ساعات وتنطلق منافسات كأس العالم 2018 وتبدأ صفحة جديدة في تاريخ المونديال الذي يُعتقد أنه سيكون الأكثر متابعة والأكبر تغطية والأكثر عائدًا نسبة لتطور التكنولوجيا ووسائل النقل التليفزيوني والفضائي، وننتظر جميعًا حكايات مثيرة ومواقف جديدة لتخلد في صفحات كتاب تاريخ كأس العالم.
في الحلقة الأولى استعرضنا معًا بدايات كأس العالم ونشأته، ثم ذهبنا في الحلقة الثانية إلى إسبانيا 1982 لمتابعة باولو روسي وفضيحة خيخون، ثم أخيرًا في الحلقة الثالثة تابعنا حكايات المونديال في الأمريكتين وفضيحة الماركانازو.
والآن حان الوقت لنروي بعض الصفحات من الرواية الخالدة في كأس العالم الخاصة ببعض المواقف، والسر وراء بعض اللقطات الخالدة والجدلية التي أعطت لكأس العالم انطباعًا خاصًا وغيرت في وجهة بطولات.
اللقطة الأولى 1990
مكالمة رئاسية وأشهر رقصة في كأس العالم.. عندما نسمع اسم روجر ميلا تقفز على الفور إلى أذهاننا رقصته الشهيرة عند الراية الركنية بعد إحرازه الأهداف في كأس العالم 1990.
بدأ ميلا مشواره مع المنتخب الكاميروني عام 1978 وشارك في مونديال 1982 في إسبانيا محرزًا أول أهداف الكاميرون في تاريخ المونديال في مرمى بيرو.
ميلا يحتفل احتفاله الشهير
وبعد عدة سنوات يعلن الأسد الكاميروني اعتزاله عام 1989 ليستمتع بقضاء الوقت مع عائلته، ولكن تأتي مكالمة من الرئيس الكاميروني للاعب الأسطورة ليطلب منه المشاركة في كأس العالم 1990 في إيطاليا.
ليعود ميلا إلى اللعب مع المنتخب مقدمًا أروع مباريات عمره ومحرزًا 4 أهداف في مرمى رومانيا وكولومبيا، وأشهرهم عندما قطع الكرة في منتصف الملعب من العقرب المستهتر هيجيتا، ويذهب بعد كل هدف إلى الراية الركنية محتفلًا برقصة الماكوسا الكاميرونية، ويقود منتخب بلاده إلى الصعود لدور الـ8 في كأس العالم وتحقيق أول إنجاز إفريقي كان السبب المباشر في زيادة عدد الفرق الإفريقية في المونديال.
فيديو ملخص لما قدمه ميلا في 1990
وعن الرقصة الشهيرة قال باولو تاكسيرا أحد مصوري كأس العالم 1990: “تلك اللحظة ستظل في أذهاننا، وحقًا غيرت نظرتنا للكرة الإفريقية، ورقصة ميلا ستظل ترمز للفرحة والطاقة الإيجابية”، وبالفعل لا تزال رقصة ميلا إحدى أشهر الاحتفالات في تاريخ المونديال.
اللقطة الثانية 2006
تاريخ أسطوري ونهاية درامية، كما كان أسطورة في ملاعب كرة القدم كانت لحظة توديعه للكرة وخروجه من المستطيل الأخضر لآخر مرة لحظة أسطورية.
بعد تاريخ طويل ومثير وعظيم أعلن زين الدين زيدان اعتزاله في عام 2006 وأن آخر عهده بالملاعب سيكون في ألمانيا حيث يقام كأس العالم.
وبدأت فرنسا – غير المرشحة تقريبًا – المنافسات بمستوى مقبول إلى حد ما حتى الصعود لدور الـ16، وهنا استيقظ المارد بداخل زيدان وقدم مباراة ممتازة أمام إسبانيا اختتمها بهدف في مرمى كاسياس، ثم قدم مباراة عمره أمام البرازيل في دور الـ8 ومقدمًا للعالم أجمع كيفية قيادة ملعب الكرة وحيدًا، ومظهرًا أفضل أداءً فردي للاعب في كأس العالم بعد مارادونا 86، ثم كان الصعود للنهائي على حساب البرتغال.
وبدأ زيزو المباراة النهائية أمام إيطاليا بهدف في مرمى بوفون على طريقة بانينكا ثم كان التعادل من ماتيرازي، وامتدت المباراة لوقت إضافي وكاد أن يفعلها زيدان برأسية أخرجها بوفون بصعوبة من تحت العارضة.
