لا شك أن التطورات التكنولوجية الأخيرة استطاعت أن تثبت قدرتها على تحويل الخيال إلى حقيقة، وهذا ما تؤكده مشاريع الشركات العملاقة في وادي السيليكون كل عام، ولكن غالبًا ما تصاحب هذه الاختراعات حالة من الشكوك والتساؤلات الأخلاقية والفلسفية بشأن الجانب المعتم والأهداف غير المعلنة لهذه التقنيات المتقدمة وعواقبها على المستخدم وحياته.
هذا ما يحدث بالفعل مع شركة جوجل التي نفت في الأيام القليلة السابقة تطويرها لأداة تعمل على تعقب حركة عين المستخدم، وفي نفس الوقت لم تنكر امتلاكها لبراءتي اختراع رصد العين والمشاعر – بعنوان “معايير تتبع العين الديناميكية” و”تقنيات الكشف عن المشاعر وتوصيل المحتوى”.
وفي سياق تحقيق الكونغرس بشأن هذه المشاريع، صرح فيسبوك أنه لا يبني برنامج تعقب حركة العين “في الوقت الحاليّ” لكنه لا يستبعد ذلك في المستقبل، وقال “نحن دائمًا نعمل على استكشاف تكنولوجيات وطرق حديثة لتحسين خدماتنا، وإذا نفذنا هذه التقنية في المستقبل، فسنقوم بذلك مع مراعاة خصوصية المستخدمين كما نفعل مع خاصية التحركات”، هي تقنية تتبع بيانات المستخدمين وتخزن تحركات الفأرة وسجل المكالمات والرسائل النصية القصيرة عندما يربط المستخدم جهازه الخاص بالموقع.
هل تتخلى فيسبوك عن التطور مقابل الخصوصية؟
رغم نفي فيسبوك لاستغلاله خاصيتي الكاميرا والميكرفون لدى المستخدم من أجل الحصول على بيانات دون موافقتهم وتأكيدها مراعاتها لمعايير الخصوصية أكثر من أي وقت مضي وتعهدها بكونها أكثر شفافية، فإن استحواذها على شركات ناشئة متخصصة في تطوير تقنيات مختصة في تتبع حركة العين وملحقاتها مثل نظارات الواقع الافتراضي دون ذكر شروط الصفقات أو بسبب تفاجؤ المستخدمين من ظهور الإعلانات في صفحاتهم بعد حديثهم أو ذكرهم لأمر ما مشابه لمحتوى الإعلان؛ ما جعل شكوكهم تلتف حول عنق الشركة مجددًا.
دفعت فيسبوك مبلغ ملياري دولار لشراء شركة أوكلوس الدنماركية التي تمنح المستخدم تجربة للعيش في العالم الافتراضي، وشركة أخرى باسم ذا ترايب أي التي باعت نحو 10 آلاف وحدة من أنظمة تعقب حركة العين التي تساعد المستهلك على التفاعل مع أجهزته بطريقة أسهل من المعتاد.
فيسبوك تهدف إلى قيادة هذه التكنولوجيا بشكل رئيسي، لا سيما أنها تعتبر نقلة نوعية في عالم التكنولوجيا الذي سيرفع من أهمية العين المادية ويدمجها كجزء من هذا الواقع الافتراضي
يقول الخبراء إن فيسبوك تهدف إلى قيادة هذه التكنولوجيا بشكل رئيسي، لا سيما أنها تعتبر نقلة نوعية في عالم التكنولوجيا الذي سيرفع من أهمية العين المادية ويدمجها كجزء من هذا الواقع الافتراضي، إضافة إلى احتمالية قدرتها على زيادة معايير الأمان في المنصات الافتراضية.
ما الفائدة من هذه التقنية؟
بعد عقود من استخدام لوحة المفاتيح والفأرة وخاصية اللمس وغيرها من الآليات التي ساعدت الأجهزة التكنولوجية على التفاعل مع المستخدم للإشارة إلى المكان الذي يريد النقر عليه أو الذهاب إليه، ستختلف الاتجاهات الحاليّة الذاهبة إلى منعطف جديد يعيد تعريف علاقة الإنسان بالآلة ويزيدها اندماجًا وربما إدمانًا.
