ترجمة وتحرير: نون بوست
فجأة، خرج الحشد الصغير الذي كان ينتظر الملك محمد السادس، البالغ من العمر 54 سنة، بالقرب من ميناء طنجة- المدينة، وبدؤوا بالصراخ: “ارحل أخنوش”. خلال هذه اللحظة، بدا الغضب على وجه رجال الشرطة والحراس الشخصيين للملك، لكنهم لم يتحركوا من مكانهم. وعندما بدأ الملك مراسم افتتاح الميناء، واصل الحشد في ترديد نفس الشعارات، لكنهم لم ينسوا ترديد شعار “يحيا الملك”. وفي جميع الأحوال، يعد طلب رحيل أحد الرجال الذين يثق فيهم الملك أمام هذه السلطة العليا في المغرب، حدثا غير مسبوق في هذه البلاد.
عموما، في الوقت الذي تمكن فيه الملك من تحصين نفسه من عداء مجموعة سكان طنجة الذين اجتمعوا في الميناء يوم الخميس الماضي، لم يتمكن عزيز أخنوش، البالغ من العمر 57 سنة، صاحب الوزن الثقيل في الحكومة المغربية والذي يحتكر وزارة الزراعة والثروة السمكية، من النأي بنفسه عن موجة الكراهية في المغرب. ويعد أخنوش أيضا، وفقا للمجلة الأمريكية “فوربس”، الرجل الأغنى في المغرب بعد صديقه الملك. ويبرهن على صداقة أخنوش والملك العطل التي قضاها الرجلان مع بعضهما ومأدبات الإفطار المشتركة بينهما خلال شهر رمضان.
على وجه الخصوص، يعد أخنوش الهدف الرئيسي لحملة المقاطعة الغامضة، منذ نهاية شهر نيسان/ أبريل الماضي. وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة فيسبوك، طُلب من المستهلكين عدم التزود بالوقود في محطات الوقود “أفريقيا”، وهي إحدى الشركات التابعة لمجموعة “أكوا” التابعة لأخنوش، والتي تهتم أيضا بقطاع العقارات، والسياحة والاتصالات السلكية واللاسلكية. وعلى هذا النحو، أصبحت محطات وقود أفريقيا شبه خالية.
لافتة تشجع على عدم شراء مياه سيدي علي المعدنية والبنزين من محطات أفريقيا، ومنتجات الحليب التابعة لشركة دانون.
في الأثناء، لا يعد بنزيل أفريقيا المنتج الوحيد الذي يقاطعه المغربيون، إذ تعد مياه سيدي علي المعدنية هدفا آخر لحملة المقاطعة. ولوقت ليس ببعيد، كانت مريم بن صالح (55 سنة) المسؤولة على الإدارة العامة لشركة المياه المعدنية المتأتية من جبال الأطلس المتوسط، وهي واحدة من المناطق المحرومة في المغرب. وتنتمي هذه السيدة إلى إحدى العائلات الأغنى في المغرب، والمقربة من القصر الملكي المغربي. وبالإضافة إلى استحالة بيع مياه سيدي علي المعدنية، استغنى عدد من المتاجر المغربية عن توفير هذه المياه لحرفائهم. في الأثناء، تم استبدال هذا المنتج المغربي بآخر إسباني، وهي مياه مونداريز، المستوردة من قبل شركة تعد شقيقة السكرتير الخاص للملك، لبنى الماجدي، مساهمة فيها.
من جانب آخر، يعد الهدف الثالث لحملة المقاطعة من المنتجات الأجنبية. وتتمثل هذه المواد تحديدا في منتجات شركة الحليب ومشتقاته، سنطرال دانون، وهي شركة مغربية تابعة للشركة متعددة الجنسيات دانون، التي تملك فيها العائلة المالكة حصة صغيرة تم تفكيكها منذ سنوات. وإلى غاية نيسان/ أبريل كانت هذه الشركة تغطي 60 بالمائة من سوق منتجات الألبان. ومنذ هذا التاريخ، انخفضت مبيعاتها مما أجبرها على خفض مشترياتها من الحليب بنسبة 30 بالمائة، الذي تتزود به من حوالي 130 ألف مزارع. وقد أكد هذه المعلومات المدير العام للفرع المغربي لشركة دانون، ديدييه لامبولين. لكن، يهدد هذا الوضع بعدم تجديد العقود المؤقتة لعمالها.
