قبل ساعات قليلة من بدء قمة مجلس التعاون الخليجي في دورتها الـ38، أصدر رئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد آل نهيان، يوم الثلاثاء 5 من ديسمبر/كانون الثاني الماضي، قرارًا بتشكيل لجنة للتعاون المشترك بين بلده والسعودية بعيدًا عن مجلس التعاون الخليجي، تتولى التنسيق بين البلدين في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية، وهي الأهداف التي أنشئ من أجلها مجلس التعاون الخليجي، لكن المملكة لم ترد على الفور، في أعقاب افتتاح قمة خليجية في الكويت.
وبعد نصف عام تقريبًا على قمة خليجية باهتة لم تصدر عنها قرارات تذكر، ولم يلبّ دعوة حضورها أيّ حاكم خليجي، باستثناء أمير قطر تميم بن حمد، تمخضت بنات أفكار ولييّ عهد كل من الدولتين، محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، فأنجبا اسمًا جديدًا مختصرًا لمجلس في الشرق الأوسط، يُحتمل – بحسب مراقبين – أن يغير السياسة الإقليمية فيه، ففي ساعة مبكرة من يوم الخميس 7 من يونيو/حزيران الحاليّ، أعلنت السعودية والإمارات توقيع اتفاق لإنشاء “مجلس التنسيق السعودي الإماراتي” بمسمى “إستراتيجية العزم”، ولم يتم إضفاء الطابع الرسمي عليه بعد.
فصول الحقبة المحمدية.. حين تتجلى رومانسية الصداقة على حساب الآخرين
سمو #ولي_العهد الأمير #محمد_بن_سلمان يستقبل سمو ولي عهد أبو ظبي الشيخ #محمد_بن_زايد لدى وصوله مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة. pic.twitter.com/QjSw7jm1zu
— بدر العساكر Bader Al Asaker (@Badermasaker) June 6, 2018
لم يكن إعلان المجلس الثالث منذ وفاة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، بإطلاق مشاريع ضخمة في مختلف المجالات، محض صدفة من حيث التوقيت والظروف، فقد تزامن هذه المرة مع مرور عام على بدء الأزمة الخليجية الراهنة، سلك خلالها التصعيد منعطفًا خطيرًا مسّ كل نواحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ومع استمرار الشرخ في البيت الخليجي، تتجلى أكثر رغبة الدولتين في فرض السيطرة والنفوذ على المنطقة، وهنا، يثير تنسيق الرياض وأبو ظبي الكثير من الشكوك بشأن التعاون الثنائي خارج الصندوق الخليجي المهدّد بالانفجار من الداخل، ويبعث بالتساؤلات عن أهداف وطبيعة هذا المجلس الجديد، فأي انعكاسات له على البيت الخليجي؟ وهل يتعلّق الأمر ببديل لمجلس التعاون الخليجي الذي ترحم كثيرون عليه؟ وهل التوتر مع قطر يعدّ أحد أسباب نشوء هذا المجلس أم أن هناك أسبابًا أخرى حتمت قيامه؟
ورغم أن إعلان إنشاء المجلس جاء قبل عامين بمدينة جدة بحضور الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز والشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلا الإعلان في هذا التوقيت يشير إلى أن مجلس التعاون بات متجاوزًا، وهو ما دفع محللين كثيرين إلى التكهن بأن التحالف السعودي – الإماراتي الجديد سيحل، في نهاية المطاف، محل مجلس التعاون، من حيث الأهمية الإستراتيجية.
في ثنايا هذا المجلس الجديد الذي يأتي لاستكمال اتفاقية بين السعودية والإمارات وُقعت عام 2016، أعقبها اجتماع عُقد له يوم 13 من يونيو 2017 بعد مرور نحو عشرة أيام من اندلاع الأزمة الخليجية، يوجد 44 مشروعًا في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية والاجتماعية، كان إعلام البلدين حريصًا على تأكيد أن المجلس الجديد يدعم منظومة العمل الخليجي المشترك، حتى لا يتم التأويل أن الأمر يتعلّق باستبدال مجلس بآخر.
ورغم التضارب في المصالح والمواقف الذي يطفو من حين لآخر على سطح العلاقة بين الطرفين في بعض الملفات، ومن أبرزها الملف اليمني، فإن ما يجمع أقوى دولتين في المنطقة الخليجية، أكبر بكثير ممّا يفرقهما، فتطورات ما بعد اندلاع الثورات العربية وحدت مواقف الطرفين في ملفات عديدة، كمواجهة الإسلام السياسي والنفوذ الإيراني وتطوّرات الربيع العربي، زيادة على تقاربهما مع واشنطن.
