بعد أقل من 4 أشهر على تشكيل الحكومة الائتلافية والعمل المشترك، بدأ التصدع ظاهرًا في العلاقات بين الحليفين في الحكومة الألمانية، “الاتحاد المسيحي الديمقراطي” بقيادة أنجيلا ميركل وشقيقها الأصغر في التحالف المسيحي و”الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري” بقيادة هورست زيهوفر.
الخطة الرئيسية للهجرة
هذا الخلاف، جاء نتيجة اختلاف وجهاء الرأي بشأن قضية الهجرة التي تشغل بال المجتمع الألماني بشدة، وتريد المستشارة الألمانية ميركل التوصل إلى حل أوروبي موحد لقضية الهجرة خلال الأسبوعين القادمين قبيل قمة الاتحاد الأوروبي المقررة في 28 و29 من يونيو/حزيران في العاصمة البلجيكية بروكسل.
في مقابل ذلك، يصر حزب الاتحاد الاجتماعي (الحزب البافاري) على عدم الانتظار، مؤكدًا ضرورة اتخاذ بلاده إجراءات بشكل أحادي، وعدم السماح لمهاجرين بلا أوراق أو من لم يُمنحوا حق اللجوء في ألمانيا بعبور حدود البلاد.
بدأ الخلاف هذه المرة على إثر القرار الذي اتخذته ميركل بوقف مشروع لمراجعة سياسة اللجوء قدمه زيهوفر
ميركل، قالت في أعقاب لقاء أجرته في برلين مع رؤساء وزراء الولايات الاتحادية الألمانية: “أنا شخصيًا أعتقد أن الهجرة غير الشرعية من أكبر التحديات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، لذا أرى أن علينا عدم التصرف منفردين وبصورة غير منسقة وعلى حساب دول ثالثة”.
بالتزامن مع ذلك، حذرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ألمانيا من اتخاذ إجراء أحادي الجانب في سياستها الخاصة باللاجئين، وقالت إن الإجراءات الجديدة المقترحة من شأنها انتهاك التزامات ألمانيا الدولية.
خلاف متجدد
هذا الخلاف بين الحليفين في هذه النقطة بالتحديد ليس بالأمر الجديد، ذلك أن “الاتحاد المسيحي الاجتماعي” يسعى منذ بداية أزمة اللاجئين سنة 2015 إلى إيجاد حل سريع لمشكلة تدفق الهجرة نحو أوروبا وألمانيا بالأخص، لكن ميركل لا تريد التصرف بشكل أحادي على حساب بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى، وتبحث عن حل يتمحور حول حصص توزيع للاجئين وتأمين الحدود الخارجية.
وتقف دول شرق أوروبا عائقًا أمام إرادة ميركل، حيث ترفض هذه الدول توزيع اللاجئين عليها، هذا ما جعل الاتحاد المسيحي الاجتماعي يفقد صبره ويلجأ في كثير من الأحيان إلى التعبير عن كل أنواع الغضب العام بين الأحزاب الألمانية.
تمثل مسألة الهجرة أبرز النقاط الخلافية في الحكومة الألمانية
بدأ الخلاف بين الحزبين المحافظين هذه المرة على إثر القرار الذي اتخذته ميركل الأحد بوقف مشروع لمراجعة سياسة اللجوء في ألمانيا عرضه وزير الداخلية على أنه خطة رئيسية للهجرة من 63 نقطة، ويريد الوزير إعادة اللاجئين الذين يصلون إلى الحدود الألمانية وسبق أن سُجلوا في بلد آخر في الاتحاد الأوروبي، وفشلت المفاوضات بشأن نص التشريع مساء الأربعاء.
وكان زيهوفر وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي قد هددا بالتحرك بشكل منفصل إذا لم توافق ميركل على خطتهم، ومن المتوقع أن يعلن زيهوفر بدء عمليات التفتيش على الحدود يوم الإثنين مستخدمًا في ذلك سلطته كوزير للداخلية.
وقال رئيس المجموعة البرلمانية للحزب البافاري ألكسندر دوبرينت الخميس إن الخطة الرئيسية لوزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر تقع في إطار المسؤولية المباشرة له، لذا لا بد من تنفيذها دون انتظار التوصل لاتفاق على مستوى الاتحاد الأوروبي، وذلك في إشارة إلى رفض ميركل للخطة ما تسبب في تأجيل إعلانها.
