تعد الموصل ثاني أكبر المدن بعد العاصمة بغداد، ولكن الموصل خرجت عن سيطرة الدولة العراقية في يونيو/حزيران 2014، وبقيت تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، لقرابة ثلاث سنوات.
لمحة موجزة عن مدينة الموصل
لم تُعرف مدينة الموصل على مدار التاريخ، إلا بأنها مدينة العلم والثقافة، فضلًا عن أن أهلها يعرفون بالالتزام بالقوانين وتطبيق النظام، وفي تقرير للكاتبة منى علمي تتحدث فيه عن البُعد الثقافي والفني والجغرافي للمدينة جاء فيه:
“اشتهرت الموصل قبل احتلال داعش بالمثقفين والمبدعين والفنانين، فالموصل هي مسقط رأس المهندسة المعمارية العالمية الشهيرة زها حديد (ابنة السياسي والاقتصادي اللامع الراحل محمد حديد) والمطرب الموسيقار كاظم الساهر، وفي العصور الأقدم الموسيقيان الشهيران إبراهيم وإسحاق الموصلي.
كما نبضت المدينة في الماضي بالثقافة والعلم منذ أن أسس فيها الملك الآشوري آشوربانيبال أول مكتبة معروفة في العالم تحتوي على آلاف الرقم والصحف، وهي مدينة الشاعر السري الرّفاء والمؤرخ ابن الأثير (المولود في جزيرة ابن عمر على الحدود التركية العراقية حاليًّا) وأبو يعلى الموصلي والشيخ فتحي العلي وقضيب البان والإمام يحيى أبو القاسم والشيخ الرضواني والموسيقي عثمان الموصلي وغيرهم من العلماء والمفكرين والمبدعين”.
وبعد حديثها عن الثقافة والعلم والفن تضيف الكاتبة منى علمي، لمحة موجزة عن سكان المدينة وبيئتها قائلة: “الموصل هي مركز محافظة نينوى وثاني أكبر مدينة في العراق من حيث عدد السكان، إذ يقطنها نحو مليونين”.
تتميز الموصل بموقع جغرافي متميز، إذ يمر نهر دجلة داخل المدينة ويقسمها إلى ضفتين متساويتين تقريبًا (الساحل الأيمن) الغربي (والساحل الأيسر) الشرقي
وتتميز المدينة بتنوع تركيبتها المجتمعية، حيث يمثل العرب الغالبية العظمى من سكان المدينة، بالإضافة إلى الأكراد والشبك والتركمان والإيزيديين في مناطق سنجار والشيخان.
كما تتميز بالتركيبة الفسيفسائية للديانات الموجودة فيها، وأكبرها الإسلام وتليه المسيحية والإيزيدية، إضافة إلى وجود عوائل قليلة من طائفة الصابئة المندائيين، وتتميز الموصل بموقع جغرافي متميز، إذ يمر نهر دجلة داخل المدينة ويقسمها إلى ضفتين متساويتين تقريبًا: (الساحل الأيمن) الغربي (والساحل الأيسر) الشرقي.
كذلك تقع الموصل في موقع إستراتيجي مهم، حيث تربط العراق بسوريا عن طريق معبر ربيعة الحدودي، وترتبط بحدود مع محافظات دهوك وأربيل وكركوك من الجهة الشمالية والجنوبية الشرقية، وترتبط بالجنوب بمحافظة صلاح الدين ومنها إلى مدينة بغداد.
مدينة الموصل هي مركز محافظة نينوى التي تضم تسعة أقضية هي: الموصل وتلعفر والحمدانية وتلكيف والحضَر وسنجار والبعّاج ومخمور والشيخان، وتتميز الموصل بوجود منطقة سهلية من أهم المناطق الزراعية في العراق، بل تعد سلة خبز العراق، بحسب العابد، وذلك بسبب اعتدال طبيعة الجو ما أكسبها لقبها “أم الربيعين” ووجود نهر دجلة وروافده، إضافة لوجود المشاريع الإروائية الكبيرة فيها.
لعل ما يميز الموصل كمدينة حضارية قديمة، أنها متعددة الثقافات والقوميات والأديان، تمثل بيئة تعايش وانسجام بين قومياتها ومذاهبها، فضلًا عن أنها تمتاز بالموقع الجغرافي وانقسام المدينة الى شطرين: أيمن وأيسر.