وبعيدًا عن دلالات التعاون السعودي الإماراتي الجديد، فإن ما يحمله المجلس يفتح باب التساؤلات عن دور ابن زايد في التأثير على ابن سلمان إلى حد يصل إلى كلام عن تبعية الأمير السعودي لولي عهد أبو ظبي، ووقوف الأول خلف تغييرات كبيرة حدثت مؤخرًا في السياسات السعودية الخارجية والداخلية، ولعل هذه الخطوة الإماراتية جاءت كرد غير مباشر على ما أثير عن هذا الموضوع، فضلًا عن أنها تمثل تعاونًا ثنائيًا يجسّد توافق رؤيتي الدولتين في عدد من الملفات الخارجية.
“مجلس حرب” أم مجلس تعاون ثنائي اقتصادي؟
منذ اللحظة الأولى، وضع مسؤولو البلدين إنشاء المجلس في إطار التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري باعتباره يمثل تتويجًا لمسار طويل من التعاون وعلاقات وثيقة تعززت في الآونة الأخيرة بتحالفات سياسية أعمق في أغلب ملفات المنطقة، بما فيها حصار قطر، وما يقال عن تقارب مع “إسرائيل” تجري أغلب فصوله تحت الطاولة، بينما يرى آخرون أنه مرتبط بسياقات سياسية وإقليمية أشمل ذات صلة بإعادة تشكيل المنطقة برمتها.
ورغم أن المجلس الجديد رفع العديد من الشعارات الاقتصادية والتنموية والسياسية والعسكرية والأمنية، فإن إمساك ابن زايد وابن سلمان بجميع مفاصل الحكم في بلادهما، تشير إلى أن خيارات “المحمدين” في مجلس التنسيق تبدو وثيقة الصلة بالسمة العسكرية، فالأوّل هو نائب القائد الأعلى للقوات المسلّحة رسميًا، وقائدها الفعلي، والأخير هو وزير الدفاع السعودي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلّحة، وبالتالي يصبح المجلي أقرب إلى “غرفة عمليات” للبلدين.
وبحسب محللين، فإنه من غير المستبعد أن تكون أبرز خطوات هذا المجلس الجديد تصعيد الخلاف مع قَطر، وتشديد الحصار الخانِق ضدها، وتكوين الذِّراع العسكري والسياسي والاقتصادي الخليجي الذي سيكون محور الارتكاز في أي حرب تشنها الولايات المتحدة في المستقبل المنظور ضد إيران لتغيير النظام فيها، تبدأ بحصار غير مسبوق في التَاريخ، ويتواضَع أمامه الحصار المَفروض على كوريا الشمالية، مثلما أعلن أمس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
يراد أيضًا – وفق التحليلات – أن يكون المجلس عنوانًا لقوة إقليمية جديدة في المنطقة برزت مؤخرًا في احتجاج السعوديّة وتحذيرها برّد عسكري على محاولات شراء قطر منظومة صواريخ “إس 400” الروسية، بحسب ما كشفته صحيفة لوموند الفرنسية، فالتهديد بقَصف هذه المنظومة الصاروخية في حال تسليمها، ربما يكون أحد المُؤشِّرات على النَوايا الحاليّة والمستقبلية لهذا المجلس الجديد، وربما بدعم أمريكي أيضًا.
كان للعرب كيان يسمى مجلس الجامعه العربيه ثم توفى ثم ورثه كيان اخر هو #مجلس_التعاون_الخليجي ثم توفي فذهبت تركته الى #مجلس_التنسيق_السعودي_الاماراتي
— مشعل الروقي (@MeshalAlrougi) June 7, 2018
اعلان #السعودية #الامارات استراتيجية الحزم والعزم وانشاء #مجلس_التنسيق_السعودي_الإماراتي وتوقيع اتفاقيات في مجالات واسعة
هل هو مؤشر لاعلان وفاة مجلس التعاون الخليجي؟
— عباس الضالعي (@abbasaldhaleai) June 7, 2018
يتفق المحلل السياسي عبد الباري عطوان – في مقاله بموقع رأي اليوم الذي يرأسه – مع فكرة أن التعاون الإماراتي السعودي الجديد موّجه أولًا للتصدي لقطر، لكنه يرى أهدافًا أخرى منها مواجهة إيران، وإرسال رسالة إلى أمريكا مفادها أن الرياض وأبو ظبي مستعدتان لمزيد من التعاون مع واشنطن للتصدي لإيران، بينما تبقى تركيا غير معنية كثيرًا بهذا المجلس، حسب قول عطوان، لأنها لم تدخل في توتر مباشر مع السعودية والإمارات، والخلاف الأكبر يتجسد في وجود قوات تركية في قطر، وهي قوات تهدف للدفاع أساسًا.