وفي الوقت الذي استعد الجميع لرؤية زيدان يحمل الكأس مختتمًا حياته بطريقة أسطورية، فوجئ الجميع بماتيرازي يسقط أرضًا ثم بطاقة حمراء تشهر في وجه زيزو ليخرج من الملعب مطأطئ الرأس وعلى يمينه الكأس الذهبية كأنها تنظر إليه وتتساءل بحسرة هل تتركني؟
كشف ماتيرازي نفسه في عام 2016 في حديث لصحيفة “ليكيب” الفرنسية بكل بجاحة أن الحديث كان بخصوص أخت زيدان، وأنه يرى أن رد الفعل كان مبالغًا فيه من جانب زيزو
وأوضحت الإعادة التليفزيونية نطحة زيدان في صدر ماتيرازي بعد حديث يبدو مستفزًا من ماتيرازي، وبات العالم كله أيامًا وليالي يتعجب مما فعله زيدان ويتساءل ماذا قال ماتيرازي لزيدان ليخرجه عن شعوره ويحرمه من نهاية تاريخية.
وخرجت الكثير من التفاسير كالعنصرية الدينية من جانب ماتيرازي أو التعرض لسيرة أم زيدان، حتى كشف ماتيرازي نفسه في عام 2016 في حديث لصحيفة “ليكيب” الفرنسية بكل بجاحة أن الحديث كان بخصوص أخت زيدان وأنه يرى أن رد الفعل كان مبالغًا فيه من جانب زيزو.
وأيًا كان الحديث فستظل لقطة خروج زيدان من الملعب نهاية درامية خالدة في ذاكرة كأس العالم تليق بلاعب بحجم زين الدين زيدان.
فيديو يوضح لحظة طرد زيدان
اللقطة الثالثة 1966 (هدف جدلي يعطي إنجلترا كأسها الوحيد)
أخيرًا استضافت إنجلترا مهد كرة القدم المونديال في عام 1966، وبعد بداية مثيرة قبل المونديال بسرقة الكأس ثم العثور عليه بواسطة الكلب بيكيلز كما أوضحت في الحلقة الأولى.
بدأ المونديال والكل يطمع في الحصول على اللقب والتخلص من قبضة البرازيليين في آخر نسختين، إنجلترا بتشكيلة تاريخية وألمانيا والبرازيل، والبرتغال بقيادة الفهد الأسمر إيزيبيو، وبدأت المفاجآت بإصابة بيليه وخروج البرازيل من الدور الأول لتزداد آمال الجميع في التتويج.
ويلتقي الإنجليز بمنتخب الأرجنتين الباحث عن لقبه الأول في دور ربع النهائي، ومن هدف من تسلل واضح من جيف هرست تفوز إنجلترا بالمباراة، وتسمى تلك المباراة في الأرجنتين بسرقة القرن، (بالمناسبة كانت تلك المباراة السبب في ظهور البطاقات الملونة كالإنذار والطرد ولكن لتلك حكاية أخرى نرويها فيما بعد).
فازت إنجلترا بكأسها الوحيدة حتى الآن التي حفظت لها مكانتها بين كبار عالم الكرة رغم خيباتها المتوالية فيما بعد
ثم حانت مباراة النهائي بين إنجلترا وألمانيا في مباراة حملت رقم 200 في تاريخ كأس العالم وتحت أنظار الملكة إليزابيث و98 ألف مشجع وعلى ملعب ويمبلي التاريخي في يوليو 1966.
بدأت المباراة بهدف ألماني ثم التعادل من جيف هرست بعد 4 دقائق فقط، واستمر التعادل حتى الدقيقة 78 حين تقدمت إنجلترا بالهدف الثاني وقبل أن يطلق الحكم صافرته في الدقيقة الـ90 وفي لحظة هيستريا جنونية في المدرجات تخطف ألمانيا هدف التعادل ليعم الصمت المدرجات ويلجأ الفريقان للوقت الإضافي.
وفي الدقيقة 100 يسدد جيف هرست نجم اللقاء تسديدة بعيدة المدى ترتطم بالعارضة ثم ترتد على الأرض ولكن دون تجاوز خط المرمى، ليفاجأ الجميع بحكم الراية السوفيتي باتشرموف بإشارته أن الكرة تجاوزت الخط وأن الهدف صحيح، وسط اعتراضات الجماهير الألمانية الغاضبة وذهول اللاعبين الألمان الذي تسبب هذا الهدف في انهيارهم معنويًا ليستقبلوا هدفًا رابعًا من نفس اللاعب جيف هرست الذي أصبح الوحيد حتى الآن الذي سجل هاتريك في نهائي كأس العالم.