الصورة من مهرجان القراءة الأول بعد تحرير الموصل
ما الأسباب الرئيسية لسقوط الموصل؟
لم تدخلْ داعش إلى الموصل بشكل مفاجئ، وإنما كانت الأحداث قبل احتلال الموصل تشير إلى حدوث انهيار في المدينة، لم يكن متوقعًا أن تسقط المدينة بهذه السرعة، لتبدأ عصرًا جديدًا من عصور الظلام، وللإشارة الى أهم الأسباب التي أدت لسقوط الموصل، ذكرت مجموعة من الأسباب في تقرير رسمي صادر عن مجلس النواب نذكرها إجمالًا:
1. فشل الدولة العراقية في تقويض سيطرة داعش.
2. الحالة الاقتصادية التي كان يتمتع بها التنظيم من خلال حصوله على المال من المواطنين عن طريق الإتاوات التي كان يفرضها، أو عن طريق الموظفين الوهميين.
3. مشاركة اللواء مهدي الغراوي في إطلاق سراح العديد من قيادات داعش مقابل مبلغ من المال.
4. فساد المؤسسة العسكرية، فقد كان كثير من الجنود يدفعون نصف رواتبهم، مقابل ألا يؤدوا واجباتهم.
5. الصراع الحاصل بين السلطة المحلية والعسكرية في المدينة.
6. فشل القوات الأمنية في حماية الأقليات التي تعرضت للابتزاز.
7. الاعتقالات العشوائية التي كانت تقوم بها القوات الأمنية ضد المواطنين، وكثير منها دون أمر القاضي.
8. استطاع تنظيم داعش أن يفجر ثلاثة جسور في محيط الموصل وسيطرته على بعض الأقضية وانسحابه منها.
كل هذه الأسباب قبل أن يبدأ تنظيم داعش هجومه على الموصل وسيطرته عليها بالكامل، فضلًا عن غليان الشارع نتيجة للتظاهرات التي قامت قبل سنوات من دخول داعش للمدينة، مما مهدتْ الأجواء وجعلت الشارع يغلي بشكلٍ أو بآخر.
استمرت الاشتباكات وخصوصًا في الجانب الأيمن للمدينة، ومن جهتها قصفت القوات العراقية المناطق التي تمركز بها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”
لمحة موجزة عن هجوم تنظيم داعش على الموصل
على حين غفلةٍ، أعلنت قيادات العمليات في نينوى حظر التجوال في المدينة، كفعل احترازي قامت به، بعد أن هجم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على مدينة سامراء والسيطرة عليها، وانسحب منها بعد مدة قصيرة جدًا.
خرج محافظ نينوى آنذاك أثيل النجيفي بالتصريح التالي: “لا يوجد مسلحون لا في الموصل ولا على أطرافها”، ويؤكد أن السلطات الأمنية (قيادة العمليات الثلاثية) فرضت حظر التجوال فيها كـ”فعل احترازي” في هذه المدينة التي تشكل عاصمة المحافظة وتقع على بعد 400 كيلومتر شمال بغداد وتعتبر ثاني كبريات المدن العراقية) وقد كانت هذه التصريحات في 5 من يونيو/حزيران 2014.
جرى ما لم يكنْ بالحسبان، وجرت الرياح بما لا تشتهي السّفن، فقد شن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” هجومًا على مدينة الموصل، وقد كان الهجوم عبارة عن مجموعة تابعة للتنظيم، شنت هجومًا، على مناطق متفرقة من الموصل (مشيرفة و17 تموز والهرمات وحي التنك وحي العريبي وحي الزهراء وحي التحرير)، أتى هذا الهجوم بعد يوم من حظر التجوال، وبعد يوم واحد من شن التنظيم على مدينة سامراء.
استمرت الاشتباكات وخصوصًا في الجانب الأيمن للمدينة، ومن جهتها قصفت القوات العراقية المناطق التي تمركز بها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وأخذت الاشتباكات تتوسع، وخصوصًا في يومي 7 و8 من يونيو/حزيران، بدأ الناس بالنزوح من مناطق الصراع، كانت ليالي عصيبة على مدينة الموصل، لم تكن الساعات تمر بسهولة على أهل هذه المدينة.
كان على الموصل وأهلها، أن يعيشوا ثلاث سنواتٍ عجاف، في ظل تنظيم لا يعرف لغة للتفاهم غير السيف
وفي يوم 9 من يونيو/حزيران 2014، انسحبت الشرطة الاتحادية من مقراتها، بعد أن أحرقتها، تاركة وراءها مصير مدينة وأهلها، وأخذت الأحداث تتسارع، وكأن تاريخًا جديدًا سيكتب في الموصل، ولكنه سيكتب بالدم والدمار والخراب، وستدخل المدينة سنوات عجاف، لا يعلم نهايتها أحد.
