من قال إن كرة القدم تخلو من فساد أنظمتها وتعتمد الشفافية المطلقة في إدارتها للشأن الكروي في العالم، فذاك قطعًا من الوهم والمحال، لقد أظهر التاريخ أن منظمات اللعبة، وعلى رأسها الفيفا، واحدة من القطاعات التي تحكمها لوبيات قوية، تسير اللعبة على هواها من أجل هدف ربحي اقتصادي، يسعى لإرباح طرف دون الآخر، ولو على حساب بعض الفرق والمنتخبات التي تحاول اللعب بشرف بهدف متعة كرة القدم، بعيدًا عن حسابات مادية أو ربحية.
وعند الحديث عن كأس العالم، فالموضوع شائك والقصة تطول عن مجموعة من الأحداث أظهرت أن الفساد جزء من المنظومة، والمال له الصوت الأعلى في عالم كرة القدم، طلائع هذا الأمر حصلت منذ أولى نسخ البطولة، حيث قاطع منتخبا الأوروغواي والأرجنتين مونديال 1938، احتجاجًا على تنظيم أوروبا للنسخة الثانية على التوالي، دون منح الحق للقارات الأخرى بالعالم لنيل شرف تنظيم هذا العرس العالمي، بعدما نظمت إيطاليا مونديال 1934، واختيرت فرنسا لتنظيم مونديال 1938، ومن هنا بدأت قصة الاحتجاجات وتهم الفساد تُرمى على الاتحاد الدولي لكرة القدم، والتشكيك بنزاهة كبار المسؤولين عن المنظمة.
ولا يمكن لوم الاتحادات الكبرى للعبة فقط على هذا الفساد الذي ينخر اللعبة، بل لبعض اللاعبين وكذلك الحكام مسؤولية عظيمة عبر المساهمة داخل الملعب بتغيير النتائج، إما بقرار خاطئ متعمد من الحكم، أو تهاون في اللعب من طرف لاعب معين.
وهنا يحضر المثال الأبرز الذي حدث خلال شهر نوفمبر 2016 بمباراة جنوب إفريقيا والسنغال في إطار تصفيات كأس العالم 2018، حيث منح الحكم الغاني جوسيف لامبتي ركلة جزاء خيالية لمنتخب جنوب إفريقيا، ساهمت في فوزهم بنتيجة 2-1، وبعد التحقيق في النازلة، أعلنت الفيفا ثبوت تهمة التلاعب بالنتائج على الحكم الغاني، وتم إيقافه مدى الحياة من إدارة المباريات الرسمية مع قرار إعادة المباراة بين الفريقين.
يتحدث الصحفي ديكلان هيل في تقرير له عن موضوع التلاعب بالنتائج، وقصة لقائه بواحد من مافيا اللعبة قائلًا:
“سنة 2005، تلقيت اتصالًا انتظرته منذ زمن، أحد أكبر المتلاعبين بالنتائج تشين لي، وافق على مقابلتي، لقد كان هذا اللقاء الأكثر رعبًا بالنسبة لي، على الرغم من أنني أجريت مقابلات عديدة في العراق وكوسوفو، وقابلت أشخاصًا من العصابات الروسية ومافيات أمريكا الجنوبية، طيلة فترة مقابلتي به، ما فتئ تشين يرفع سماعة الهاتف كل 3 أو 4 دقائق، ويصدر أمره بشأن أي مباراة كانت تجري في تلك الآونة، أعطى تعليماته بشأن بعض لقاءات بطولة شرق جنوب آسيا، وحدّد نتيجة مباراة ثانية في الدوري الألماني، وبالفعل، كانت النتيجة التي أخبر بها تشين هي التي حدثت.
لم يكن هذا الأمر هو الحدث الأكبر بالنسبة له، تشين أكد أنه قادر على إيجاد لاعبين قادرين على مساعدته في موضوع التلاعب بالنتائج بأي دوري أو مسابقة في العالم، لكن ليس كل النتائج يمكن تغييرها، وليس كل اللاعبين ممكن شرائهم.
وحينما سألته عن أكبر مباراة تدخل في التلاعب بنتائجها، أجاب بلا مبالاة: “لا أدري، كأس العالم، الأولمبياد.. أيهما أكبر؟”.
وفي كأس العالم، فقد ظهرت بعض الحقائق المثيرة للانتباه مع سقوط نظام جوسيب بلاتر الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA، الذي تمت إقالته من منصبه لثبوت تهم فساد ورشوة عليه وعلى مجموعة من نوابه، كان من بينهم رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم السابق عيسى حياتو المعروف بمشاداته الكبيرة في إفريقيا مع بعض اتحادات الدول العربية لكرة القدم، أدت في النهاية، للتلاعب بالمباريات بغرض إنقاص حظوظ هذه المنتخبات في الفوز بالبطولات القارية – في مباراة تونس وغينيا الاستوائية بكأس أمم إفريقيا 2015 خير مثال – جوسيب بلاتر أكد في تصريحات سابقة أن قرعة مجموعة من المسابقات القارية والعالمية، تتعرض للتلاعب، عبر استخدام سياسة “الكرات الساخنة والكرات الباردة”.
