ترجمة حفصة جودة
من السهل إلقاء اللوم على “الغرباء”، فتكتلات النفط مسؤولة عن تدمير أراضي غرب إفريقيا، وصندوق النقد الدولي السبب في إفقار الدول العربية والقوى الغربية مسؤولة عن غزو أراضي الشرق الأوسط والتسبب في معاناة مئات الآلاف من المسلمين، وبالنسبة للبنانيين، فدائمًا يلومون الآخرين على مآسيهم، إما “إسرائيل” أو السوريين أو الأمريكيين أو الأمم المتحدة، كل ما سبق يعد صحيحًا.
لكن لأول مرة في الشرق الأوسط، فلبنان مسؤول وحده عن تدمير تراثه وأرضه وجباله، وذلك بنهب صخوره ورماله لبناء التكتلات السكنية الشاهقة والبيوت الخاصة، لذا فالسبب في انتهاك الطبيعة في البلاد جشع ونفاق اللبنانيين فقط.
لكن ما السبب وراء هذا الجنون الجماعي والانتحار الوطني الشامل؟ الأمر ليس حكرًا على لبنان وحده، فهناك الكثير من الأمثلة على هذا الجنون مثل البريكست وانتخاب الرجل المجنون رئيسًا للولايات المتحدة واستعداد العالم لرفع حرارة الأرض من أجل الربح والتهديد بحرب نووية ثانية.
اتضح أن هناك مجموعة من الجبال شمال مدينة العاقورة لم تتعرض للتلوث، هذه الجبال معرضة لتدمير الجرافات والناقلات
ومع ذلك فهناك ما يجعل لبنان حالة خاصة ويرجع ذلك إلى تاريخه وقلاعه وطعامه الرائع وأنهاره وبحيراته وشعبه المتعلم والموهوب وجباله الخلابة، مما يضعه دائمًا تحت المجهر. بعد يومين من تحقيقات صحيفة “الإندبندنت” عن الدمار الشامل في جبال ووديان لبنان؛ اتضح أن هناك مجموعة من الجبال شمال مدينة العاقورة لم تتعرض للتلوث بعد وتتميز بصخورها الثمينة وغاباتها القديمة الممتلئة بأشجار العرعر؛ هذه الجبال معرضة لتدمير الجرافات والناقلات.
كان القرويون يعتقدون أنهم منعوا حدوث ذلك حتى اكتشفوا أن رئيس المجلس المحلي للمدينة منصور وهبي أعلن في صحيفة لبنانية ناطقة بالفرنسية أنه ينوي تحويل جزء من تلك الجبال إلى بحيرة سياحية ومنطقة رياضية، وهذه الصخور المأخوذة من الأرض – التي يبلغ ارتفاعها 1800 متر فوق سطح الأرض – ستُباع.
وبسؤاله عن خطة بيع تلك الصخور لشركة خاصة من أجل بناء سد حكومي أجاب وهبي أن له الحق في بيع تلك الصخور لمن يريد، وعند سؤاله عن تفاصيل البيع والصفقة أجاب “هذا ليس من شأنكم”.
تدمير جبل ميروبا في لبنان
ردت إحدى الحركات البيئية اللبنانية بعنف على ذلك وقالت إن ذلك يعد انتهاكًا لقانون الغابات في البلاد وهذا المشروع يعد انتحارًا مجانيًا لعاقورة، وقال ناقد آخر إن البحيرات الصناعية ليس لها أي استخدام على هذا الارتفاع ولم يحدث أن بنى أحدهم منطقة رياضية على ارتفاع 1700 متر، حينها شعر وهبي أن تصريحاته تسببت في أزمة علاقات عامة فقال إنه سيكون هناك دراسة أخرى للمشروع.
لكن عندما يتعلق الأمر باستهلاك تجار الرمل والصخور لأرض لبنان بأكملها فأي دراسة ستفيد مع هذا العمل المجنون؟ يقول وليد جنبلاط زعيم الدروز في لبنان وأحد قادة المعارضة في البلاد – إن الأمر لا يتوقف على تدمير الجبال فقط، لكن البحيرات الطبيعية تُخصخص أيضًا كما تتعرض المباني القديمة للتدمير، إضافة إلى ذلك يتم إلقاء أطنان من القمامة في البحر، ولحسن الحظ فجبل الشيخ خارج هذا الدمار بسبب الحرب حيث يمتد حتى مرتفعات الجولان السورية الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي، هذا يعني أن خطوط الحرب الأمامية القديمة تحمي الطيور والحياة البرية والغابات، فمن سيجرؤ على التنقيب في حقل ألغام.
اللبنانيون وحدهم الملومون على تلك الحماقة وهم وحدهم يستطيعون منع هذا الدمار
ما يربكني هو السبب النفسي وراء ذلك، فقبل عدة سنوات في أثناء الحرب الأهلية في لبنان كنت أرسل تقريرًا إلى لندن من مكتب بريد في مدينة صور عندما اقترب مني رجل ضخم مسلح وسألني: هل تعرف ما مشكلة لبنان؟ فأجبت بالنفي، فقال: “إنه الدولار”، اعتقد أنه كان محقًا.
يضع الكثيرون نصب أعينهم الفرصة الكبيرة ويحاولون الاستفادة من الأصدقاء والجيران لتحقيق مكاسبهم الخاصة بينما يظهرون الندم على أفعالهم، ويقول الكثيرون لو كان هناك تنفيذ للقانون لما حدثت محاولات اختراقه، وبالمثل يقول البريطانيون لو لم يكن هناك الكثير من المهاجرين لما تركنا الاتحاد الأوروبي، وكذلك يقول الأمريكيون لو لم تحكم النخبة أمريكا لفترة طويلة ما كان الرجل المجنون ليوجد في البيت الأبيض.
يحدث هذا التدمير الذاتي عندما يفسح المنطق المجال لمشاعر الغضب والطائفية والجشع، فحرب لبنان الأهلية كانت صراعًا طائفيًا تسبب فيه الإحباط السياسي وجشع الناس تجاه ممتلكات وأراضي غيرهم، لكن التدمير الذاتي في لبنان اليوم يحدث دون أي تدخل أجنبي، لذا فاللبنانيون وحدهم الملومون على تلك الحماقة وهم وحدهم يستطيعون منع هذا الدمار.
وبالمثل إذا سافرت إلى دمشق عبر الطريق الدولي القديم تجاه حمص، فسوف ترى المحاجر وسرقة الصخور في سلسلة الجبال الواقعة على الجانب الشرقي المقابل للبنان، بالطبع هناك الكثير من الأجانب في الصراع السوري الآن لكن الله وحده يعلم ما سيحدث لجبال سوريا عندما تنتهي تلك الحرب.
المصدر: إندبندنت