تشهد تونس، يوم عيد الفطر المبارك العديد من العادات والتقاليد التي يجتهد التونسيون للحفاظ عليها منذ عقود عدّة، أهمها “خرجة العيد” التي تزين صباح هذه المناسبة، فرغم تقدّم الوقت لم يأب الأبناء إلا الحفاظ على عادة أبائهم وأجدادهم.
تلاحم وانسجام
صباح اليوم الجمعة، أول أيام العيد، نظّم مئات التونسيين من مختلف الأعمار والأجناس، خاصة من سكان الأحياء العتيقة بمدينة تونس العاصمة “خرجة العيد” في اتجاه المساجد المنتشرة بكثرة هناك، لجمع أكبر عدد ممكن من المصلين، وخرجة العيد هي مسيرة يتجمع فيها المصلون نساء ورجال، هاتفين “الله أكبر الله أكبر ولله الحمد لا إله إلا الله”، مرورًا بمنازل الحي وأزقته ليلتحق بهم السكان ويتجهوا أفواجًا لأداء صلاة العيد في المساجد.
هذه العادة، من بين أهم العادات التي منعها نظام زين العابدين بن علي خلال سنوات حكمه الـ23
وخلال خرجة العيد يردد المصلون أدعية من أجل “رأب الصدع بين المسلمين ونصرتهم، وأن يؤلف بين قلوبهم وينشر البسمة والأمل في صفوفهم، ويزيل عنهم كربهم”، وتعدّ خرجة العيد من العادات التي تميّز التونسيين خلال هذا العيد الذي يطلق عليه في تونس “العيد الصغير”.
يسير المصلّون ببطء ممسكين بعضهم البعض في تلاحم وانسجام، يرتدي جميعهم أفضل جببهم وملابسهم، بينما يضع بعضهم على رأس شاشية التي تعتبر من تراث أهل تونس، ويحرص التونسيون على ارتداء الجديد بمناسبة العيد.
رجعت عادة “الخرجة” بعد الثورة التونسية بعد أن كان بن علي يمنعها
ويحتفل التونسيون اليوم، مع ملايين المسلمين في عدد من دول العالم بعيد الفطر المبارك بعد شهر من الصيام والقيام، وقد أدى الملايين صلاة عيد الفطر في المنطقة العربية وشرق آسيا وأوروبا، وسط أجواء من الفرح والتعبد.
وأعلنت أغلب الدول العربية والإسلامية والجهات الممثلة للمسلمين في دول غير إسلامية أن اليوم الجمعة هو أول أيام عيد الفطر المبارك، غير أن باكستان ومكتب المرجع الديني الشيعي علي السيستاني بالعراق أعلنا أن السبت أول أيام العيد.
عادت عقب الثورة
هذه العادة، من بين أهم العادات التي منعها نظام زين العابدين بن علي خلال سنوات حكمه الـ23، وعادت عقب الثّورة التونسية سنة 2011، وعرفت هذه الظاهرة انتشارًا في العديد من المحافظات في تونس عقب الثورة، ليتراجع بريقها بعد منع الصلاة في المساحات المفتوحة خارج المساجد لدواعي أمنية، إلا أنها ما زالت أبرز ما يُميّز العيد في المدينة العتيقة في العاصمة تونس.
سميت بـ”حق الملح” لأن النساء في رمضان يقمن بتذوق درجة ملوحة الطعام دون ابتلاعه
ويستغلّ التونسيون هذه المناسبة “الجميلة”، لصلة الرحم، وتبادل التهاني ولمّ الشمل لتكون رمزًا للوحدة والالتقاء وتجاوز الخلافات والأحقاد وتجديد الروابط الاجتماعية فيما بينهم، وتعزيز التآلف الذي وصّى به الرسول صلى الله عليه وسلّم.
“المهبة” و”حق الملح”
إلى جانب “الخرجة”، يتميّز العيد في تونس بععادات عديدة من بينها “المهبة” (يطلق عليها أيضًا العيدية)، وهي مبلغ مالي يقدّم إلى الأطفال بعد المعايدة مباشرة، يختلف بحسب القدرات المالية لكل شخص، حيث يُقبِل الطفل الأب والأم تهنئة بالعيد، ويقدمان له “مهبة العيد”.
يعود تاريخ ظهور “المهبة” إلى مصر وبالتحديد للعصر المملوكي، حيث كان من عادة كل سلطان مملوكي، أن يصرف راتبًا لكلّ من الأمراء والجنود وموظفي الدولة، وكان المماليك يطلقون على العيدية اسم “الجامكية”.
وكانت عيدية السلطان للبعض طبقًا يمتلئ بالدنانير الذهبية، وتُقَدَّمُ للبعض دنانير من الفضة، ومع الدنانير كانوا يُقدِّمون الأطعمة الفاخرة المميزة، وفي أيام العثمانيين صارت العيدية تُقَدَّم للأطفال على شكل نقود وهدايا مختلفة، وهو ما استمر إلى أيامنا هذه.
تقدّم “المهبة” للأطفال هدية لهم بعد صلاة العيد
للنساء نصيب في هذا العيد أيضًا، حيث يحظين بتكريم خاص لهن في هذه المناسبة، وتفرض العادات في تونس أن يقدم الزوج لزوجته “حق الملح”، وهو عبارة عن هدية تكون في العادة قطعة ذهبية، اعترافًا بالتضحيات التي بذلتها من أجل إسعاد الأسرة طيلة شهر رمضان.
وسميت الهدية بحق الملح لأن النساء في تونس ورغم صيامهن يقمن بتذوق درجة ملوحة الطعام دون ابتلاعه، حرصًا على أن يكون مذاق الطبخ مناسبًا للأسرة، غير أن هذه العادة بدأت في التلاشي لتراجع المقدرة الشرائية للتونسيين.