صورة لهدف لا يزال يحير العالم
وتفوز إنجلترا بكأسها الوحيدة حتى الآن التي حفظت لها مكانتها بين كبار عالم الكرة رغم خيباتها المتوالية فيما بعد، ورغم أن مونديال 66 كان الأول الذي ينقل بالألوان فإن جودة التصوير في ذلك الوقت لا تسمح بالحكم على كرة الهدف الجدلي حكمًا صحيحًا ودقيقًا إلا أن الظاهر أن الكرة لم تتجاوز الخط، ويصبح المونديال الإنجليزي مثيرًا قبل بدايته ومثيرًا في نهايته.
فيديو لهدف جيف هيرست الجدلي
اللقطة الرابعة 1986.. 4 دقائق فقط الفارق بين أخبث أهداف كأس العالم وأعظمها
مونديال 1986 أو مونديال مارادونا وأفضل أداء فردي للاعب في تاريخ المونديال، فبعد استبعاده من مونديال 78 لصغر سنه وطرده في مونديال 82 وخروج الأرجنتين، جاء العام 86 ليظهر مارادونا قمة نضوجه الفني وقدرته على قيادة منتخب التانجو في المكسيك.
5 أهداف و5 تمريرات حاسمة كانت حصيلة مارادونا في المونديال، ولكن اللحظة الأهم في تاريخ دييجو كانت في مباراة إنجلترا في الدور ربع النهائي، وشهد العالم قبل المباراة أجواءً مشحونة على خلفية حرب الفوكلاند (حرب عسكرية بين إنجلترا والأرجنتين من أبريل حتى يونيو 1982 انتهت بهزيمة عسكرية للأرجنتين) كانت الأرجنتين بقيادة مارادونا أعظم لاعبي العالم في وقتها وإنجلترا بقيادة جاري لينكر هداف هذه النسخة من كأس العالم.
قال مارادونا عن الهدف الأول إنها يد الله، قاصدًا انتقام الرب للأرجنتين من إنجلترا بعد حرب الفوكلاند ومباراة مونديال 1966
في الدقيقة 51 من عمر المباراة ينطلق مارادونا من منتصف الملعب ويمر من 3 لاعبين ويمرر الكرة إلى فالدانو لتصله الكرة مجددًا من قدم مدافع إنجلترا، في هذه اللحظة يخرج بيتر شيلتون الحارس العظيم للإمساك بالكرة ولكن يد مارادونا كانت أسبق، وبكل خبث يضع الكرة بيده في الشباك ويجري محتفلًا بالهدف وسط اعتراض جاري لينكر ولاعبي إنجلترا على الحكم التونسي علي بن ناصر.
ولم تكد تمر 4 دقائق فقط وفي الوقت الذي لا يزال المشاهدون في العالم أجمع يتجادلون بشأن صحة الهدف الأول، إذ بمارادونا يستلم الكرة من قبل خط المنتصف وينطلق مراوغًا كل من يقابله من اللاعبين الإنجليز حتى إنه راوغ شيلتون نفسه قبل أن يضع الكرة بالشباك محرزًا أعظم أهداف كأس العالم حتى اليوم.
لحظة وضع مارادونا هدفه الشهير باليد
قال مارادونا عن الهدف الأول إنها يد الله، قاصدًا انتقام الرب للأرجنتين من إنجلترا بعد حرب الفوكلاند ومباراة مونديال 1966. بينما قال الحكم التونسي علي بن ناصر عن الهدف الأول إنه شعر بشك في الهدف لا يصل إلى اليقين أن مارادونا لعبها بيده، وعندما نظر إلى حكم الراية ليستعين برأيه وجده لا يعترض على الهدف فأطلق صافرته محتسبًا الهدف الأول.
وقال أيضًا إنه كاد أن يفسد الهدف الثاني أعظم أهداف كأس العالم لأنه كاد أن يطلق الصافرة محتسبًا خطأ لصالح مارادونا 3 مرات قبل أن يتراجع، آخرها قبل مراوغته لشيلتون كاد أن يحتسب ركلة جزاء وتراجع بعدما رأى مارادونا يمر من الحارس. لم يشفع لإنجلترا بعدها الهدف الذي أحرزه جاري لينكر ليصعد منتخب التانجو ويكمل طريقه للفوز بالبطولة.
حاول الإنجليز بعدها في مونديال 98 تشبيه هدف مايكل أوين في مرمى الأرجنتين بهدف مارادونا، ولكن هيهات هيهات، فالهدف الأعظم لا يزال في ذاكرة عشاق الكرة، ولا يزال أي هدف به بعض المراوغات يسمى هدف مارادوني نسبة إلى اللاعب الأكثر جدلًا في تاريخ كرة القدم.
فيديو يوضح هدفي مارادونا التاريخيين
كانت هذه نقطة في بحر الذكريات، بعض وليس كل اللقطات الجدلية في كأس العالم، وإلى لقاء قريب لنتذكر سويًا بعض اللقطات واللحظات المهمة في تاريخ المونديال الطويل.