بعد طول انتظار وتأجيل متكرّر، أفصحت لجنة الحريات الفردية والمساواة التي أحدثتها مؤسسات الرئاسة التونسية، عن تقريرها النهائي المتعلّق بحقوق المرأة والمساواة التامة بينها وبين الرجل، ليعود بذلك الجدل إلى هذا البلد العربي، نتيجة رفض عديد من التونسيين لما تضمنه التقرير.
المساواة في الميراث
تقرير اللجنة التابعة للرئاسة تضمّن العديد من المقترحات الإصلاحية لعدد من التشريعات، أهمها المساواة في الميراث وإلغاء عقوبة الإعدام، وقدمت اللجنة الرئاسية تقريرها للرئيس السبسي يوم الجمعة الماضي في انتظار إحالته للبرلمان التونسي.
وجاء في التقرير، أنه رغم الإصلاحات التي طرأت على التشريع التونسي بعد الاستقلال عام 1956، خصوصًا بإنشاء مجلة الأحوال الشخصية ومنع تعدد الزوجات، لم يواكب في بعض الجوانب التحولات العميقة التي طرأت على البنية الاجتماعية.
ويقترح التقرير مشروع قانون ينص على المساواة في الميراث بين الرجال والنساء الذين تربطهم صلة قرابة أولى، أي الأشقاء والشقيقات والأبناء والبنات والأب والأم والزوج، ويتوافق التشريع التونسي الحاليّ مع ما جاء في القرآن الكريم في أن للمرأة نصف نصيب أشقائها الذكور.
اقترحت اللجنة إلغاء التمييز في قانون الجنسية التونسية
والمشروع الذي تقترحه اللجنة الرئاسية يترك للأفراد الذين يرفضون هذه المساواة حرية توزيع الميراث بشكل مختلف، ويعلّل التقرير المساواة في الميراث بتغيُّر المجتمع وتطوّر دور المرأة التي أصبحت تتقاسم مع الرجل المسؤوليات المالية داخل الأسرة.
وأكد نص التقرير الدور الفاعل للمرأة في المجتمع والحياة الاقتصادية، مضيفًا “دخول المرأة سوق العمل مكن من زعزعة المشهد التقليدي الذي كان يقوم على مبدأ تقسيم جنسي للوظائف، ولم يعد الزوج أو الأب المسؤول الوحيد عن تسيير المؤسسة العائلية”، وشدد على أنه “من المهم أن نهتم بهذه التغيرات وأن نؤسس لقوانين جديدة تساعد هؤلاء الفاعلين وتمكنهم من الاندماج بطريقة عادلة وسليمة داخل المجتمع”.
وينص الفصل 46 من الدستور التونسي الجديد: “تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها، تضمن الدولة تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات، تسعى الدولة إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة، تتخذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة”، فيما ينص الفصل 21 على: “المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز”.
نص التقرير على إلغاء المهر
وترى ناشطات نسويات في تونس أن المساواة في الميراث جزء من حق المساواة الذي ينص عليه الدستور التونسي والاتفاقيات الدولية، وعدم المساواة في الإرث بين الجنسين يعد نوعًا من أنواع الاستغلال الاقتصادي للمرأة، ويطالبن بالمساواة خاصة أن هذه المسألة قابلة للتنفيذ في تونس بحكم التطور الذي تعيشه البلاد، حسب قولهن.
للمرأة الحق في منح ابنها الجنسية التونسية
إلى جانب المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، اقترحت اللجنة إلغاء التمييز في قانون الجنسية التونسية من خلال إقرار حق الطفل المولود بتونس في الحصول على الجنسية التونسية إذا كانت أمه وأحد جديه للأم مولودين بها أيضًا، إلى جانب الاعتراف للأجنبي الذي يتزوج من تونسية بحق الحصول على الجنسية التونسية.
كما تضمن التقرير، إرساء نظام موحد لضم الأبناء للجنسية التونسية المكتسبة من أحد الوالدين، وإرساء نظام موحد لسحب آثار فقدان الجنسية وإسقاطها على أفراد العائلة، بالإضافة إلى إلغاء التمييز في مركز الأجنبي المتزوج من تونسية من خلال إقرار الحق في الإقامة العادية بتونس، وإقرار حق الزوجة التونسية في إيواء أقارب زوجها الأجنبي.
