بعد أن أثبت قطاع غزة علو كعبه، وتحديه للضغوطات والابتزازات كافة التي يتعرض لها لتغيير نهج مقاومته مع الاحتلال الإسرائيلي، خاصة درس البطولة الذي يقدمه على الحدود منذ الـ30 من مارس/آذار الماضي ولا يزال يضحي، بدأت الإدارة الأمريكية تنشط في الخفاء وتجهز مبادرات سياسية لإخماد ثورة أهل القطاع.
“إسرائيل” أول المتضررين مما يجري على حدود غزة، فسعت هي الأخرى بالتعاون مع الإدارة الأمريكية ودول عربية لإغراء الفلسطينيين بالمبادرات والحلول السياسية التي تتغلف جميعها بطابع اقتصادي بحت، لتحسين ظروف غزة المعيشية وتقديم تسهيلات قبل الانفجار الكبير.
وكانت صحيفة “معاريف” كشفت في وقت سابق وفقًا لمصادر سياسية إسرائيلية أن مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف يعد خطة كبيرة لبناء مصانع وبنية تحتية لإعادة إعمار قطاع غزة من أموال سيتم تجنيدها من الدول المانحة.
عروض مغرية
ووفقًا للمصادر الإسرائيلية فالمبعوث ملادينوف يعمل دون توقف لإنجاز تلك الخطة التي ترتكز في معظمها على الخطة التي وضعها الحاكم العسكري الأسبق المنسق الجنرال بولي موردخاي، والحديث يدور عن إقامة مصانع وبني تحتية في قطاع غزة وأيضًا في سيناء بأموال يتم تجنيدها من المجتمع الدولي.
جاكي خوجي الخبير في الشؤون العربية في صحيفة معاريف قال: ” الخطة التي تساهم فيها “إسرائيل” والولايات المتحدة والأردن تقوم على ضخ أموال بملايين الدولارات إلى أسواق وبنوك قطاع غزة”
وأشارت معاريف أن المبعوث ملادينوف تربطه علاقات وطيدة مع شخصيات إسرائيلية من بينهم وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، ولكن الموقف الشخصي لليبرمان أنه لا جدوى من إعادة بناء قطاع غزة، ولكنه لن يقف حائلًا أمام خطة ملادينوف.
وكان جاكي خوجي الخبير في الشؤون العربية في صحيفة معاريف قد قال: “الخطة التي تساهم فيها “إسرائيل” والولايات المتحدة والأردن تقوم على ضخ أموال بملايين الدولارات إلى أسواق وبنوك قطاع غزة، وفيما تسعى “إسرائيل” لتخفيض حجم اليأس والإحباط في صفوف الغزيين كي لا تتدهور الأمور نحو مواجهة عسكرية، فالسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس تواصل خنق غزة اقتصاديًا لاعتقادها أن ذلك يضعف حركة حماس، والحقيقة أن كلا الطرفين رام الله وتل أبيب يعملان انطلاقًا من مصالحهما الخاصة”.
وأوضح خوجي أن هذه الخطة التي تسعى “إسرائيل” لتسويقها تتزامن مع توجه مشابه في الإدارة الأمريكية برئاسة الرئيس دونالد ترمب، حيث تواصل منذ شهور صياغة خطة لإيجاد حلول للأزمة الإنسانية الناشبة في غزة، تشمل إقامة منطقة صناعية للعمل من قطاع غزة في سيناء، وفتح المعابر الحدودية بين مصر و”إسرائيل” وبناء محطة تحلية مياه، ومبادرات أخرى.
وناقش المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر “الكابينت” الأحد الماضي عدة مقترحات لتخفيف الحصار على غزة، على الرغم من دخول الحصار سنته الـ12 على التوالي. وفي عرض ثانٍ ذكرت صحيفة “الأخبار” اللبنانية في تقرير لها أن عرضًا أوربيًا قُدم إلى حركة حماس عبر جهة دولية لمواجهة خطوات الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إذا واصل فرض المزيد من العقوبات على القطاع وذهب نحو التخلي عنه كليًا.
المتحدث الرسمي باسم حركة المقاومة الإسلامية “حماس” حازم قاسم قال إن تحسين ظروف الحياة في قطاع غزة واحدة من المسؤوليات الملقاة على كاهل المجتمع الدولي
وفي تفاصيل العرض قالت الصحيفة إن دولًا أوروبية ستتكفل بإدارة شؤون غزة من الناحية الإنسانية والمعيشية، بما في ذلك رواتب جميع الموظفين في القطاع (التابعين للسلطة أو لحكومة غزة السابقة)، لكن بشرط أن تحصل اللجنة الأوروبية حينذاك على إيرادات القطاع كافة التي يجبيها الاحتلال لمصلحة السلطة.
وكي لا تعترض “إسرائيل” – حسب الصحيفة – يتضمن العرض تعهدًا من حماس بعدم استخدام الأدوات العسكرية التي لديها لسنوات عدة أقلها 5 سنوات، ومنع أي تصعيد باتجاه العدو إضافة إلى ضبط الحدود، على صيغة “الأمن مقابل الغذاء”، وبينما لم ترد الحركة على هذا الطرح ووعدت بدراسته، أضافت الجهة المقترحة بندًا مغريًا يتعلق بتخصيص الدعم الأوروبي الذي كان يرسل عبر السلطة إلى غزة – لا سيما في بنود التنمية والتعليم والصحة – للرواتب والمصاريف الإدارية عبر اللجنة نفسها.
