ترجمة حفصة جودة
في قرية عمريط إحدى قرى محافظة الشرقية، كانت صباح تمشي في أرض عائلتها وتجمع آخر حصاد للبصل هذا العام مع اثنين من أحفادها، في الربيع عادةً ما تنتشر زراعة الأرز على طول الطريق الزراعي لمحافظة الإسماعيلية حتى شمال محافظة الشرقية، لكن هذا العام نادرًا ما شاهدنا الفلاحين يزرعون هذا المحصول الأساسي الذي يعتمد عليه المصريون، وذلك بعد قرار الحكومة بالحد من زراعة الأرز نتيجة بناء سد النهضة الإثيوبي الذي من شأنه أن يقلل من موارد مصر المائية.
زرعت عائلة صباح الذرة في جزء من الأرض بينما تركت بقيتها – حيث اعتادت أن تزرع الأرز – دون زراعة على أمل أن تتراجع الحكومة عن قرارها، ويقول شقيق زوج صباح: “من المحزن أن أرى الكثير من الأراضي غير المزروعة”، وتتساءل صباح كيف ستمر الأيام القادمة بعد انتهاء موسم البصل والقيود المفروضة على زراعة الأرز.
استيراد الأرز
في شهر أبريل وافق البرلمان المصري على مسودة تعديل قانون زراعة الأرز رقم 53 لعام 1966 وذلك بتقليل مساحة الأراضي المزروعة بالأرز إلى 724 ألف فدان التي تعتبر أقل من نصف مساحة الأفدنة المزروعة عام 2017 التي وصلت إلى 1.8 مليون فدان، ووفقًا للقانون يُعاقب المخالفون بغرامات تتراوح بين 3000 جنيه وحتى 20 ألف جنيه والسجن 6 أشهر.
يقول محمد إن الكثير من الأراضي لم تُزرع بعد قرار الحكومة
يقول عيد حواس المتحدث باسم وزراة الزراعة إن هذا القانون المعني بالحد من زراعة المحاصيل التي تستهلك الكثير من المياه صدر منذ عامين لكن لم يتم التعامل معه بجدية، ويضيف: “هذه الكمية المسموح بزراعتها تكفي للاستهلاك المحلي أما البقية فكان يتم تصديرها”، ومع ذلك أعلن رئيس الوزراء شريف إسماعيل منذ أسبوعين أن مصر ستبدأ في استيراد الأرز لزيادة المخزون والتحكم في السوق.
لم يحدد شريف الكمية والتوقيت لكن التجار يقولون إن مصر ستستورد مليون طن من الأرز العام المقبل بعد عقود من كونها أحد أكبر المصدّرين له، يقول عبد المولى إسماعيل – باحث في التنمية البيئية والزراعية -: “هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك، لكنه ليس مستغربًا أن تحتاج مصر لاستيراد الأرز بعد هذا القرار، حيث إنه سيتسبب في فجوة كبيرة لأن الأرز جزء أساس من النظام الغذائي المصري”.
كانت مصر عادة ما تمتلك فائضًا من الأرز لكنها وضعت قيودًا على التصدير منذ عام 2008 للحفاظ على المخزون المحلي وللحد من زراعته لحفظ المياه، ويؤكد إسماعيل على أهمية بذور الأرز المصري وأنها واحدة من أفضل البذور في العالم.
وضعت الوزارة خطة بديلة حيث أطلقت حملة لزراعة الكينوا
يقول موسى عضو جمعية المزارعين في الشرقية إن وزارة الزراعة حددت 6 آلاف فدان في الشرقية بأنهم مناسبين لزراعة الأرز ويرجع ذلك إلى أنهم قريبين من قناة الإسماعيلية مما يعني وجود مصدر سريع وسهل للمياه دون إضاعة الكثير، كما وضعت الوزارة خطة بديلة حيث أطلقت حملة لزراعة الكينوا وهي بذور غنية بالبروتين لا تحتاج للكثير من المياه.
لكن الكينوا ليست منتشرة بين لجماهير فهي مرتفعة الثمن وتُباع فقط في أماكن محددة، كمان أن العديد من المزارعين لم يسمعوا عنها من قبل، ومن جانبه يقول إسماعيل إن الأمر سيستغرق سنوات لقبول المستهلكين بمحصول جديد وتغيير عاداتهم الغذائية، فالأرز أحد الأطعمة المصرية الأساسية ولا يمكن استبداله بالكينوا أو المكرونة، ويقول موسى: “سوف نزرع الذرة والسمسم والفول السوداني وفول الصويا، لكن بالطبع لا شيء يحل محل الأرز على الإطلاق”.
