ترجمة وتحرير: نون بوست
متى يمكن أن تكون أقلية ما كبيرة التأثير بشكل يجعلها قادرة على إحداث تغييرات اجتماعية؟ في هذا الصدد، حدد باحثون أمريكيون الاتجاهات الضرورية لتشكيل اتجاه عام. ووفقا لمجموعة من الباحثين، يمكن أن يلعب عدد محدود من الأشخاص دورا مؤثرا في إقرار التوجهات العامة.
منذ نهاية التسعينات، تخلى الجميع عن حقائب الخصر التي كانت تُلقى خلف الخزانة، ليكسوها الغبار. ولكن سرعان ما عدنا إلى أخذها من الخزانة لنستخدمها من جديد. وقد تحول ارتداء هذا النوع من الحقائب، في الوقت الراهن، إلى توجه عام يعرف باسم “هيب باغس”. ويفضل الكثير من الأشخاص حمل هذا النوع من الحقائب على الكتف عوضا عن ربطها على مستوى الخصر.
في هذا السياق، لسائل أن يسأل، ما الذي جعل حقائب الخصر تعود إلى الساحة من جديد؟ هل بادر ثلاثة أشخاص أم مئة فرد أم ألف شخص بإخراج حقائبهم القديمة لاستخدامها من جديد؟ كم عدد التوجهات، التي نحتاجها، لتشكيل توجه عام؟ كم نحتاج من شخص لتغيير الموقف السائد حول قضية مثل الإجهاض أو الزواج المثلي في بلد ما؟ أو كم نحتاج من شخص لتغيير الانتماء الديني لمجموعة عرقية كاملة؟
كشفت دراسة جديدة أجراها مختصون في علم الاجتماع في جامعة بنسيلفانيا أن فكرة يتقاسمها 25 بالمائة من الأشخاص قد تتحول إلى فكرة تؤمن بها الأغلبية
مجموعات صغيرة للغاية تبادر غالبا بالقيام بأشياء عظيمة
يعد كل تغيير اجتماعي سواء كان كبيرا أم محدودا أمرا معقدا للغاية يتطلب تحقيقه حدوث أمر ما، حيث يجب أن تقتنع الأغلبية بفكرة جديدة صادرة عن الأقلية. ومنذ نصف قرن، بذل الباحثون قصارى جهدهم لتحديد حجم قوة التأثير التي يجب أن تتمتع بها الأقلية لإحداث تغيير ما. لوقت طويل، رُجح أن 51 بالمائة من الأشخاص قادرون على إقناع الآخرين بأمر ما. لكن التاريخ كشف أن التغيير ليس حكرا على الأغلبية، حيث تمكنت العديد من المجموعات الصغيرة من إحداث تحولات تاريخية، الأمر الذي أكدته بعض الدراسات. ووفقا لما أكده بعض الباحثين، يمكن أن تحدث أغلبية متكونة من 10 بالمائة إلى حدود 40 بالمائة من الأشخاص تغييرا فعليا.
كشفت دراسة جديدة أجراها مختصون في علم الاجتماع في جامعة بنسيلفانيا أن فكرة يتقاسمها 25 بالمائة من الأشخاص قد تتحول إلى فكرة تؤمن بها الأغلبية. وفي بداية الدراسة، سعى فريق الباحثين تحت إشراف الباحث دامون سينتولا، للعثور على حل لمعضلة عجز أغلب الباحثين عن فك شفرتها، ألا وهي صعوبة التعرف على حجم الأقلية عند القيام بتحليل للتغيرات التاريخية، الأمر الذي يجبرنا على القبول بالتغييرات كما هي. وفي حين يمكن احتساب حجم الأقلية عند حدوث التغيير، ولكن لا يمكن التكهن بتطور نسق الإصلاح أو الثورة أو ما إذا كان عدد المؤيدين لهذا الإصلاح سيكون كبيرا أم محدودا.
بحث من خلال اعتماد لعبة على شبكة الإنترنت
اختار العلماء مسارا مختلفا، حيث فكروا في إمكانية إنشاء قاعدة افتراضية ثم محاولة تغييرها عن طريق أقلية. في هذا الإطار، أورد الباحث دايمون سينتولا أنه “في البداية، طورنا نموذجا نظريا يمكننا من التكهن بعدد الأشخاص الضروريين لتغيير قاعدة جماعية”. إثر ذلك، قام العلماء باختبار هذا النموذج عن طريق إطلاق لعبة على شبكة الإنترنت. في الأثناء قسم العلماء الأشخاص إلى 20 أو 30 مجموعة ثم عرضوا عليهم صورة امرأة. وتتمثل مهمة كل شخص في اقتراح اسم على هذه المرأة. وفي حال قام كل أفراد المجموعة بالمهمة المنوطة بعهدتهم، يمكن لكل شخص الاطلاع على الاسم، الذي اقترحه زميله في المجموعة.
