك على المدينة. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، سافر مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، مارتن غريفيث، إلى عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة في محاولة لمنعها من شن أي هجوم على ميناء الحديدة.
لقد صرح بعض المواطنين بأن غريفيث أبرم اتفاقا مع المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على ميناء الحديدة للسماح “للأمم المتحدة” بالعمل في الميناء بشكل مشترك، بينما يشكك الأشخاص الذين أحيطوا علما بالمناقشات في أن الإمارات العربية المتحدة يمكن أن تقبل العرض أو تقوم بتأخير الهجوم الذي خططت لشنه. وتجدر الإشارة إلى أن السعودية اتهمت إيران باستخدام ميناء الحديدة لتهريب الصواريخ إلى اليمن، في حين نفت طهران كل الاتهامات الموجهة إليها.
أكد مسؤول أمريكي أن إدارة ترامب تعطي من خلال هذا التصرف الإمارات “الضوء الأصفر الوامض” لبدء العملية، وليس اللون الأخضر أو الأحمر
في الواقع، تمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعد أهم حليف عسكري للمملكة العربية السعودية في اليمن وجودا عسكريا كبيرا بالقرب من الميناء، حيث تدعم حلفاءها اليمنيين لاستعادة الحديدة من المقاتلين الحوثيين. وفي هذا السياق، أشار مسؤولو الأمم المتحدة إلى أن الهجوم على الميناء، الذي يمثل النقطة الرئيسية للحصول على 80 بالمائة من الإمدادات التجارية والإنسانية للبلاد، يمكن أن يكون مدمرا لبلد يعيش فيه ملايين المدنيين على حافة المجاعة.
حيال هذا الشأن، أفادت منسقة الشؤون الإنسانية العليا في اليمن، ليز غراندي، بأن القتال من أجل الميناء يمكن أن يسفر عن مقتل ما لا يقل عن 250 ألف مدني من سكان الحديدة، التي يقطنها حوالي 400 ألف شخص. وخلال حوار أجرته مع صحيفة “وول ستريت جورنال”، أكدت ليز غراندي “نحن نخشى أن يكون لهذا الهجوم أو الحصار المطول على الحديدة آثار كارثية على المدنيين. ولكن، في أسوأ الحالات، لا يمكننا أن نستبعد إمكانية وقوع إصابات هائلة”.
في البداية، وعدت دولة الإمارات العربية المتحدة بعدم شن هجوم على الميناء دون أن تحظى بدعم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اللتان أعربتا عن مخاوف جدية بشأن تداعيات هذه العملية العسكرية على المدينة. ويوم الأحد، أعرب مسؤولون أمريكيون وخليجيونعن أن موقف أبوظبي قد تغير بعد أن صرحت قواتها المتمركزة خارج الميناء اليمني أنها تعرضت للهجوم ما أثار غضب الإمارات ودفعها للتحرك، على الرغم من أن كلا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قد أبدت تحفظات قوية فيما يتعلق بهذه المسألة.
في حين تؤيد إدارة ترامب التحركات العسكرية الإماراتية على مضض، حثّ المسؤولون الأمريكيون حلفاءهم الإماراتيين على بذل كل ما في وسعهم لمنع حدوث أزمة إنسانية وعدم التأثير على الجهود الدبلوماسية للأمم المتحدة، على حد تعبير بعض المصادر المطلعة على الموضوع. وقد أكد مسؤول أمريكي أن إدارة ترامب تعطي من خلال هذا التصرف الإمارات “الضوء الأصفر الوامض” لبدء العملية، وليس اللون الأخضر أو الأحمر.
في الأسبوع الماضي، حذر أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية من أن شنهم هجوما على الميناء قد يحظى بمعارضة واسعة في الكونغرس
في سياق متصل، أضاف المصدر ذاته أن “هذا ليس السيناريو الذي نفضل حدوثه وما نناضل من أجله. لكن إذا كان ذلك أمرا حتميا فإننا نريد أن نضمن أن يتسبب في أقل قدر ممكن من الأضرار ونتأكد من أنه قد تم إعداد المخطط بأفضل طريقة ممكنة على الصعيد الإنساني”.ومن المرجح أن تطلق الإمارات العربية المتحدة الهجوم يوم الثلاثاء القادم، عندما يكون اهتمام العالم على سنغافورة، حيث سيعقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قمة نووية تاريخية مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.
