ترجمة وتحرير: نون بوست
يعيش سكان العالم فوق جبل من الديون المتراكمة العامة والخاصة، حيث تقدر حصة الفرد من هذا الدين العالمي بحوالي 21.866 يورو. وفي ظل هذا الوضع، أصبحت كرة ثلج الديون العالمية ضخمة وفي تنامي متزايد. وتقدر الديون العالمية بحوالي 164 مليار دولار، أي ما يعادل 225 بالمائة من الناتج المحلي العالمي. وفي بداية الأمر، كان العيش على الديون حلا طبيعيا للخروج من الأزمة المالية لسنة 2008، خاصة أنها ساهمت في تغطية الاختلالات في الحسابات العامة وإنعاش النمو الاقتصادي.
من الضروري عدم تخطي الخطوط الحمراء للمديونية، لاسيما أن نسبة الرفع المالي سجلت أعلى مستوى لها منذ الحرب العالمية الثانية، وتحولت إلى قنبلة موقوتة، من الممكن أن تنفجر في أي وقت؛ وخير مثال على مدى خطورة الوضع الاقتصادي العالمي، الأزمة التي تمر بها كل من الأرجنتين وإيطاليا.
في أحدث تقاريره، حذر صندوق النقد الدولي من “ارتفاع نسبة الديون والعجز العام، اللذين أصبحا يشكلان مصدر قلق”. وذكّرت هذه المنظمة بأن الدول التي تعاني من ارتفاع نسبة المديونية هي الأكثر هشاشة أمام تشديد شروط التمويل العالمية المحتملة، ما من شأنه أن يعيق الوصول إلى الأسواق ويضغط على الاقتصاد. كما أكد خبراء صندوق النقد الدولي أن “التجارب السابقة تحيل على أن بعض الدول يمكن أن تعاني من صدمات ملحوظة وغير متوقعة في نسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يهدد بالمعاناة من سلسلة من المشاكل”.
عموما، تعد الصين المساهم الأكبر في زيادة الحجم الإجمالي للدين العام خلال العقد الماضي، بيد أنها ليست الوحيدة. ففي واقع الأمر، تقدر ديون الاقتصادات المتقدمة بحوالي 105 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي، وعادة ما تكون هذه النسبة في حدود 50 بالمائة بالنسبة للدول الناشئة. وفي آخر مناسبة تخطت خلالها الدول الناشئة هذه النسبة، وتحديدا خلال ثمانينيات القرن الماضي، شهدت العديد من هذه البلدان أزمات حادة.
وصلت الفقاعة الاقتصادية إلى لحظة حساسة للغاية. وفي هذه المرحلة، سجل بنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة انخفاضا في رصيده، مما جعله لا يشتري المزيد من السندات العامة أو تلك التي تستهلك عند الاستحقاق
حيال هذا الشأن، أورد المحلل الاستراتيجي في مصرف “كريدي سويس”، أنه “في الوقت الراهن، يعد النمو العالمي للاقتصاد قويا، كما أن نسبة البطالة في انخفاض، ولا تزال معدلات الفائدة منخفضة. وبشكل عام، يساعد هذا الوضع على التحكم في الديون. لكن في حال تسجيل تباطؤ غير متوقع أو زيادة سريعة في سعر العملات، لن يدوم هذا الوضع طويلا”.
خلقت المديونية إدمانا حادا على هذه الآلية، ويتمثل الخطر الأول في السرعة الكبيرة التي بلغها المستوى الحالي للمديونية في العالم. وعلى هذا النحو، أصبح حجم ديون أكثر من ثلث الاقتصادات المتقدمة معادلا لحوالي 85 بالمائة من حجم اقتصادها؛ أي ما يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف هذه النسبة خلال سنة 2000. وعلى الرغم من تمكن الحكومات من تجاوز الركود الاقتصادي بفضل زيادة قيمة القروض بشكل كبير، إلا أنها مهددة برهن اقتصادات بلدانها في المستقبل.
في هذا السياق، قال الفريدو الفاريز- بيتمان، كبير الاقتصاديين في شركة كايب كابيتال للاستثمار، إنه “مع مرور الوقت، سيتوقف الدين عن تحفيز النشاط الاقتصادي. وستكون هناك حاجة إلى المزيد والمزيد من تراكم القروض لتوليد نقطة مئوية واحدة من الناتج المحلي الإجمالي الإضافي. ويمكن للنمو المدفوع بالديون أن يلاقي استحسانا في البداية، لكن سيغطي النمو الحالي الاستهلاك المستقبلي، مما يجعل من هذا الارتفاع غير مستدام”.
