أن توضع في ثلاجة الموتى وأنت حي، ويكتب عليك شهيد مجهول رقم 6، وتشعر بكل ما يجري حولك وتعاني من آلام خمس إصابات، شيء لا يصدقه العقل، فكيف بمن عاش كل تفاصيلها؟
إسلام الدغمة “18 عامًا” من سكان مدينة خانيونس، توجه صباح يوم الـ14 من مايو إلى الحدود الشرقية للمحافظة، للمشاركة في مسيرة العودة الكبرى المطالبة بحق الشعب الفلسطيني في الرجوع إلى أراضيه المحتلة عام 1948، وفق القرارات الدولية.
تقدم الشاب الدغمة كباقي المتظاهرين السلميين باتجاه الحدود الفاصلة بين قطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948، وفي أثناء تقدمهم بدأت قوات الاحتلال بإطلاق النار عليهم بشكل مباشر وكثيف، فأصيب إسلام الدغمة بأول رصاصة في يده اليمنى، فصرخ بالموجودين أنه أصيب، وأصبح يركض نحوهم، وفي أثناء ركضه أطلق قناص إسرائيلي الرصاصة الثانية على قدمه اليمنى.
لم يكتف القناص الإسرائيلي بالطلقتين اللتين أصابتا إسلام، بل أطلق رصاصة ثالثة أصابت فخذه الأيمن، وما إن بدأ بالسقوط حتى أصيب برصاصتين أخرتين في منطقه أسفل البطن.
استهداف الطاقم الطبي
“بعد أن سقطت على الأرض، أتت مسعفة لتقديم العلاج لي، وما إن بدأت بإسعافي حتى أطلق القناص الإسرائيلي النار عليها، فأصيبت برصاصة اخترقت يدها، ومن ثم اخترقت يدي اليمنى المصابة أساسًا” تحدث إسلام بصوت منهك من الألم.
لم يطل الوقت كثيرًا حتى نقل الشاب المصاب إلى سيارة الإسعاف على يد متظاهري آخرين، ومن ثم نقل إلى المستشفى الأوروبي شرق خانيونس الذي كان يعاني من حالة فوضى شديدة، جراء عدد الإصابات الكبير الذي نقل إليه منذ ساعات الصباح جراء العنف الشديد الذي وجهه الاحتلال الإسرائيلي للمتظاهرين السلميين على الحدود الشرقية للقطاع غزة يوم 14 من مايو.
لم تنته معاناة إسلام عند هذا الحد، بل ما زال يحتاج للعديد من العمليات الجراحية لمعالجة جروحه المختلفة التي خلفتها الرصاصات المخترقة لجسده
شهيد مجهول رقم 6
على سرير المستشفى، بجسد ممزق بالإصابات وبوجه أنهكه الألم وصوت أعياه التعب، سرد علينا إسلام الدغمة حكاية الشهيد المجهول رقم 6 قائلًا: “عند وصولي إلى المستشفى الأوروبي، تم وضعي مع الشهداء في ثلاجة الموتى، وكتب على كتفي شهيد مجهول رقم 6، وبقيت كذلك، حتى رفع أحد أقاربي الغطاء عني، فوجدني أتحرك وأتنفس، فاستدعى الطبيب الذي عاين حالتي، وأمر بنقلي إلى مستشفى ناصر وسط مدينة خانيونس”.
وفور وصول الشاب المصاب إلى مشفى ناصر، خضع للعديد من العمليات الجراحية، كان أولها في منطقة أسفل البطن، حيث خضع لعمليتين مختلفتين، ثم أخضع لعمليات جراحية في قدمه ويده.
معاناة مستمرة
لم تنته معاناة إسلام عند هذا الحد، بل ما زال يحتاج للعديد من العمليات الجراحية لمعالجة جروحه المختلفة التي خلفتها الرصاصات المخترقة لجسده، وتلك العمليات لا يمكن إجراؤها في قطاع غزة نتيجة الإمكانات الشحيحة والظروف الصعبة التي يمر بها القطاع الصحي جراء الحصار المفروض على القطاع منذ 11 عامًا.
الشاب المتألم طالب بأن يتم السماح له بالعلاج في الخارج قائلًا: “ما زلت أحتاج لعدة عمليات جراحية، وأن أتعالج في الخارج، حيث أحتاج إلى عملية زراعة عظام في يدي اليمنى، وثلاث عمليات تجميلية في مناطق الإصابات”.
طموحات وأحلام
بوجه ضاحك وصوت متفائل وأمل بغد أفضل، تحدث إسلام الدغمة طالب الثانوية العامة عن طموحه بتجاوز الامتحانات التي يخوض غمارها في الوقت الحاليّ، رغم الإصابات الممزق لجسده والآلام التي يشعر بها، فيريد أن يبرهن للعدو الصهيوني عن مدى صلابة الشعب الفلسطيني وإصراره على تحقيق آماله، رغم كل الصعوبات والإعاقات التي يواجهها.
الشاب المثابر والطموح، يحلم بإنهاء الثانوية العامة والالتحاق بكلية الشرطة في قطاع غزة، “مع أنني مصاب وجريح بخمس رصاصات، إلا أنني أصررت على تقديم الامتحانات مع إنها ليست سهلة، وبصبري وصمودي سأتحدى الاحتلال والصعوبات التي أواجها، وسأحقق حلمي الذي يتمثل بدخول كلية عسكرية”.