في حال كانت الأقلية صغيرة العدد، فيمكنها أن تقنع 6 بالمائة من الأشخاص من داخل المجموعة كحد أقصى
في الجولة الموالية، يجب على كل الأفراد المنتمين إلى المجموعات التوافق حول اسم محدد. وفي حال نجحوا في ذلك، تتحصل المجموعة على مكافأة. ونظرا لأن الأفراد المشاركين في التجربة كانوا يكتبون اسما على الشاشة في حين تعرض عليهم أسماء أخرى، تكونت في دماغ كل فرد مكتبة تتضمن الأسماء المقترحة بشكل أكبر من نظيراتها، مما يدفعهم إلى اقتراح هذه الأسماء بدورهم. على هذا النحو، اتفق كل شخص في غضون 10 جولات أو 30 جولة على اسم مثل “سيمونا”. في الوقت نفسه، تشكل لدى الباحث سينتولا أقلية تقترح اسما آخر، ألا وهو “ماري”. وقد تمكن هذا الباحث من خلق أقليات تتكون من 15 بالمائة إلى حدود 35 بالمائة من الأشخاص من ضمن العشر مجموعات.
عندما تقتنع الأغلبية انطلاقا من الأقلية
نشر الباحثون نتائجهم في مجلة “ساينس” العلمية. وخلال اختبار اللعبة على شبكة الإنترنت، حاول الباحثون فرض اسم “ماري” على 25 بالمائة من أعضاء المجموعة. وقد نجحوا في تحقيق ذلك في غضون فترة قصيرة. وفي نهاية المطاف، ذكر 72 بالمائة من الأشخاص إلى حدود 100 بالمائة اسم “ماري” بدلا من الأسماء، التي اقترحوها.
في حال كانت الأقلية صغيرة العدد، فيمكنها أن تقنع 6 بالمائة من الأشخاص من داخل المجموعة كحد أقصى. ومن الواضح أنه عندما ضاعف الباحثون المكافأة إلى حدود ثلاث مرات، اقتنع 25 بالمائة من الأفراد المنتمين للمجموعة بالحفاظ على اسم “ماري”. في هذا الصدد، أفاد سينتولا أنه “في بعض الأحيان يمكن لشخص واحد من أقلية تتكون من 25 بالمائة من الأفراد أن يحقق التغيير، أما في حال كانت نسبة الأقلية أقل، فلا يمكنها إثبات وجودها”.
يمكن للأقليات أن تختلف فيما بينها
من المعروف أن الحياة الواقعية أكثر تعقيدا من الدراسات على شبكة الإنترنت. من هذا المنطلق، يصعب تغيير قواعد لم تتطور خلال 20 سنة أو على امتداد عقود وحتى قرون. من جهة أخرى، لا تملك الأغلبية والأقلية في الحياة الواقعية ما يحفزها للتعاون والعمل المشترك نظرا لوجود اختلافات كبيرة على مستوى العلاقات بين مختلف المجموعات. علاوة على ذلك، تختلف العديد من الأقليات وتتنازع فيما بينها.
لا يعتبر هذا الأمر مهما في إطار السعي لفهم واكتشاف ظواهر مثيرة للقلق على غرار المضايقات على شبكة الإنترنت أو القيام بجرائم عنصرية في الأماكن العامة فحسب
مع ذلك، يعتقد الباحث سينتولا أن نتائج الدراسة تعتبر خطوة مهمة جدا لفهم التغير الاجتماعي والتطورات التي نجمت عنه. على هذا الأساس، يتبين أن نتائج الدراسة تتناقض مع الاعتقاد الراسخ منذ قرون فيما يتعلق بالتغير الاجتماعي. وخلافا للاعتقاد السائد منذ وقت طويل، نحتاج إلى أقل من 51 بالمائة من الأشخاص لإجراء تغييرات سواء كانت على نطاق ضيق أو نطاق واسع.
في الواقع، لا يعتبر هذا الأمر مهما في إطار السعي لفهم واكتشاف ظواهر مثيرة للقلق على غرار المضايقات على شبكة الإنترنت أو القيام بجرائم عنصرية في الأماكن العامة فحسب، بل يمكن أيضا أن يمثل دافعا ومحفزا لإقناع الجميع بفكرة جيدة صادرة عن أقلية، قد لا تتوافق في الغالب مع قواعد راسخة في المجتمع.
المصدر: فيلت