لحظة حساسة
وصلت الفقاعة الاقتصادية إلى لحظة حساسة للغاية. وفي هذه المرحلة، سجل بنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة انخفاضا في رصيده، مما جعله لا يشتري المزيد من السندات العامة أو تلك التي تستهلك عند الاستحقاق، وقد أرفقت هذه الإجراءات بزيادات في أسعار الفائدة. في الأثناء، واصل البنك المركزي الأوروبي شراء الديون السيادية، لكنه يخطط خلال شهر أيلول/ سبتمبر المقبل إلى التوقف عن هذه التدابير والاقتداء بالتمشي الذي يتبعه نظيره الأمريكي.
بناء على هذه المعطيات، تتوقع خارطة الطريق التي صممتها كلتا المنظمتان تشديد السياسات المالية بشكل تدريجي ومعتدل. ولتطبيق هذه الخطة، يجب تنفيذ الجزء الآخر من المعادلة: الذي يتمثل في التحكم في الأسعار وإبقائها تحت السيطرة. في هذا الصدد، أورد بارت هورديجك، المحلل من شركة مونيكس أوروبا، أن “التضخم المالي كان متواضعا، ولكن في حال سُجلت نسبة تضخم بشكل مفاجئ، ستواجه البنوك المركزية جملة من التحديات الحاسمة. وفي هذه الحالة، سيقررون إما السماح بارتفاع الأسعار، وهو أمر يتعارض مع طبيعة هذه المؤسسات، أو زيادة التدابير من أجل مواجهة هذا الوضع، الذي من شأنه أن يجعل عبء الفائدة على الدول والشركات والأسر أكثر تكلفة”.
عموما، يصادف هذه السنة الذكرى السنوية العاشرة لحادثة إفلاس بنك “ليمان براذرز”، التي مثلت نقطة بداية الأزمة المالية التي سبقت الركود الكبير. على خلفية ذلك، انتشرت في السوق نظرية تلاشي الدورات الاقتصادية، لتعوّضها دورات الائتمان الآخذة في الانتشار. لهذا السبب، لا يجب التغافل عن مراقبة عدّاد الديون.
طبيعة مشكلة الديون لم تتغير. كما أنها تنتشر أكثر في العالم الناشئ مقارنة بالعالم المتقدم، نظرا لانخفاض ثقة السوق في قدرته على الدفع. لكن، من المحتمل أن يشهد هذا الوضع تغييرا مفاجئا، مثلما حدث مؤخرا إثر بيع الأرجنتين لسندات تتسم بأجل استحقاق لمائة سنة
في المقابل، يدعو العديد من الخبراء إلى توخي الحذر، خاصة بعد وضع البيانات في منظورها الصائب. في هذا السياق، قال ستيفان مونير، مدير الاستثمار في مجموعة “لومبارد أودييه”، إن “المستويات الحالية للمديونية منخفضة وذاتية التمويل؛ وهو ما يعد بمثابة نقطة اختلاف مهمة مع حالة الدين العالمي والاقتصاد قبل عقد من الزمن”.
لقد شهد الاقتصاد العالمي فترة طويلة من النمو. وعلى الرغم من عدم تنبؤ الخبراء بإمكانية حدوث تغييرات محتملة، إلا أن الكثير منهم يتوقعون وبقوة أن “يشهد العالم المراحل الأخيرة لهذه الدورة الاقتصادية”. وعندما يصل العالم إلى مرحلة التباطؤ الاقتصادي التي يخشاها الجميع، سيكون أفضل شيء يمكن أن يحصل للحكومات الحصول على مساحة لزيادة الإنفاق العام، وتخفيض الضرائب والأسعار.
في الوقت الحالي، تعد هذه التدابير المتناقضة مع الدورات الاقتصادية بمثابة الوهم. لهذا السبب، تعمل منظمات مثل صندوق النقد الدولي على الاحتماء من هذه الأزمات عن طريق تخفيض قيمة العجز عند الفترات العصيبة. وقد شدد خبراء “كارميغناك” على أن “الحكومات لديها هامش مالي ضئيل بسبب الوضع الحالي للديون. ومن وجهة نظر مالية، يبدو أن البنوك قد بدأت باتخاذ تدابير صارمة. وفي ظل غياب العوامل التقليدية المعززة للتوازن الاقتصادي، سيكون الركود القادم أكثر وضوحا مما كان عليه في مناسبات سابقة”.
