أعلنت حكومة دولة قطر بدء اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد دولة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، تنديدًا بانتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان بحق المقيمين والمواطنين القطريين، منذ بدء الحصار المفروض عليها في الـ5 من يونيو/حزيران 2017.
الحكومة طالبت في بيان لها محكمة العدل بضرورة فرض امتثال الإمارات لالتزاماتها بموجب القوانين الدولية، واتخاذ إجراء فوري لحماية القطريين من أي ضرر مستقبلي لا يمكن إصلاحه، لافتة إلى أنها – أبو ظبي – رأس حربة الحصار ومن جيشت لصالحه، مما كان له تأثير مدمر على حقوق الإنسان – للمواطنين والأجانب على حد سواء- ، وهو الأمر الذي يمثل انتهاكًا لالتزاماتها حيال اتفاقيات القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
التحرك القطري نحو تدويل الأزمة بعد عام كامل من الصمت، آثرت فيها الدوحة اللجوء إلى الحلول الدبلوماسية عبر جهود الوساطة الدولية والإقليمية، أثار الكثير من التساؤلات عن دلالات مثل هذه التحركات وانعكاساتها على مستقبل الأزمة التي تستهل عامها الثاني دون خطوات إيجابية لحلحلتها.
تمييز عنصري
البيان القطري أشار إلى أن الانتهاكات الحقوقية الإماراتية منذ بدء الحصار تدخل في إطار التمييز العنصري، وذلك عبر سلسلة من الإجراءات التي استهدفت القطريين دون غيرهم، كطرد جميع المواطنين القطريين بشكل جماعي من الإمارات، وحظر عليهم الدخول إليها أو المرور عبرها.
كما أمرت أبو ظبي مواطنيها بمغادرة دولة قطر، وأغلقت مجالها الجوي وموانئها أمام الدولة القطرية، إضافة إلى تدخلها في العقارات المملوكة للقطريين، إذ ميزت ضد الطلاب القطريين الذين يتلقون تعليمهم فيها، كذلك جرّمت أي خطاب يُنظر إليه على أنه “دعم” لقطر، وأغلقت مكاتب قناة الجزيرة لديها، وحظرت الدخول إلى المحطات والمواقع الإلكترونية القطرية، بالإضافة إلى خطاب التحريض والكراهية الذي مارسته وسائل إعلام إماراتية ضد القطريين.
ومن ثم ركزت الدوحة في بيانها المقدم إلى محكمة العدل الدولية على ضرورة اتخاذ جميع الخطوات اللازمة ضد أبو ظبي للامتثال لالتزاماتها بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، كما عينت الدكتور محمد عبد العزيز الخليفي وكيلاً لها أمام المحكمة الدولية.
الإجراءات القانونية ماضية منذ ذلك الوقت ولكن كانت تلك الفترة لتجميع المعلومات والوثائق، هذا بخلاف ما كان تؤمل عليه الدوحة في أن تسفر الوسائل والتحركات الدبلوماسية عن حلول عاجلة للأزمة
اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، طيلة العام الماضي، أصدرت نحو 12 تقريرًا شاملاً عن انتهاكات حقوق الإنسان جراء الحصار على الأصعدة كافة، حيث رصدت العديد من الانتهاكات التي ارتكبتها المؤسسات بدولة الإمارات بحق هؤلاء الضحايا واستعمالهم كأداة ضغط على قطر في انتهاك صارخ للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
التقارير كشفت أن الحصار ضد قطر أسفر عن تضرر نحو 16 ألف مواطن ومقيم في قطر بينهم طلاب ورجال أعمال، إلى جانب العائلات المتصاهرة، فكثير من البيوت في قطر تضم أفرادًا من دول الحصار، كما أنشأت لجنة التعويضات التي تلقت آلاف الشكاوى من متضرري دول الحصار في القطاعات كافة من تعليم وصحة وتجارة وأملاك خاصة فضلاً عن شكاوى خاصة بشعائر الحج والعمرة.
المتحدثة باسم الخارجية القطرية تؤكد أن انتهاكات الإمارات تندرج تحت إطار التمييز العنصري
تحرك مكثف
عكف فريق قانوني مشكل من نخبة من خبراء القانون الدولي وحقوق الإنسان طيلة العام الماضي على إعداد الملف الكامل المقدم للمحكمة الدولية، حسبما أكدت لولوة راشد الخاطر المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية التي أعربت عن تأكدها من سلامة الموقف القانوني لدولة قطر وضمان اكتمال العناصر الفنية كافة لإقامة الدعوى ضد دولة الإمارات.
الخاطر في تصريحات لها لصحيفة “الشرق” القطرية أوضحت أن بلادها لم تقدم على هذه الخطوة إلا “وهي على ثقة بالله سبحانه وتعالى ثم بعدالة قضيتها” كاشفة أن الإجراءات التعسفية التي أقدمت عليها دول الحصار منذ الـ5 من يونيو عام 2017 قامت على أساس تمييزي وهو ما أكده تقرير اللجنة الفنية للمندوب السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة الذي صدر في ديسمبر 2018.
وأوضحت أن السند القانوني للتحرك القطري دوليًا كان بموجب اتفاقية القضاء على التمييز العنصري، مشيرة إلى أن كلاً من قطر والإمارات قد وقعتا على هذه الاتفاقية، وبموجب هذا التوقيع فإن الدولتين خاضعتان للإجراءات القضائية التابعة لهذه المحكمة.