ماذا لو زرعنا جميعًا الذرة؟
عادة ما يقسم المزارعون في قرية عمريت زراعة الأرض بين الأرز والقطن والذرة، ولأن القرار صدر متأخرًا على البدء في زراعة القطن فقد لجأ معظمهم لزراعة الذرة، ويعترف محمد أن الأرز من المحاصيل المحبة للمياه حيث يحتاج لغمره في 5 بوصات من المياه على الأقل لينمو بشكل جيد، لكن الجميع هنا يزرعون الأرز بشكل رئيسي وأضاف ساخرًا: “تخيل لو أننا جميعًا زرعنا ذرة، حتى حيوانات المزرعة لا تأكل الذرة”، وأشار إلى أن زراعة الذرة تتطلب المزيد من المواد الكيميائية والمزيد من السماد والعمال كذلك.
أحد المزارعين وهو يزرع الأرز في حقول البحيرة
أما فوزي – مزارع آخر – فيقول: “المصريون يزرعون الأرز منذ أن خلقنا الله”، يملك فوزي 3 أفدنة وعادة ما يقسمها بين الأرز والذرة، أما هذا العام فقد قرر زراعة الأرض بأكملها ذرة، لكنه يخشى من عواقب ذلك حيث سيخسر المزارعون الكثير من المال لأن العرض سيكون أكثر من الطلب بكثير.
ويقول بهجت نجل فوزي: “كنا نعتقد أن ممثلينا في البرلمان سيمنعون هذا القانون لكنهم وعدوا أن تشتري الحكومة منا فائض المحاصيل، وبالطبع لا يوجد ضمان لذلك”، وتقول أم أحمد الموظفة في مكتب الإصلاح الزراعي إن قصص الأشخاص الذي تعرضوا للسجن ودفعوا غرامات جعلت الناس يخافون من الإقدام على أي مخاطرة.
على حد علمه يقول موسى إن الشرطة لم تقبض على أي مزارع في الشرقية، لكن بعضهم دفع غرامات عن العام الماضي حيث ذهبت الشرطة إلى بعض البيوت مما أثار الذعر بالطبع بين المزارعين وأسرعوا بدفع الغرامات.
عواقب طويلة المدى
ارتفعت أسعار الأرز بشكل كبير في الأعوام القليلة الماضية، فقد اشترت أم أحمد وصباح الأرز بنحو 10 جنيهات للكيلوغرام، أما قبل التعويم فقد كان سعره 4.5 جنيه فقط، وتقول صباح: “بعض الناس فقراء للغاية وهذا المبلغ كبير جدًا بالنسبة لهم”.
قرار الحكومة له عواقب اقتصادية وبيئية طويلة المدى
يقول إسماعيل – الباحث الزراعي – إن قرار الحكومة له عواقب اقتصادية وبيئية طويلة المدى، فهناك 1.5 مليون مزارع يعتمدون على زراعة الأرز وإذا أضفنا إلى ذلك أفراد عائلاتهم بمتوسط 3 أفراد للأسرة فسوف يتضرر 6 ملايين مصري من هذا القرار.
أضف إلى ذلك النتائج البيئية التي تتعلق بالأرض الزراعية، حيث يوضح إسماعيل أن زراعة الأرز قلصت من الأملاح في الأرض الزراعية، وفي حالة التوقف عن زراعته فخلال 3 أو 4 أعوام سوف يدمر الملح الأرض ولن نتمكن من الزراعة فيها مرة أخرى.
تعد قناة الإسماعيلية مصدرًا للمياه العذبة التي يعتمد عليها مزارعو الشرقية
يتوقع حواس أن يوفر القرار مليارات الأمتار المكعبة من المياه، فوفقًا لمركز التعبئة والإحصاء يتم استخدام نحو 46.7 مليار متر مكعب من المياه في الزراعة، لكن إسماعيل يقول إن الحكومة بإمكانها اتخاذ إجراءات أخرى لحل أزمة المياه حيث يقول: “هناك العديد من الطرق للحد من فقدان المياه مثل إنشاء بحيرات صناعية في ملاعب الجولف والمجمعات السكنية في القاهرة الجديدة.
الإنذار الأخير
وصلت المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة إلى طريق مسدود، ويتعرض المسؤولون لضغوط كبيرة للوصول إلى حل قبل افتتاح المشروع العام المقبل، فالنيل هو شريان الحياة في مصر حيث يوفر 97% من المياه للبلاد، وتقع مصر الآن تحت خط الفقر المائي حيث يقل المعدل السنوي بنحو 20 مليار متر مكعب، وتتوقع الأمم المتحدة أن تعاني مصر من “أزمة مياه مطلقة” بحلول عام 2025.
المصدر: ميدل إيست آي