ينقسم دور هذه الأداة إلى جزأين، أولهما أن البرنامج سيكون على دراية تامة بما يهتم به المستخدم في أي وقت من الأوقات، وثانيًا سيزيد من نطاق الاتصال بين المستخدم والآلة ويزيد من إمكانية التفاعل بينهم، كما أن استخدام هذه التقنية لن ينحصر في القطاع التكنولوجي، وإنما الحصة الوفيرة ستكون من نصيب برامج ألعاب الفيديو التي تحتاج إلى سرعة في التفاعل مع حركة اللعبة، وهذا يعني أن هذه التقنية تعتبر صفقة ناجحة جدًا لبرامج الألعاب التي تتطلب مستوى عالٍ من السرعة والدقة عند التحكم باستهداف كائن ما أو هدف معين.
من خلالها يمكن للأطباء تشخيص بعض الأمراض مثل التوحد، إذ يعتقد الأطباء بأن الرضع الذين يعانون من مرض التوحد يفضلون الصور التي تحتوي على أشكال هندسية، أما الأطفال الذين يعانون من متلازمة وليامز فإن الوضع معكوس تمامًا
إلى جانب ذلك، من المحتمل أن تفيد هذه الأداة في المؤسسات الطبية، فمن خلالها يمكن للأطباء تشخيص بعض الأمراض مثل التوحد، إذ يعتقد الأطباء بأن الرضع الذين يعانون من مرض التوحد يفضلون الصور التي تحتوي على أشكال هندسية، أما الأطفال الذين يعانون من متلازمة وليامز فإن الوضع معكوس تمامًا، أما العصبيون يفضلون النظر إلى الوجوه البشرية أو الصور التي تحتوي عنصرًا حيًا أو اجتماعيًا، وتحليل حركات العين قد تساعد في تقييم هذه الحالات المرضية في فترة مبكرة.
حيث تشير ورقة بحثية قام بها الطلاب في جامعة كاليفورنيا للعلوم والتقنية إلى أن تقنية تتبع العين قد تعتبر أساسًا في توصيف السمات المبكرة لمرض التوحد، لأنه يمكن تنفيذها مع أي عمر أو مستوى تقريبًا، بالجانب إلى مجموعة أخرى من الأمراض مثل ارتجاجات العين البسيطة أو مرض الزهايمر وعسر القراءة لدى البالغين.
والأهم من ذلك، تعتبر أداة بالغة الأهمية في فهم والتواصل مع المرضي ذوي الإعاقات الجسدية الذين يعانون من الشلل الدماغي وإصابات في النخاع الشوكي، بما أنها وسيلة تمنحهم فرصة التواصل والتحكم في بيئتهم دون الحاجة إلى الكتابة أو النقر أو تحريك طرف من أطرافهم.
تعتبر هذه التقنية أفضل مؤشر لتقييم اهتمام الجمهور بالرسائل والروابط التي تظهر لهم، وهي غاية جميع المعلنين الذين يهدفون إلى تحقيق أقصى فائدة ممكنة في مجال التسويق
فضلًا عن ذلك، فهي تعد وسيلة مهمة في العالم المادي التجاري، وتحديدًا في صناعة الإعلانات، فحاليًّا يتم قياس تأثير الإعلانات بعدد النقرات، وهو الأمر الذي لا يعكس بدقة فعالية هذه الحملات، ولكنه على وشك التغير مع التكنولوجيا الجديدة التي تتعهد بإعطاء فكرة أكثر وضوحًا عن مدى وكيفية تفاعل المستخدمين مع هذه الإعلانات، إضافة إلى قدرتها على قياس حجم الجمهور ومدى اهتمامه وانتباهه لهذه المنشورات.
لذلك تعتبر هذه التقنية أفضل مؤشر لتقييم اهتمام الجمهور بالرسائل والروابط التي تظهر لهم، وهي غاية جميع المعلنين الذين يهدفون إلى تحقيق أقصى فائدة ممكنة في مجال التسويق من خلال تحديد نقاط الإحباط والرضا لدى المستهلك عبر العين.
هذه المزايا التي تروج لها قطاعات مختلفة، قد تصرف نظرها عن خصوصية 2.2 مليار مستخدم لموقع فيسبوك، لكنها من المرجح أن الشركة لن تستطيع المخاطرة بسمعتها أكثر بعد حادثة كامبريدج أنالتيكا والانتقادات التي تلقتها بخصوص هوسها في جمع أكبر قدر ممكن من البيانات عن مستخدميها.