لم تتوقف الأحداث بهذه السهولة، بل أخذت تتسارع، فالقوات الأمنية بدأت تنهار بسرعة مخيفة ومفاجئة، منبئة بحدوث كارثة وفاجعة كبيرة تحل على الموصل الحدباء، وفي يوم 10 من يونيو/حزيران 2014، حدث ما لم يكن يفكر به أحد في يوم من الأيام، أن تصبح ثاني أكبر مدينة في العراق، خارج سيطرة الدولة العراقية، فقد انهارت القوات التي كان تعدادها يقدر بثلاث فرق من الجيش والشرطة (ما بين 40 – 50 ألف مقاتل) مجهزة بأحدث ما أنتجته مصانع السلاح الأمريكي التي أصيبت بـ”انهيار أمني كامل” حسب تعبير وزارة الخارجية الأمريكية.
القصة لم تكتمل إلى هنا، كان على الموصل وأهلها، أن يعيشوا ثلاث سنوات عجاف، في ظل تنظيم لا يعرف لغة للتفاهم غير السيف، ودخلت الموصل بنفق مظلم، خرجت منه ولكن بحرب أكلت الأخضر واليابس.
مستقبل الموصل بعد تحريرها من تنظيم داعش
انتهت السنوات العجاف، ومرت ذكرى احتلال الموصل من داعش بلا داعش، لكن بعد تحرير الأرض، يتساءل الكثير، ما مستقبل المدينة؟ وأين تتجه فيها عجلة الحياة؟ وللحديث أكثر عن هذا الموضوع توجهنا بالسؤال للناشط الإعلامي عماد الشمري، وأجابنا بالتالي: “كل الأمور في مدينة الموصل بعد إعلان انتهاء العمليات العسكرية فيها وطرد داعش، لا تزال في تخبط، وصورة ضبابية بعيدة عن أي تحسن، رغم عودة الحياة لجانبها الأيسر وانطلاق بعض مشاريع الإعمار، ما يحدد شأن الموصل هو علاقتها السياسية ببغداد، وكيف تنظر بغداد إلى الموصل اليوم وغدًا”.
رغم ذلك كله أثبت المجتمع الموصلي أمام نفسه والعالم أنه قادرٌ على إعادة الحياة والنهوض من الركام وصنع السلام والتعايش السلمي بين مكوناته جمعاء
“حكومة بغداد إلى اليوم تهمل الموصل وتعرقِل الكثير من الأمور، والدليل عدم إطلاق ميزانيتها التشغيلية ورواتب موظفيها المدخرة، وحجب رواتب الآلاف من أهلها، بحجة عدم خروج التصريح الأمني، وعدم انطلاق عمليات جديّة لإعمارها، وفتح دوائر الدولة المهمة كالبنوك والتسجيل العقاري وغيرها من الدوائر المهمة”.
وأضاف الشمري أن بغداد إلى اليوم لم تعمل بصورة جدية على عودة الحياة للمدينة بأشكالها كافة، ولم تقضِ على أسباب نشوء تنظيم داعش الذي فتك بالمدينة. ورغم ذلك كله أثبت المجتمع الموصلي أمام نفسه والعالم أنه قادرٌ على إعادة الحياة والنهوض من الركام وصنع السلام والتعايش السلمي بين مكوناته جمعاء.
ولكن لا يكفي ذلك فمدينةُ الموصل إلى الآن لا تمتلك بوصلة سياسية قوية موحدة كفء توجه المدينة في إرجاع حقوق أهلها، والتأثير على بغداد وبقية الأطراف والتواصل مع العالم من أجل طلب الدعم الدولي لها.
لكل بداية نهاية، دخل التنظيم المدينة وكان يظنّ أنه سيبقى خالدًا في المدينة جاثمًا على صدر أهلها، ولكن مراده لم يتحقق وخرج منها بعد معاناة كبيرة، وضحايا بعشرات الآلاف، وعادت الموصل، ولكن ما زالت الآلام قائمة ومتجذرة، ولكن يبقى أن تلتفت الدولة العراقية للموصل وتساهم بإعادة إعمارها لتعود للمدينة بهجتها وسرورها.