تعزيزا لنظرية “المشاكل لا تأتي من دون سبب”، يجب إضافة مشكلة المديونية في القطاع الخاص إلى معضلة المديونية العامة. فقد تضاعفت الديون الخاصة خلال عقد من الزمن بنسبة 120 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وحيال هذا الشأن، أورد كبير الاقتصاديين في “أليانز جي آي”، ستيفان هوفريتشر، أن “نفوذ العائلات يمثل مشكلة خاصة عندما يكون ناتجا عن ازدهار سوق العقارات”.
حسب ستيفان هوفريتشر “من المثير للاهتمام أن الزيادة في الدين الخاص ترجع إلى حد كبير إلى تنامي هذه الديون في بلدان نادرا ما تشهد أزمات اقتصادية، على غرار كندا، والسويد، والنرويج، وأستراليا، والصين، والبرازيل، وتركيا والهند. وقد شهدت غالبية هذه البلدان زيادة كبرى في أسعار المساكن خلال السنتين الماضيتين”.
في الأثناء، عادة ما تلقي مخاطر الديون المرتفعة، بشكل تقليدي، بظلالها على الاقتصادات الأكثر ضعفا. ولم يتغير هذا التوجه، بل ازداد حدة بسبب ارتفاع نسبة الرفع المالي الحالي، ونتيجة للتغيرات في تركيبة الرفع المالي خلال السنوات الأخيرة. أما الخطر الأكبر بالنسبة للدول الناشئة، فيتمثل في إعادة تمويل الديون، مما جعل الديون غير المرتبطة بتنازلات في تنامي على الرغم من قصر فترات استحقاقها.
منذ حوالي ست سنوات، أثرت أزمة الديون الأوروبية على اليورو بشكل كبير. ومنذ ذلك الحين، ساهمت الجهود التي تبذلها الحكومات المتصلة بالميزانية، فضلا عن الموقف الحاسم للبنك المركزي الأوروبي في خفض التضخم
في الوقت ذاته، تعد هذه البلدان الأكثر تأثرا بسحب تدفقات التمويل نظرا لأن المستثمرين الأجانب يعتبرون المشترين الرئيسيين فيها. وتعد البلدان النامية الأكثر عرضة لتغير أسعار الصرف، فثلث ديونها معتمدة على سعر العملة الأجنبية. نتيجة لذلك، يمكن أن يرتفع هذا العبء بنحو الثلثين، خاصة بالنسبة للبلدان التي تعاني من انخفاض المداخيل.
في هذا السياق، أورد أجينيسكا جيرينجير، المحلل في معهد فلوسباخ فون ستورش، أن “طبيعة مشكلة الديون لم تتغير. كما أنها تنتشر أكثر في العالم الناشئ مقارنة بالعالم المتقدم، نظرا لانخفاض ثقة السوق في قدرته على الدفع. لكن، من المحتمل أن يشهد هذا الوضع تغييرا مفاجئا، مثلما حدث مؤخرا إثر بيع الأرجنتين لسندات تتسم بأجل استحقاق لمائة سنة”.
“خطة ترامب الضريبية تضع قدرة الولايات المتحدة الأمريكية المالية على المحك”
في المقابل، لا تعد ديون البلدان الناشئة العامل الوحيد المثير للقلق، حيث تم تسليط الضوء على هذه المعضلة في أكبر الدول الاقتصادية في العالم. وفي هذا السياق، نلاحظ أن زيادة الإنفاق التي تقدر بحوالي 150 مليار دولار (0.7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي) سنويا خلال الدورتين القادمتين، فضلا عن خفض نسبة الضرائب التي تمت الموافقة عليها من قبل إدارة ترامب، قد يؤدي إلى عجز مالي في الولايات المتحدة. ومن المحتمل أن يصل إلى أكثر من تريليون دولار (أكثر من 5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي). ويضاف ذلك إلى الحاجة إلى المزيد من التمويل، الذي من شأنه أن يجعل نسبة الدّين على الناتج المحلي الإجمالي تبلغ حدود 117 بالمائة في سنة 2023، وهو ما أكدته حسابات صندوق النقد الدولي.
بناء على ذلك، أوردت الخبيرة الاقتصادية في بنك جوليوس بار، سوزان جوهو، أنه “على المدى القصير ستكون هذه الإجراءات إيجابية بالنسبة للمستثمرين، حيث ستسمح باستمرارية الأسواق الصاعدة، في الوقت الذي تستمر فيه الولايات المتحدة في جذب الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، يمكن أن تصبح الديون مسألة تستحق المتابعة عن كثب عندما يتباطأ نشاط الدولة وتزيد نسبة الرفع المالي أكثر من المتوقع”.