طلب وساطة
تواصل هذه الأزمة حتم على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اللجوء إلى فولفغانغ شويبله رئيس بوندستاغ لطلب التدخل والوساطة بين الحزبين، وذكرت صحيفة “راينشه بوست” الألمانية أن قادة الحزب الديمقراطي المسيحي الذي تترأسه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل طلبوا من شويبله التحدث مع زعماء حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري خلال الأيام القليلة المقبلة للتوصل إلى حل وسط بشأن سياسة الهجرة.
ووفقًا للصحيفة الألمانية الصادرة في دوسلدورف، فإن قادة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي يعتقدون أن شويبله يتمتع بمصداقية لدى الطرفين، وذلك لسابق انتقاده لسياسة ألمانيا حيال قضية اللاجئين وولائه الكبير لميركل.
يرى مراقبون أن الولاية الرابعة لميركل ستكون الأخيرة لها
في سياق متصل طالبت قيادات في الحزب الديمقراطي الإشتراكي – الشريك في الائتلاف الحاكم – كلاً من الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري بالجلوس مرة أخرى إلى طاولة الحوار، واستغلال عطلة نهاية الأسبوع للعودة إلى مستوى موضوعي يطبعه التعاون من المحادثات الثنائية بينهما.
وتأتي هذه المواجهة وسط ظروف تسبق انتخابات برلمان ولاية بافاريا، إذ يشعر الاتحاد الاجتماعي المسيحي الحاكم هناك بالقلق إزاء اختراق من اليمين الشعبوي الذي حقق نتيجة تاريخية في الانتخابات التشريعية العامة في أيلول/سبتمبر الماضي من خلال اللعب على المخاوف المتعلقة بالهجرة واللجوء.
اجتماعات منفصلة
كدليل على عمق الأزمة بين الطرفين، علق البرلمان الألماني “البوندستاغ” جلسته أول أمس الخميس، لإفساح المجال أمام عقد اجتماعات أزمة لنواب حزبي التحالف المسيحي، كل حزب على حدة: الديمقراطي المسيحي بزعامة ميركل والاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري بزعامة وزير الداخلية سيهوفر، والأزمة المقصودة هنا هي الخلاف بين ميركل ووزير داخليتها بشأن ملف الهجرة واللجوء.
ويعتبر هذا الأمر وفقًا لعدد من المتابعين للشأن الألماني دليلًا على تصاعد الخلاف بين الشقيقين في التحالف المسيحي، ذلك أن آخر مرة حدثت فيها مثل هذه الاجتماعات المنفصلة كان في نهاية تسعينيات القرن الماضي.
هذه الاجتماعات المنفردة في البرلمان تؤكد عمق الأزمة بين الطرفين
يرى مراقبون أن الولاية الرابعة لميركل ستكون الأخيرة لها، فيما يذهب آخرون إلى توقع انتهاء ولاية المستشارة الألمانية قبل موعدها المحدد، نتيجة الخلافات التي يشهدها الائتلاف الحاكم، خاصة المعارضة التي واجهتها داخل حزبها المحافظ، أما الحزب الاشتراكي الديمقراطي – المشارك في السلطة – فقد قرر إجراء مراجعة مرحلية لأداء التحالف خلال 18 شهرًا.
وسبق أن وعدت ميركل لمواجهة صعود “البديل لألمانيا” (النازيون الجدد) وضغوط الجناح المحافظ اليميني في حزبها، بفرض قيود على استقبال طالبي اللجوء، بعدما فتحت أبواب بلادها لأكثر من مليون مهاجر سنتي 2015 و2016، وتسعى العائلة السياسية لميركل إلى فرض سقف لعدد طالبي اللجوء الجدد في ألمانيا قدره نحو 200 ألف في السنة.
وفي مارس الماضي تشكلت الحكومة الألمانية بقيادة ميركل بعد نحو 5 أشهر من الانتخابات التي أجريت أواخر سبتمبر/أيلول 2017 التي أعقبتها مفاوضات فاشلة بين تحالف ميركل المسيحي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، مما اضطر ميركل إلى التفاوض مع الاشتراكيين لتشكيل ائتلاف موسع معهم.