تفعيل المجلس يأتي أيضًا في سياق تطبيق مخرجات “قمة اليخت السرية” التي عقدت – حسب مصادر إعلامية – أواخر 2015، فبحسب موقع “ميدل إيست آي”، طالب مستشار ولي عهد أبو ظبي، رجل الأعمال الأمريكي اللبناني جورج نادر الذي أشرف على هذه القمة، المجتمعين بتشكيل نواة تجمع إقليمي في المنطقة داعم للولايات المتحدة و”إسرائيل”، ويكون بديلاً لمجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، ويُعتقد أن مجلس التنسيق الجديد سيدفع باتجاه ما أرادت قمة اليخت تحقيقه.
تشكل أزمة الخليج الراهنة أكبر تهديد لمجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه عام 1981؛ حيث لم يسبق أن شهدت المنطقة أزمة سياسية بهذا الحجم وهذا العمق
وبالنظر إلى مشاريع المحمدين المشتركة، نجد أنها لهم وللدول الخليجية، فالتجربة المشتركة الأولى للرجلين تمثّلت في عدوان على اليمن، أدّى إلى كارثة إنسانية وصراع دموي بين حلفائهما على الساحة اليمنية، والتجربة الثانية، تمثّلت بالحصار المفروض على قطر لتكون إحدى الانتكاسات الرئيسية للأميرين ابن زايد وابن سلمان، علاوة على المشاركة في اعتلاء محمد ابن سلمان كرسي العرش بعد حملة قمع ضد المعارضين بدعوى محاربة الفساد.
وتعصف بالخليج أزمة بدأت في 5 من يونيو/حزيران 2017، إثر قطع كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر بدعوى “دعمها للإرهاب”، وهو ما تنفيه الدوحة بشدة، ولم تفلح الوساطة الكويتية، في تقريب وجهات النظر أو حلحلة الأزمة حتى الآن، فيما تشكل أزمة الخليج الراهنة أكبر تهديد لمجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه عام 1981؛ حيث لم يسبق أن شهدت المنطقة أزمة سياسية بهذا الحجم وهذا العمق.
أين البحرين؟.. لا مكان للفُقراء أو المحايدين في هذا المجلس
يأتي قرار تشكيل المجلس ليثير الكثير من الشكوك بخصوص انطوائه على دولتين فقط، يبحثان فيما بينهما إيجاد صيغة لتقوية شراكتهما بعيدًا عن الكيان الأكبر، مستغلين في ذلك الخلاف مع قطر، من ناحية، وابتعاد سلطنة عمان عن التحالفات الإقليمية، ومنها تلك التي تقودها السعودية من ناحية أخرى، فيما تظهر الكويت متفرّدة بقراراتها عندما رفضت الدخول إلى خط المقاطعين لقطر، أما البحرين، فيُنظر لقراراتها السياسية على أنها صدى لقرارات السعودية، وأنها غير مؤثرة في المشهد الإقليمي.
وكان لافتًا غياب البحرين عن عضوية مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، رغم أنها تمثل شريكًا قريبًا وجارًا ودودًا لم يتخلف يومًا عن دعم المواقف التي يتخذها البلدان، ولم يتقاعس عن القيام بالأدوار المنوطة به خليجيًا وعربيًا، ولكن عزم الأخوين الكبيرين (الإمارات والسعودية) قرر إبعاد البحرين عن الطاولة.
#مجلس_التنسيق_السعودي_الاماراتي
كنت أتمنى أن ينظم لهذا المجلس مملكة البحرين
حتى تكون الفرحة فرحتين واللطم عند شريفة واخوانهم لطمتين
— طيار ركن KSA (@Alkhaldi990990) June 6, 2018
ومع أنه من غير الوارد مطلقًا أن تدعى الدوحة إلى عضوية المجلس التنسيقي الجديد في ظل استهدافها المتواصل من الدولتين، ومن المفهوم كذلك – في الظروف الحاليّة على الأقل – استثناء الكويت وسلطنة عمان نظرًا لرفضهما الانسياق وراء حصار قطر، فمن غير المفهوم استثناء البحرين التي رافقت السعودية بشكل دائم في مواقفها السياسية وخاضت معها صراعاتها سلمًا وحربًا.