أشباح الماضي
منذ حوالي ست سنوات، أثرت أزمة الديون الأوروبية على اليورو بشكل كبير. ومنذ ذلك الحين، ساهمت الجهود التي تبذلها الحكومات المتصلة بالميزانية، فضلا عن الموقف الحاسم للبنك المركزي الأوروبي في خفض التضخم، قد أدت إلى تحقيق نوع من التوافق على مستوى السندات العامة، التي تمكنت شيئا فشيئا من استعادة طبيعتها على اعتبارها أصول خالية تقريبا من أي مخاطر، مما يسمح للدول بالعمل على تمويل عملية التعافي في ظل امتلاكها لديون قليلة. في المقابل، لم يساهم ذلك في تلافي المخاطر بشكل تام، على غرار ما حدث في إيطاليا في الأسابيع الأخيرة، فقد عادت علاوة المخاطرة لترتفع من جديد بسبب حالة الجمود السياسي الذي تعيش البلاد تحت وقعه.
تتطلب الإصلاحات الهيكلية، شأنها شأن القرارات التي تمثل السبيل لتكريس تغييرات على مستوى سياسات الإنفاق، حتما إرادة سياسية
من جهته، أوضح كريس إيجو، المسؤول عن الدخل الثابت في شركة أكسا الفرنسية، أنه “إذا تباطأ الاقتصاد قبل تحقيق تحسينات على مستوى الحسابات العامة، فلا يمكن استبعاد أي زيادة في تكاليف التمويل بالنسبة لأكثر الدول الأوروبية مديونية. تعد إمكانية إعادة إحياء الوضعية الاقتصادية الجيدة التي عشناها في سنة 2012، أمرا ليس بمستحيل إذا ركز السوق أساسا على تحقيق الاستدامة المالية”.
أدت سياسات البنوك المركزية إلى إدمان الدول على الائتمان
ندد أغلبية الخبراء الذين تمت استشارتهم بالسياسات النقدية المتساهلة لدرجة كبيرة، باعتبارها المحرك الرئيسي لزيادة الدّين العام في العالم. وفي هذا الصدد، أوضح الخبير الاقتصادي ألفاريز بيتمان، أنه “عندما تقوم البنوك المركزية بتخفيض أسعار الفائدة إلى مستويات قصوى، عادة ما يكون هدفها الوحيد تشجيع مختلف الجهات على طلب القروض”.
أدى تعزيز هذه التدابير غير الاعتيادية إلى تغيير مفهوم الائتمان. وعلى ضوء ذلك، أكدت مصادر عن شركة براندواين غلوبال الاستثمارية، التابعة لإدارة ليغ ماسون أن “تغييرات هيكلية وسلوكية جدت على مستوى ديناميكية المديونية. لقد أصبح مفهوم الاقتراض أكثر تقبلا من الناحية الثقافية، وذلك بسبب السياسات الحكومية التي تهدف إلى ضخ المزيد من الأموال في صلب الاقتصاد”.
من جهة أخرى، نلاحظ وجود عامل رئيسي آخر فيما يتعلق بتفسير نسبة الرفع المالي، ويكمن أساسا في العامل الديمغرافي. وتعليقا على ذلك، قال مدير قسم التحليلات في شركة ويزدومتري، كريستوفر غناتي، إن “البلدان المتقدمة تواجه تهرما سكانيا كبيرا، حيث ازداد عدد المتقاعدين بشكل واضح مقارنة بالأفراد النشطين. وقد تسبب ذلك في انخفاض العائدات الضريبية. فعندما تكون مداخيل الحكومة محدودة، في حين تملك التزامات كبيرة، يصبح أسهل حل لهذه المشكلة في طلب المزيد من الديون”.
من هذا المنطلق، من الطبيعي أن تكون نسب الدّين أعلى بكثير خاصة عند الأخذ بعين الاعتبار التزامات الإنفاق الحكومية التي تشمل التي المعاشات التقاعدية والصحية. وقد تضاعف متوسط الرفع المالي في الدول المتقدمة ليصل تقريبا إلى 204 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، والأمر سيان بالنسبة للاقتصادات الناشئة، حيث بلغ حوالي 12 بالمائة.
الحلول
ما الذي يمكن القيام به لخفض مستويات الديون؟ في هذا الصدد، يعتبر تحقيق نمو أكبر ومستدام أحد الحلول الممكنة لهذه المشكلة، نظرا لأنه من خلال تعزيز حجم الاقتصاد سيتم التخفيف جزئيا من عبء القروض. وقد أكد رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي في بنك نورديا، ويتولد باركي أن “تحقيق النمو سيكون السلاح الأنجع للقضاء على الديون. ولا بد أن ينتج تحسن النشاط الاقتصادي انطلاقا من المعروض النقدي. ولتحقيق هذا النوع من النمو، يجب تكريس جملة من الإصلاحات. ومن أفضل الأمثلة الملموسة في هذا السياق نجد تحسين طرق الوصول إلى التعليم وجودته. بالإضافة إلى ذلك، من المهم أن نحرص على تكوين الأفراد في سوق العمل بشكل جيد، فمن شأن ذلك أن يساهم في زيادة الإنتاجية في المستقبل”.
