مسح الشاب الثلاثيني راني أحمد دمعة حارة سالت على خده الأيمن، بينما عينيه شاخصتان إلى جثمان “شاعر الشعب”.. مغالبا عبرة حالت بين حلقه ومخارج الحروف، واصفا لمراسل وكالة الأناضول مشهدا مهيبا بالقول “أنا وآلاف الكادحين هنا لتشييع الرجل الذي عاش من أجلنا”.
نحو 20 ألفا ضاقت بهم العاصمة السودانية الخرطوم، مساء الأربعاء، وهم يتسابقون لتشييع محجوب شريف أحد أشهر شعراء العامية والملقب “بشاعر الشعب” إلى مثواه الأخير عن عمر يناهز 67 عاما، قضاها منحازا لشعبه من خلال أشعاره التي كرسها للدفاع عن قيم الحرية والعدالة الإجتماعية واحترام حقوق الإنسان.
تلك الحقوق التي كانت على الدوام محل إنتهاك من قبل الأنظمة العسكرية التي تعاقبت على حكم البلاد وعلى سجن “شريف” والتنكيل به، فكانت نحو 13 عاما قضاها خلف القضبان ملهمة لقصائده الوطنية التي تخاطفها كبار الفنانين ولعبت دورا محوريا في صناعة ثورتين شعبيتين أطاحتا بنظامين عسكريين.
“من بين عشرات شعراء العامية لمع شريف بمفردات إستثنائية في أشعاره صارت جزء من خطاب الشارع لما يحظى به من شعبية ربما لا تتوفر لأحزاب سياسية وأندية رياضية”، هكذا يصف الناقد الأدبي أحمد يونس مكنات الفقيد الراحل.
شريف كان قياديا فاعلا في الحزب الشيوعي السوداني، وترشح باسمه في آخر انتخابات برلمانية معترف بها في 1986 لكنه كان “شاعرا لوطنه وليس شاعرا للحزب الشيوعي”، كما تقول عهود عبد العزيز.
عهود تعمل متطوعة ضمن مبادرة لإعانة المحتاجين بمختلف شرائحهم من مرضى وطلاب وأرامل وغيرهم أطلقها شريف في أغسطس 2007 باسم “منظمة رد الجميل”، عرفانا منه ووفاء لوقفة الشعب السوداني معه في رحلته الطويلة مع المرض.
“عم شريف” هكذا تسمي عهود الشاعر الراحل، وعن مبادرته تقول للأناضول، “المبادرة تبين لنا الحس الإنساني الرفيع عند عم شريف فهو نفذ عمليا ما يؤمن ويدعو له في أشعاره”.
قضايا مجتمعية كثيرة ناقشها شريف من خلال أشعاره من أهمها قضية المرأة وحقوقها في مجتمع محافظ يفرض كثيرا من القيود على حركتها تنبهنا إليها عهود قائلة “يعرف حساسية القضايا المجتمعية ويناقشها بذكاء مثل حقوق المرأة التي يدافع عنها في قصائده مثل قصيدتي (يا والدة يا مريم) وقصيدة (مريم ومي بنياتي) “
واستطردت “كان ابنا للمرأة وأخا وحبيبا وزوجا وأبا مخلصا”.
السمة البارزة لمسيرة شريف طبقا لما يقوله راني أحمد وهو خريج جامعي من محبي الشاعر الراحل والمشاركين بجنازته “الحب المتبادل بينه وشعبه، والبغض المتبادل بينه والعساكر الذين يسرقون السلطة “.
ولشريف ديوان واحد مطبوع نشر في 1986 بعنوان “الأطفال والعساكر” مع عشرات القصائد الوطنية التي نشرت دون تجميعها في دواويين وتغنى بها كبار الفنانين وكانت الأشهر إبان ثورتي أكتوبر / تشرين الأول 1964 التي أطاحت بالحاكم العسكري إبراهيم عبود وأبريل / نيسان 1985 التي أطاحت بالحاكم العسكري جعفر نميري .
ويضيف راني “كانت قضيته المركزية حرية شعبه وكرامته عاش ومات من أجلها لذا كانت وصيته ألا يشارك أي مسؤول حكومي في تشييعه”، وذلك في إشارة إلى طبيعة النظام العسكري الحالي في السودان حيث وصل الرئيس عمر البشير إلى السلطة عبر إنقلاب مدعوما من الإسلاميين في 1989.
المصدر: الأناضول