في هذا الشان، وضّح المحلل السياسي عبد الباري عطوان في حديث لقناة “دويتش فيلله” عربية، أن المجلس الجديد يجمع أكبر قوتين اقتصاديتين في المنطقة، بينما يستثني البحرين، الحليف الأبرز للإمارات والسعودية في الخليج، وهو ما يعني أن المجلس الجديد يؤكد دخول “التعاون الخليجي” إلى غرفة الإنعاش منذ مدة.
في الوقت الذي لا يتنبأ فيه عطوان بدخول أطراف أخرى في هذا المجلس الجديد، يقول مدير مركز الشرق للدراسات في دبي سمير تقي: “لا شيء يمنع أن يتسع هذا المجلس ويضم أطرافًا أخرى”
من جهتها، لم تعلق البحرين على حرمانها من عضوية الإطار التنسيق الجديد، والتزم مسؤولوها الصمت حيال انعقاد هذا المجلس ومخرجاته التي خلقت إطارًا أخص وتقاربًا أعمق بين حليفين داخل المنظومة الخليجية، وخلت وكالة أنباء البحرين من أي تصريح متعلق بهذا المجلس، كما آثر وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد الصمت، وخلت صفحته على تويتر من أي تغريدات ذات صلة.
وفي الوقت الذي لا يتنبأ فيه عطوان بدخول أطراف أخرى في هذا المجلس الجديد، مشيرًا إلى أن الرياض وأبو ظبي ترغبان بالاستفادة من سلبيات نموذج الاتحاد الأوروبي الذي تحملت فيه الدول الغنية تبعات انضمام الدول المتوسطة الدخل حتى لا يتكرر الأمر مجددًا، يقول مدير مركز الشرق للدراسات في دبي سمير تقي: “لا شيء يمنع أن يتسع هذا المجلس ويضم أطرافًا أخرى”، مبرزًا في سياق آخر، أن المجلس لن يهدّد التعاون الخليجي وليس بديلًا له: “هناك أزمات داخل الاتحاد الأوروبي حتمت تقاربًا ثنائيًا بين بعض مكوّناته، ومع ذلك فهو مستمر”.
وفاة الكيان الأكبر.. رحم الله مجلس التعاون الخليجي
بالعودة إلى نقطة البداية، فإن المجلس الجديد يأتي بعد عدة أشهر على قرار تشكيل لجنة التعاون المشترك بين الرياض وأبو ظبي، مع تهديدات دول الإمارات والسعودية والبحرين بتشكيل مجلس تعاون خليجي مصغر على ضوء التوتر الذي ساد القمة التي عقدت في الكويت في ديسمبر/ كانون الأول العام الفائت التي حضرتها دول الحصار بتمثيل منخفض المستوى وحاولت تخريبها، بعد رفض دولتي الكويت وعمان الانضمام لمحاصري قطر.
رحم الله #مجلس_التعاون_الخليجي، كان فكرة جميلة وواعدة، لكن تجارب الحياة علمتنا أن الأفكار الجميلة والواعدة لا تعيش طويلاً في بلاد العرب#مجلس_التنسيق_السعودي_الاماراتي
— جمال سلطان (@GamalSultan1) June 7, 2018
مات #مجلس_التعاون_الخليجي منذ سنة ونصف واليوم كان دفنه.. إنشاء #محمد_بن_سلمان و #محمد_بن_زايد للكيان الجديد الذي أسموه #مجلس_التنسيق سيمزق #الخليج أكثر مما هو ممزق بوقت يرى الجميع #إيران تشحذ أنيابها ومخالبها وعينها على #الخليج_العربي
— Mahmoud Refaat (@DrMahmoudRefaat) June 6, 2018
وكان من المنتظر أن تشكّل قمة الكويت الـ38 مناسبة لكسر جليد الخلافات بين دول الخليج بشأن أزمة قطع العلاقات مع قطر، خاصة أنها القمة الإقليمية الأولى التي تجمع بلدان المنطقة منذ بدء الأزمة قبل ستة أشهر، لكن لا تظهر حاليًّا أي مؤشرات لاتفاق خليجي ينهي الصراع القائم الذي يشكّل تهديدًا حقيقيًا لمجلس التعاون الذي يُنظر إليه كأقوى الاتحادات الإقليمية العربية، إذ تبدو قمة الكويت، على ضوء غياب الكثير من الأصوات المهمة، مشابهة كثيرًا لقمم الجامعة العربية التي لم تعد تقدّم أي جديد.