المتحدث الرسمي باسم حركة المقاومة الإسلامية “حماس” حازم قاسم قال إن تحسين ظروف الحياة في قطاع غزة واحدة من المسؤوليات الملقاة على كاهل المجتمع الدولي، مشددًا “شعبنا الفلسطيني لن يقبل باستمرار أي صيغة من صيغ الحصار الذي يجب أن يرفع بشكل دائم”.
وأوضح “الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة يتعارض مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وبالتالي رفع الحصار هو حق من حقوق شعبنا في قطاع غزة”. واعتبر أن الحديث عن مشاريع للتخفيف عن قطاع غزة واحدة من ثمار الحراك الشعبي في مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار.
دور مشبوه
بدوره أكد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أحمد المدلل أن حركته لا تعول مطلقًا على أي دور أمريكي يساهم في تحسين ظروف حياة الفلسطينيين، مؤكدًا في ذات الوقت أن الحركة لم تستقبل أي طرح أو ورقة عمل تهدف تحسين الظروف الحياتية بغزة.
لفت القيادي في حركة الجهاد الإسلامي النظر إلى أن أمريكا تمارس دورًا مشبوهًا عندما تتحدث عن إنعاش الوضع بغزة
وقال: “لا يمكن التعويل على دور أمريكي وهي السبب في المأساة التي نعيشها، وأبدت انحيازها الكامل للاحتلال الإسرائيلي في كل المواقف والمستويات، لذلك نحن لن نقبل مطلقًا أي دور أمريكي في حل هذا الصراع”.
المدلل أوضح أن أمريكا عندما تتحدث عن ظروف الفلسطينيين الحياتية السيئة فإنها تدس السم في العسل، مضيفًا: “نحن نؤكد أن مشكلة الفلسطينيين ليست قضية إنسانية حياتية إنما قضية سياسية وطنية، ولا يمكن لأمريكا تقديم أي شيء للتخفيف من مآساتنا التاريخية”.
ولفت القيادي في حركة الجهاد الإسلامي النظر إلى أن أمريكا تمارس دورًا مشبوهًا عندما تتحدث عن إنعاش الوضع بغزة، وتابع: “الهدف الأمريكي الرئيس هو تمرير مشروع صفقة القرن من خلال فصل غزة عن الضفة وهذا ما لا يمكن السماح بحدوثه”.
وبيّن أن الحديث عن تحسين الحياة في غزة يجب أن يكون ضمن رؤية دولية تضمن الحقوق الفلسطينية، وتضمن التزام دولة الكيان بتنفيذ كل القرارات الأممية وقرارات مجلس الأمن الخاصة بحق العودة ووقف الاستيطان وانسحاب الاحتلال.
جدد القيادي في الجهاد الإسلامي تأكيده “مسيرات العودة وكسر الحصار ليست ذات مطلب حياتي، إنما مطلب وطني وهو عودة الحقوق للشعب الفلسطيني وهذا هو المطلب الرئيسي، أما الهدف المرحلي فهو كسر الحصار عن أهلنا وصد صفقة القرن التي تستهدف القضية الفلسطينية”.
المحلل السياسي هاني حبيب قال إن اجتماع الكابينت الإسرائيلي – الذي من اهتماماته القضايا الكبرى التي تخص الدولة العبرية – لبحث ما يسمى “إنقاذ غزة” أو إجراء تسهيلات لقطاع غزة يدل على جدية الخطط التي يتم تداولها مؤخرًا بشأن جملة معطيات تشير لوجود جهد إسرائيلي ودولي وعربي من أجل ما يسمى بـ”إنقاذ غزة” بذريعة الحل الإنساني من أجل وضع غزة كجزء من صفقة القرن الأمريكية.
أشار حبيب إلى أن مسيرات العودة الكبرى عجلت في أن تصبح الخطط الإسرائيلية أكثر واقعية
وأوضح حبيب أن تحرك واشنطن بدأ قبل بضعة أشهر حين أقدمت على عقد مؤتمر “إنقاذ غزة” الذي شاركت به بعض الدول العربية، مؤكدًا أن هناك تفكيرًا أمريكيًا بالولوج إلى “المسألة الغزية” تحت شعارات إنسانية لكي يتم فصل غزة عن القضية الفلسطينية بشكل نهائي.
مشددًا على أن هذه الخطط تهدف إلى تطوير الانقسام الفلسطيني ليصبح انفصالًا فلسطينيًا كاملًا. وعن ارتباط مسيرة العودة بخطة “إنقاذ غزة”، أشار حبيب إلى أن مسيرات العودة الكبرى عجلت في أن تصبح الخطط الإسرائيلية أكثر واقعية، مبينًا أن الاهتمام الإسرائيلي بما يسمى بالحلول الإنسانية للقطاع جرت منذ وقت طويل.
وأضاف: “هناك ترويج من بعض الأطراف الفلسطينية بإمكانية الفصل بين ما هو إنساني وما هو سياسي، والترويج لهذه الفكرة خاطئ وخطير، ولا يوجد أي إمكانية لدينا ولدى أي جهة أخرى للفصل في مثل هذه الأمور بين ما هو إنساني وسياسي، واتخاذ الذرائع الإنسانية للوصول إلى مواقف سياسية”.
نهاية أشار حبيب أن الجانب الفلسطيني لن يخضع لهذا الابتزاز، لأن مثل هذه الأمور ليست تسهيلات وليست منح، بل هي حقوق تخضع للقانون الدولي تجعل دولة الاحتلال مسئولة عن توفير مقومات الحياة للشعب الخاضع لهذا الاحتلال.
ويعاني قطاع غزة، حيث يعيش أكثر من مليوني نسمة، أوضاعًا معيشية متردية جراء الحصار الإسرائيلي المستمر منذ نحو 12 عامًا، إضافة إلى تعثر عملية المصالحة بين حركتي فتح وحماس.