يمكن اتخاذ بعض التدابير التقليدية الأخرى لتخفيض حجم الديون، لعل أبرزها، دعم نسبة التضخم، فمن المعلوم أن تحديد معظم القروض يكون من خلال القيمة الاسمية
أما الحل السحري الآخر، الذي يصعب تنفيذه، لهذه المعضلة، فيكمن في التأكد من ألا يتجاوز معدل الإنفاق المداخيل. فعلى ما يبدو أن التحكم في العجز العام يعد المفتاح الرئيسي للتخلص من إدمان الاقتصادات على الديون. وقد صرحت مصادر من شركة براندواين غلوبال أنه “يجب على الحكومات والعائلات والشركات أن تعمل على الحد من الإنفاق الذي يتجاوز إمكانياتها. ويمكن اعتماد أستراليا والسويد مثالا، حيث تمكنتا من اتخاذ تدابير احترازية تهدف إلى تجنب ارتفاع الأسعار في أسواق العقارات”.
ومن الحلول الحاسمة الأخرى التي اقترحها الخبير الاقتصادي من بنك كريدي سويس، بيير بوس، العمل على تكريس التوازن على مستوى الميزانية. وفي هذا الشأن، صرح بوس، أنه “على المدى القصير، من غير المرجح أن نرى انخفاضا على مستوى الإنفاق العام وزيادة الضرائب، لأن نسبة النمو في العديد من الاقتصادات لا تزال ضعيفة. ومع ذلك، لايزال هناك العديد من الدول التي تمكنت من تحقيق فائض اقتصادي”.
إذا ركزت الأسواق على القضية المالية، من المرجح أن يزداد الضغط على جنوب أوروبا
تتطلب الإصلاحات الهيكلية، شأنها شأن القرارات التي تمثل السبيل لتكريس تغييرات على مستوى سياسات الإنفاق، حتما إرادة سياسية. وبالنسبة للخبراء، يعد ذلك أكبر عقبة تحول دون المراهنة على الحلول الآنف ذكرها للحد من المديونية العالية. ومن جهته، اعترف الخبير كريستوفر غناتي من شركة ويزدومتري الاستثمارية أنه “إذا خفضت الحكومات من نسبة إنفاقها، لن تكون هناك حاجة إلى مزيد من الديون. ومع الأخذ بعين الاعتبار لبعض النتائج الانتخابية الأخيرة والمناخ السياسي الحالي، سيكون وضع نهج واضح لحل هذه المشكلة أمرا يصعب بلوغه”.
علاوة على ذلك، يمكن اتخاذ بعض التدابير التقليدية الأخرى لتخفيض حجم الديون، لعل أبرزها، دعم نسبة التضخم، فمن المعلوم أن تحديد معظم القروض يكون من خلال القيمة الاسمية. لذلك، سيساهم انتعاش الأسعار في الحد من نسبة الديون، الأمر الذي قد يترتب عنه العديد من المشاكل في المستقبل القريب. في المقام الأول، وبعد سنوات من ضخ ملايين الدولارات في الاقتصاد، لم تعُد مسألة دعم التضخم أمرا بسيطا. وفيما يتعلق بمؤشر أسعار المستهلك، الذي يرزح في نطاق 7.5، يوصى بعدم تجاوز هذه النسبة أو النزول إلى ما دون ذلك. في الأثناء، يمكن لارتفاع هذا المؤشر بشكل كبير أن يؤدي إلى رفع أسعار الفائدة بشكل أسرع من المرغوب فيه. كما لا يمكن أن يساعد انتعاش الاقتصاد والأسعار في حل هذه المشكلة.
إجمالا، أوضح الخبير الاقتصادي في صندوق شرودرز المالي، أزاد زانجانا أن “التضخم العالي لن يكون مفيدا إلا إذا كان متأت من زيادة الأجور. وفي حال تحقق ذلك، سيكون هناك طلب أكبر وتزداد نسبة الناتج المحلي الإجمالي الاسمي والإيرادات الضريبية. من ناحية أخرى، إذا كان هذا التضخم نتاج عوامل خارجية، مثل الطاقة، فلن يساهم في حل المعضلة خاصة إذا كان الهدف يكمن في تخفيض عبء الديون”.
المصدر: صحيفة البايس الإسبانية