وأثبتت الشهور الأخيرة وجود محاولات “سعودية إماراتية” لتفكيك مجلس التعاون والعمل على تكوين تحالف آخر بزعامة الدولتين، فبعد ساعات من مقتل الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح الذي كان يتجه لتقارب مع قوات “عاصفة الحزم” في اليمن، أعلنت أبو ظبي لجنة تعاون مشتركة في المجالات كافة مع الرياض يترأسها ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، صاحب النفوذ القوي في الساحة الإقليمية، وتملك هذه اللجنة، حسب قرار إنشائها “كل الصلاحيات اللازمة لتنفيذ وتسيير أعمالها”.
مع أن مجلس التعاون يمثل مكسبًا خليجيًا وعربيًا وسعوديًا أيضًا بالدرجة الأولى، فإن أزمة الخليج نقلته إلى موت سريري، قبل أن يقضي الإطار الجديد – وفقا للكثيرين – على ما بقي منه
ولم يكن إعلان موت مجلس التعاون وليد إنشاء مجلس التنسيق الجديد، فبعد انعقاد القمة الخليجية، كتب مدير المركز العربي في واشنطن عماد حرب تحليلًا في ذا ناشيونال إنترست في ديسمبر/كانون الأول 2017، ذكر فيه أن “موت مجلس التعاون كان قد تم إعلانه قبل فترة وجيزة من انعقاد القمة، وذلك عندما أعلنت الإمارات تشكيل تحالف سياسي وعسكري مع السعودية، أو لجنة عليا للتعاون والتنسيق المشترك خارج إطار المجلس”.
ومع أن مجلس التعاون يمثل مكسبًا خليجيًا وعربيًا وسعوديًا أيضًا بالدرجة الأولى، فإن أزمة الخليج نقلته إلى موت سريري، قبل أن يقضي الإطار الجديد – وفقا للكثيرين – على ما بقي منه، وقد وجدها البعض فرصة للترحم عليه، فأداة الخليج لتنسيق مواقف دوله، وواجهته للتعاطي مع العالم والمنظومات الإقليمية والدولية، بات اليوم – فيما يبدو – مجرد ذكرى على أنقاضها يبدأ مجلس التنسيق بين دولتين لا أكثر، فهل سيجري “دم الأخوين” في عروق الخليج المراد بناؤه من جديد، أم أن أمواج الخليج الهادئة قد تأتي بما لا يشتهيه رجال اليخت؟
المبادرات النوعية التي سيتم إطلاقها تحت مظلة المجلس ستنعكس إيجابًا على توسيع فرص ومجالات العمل في البلدين وتوليد فرص اقتصادية جديدة؛ ما يسهم في رفع معدلات نمو ناتجهما الإجمالي ويحوّل التحديات القائمة إلى فرص حقيقية تعود بالنفع عليهما #مجلس_التنسيق_السعودي_الاماراتي
— حمد المزروعي (@uae_3G) June 6, 2018
وفي حين تؤكد التصريحات الرسمية في كلا البلدين أن مجلس التنسيق الجديد لن يكون بديلًا عن مجلس التعاون الخليجي، تذهب العديد من التحليلات إلى أن الإطار الجديد يراد له أن يكون مجلس تعاون مصغرًا في ظل حالة “الموت السريري” التي تضرب مجلس التعاون الكبير، وفي ظل التقارب الشديد بين الدولتين في غالبية الملفات.
وبينما اختار غالبية المغردين السعوديين والإماراتيين الثناء على المجلس والتبشير بما سيحققه للبلدين وللمنطقة من ازدهار وتطور، واستبشر السياسيون والإعلاميون، عبر وسم “مجلس التنسيق السعودي الإماراتي”، بهذه الخطوة، واعتبروها دفعة جديدة لتطوير العلاقات واتخاذ خطوات مشتركة برؤية إستراتيجية.
وعلى المستوى السياسي، بحسب رئيس تحرير البيت الخليجي للدراسات والنشر عادل مرزوق، فإن هذا المجلس يضع علامة استفهام جديدة عن مجلس التعاون الخليجي ومدى فاعليته، مؤكدًا أنه “إذا ما قررت السعودية والإمارات تطوير هذا المجلس وضم البحرين أو دول أخرى كمصر أو الأردن بالتالي فهو يعتبر بمثابة إعلان وفاة حقيقي أو رسمي لمجلس التعاون الخليجي، ولا يُعتقد أن الأمور ستكون بهذه السرعة في الوقت الحاليّ”.