الحصار ضد قطر أسفر عن تضرر نحو 16 ألف مواطن ومقيم في قطر بينهم طلاب ورجال أعمال، إلى جانب العائلات المتصاهرة
وعن تخصيص الإمارات دون غيرها بتقديم شكوى دولية ضدها في الوقت الذي تشترك فيه كل من السعودية والبحرين في ارتكاب نفس الانتهاكات ضد القطريين، أوضحت المتحدثة باسم الخارجية القطرية أن أبو ظبي وافقت على البند 22 من هذه الاتفاقية وعليه يمكن إقامة هذه الدعوى القضائية ضدها، في حين أن الرياض والمنامة لم توافقا على هذه المادة، وبالتالي فالمسألة فنية وقانونية صرفة، وليست سياسية كما يروج لها البعض.
يذكر أن هذه القضية ليست الوحيدة التي ترفعها قطر ضد دول الحصار، إذ إن هناك مسارات عدة تسير فيها، فهناك على سبيل المثال بجانب تلك القضية، قضية أخرى منظورة أمام منظمة التجارة الدولية، كما أن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان أيضًا ماضية في إجراءاتها كمؤسسة غير حكومية وبالتالي فالحراك على جميع المستويات.
مثل هذه التحركات لا تعني توقف الحراك الدبلوماسي الذي تقوم به الخارجية القطرية لحلحلة الأزمة، فهناك رسائل متواصلة مع الوسيط الكويتي والأمريكي، لمحاولة تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وهو ما أشارت إليه الخارط التي أكدت أن الكرة الآن في ملعب دول الحصار.
حقوق الإنسان القطرية: 16 ألف مواطن تضرروا من آثار الحصار
لماذا بعد عام؟
أثار التحرك القطري دوليًا ضد انتهاكات الإمارات بعد مرور عام كامل على الحصار تساؤلاً لدى البعض، خاصة أن الآثار الناجمة عن هذا الحصار بدأت بعد الساعات الأولى منه، وهو ما دفع ثمنها القطريون والمقيمون بدولة قطر، غير أن الخارجية القطرية وعلى لسان المتحدثة باسمها شددت أن الإجراءات الخاصة بمقاضاة أبو ظبي دوليًا بدأت منذ اليوم الأول.
وأشارت أن الإجراءات القانونية ماضية منذ ذلك الوقت ولكن كانت تلك الفترة لتجميع المعلومات والوثائق، هذا بخلاف ما كان تؤمل عليه الدوحة في أن تسفر الوسائل والتحركات الدبلوماسية عن حلول عاجلة للأزمة، موضحة ” لكن للأسف اضطررنا للجوء للوسائل الأخرى القانونية”
لجنة حقوق الإنسان القطرية بدأت منذ اليوم الأول للحصار في التحرك الفعلي، داخليًا عن طريق جميع المعلومات، وخارجيًا عبر مخاطبة المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وهو ما أسفر عن تكوين حشد دولي في مواجهة هذا الحصار.
اللجنة خلال مخاطباتها الدولية وجهت خمس توصيات أساسية إلى دول الحصار، طالبتها بضرورة الالتزام باحترام التعهدات الواردة في اتفاقيات حقوق الإنسان التي صادقت وانضمت إليها والكف عن تلك الانتهاكات ووقفها ومعالجتها وإنصاف الضحايا والتجاوب مع تقارير اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان والتقارير الدولية، إلى جانب توصيات تطالب بضرورة السماح للمنظمات الدولية والبعثات الدولية بزيارات ميدانية للاطلاع على الحالات الإنسانية عن قرب وتحديد المسؤوليات وإنصاف الضحايا وضرورة تحييد الملف السياسي عن التأثير على الأوضاع الإنسانية والاجتماعية، وعدم استعماله كورقة ضغط وذلك لمخالفته القانون الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
أبو ظبي وافقت على البند 22 من هذه الاتفاقية وعليه يمكن إقامة هذه الدعوى القضائية ضدها، في حين أن الرياض والمنامة لم توافقا على هذه المادة، وبالتالي فالمسألة فنية وقانونية صرفة، وليست سياسية كما يروج لها البعض
ومع الأسبوع الثاني للحصار قامت بعمل ما يقرب من 35 زيارة لعواصم أوروبية وعالمية لتعريفهم حجم الانتهاكات، كما أصدرت 8 بيانات صحفية بشأن انتهاكات دول العالم في الصحة والتعليم والملكية الخاصة والحج وغيرها، أما بالنسبة للمؤتمرات الصحفية فقد عقدت 7 مؤتمرات صحفية حيث انطلق أول مؤتمر صحفي في 6 من يونيو (اليوم التالي لبدء الحصار).
كما خاطبت أكثر من 300 منظمة حقوقية على مستوى العالم لإطلاعها على تداعيات الأزمة والحصار على الشعب القطري والمقيمين بداخل الدولة، هذا بخلاف استضافتها، بمقرها في الدوحة للعديد من المنظمات الدولية لكشف الحقائق أمامها، وكان من بين المنظمات التي شاركت في هذه الفعاليات، منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، وكذلك كبار أعضاء المؤسسة الأمريكية للسياسة الخارجية والأمن القومي، بخلاف المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، وبعثة المراقبة الدولية.
وكان من نتاج هذه التحركات مواصلة منظمة العفو الدولية الضغوط على دول الحصار من أجل رفع القيود التعسفية المفروضة على حرية تنقّل المواطنين، وتمكنهم من الوصول إلى أماكن الشعائر المقدّسة في السعودية، وفي أبريل الماضي، طالب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تلك الدول بضرورة اتخاذ كل التدابير لوقف الانتهاكات، وضمان منع تكرارها ضد المواطنين والمقيمين في قطر.