في الحقيقة وافقت دولة الإمارات العربية المتحدة على تأجيل الهجوم إلى حين كشف السيد غريفيث عن خريطة طريق السلام التي وضعها خلال هذا الشهر. على إثر ذلك، أبلغت دولة الإمارات العربية المتحدة بريطانيا أن مجموعات الإغاثة تملك مهلة لا تتجاوز ثلاثة أيام للخروج من المدينة قبل أن تشن الهجوم، وذلك وفقا لبعض المصادر. ويوم السبت، تلقت مجموعات الإغاثة العاملة في الحديدة التحذير من المملكة المتحدة، وقد ورد في نص البريد الإلكتروني الذي أرسلته من وكالة المساعدات الإنسانية الرئيسية في بريطانيا: “نحن نبذل كل ما في وسعنا من خلال القنوات الدبلوماسية لتثبيط الهجوم على الحديدة، ومع ذلك، يبدو أن الهجوم العسكري وشيك”.
في المقابل، توفر الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية للإمارات مساعدة عسكرية متواضعة في اليمن، حيث تبيع واشنطن للدولتين أسلحة بمليارات الدولارات، بما في ذلك الصواريخ الموجهة بدقة المستخدمة في تنفيذ الضربات الجوية في اليمن، التي قتلت مئات المدنيين. فضلا عن ذلك، يزود الطيارون الأمريكيون الطائرات الحربية، التي تنفذ الضربات الجوية، بالوقود من السعودية والإمارات العربية المتحدة.
غالبا ما تلجأ قوات العمليات الخاصة الإماراتية للتعاون مع الولايات المتحدة لتنفيذ هجمات تستهدف معاقل تنظيمي القاعدة والدولة في اليمن، فضلا عن أن الولايات المتحدة كانت تزود حلفاءها ببعض المعلومات الاستخباراتية. ولكن، سبق أن أعرب المسؤولون الأمريكيون عن استيائهم المستمر من الحملة التي تقودها السعودية في اليمن، التي خلقت معارضة متزايدة في الكونغرس من المشرعين الذين أبدواقلقهم إزاء تورط البلاد في الغارات الجوية التي قد يروح ضحيتها المدنيون.
في هذا الصدد، حاول المشرعون من كلا الحزبين دون جدوى قطع مبيعات الأسلحة إلى حلفاء الخليج وتقييد الدعم الأمريكي للحملة التي تقودها السعودية في اليمن. وفي الأسبوع الماضي، حذر أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية من أن شنهم هجوما على الميناء قد يحظى بمعارضة واسعة في الكونغرس.
يعتبر البعض في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض وفي البنتاغون تقديم الدعم للتحركات الإماراتية بمثابة فرصة لتعزيز نفوذ التحالف الذي تقوده السعودية في محادثات السلام
تجدر الإشارة إلى أن الصراع المستمر منذ ثلاث سنوات اكتسب زخما جديدا في واشنطن، حيث تنظر إدارة ترامب إلى القتال على أنه حرب بالوكالة بين قوات الحوثي المدعومة من قبل إيران وأكبر حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي. ولقد أقامت إدارة ترامب علاقات وثيقة للغاية مع المملكة العربية السعودية والإمارات، اللتان تلعبان أدوارًا رئيسية في التأثير على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ ولعل ذلك ما يمنعها من رفض طلبات الحصول على المزيد من المساعدة.
حسب بعض المصادر المطلعة على المناقشات، سعت الإمارات العربية المتحدة، خلال الأسابيع الأخيرة، لتأمين مساعدة عسكرية أمريكية مباشرة من أجل الهجوم الذي تخطط لشنه على الميناء اليمني. في حين لم يرد المسؤولون الأمريكيون على هذا الطلب، تاركين المجال مفتوحًا أمام إمكانية قيام إدارة ترامب بتزويد أبوظبي بمعلومات استخباراتية أو مراقبة الطائرات من دون طيار على الميناء، إذا لزم الأمر، في الأيام المقبلة، على حد تعبير المصادر ذاتها.
يعتبر البعض في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض وفي البنتاغون تقديم الدعم للتحركات الإماراتية بمثابة فرصة لتعزيز نفوذ التحالف الذي تقوده السعودية في محادثات السلام. كما أفادت الأمم المتحدة أن أكثر من 75 بالمائة من سكان اليمن يعتمدون على المساعدات الإنسانية، علما بأن هذا الصراع المستمر منذ ثلاث سنوات قد أودى بحياة ما لا يقل عن 10 آلاف يمني، فضلا عن مواجهة الملايين لخطر المجاعة. وفي ظل هذه الأوضاع المأساوية، يشهد اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم على حد تعبير الأمم المتحدة.
الصحيفة: وول ستريت جورنال