وُضع المنتخب البرازيلي على رأس المجموعة A، وفرنسا البلد المنظم على رأس المجموعة C، والهدف الأبرز أن يكون لقاء الفريقين في النهائي إن مضت الأمور كما ينبغي
نفس الأمر أكده رئيس الاتحاد الأوروبي السابق وأسطورة المنتخب الفرنسي ميشيل بلاتيني الذي تم إسقاطه من منصبه كرئيس الـUEFA لأسباب الفساد والرشوة، بلاتيني أكد في تصريح سابق أن مونديال 1998 حدثت فيه “خدعة صغيرة” لزيادة فرص حدوث نهائي بين فرنسا والبرازيل في المسابقة؛ الأمر الذي سيعني مزيدًا من العائدات المالية على المؤسسة.
فقد وُضع المنتخب البرازيلي على رأس المجموعة A، وفرنسا البلد المنظم على رأس المجموعة C، والهدف الأبرز أن يكون لقاء الفريقين في النهائي إن مضت الأمور كما ينبغي، وبالفعل هذا ما حصل، والتقت فرنسا بالبرازيل في نهائي المسابقة، ونجح منتخب الديكة في الفوز بالمباراة بنتيجة 3-0.
بلاتيني صرح بشأن هذه الحادثة قائلًا: “مواجهة فرنسا ضد البرازيل، كانت بمثابة النهائي الحلم آنذاك، وسعينا لتحقيق هذا الأمر عبر حيلة صغيرة، نحن لم نقض 6 سنوات في التخطيط لتنظيم هذا المونديال، دون استعمال الحيل، هل تعتقد أن استضافات كأس العالم لا تحصل فيها مثل هذه الأمور؟”.
وبالحديث عن مونديال 1998، فقد كانت نظرية “المؤامرة” حاضرة بشدة لتُمارس على المنتخب المغربي، أدت لخروجه من الدور الأول رغم الأداء الكبير الذي نجح في القيام به، فالمنتخب المغربي حلّ في المجموعة الأولى رفقة البرازيل والنرويج وإسكتلندا، ومع العناصر الشابة التي ملكها منتخب أسود الأطلس، كان التفاؤل سائدًا بشأن قدرة الفريق تحقيق إنجاز كبير والتأهل للدور المقبل.
المنتخب المغربي لعب مباراته الأولى وتعادل مع النرويج بنتيجة 2-2، قبل أن ينهزم أمام البرازيل 3-0، وفي الجولة الثالثة الحاسمة، استطاع المغرب أن يحقق الفوز على إسكتلندا بنتيجة كبيرة 3-0، وسط تألق المهاجم الرائع صلاح الدين بصير.
لتصل الأخبار بسرعة إلى المنتخب البرازيلي الذي كان يلعب في نفس الوقت أمام النرويج، ومتقدمًا بنتيجة 1-0 حتى الدقيقة 80 (نتيجة كانت ستؤهل المنتخب المغربي رفقة البرازيل التي ضمنت التأهل)، فحدثت المؤامرة كما وصفت الجماهير المغربية والعربية، وفتح المنتخب البرازيلي المجال أمام النرويج ليسجل هدفي التعادل والفوز، ليخرج بذلك المنتخب المغربي، وتتأهل النرويج.
ونفس الأمر حصل في مونديال 1982، و”فضيحة خيخون” الشهيرة، حيث تواطأ المنتخب النمساوي مع المنتخب الألماني من أجل التأهل معًا على حساب المنتخب الجزائري الذي قدم أداءً مشرفًا في المسابقة، وتمكن من الفوز في المباراة الأولى على ألمانيا.
ففي ظل غياب سياسة لعب المباريات الأخيرة في دور المجموعة بنفس التوقيت، لعبت الجزائر أولًا ونجحت في الفوز على تشيلي، لتجد ألمانيا نفسها بحاجة للفوز على النمسا، الأمر الذي كان سهلًا باعتبار العلاقات القوية بين البلدين، شريطة عدم الفوز بنتيجة أكبر من 3-0، وهذا ما حصل بالضبط، وسجل المنتخب الألماني الهدف الأول، ثم اكتفى الفريقان بتمرير الكرة، كإشارة واضحة إلى أن المباراة انتهت، وكانت ضحية الأمر الجزائر.
كل هذه الأحداث تجرنا للتساؤل عن بعض المصادفات المتكررة في المونديال للمنتخبات العربية، على رأسها الوقوع بذات المجموعة مرارًا وتكرارًا (السعودية والمغرب 1994، تونس والسعودية 2006، مصر والسعودية 2018)، فهل الأمر مجرد صدفة، أم أنه لا دخان بلا نار، وسط التلاعب الذي أثبت مرارًا وتكرارًا في كرة القدم العالمية.