شروط الزواج وإلغاء العدّة
ينص التقرير على إلغاء التمييز في شروط الزواج من خلال إعادة تنظيم المهر بتخليصه مما هو “مخل بكرامة المرأة” وتحقيق المساواة التامة بين الأب والأم على زواج طفلهما القاصر وكذلك إقرار حق الأم لوحدها في الموافقة على زواج القاصر في حالة وفاة الأب أو فقدانه الأهلية أو غيابه.
كما يقترح المشروع، إعفاء الأرملة من عدة الوفاة قبل الدخول وإلغاء عدة الفقدان “انعدام معناها ما دام الحكم بالفقدان يصدر بعد مدة لا تقل عن العام في أغلب الأحيان”، وإلغاء نظام رئاسة الزوج للعائلة والاكتفاء بالتنصيص على قيم التعاون في تسيير شؤون الأسرة بين الزوجين.
يستند قانون الميراث الحاليّ في تونس على القوانين الصادرة عن مجلة الأحوال والمستلهمة أساسًا من النص القرآني
ينص التقرير أيضًا، على إلغاء التمييز في العلاقة بالأبناء من خلال إقرار حق الأم في التصريح بولادة ابنها وإقرار مصلحة الطفل كمعيار وحيد لتحديد الطرف الأصلح بحضانته، كما يقر مشروع القانون وإلغاء نظام رئاسة الزوج للعائلة وإلغاء واجب الإنفاق على الزوجة إذا كان لها دخل يغنيها عن الحاجة إلى النفقة، ويقترح تحقيق المساواة في استحقاق النفقة بين أصول الأب وأصول الأم.
إلى جانب إلغاء التمييز في الواجبات الزوجية بإلغاء الإحالة إلى العرف والعادة لتحديد الواجبات، فضلاً عن إلغاء التمييز في العلاقة بالأبناء من خلال إقرار حق الأم في التصريح بولادة ابنها، وإقرار مصلحة الطفل معيارًا واحدًا لتحديد الطرف الأصلح بحضانته.
جدل كبير
مقترحات هذه اللجنة، أثارت جدلاً كبيرًا في تونس، حيث جدّد العديد من التونسيين رفضهم لهذه المقترحات وعمل اللجنة ككل باعتبارها لجنة تسعى إلى تهديد التماسك المجتمعي، وإثارة المسائل الهامشية في تونس للتأثير على عموم الناس، وإبعادهم عن القضايا المهمة التي تعرفها بلادهم.
وسبق لمفتي الجمهورية التونسية عثمان بطيخ أن علق على مقترح المساواة في الميراث وقال: “الموضوع غير مناسب لا الآن ولا لاحقًا، القرآن صريح في ذلك، هذا حكم ربنا لا يمكن أن نغيره، كما 1+1= 2، لا يمكن أن نقول 3 ولا 6″، ودعا بطيخ النواب إلى إيجاد حلول للمشكلات الجوهرية بالبلاد بعيدًا عن إثارة إشكاليات هامشية “نحن في غنى عنها”، بحسب قوله.
هذه اللجنة أثارت مسائل هامشية
وتشكّلت هذه اللجنة في آب/أغسطس 2017، بأمر من الرئيس الباجي قائد السبسي، وكلّفها بإعداد تقرير يتضمن إصلاحات تشريعية متعلقة بالحريات الفردية والمساواة بما ينسجم مع نص الدستور التونسي الصادر عام 2014، وجاء تشكيل اللجنة دعوة السبسي ضرورة بحث ملف المساواة في الميراث معتبرًا أن تونس تتجه لا محالة باتجاه المساواة في المجالات كافة.
ويستند قانون الميراث الحاليّ في تونس إلى القوانين الصادرة عن مجلة الأحوال الشخصية التي أعلنها الرئيس السابق الحبيب بورقيبة في 13 من أغسطس/آب 1956 والمستلهمة أساسًا من النص القرآني، وطيلة العقدين الماضيين، نادت منظمات عدة في المجتمع المدني بينها “النساء الديمقراطيات”، بضرورة سنّ قوانين للمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، من دون أن تلقى مطالبها صدى.