في ظل هذا الوضع، حاولت مجموعة من الشباب، غالبيتهم من المراهقين، خلال شهر أيار/ مايو الماضي، أن يوسعوا دائرة المقاطعة لتشمل منتجات السمك، الذي ترتفع أسعاره بحلول شهر رمضان. وقد تم تطبيق هذه المقاطعة على بعض أكشاك السمك في أسواق طنجة وتطوان. وفي المدينة الثانية، وتحديدا في ساحة بني حسن، ألقي القبض على 13 قاصرا بسبب الأضرار التي تسببوا بها. وعلى الرغم من ذلك، تمكنت مجموعة الشباب من تحقيق أهدافها المرجوة وأعادت أسعار السمك إلى ما كانت عليه خلال الأيام العادية.
تم تقديم حملة المقاطعة من قبل المروجين لها على أنها حركة احتجاج على غلاء المعيشة في المغرب
منذ الأيام الأخيرة من شهر أيار/ مايو، انتشر أيضا شعار “خليه يغني وحده”، في دعوة واضحة لمقاطعة موازين، وهو مهرجان موسيقي الذي يشكل الواجهة الثقافية للمغرب. ومن المفترض أن يتم افتتاح المهرجان خلال هذه السنة بتاريخ 22 حزيران/ يونيو الحالي، والذي عادة ما ينظم “تحت رعاية جلالة الملك”. لكن، لم تعان “المدى”، وهي الشركة القابضة للعائلة المالكة المغربية، إلى حد الآن من حملة المقاطعة. فضلا عن ذلك، لم تظهر صورة الملك في الملصقات الداعية إلى مقاطعة مهرجان موازين.
في حقيقة الأمر، تم تقديم حملة المقاطعة من قبل المروجين لها على أنها حركة احتجاج على غلاء المعيشة في المغرب. لكن مع تقدم الوقت، اتخذت حملة المقاطعة أبعادا أخرى. وفي الوقت الراهن، يندد المساندون لحملة المقاطعة بعدم المساواة الاجتماعية، والامتيازات التي يحتكرها البعض، واستخدام السياسة لإثراء الجهات الأكثر نفوذا في المملكة. وفي هذا الصدد، يعتبر المقاطعون المليونير أخنوش، الذي تضاعفت ثروته خلال السنتين الأخيرتين، وأصبحت في حدود 2040 مليون يورو، بعد أن كانت مساوية لحوالي 1062 مليون يورو سنة 2016، وفقا لمجلة فوربس؛ خير مثال على احتكار الامتيازات. وعلى الرغم من أن هذه الأموال تبدو طائلة، إلا أنها لا تمثل حتى نصف ثروة الملك، محمد السادس.
عزيز أخنوش خلال تقديمه لتصريحات للصحافة يوم 19 نيسان/ أبريل الماضي.
عموما، لاقت هذه المقاطعة تأييدا واسع النطاق بين مختلف الطبقات الاجتماعية. ووفقا لصحيفة “لي إيكونوميست”، يساند 42 بالمائة من السكان هذه المبادرة. ولكن في بعض المناطق، مثل الريف الذي تم إخماد ثورته منذ سنة عن طريق القمع، فقد كانت المقاطعة كلية.
في هذا الصدد، صرح الصحفي المغربي رضا زريق أن “المقاطعة مسيسة إلى حد ما، فهي لا تضع ثلاث شركات خاصة في مواجهة مع جميع مستهلكيها فحسب، بل تمثل أيضا مواجه بين الدولة ومواطنيها”. من جهة أخرى، أكد بيان صادر عن منظمة “ترانسبرانسي المغرب” غير الحكومية في شهر مايو/ أيار الماضي، أن “هذه التحركات تشير بوضوح إلى منظومة حكم مثقلة بالفساد وتدخل السياسية في عالم المال”.
في واقع الأمر، يعود ظهور سياسية المقاطعات إلى سنة 1977 في الولايات المتحدة الأمريكية، عندما قاطع السكان منتجات شركة نستلي متعددة الجنسيات. منذ ذلك الحين، شهد تاريخ بعض القوى الغربية وكذلك العديد من الدول الناشئة عدة حركات مقاطعات ضد منتجات بعض العلامات التجارية لأسباب مختلفة على غرار ارتفاع الأسعار، والبطالة فضلا عن التلوث البيئي وغيره من الأسباب الأخرى. لكن، لم يكن للتحدي الذي يعيشه المغرب سابقة في الماضي، وهو ما يثير تساؤلات حول الصدى الخافت الذي لاقته هذه المقاطعة في الصحافة الدولية.
