ترجمة حفصة جودة
يتجمد ما بين 60% إلى 90% من المياه العذبة في العالم في صفائح ثلجية في القطب الجنوبي، وهي قارة تعادل في حجمها الولايات المتحدة والمكسيك معًا، إذا تعرض هذا الثلج جميعه للذوبان فإنه سيكفى لرفع مستوى البحار في العالم بمعدل 200 قدم، وبالطبع لن يحدث هذا بين عيشة وضحاها، لكن القارة القطبية بدأت في الذوبان بالفعل وتشير الدراسات إلى أن معدل الذوبان تزداد سرعته بشكل أكبر من ذي قبل.
تضاعف معدل فقدان القارة للثلج 3 مرات منذ عام 2007 وفقًا لأحدث البيانات، وتذوب القارة الآن بشكل سريع للغاية مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بنحو 15 سنتيمترًا بحلول عام 2100.
يقول أندرو شيفرد أستاذ مراقبة الأرض بجامعة ليدز والمؤلف الرئيسي للدراسة: “تتعرض بروكلين للفيضان مرة في العام، لكن مع هذا الارتفاع في سطح البحر فسوف تحدث هذه الفيضانات 20 مرة في العام”، وحتى في الظروف العادية فقد تغيرت طبيعة القارة حيث تتساقط الثلوج وتذوب على السطح لتشكل مجاري ثلجية تعرف باسم “moulins” (مولينز)، لكن ما يهم العلماء حقًا هو التوازن بين كمية الثلج المتراكم مقابل الكمية المفقودة نتيجة الذوبان.
هذا الارتفاع في حرارة المياه وذوبان الجليد سببه بشكل رئيسي انبعاثات الغازات الدفيئة البشرية
ما بين عامي 1992 و2017 أذابت القارة نحو 3 بلايين طن من الثلج مما أدى إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بنحو ثلاثة أعشار بوصة، هذا الرقم لا يبدو كبيرًا، لكن 40% من تلك الزيادة حدثت في آخر 5 سنوات فقط ما بين 2012 و2017، كما أن القارة القطبية ليست المسؤولة وحدها عن هذا الارتفاع في سطح البحر، فقد فقدت جرينلاند ما يقارب بليون طن من الثلج بين عامي 2011 و2014، ومع ارتفاع حرارة المحيطات فإن المياه تتسع لتحتل مساحة أكبر مما يسهم في رفع مستوى سطح البحر، هذا الارتفاع في حرارة المياه وذوبان الجليد سببه بشكل رئيسي انبعاثات الغازات الدفيئة البشرية.
ساعدت الدراسة في توضيح بعض الشكوك المتعلقة بخلافات إقليمية بشأن القارة، فغرب القطب الجنوبي وشبه الجزيرة القطبية كانا معروفين دائمًا بفقدانهم للثلج، لكن الوضع كان مشوشًا في شرق القارة حيث كانت تكتسب الثلج في بعض السنوات وتفقده في سنوات أخرى.
كان شرق القارة محط أنظار الكثير ممن ينكرون الاحتباس الحراري، يقول ميشيل كوبس عالم الجليد في جامعة كولومبيا البريطانية: “كان هؤلاء الذين يرفضون نظرية الاحتباس الحراري يتحججون بشرق القارة قائلين بأنها تكتسب كتلة جليدية وبالتالي لا داعي للقلق”، يشكل شرق القارة نحو ثلثي القارة وهو في مكان بعيد للغاية في تلك القارة البعيدة بالأصل مما يجعل البيانات نادرة لقلة محطات القياس، حيث يضطر الباحثون لاستقراء كمية صغيرة من البيانات لمنطقة تبلغ في حجمها الولايات المتحدة مما يؤثر على دقة التحليل.
بحر جليدي وامتداد صغير من المياه المفتوحة وسط الجرف الجليدي
للتغلب على تلك المشكلة في الدراسة فقد جمع أكثر من 80 باحث حول العالم قياسات 12 قمرًا صناعيًا منذ أوائل التسعينيات، ويقول شيفرد: “لقد استخدمنا تقنية القمر الصناعي لأن الطرق الأخرى التي نستخدمها لها نقاط ضعف وقوة، لذا عند جمع كل هذه القياسات المتاحة معًا يمكننا التغلب على مشكلة التقنيات الفردية”.
وخلص الباحثون إلى أن التغيرات في شرق القارة ليست كافية لتعويض النقص السريع الذي يتسبب فيه غرب القارة وشبه الجزيرة الجنوبية، لذا فالقارة القطبية الجنوبية تفقد الكثير من صفائح الثلج وتتسبب في رفع مستوى سطح البحر عالميًا.
قبل 5 سنوات أجرى شيفرد وفريقه حسابات مماثلة باستخدام بيانات 20 عامًا لكنهم لم يتوصلوا لأكثر من أن القارة القطبية تفقد كتلتها بمعدل ثابت، أما سرعة فقدان الجليد فقط اكتشفوها بعد إجراء الحسابات مرة أخرى مع إضافة 5 سنوات أخرى من البيانات، يقول شيفرد: “عندما بحثنا مرة أخرى وجدنا أن العلامات مختلفة تمامًا عما رأيناه من قبل، فقد ارتفع مستوى سطح البحر نتيجة تضاعف فقدان القارة للثلج 3 مرات منذ عام 2012 فقط”.
الحافة الغربية لأحد أكبر الجبال الجليدية الذي انفصل عن شبه القارة القطبية منذ عام
أدى التقدم في الأقمار الصناعية التي تراقب الأرض إلى فهم الباحثين للمناطق القطبية بشكل أفضل، فقد كان الباحثون يعتقدون قديمًا أن ارتفاع حرارة الكوكب ستؤدي إلى زيادة الجليد لأن ارتفاع الحرارة يؤدي إلى المزيد من الرطوبة في الغلاف الجوي مما يعني المزيد من الأمطار وبالتالي زيادة الثلج في القطبين، لكن الملاحظة المباشرة من خلال الأقمار الصناعية ضحدت تلك الفكرة.
لكن الباحثين يشعرون بالقلق بشأن مستقبل المعرفة من خلال الأقمار الصناعية، فقد دعت إدارة ترامب إلى خفض ميزانية برامج مراقبة الأرض، يقول شيفرد: “نحن لا نعتمد على الأقمار الصناعية في مراقبة صفائح الثلج فقط، لكننا نستخدمها أيضًا في حساب مستوى سطح البحر”.
تُظهر مراقبة الأقمار الصناعية السبب في فقدان الجليد في القطب الجنوبي، حيث يقول دكتور كوبس: “هذه الدراسة أظهرت أننا نفقد الكتلة الجليدية من حواف صفائح الثلج وهذه الحواف تربط بين القارة والمحيط مما يعني أن حرارة المحيط هي السبب في ذوبان الثلج، هذا الذوبان يحدث بمعدل كبير للغاية وهذه القوى لا يمكن عكسها بسهولة”.
المصدر: نيويورك تايمز