في ظل هذه المحنة التي تعيشها الطبقة السياسية في المغرب، يتوق الكثير إلى تدخل الملك محمد السادس، الذي عاد إلى المغرب قبل بداية شهر رمضان
في البداية، عمدت الحكومة المغربية الضعيفة إلى الإساءة إلى هذه الظاهرة، وقد هاجم بعض أعضاء هذه الحكومة الأشخاص المؤيدين لهذه الظاهرة عندما شعروا بأن شعلة المقاطعة بلغت ذروتها. ونذكر على سبيل المثال، وصف وزير الاقتصاد والمالية المغربي، محمد بوسعيد، المحرضين على المقاطعة بالأغبياء أو كما يعبر عنها باللهجة المغربية “المداويخ”. من جهتها، عبرت الحكومة المغربية، عبر بعض الاتصالات، عن قلقها وحذرت من “الأضرار الجسيمة” التي يمكن أن تلحق بشركات الحليب ومدى تبعاتها السلبية المحتملة على الاستثمار الوطني والأجنبي. وفي ظل هذا الوضع، وعدت السلطات في المغرب بعديد المبادرات الهادفة لتحسين المقدرة الشرائية للمواطنين، وبذل مجهود أكبر في الكفاح ضد المضاربة والاحتكار.
من ناحية أخرى، تضامن الوزير لحسن الداودي، وهو إسلامي معتدل يبلغ من العمر 77 سنة، مع العمال المتضررين من هذه المقاطعة. وشارك الوزير في مظاهرة وسط ألفي موظف من شركة “سنطرال دانون” يوم الثلاثاء الماضي أمام مقر البرلمان بالرباط. ويشعر أغلبية هؤلاء العمال بالخوف من فقدان وظائفهم خاصة أن غالبيتهم يعمل بعقود مؤقتة. في المقابل، وصف أتباع لحسن الداودي في حزب العدالة والتنمية أن مبادرته “غير عقلانية وليست مدروسة” وهو ما دفع بالوزير إلى تقديم استقالته.
في ظل هذه المحنة التي تعيشها الطبقة السياسية في المغرب، يتوق الكثير إلى تدخل الملك محمد السادس، الذي عاد إلى المغرب قبل بداية شهر رمضان. وتصدر الصحيفة الأسبوعية المغربية “ماروك إيبدو” عنوان “جلالة الملك، أنت الملاذ الأخير”؛ خاصة أن الملك يتولى القسط الأكبر من مهام السلطة التنفيذية في المغرب.
غلاف الصحيفة الأسبوعية “ماروك إيبدو”
من جانب آخر، يتمثل السبيل الوحيد الذي من شأنه أن يساعد على التصدي إلى هذا التحدي في معرفة من يشعل فتيله. كما أنه من المحتمل أن بعض الصفحات الافتراضية التي حرضت سابقا على حراك الريف المغربي، تراهن في الوقت الحالي على هذه المقاطعة. لكن، لا تكفي هذه المعلومات لشرح هذه الظاهرة. في هذا الصدد، وجهت بعض الأطراف أصابع الاتهام إلى أتباع عبد الإله بن كيران، البالغ من العمر 64 سنة، وهو الزعيم السابق لحزب العدالة والتنمية، الذي منعته مناورات القصر من تشكيل حكومة في شهر آذار/ مارس سنة 2017، على الرغم من فوزه في الانتخابات التشريعية قبل خمسة أشهر.
من جهته، نشر مصطفى السحيمي، محرر في جريدة ماروك إيبدو، مقالا لمّح من خلاله إلى أن “بن كيران الإسلامي” هو المحرض على مقاطعة مهرجان موازين. وأضاف السحيمي: “إن المروجين لهذا النوع من الإرهاب الرقمي هم الظلاميون الذين يهاجمون المغرب المتسامح الذي طالما شجع على القيم العالمية للسلام والمواطنة الثقافية”.
تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من إزاحة الحكومة المغربية لبن كيران مروجة لاستبداله بإسلامي آخر، وهو سعد الدين العثماني البالغ من العمر 62 سنة، إلا أن المقاطعة أعاقت خطط الملك التي تهدف إلى إخلاء السلطة التنفيذية تماما من الإسلاميين. وقد عمد المغرب إلى هذا القرار خشية تكرر سيناريو الربيع العربي في المغرب.
عموما، أُنتخب الملياردير المغربي عزيز أخنوش رئيسا لحزب التجمع الوطني للأحرار سنة 2016، وقد أنشأت وزارة الداخلية هذا الحزب الصوري سنة 1978 في محاولة لإظهار تعدد القوى السياسية المغربية. تجسدت مهمة أخنوش في إعادة تنشيط حزب التجمع الوطني الحر، من أجل أن يحلّ محل الإسلاميين في صناديق الاقتراع وفي البرلمان وعلى رأس الحكومة. من جهة أخرى، يرى الكثيرون أن حياة أخنوش السياسية على وشك الانتهاء على الرغم من علاقته الوثيقة بالملك.
المصدر: الكونفدنسيال الإسبانية