ترجمة وتحرير: نون بوست
تبدو حظوظ الشعب الفلسطيني في الحصول على حقه في تقرير المصير أكثر ضعفا من أي وقت مضى. ففي الواقع، يعاني الرئيس محمود عباس من تدهور حالته الصحية، وهنالك صراع دائر حول من سيحتل مكانه. كما أن قرار واشنطن بنقل سفارتها إلى القدس يعني عمليا إخراجها لهذه المدينة المقدسة من طاولة المفاوضات، في انتظار الاتفاق النهائي الذي من المنتظر أن تقدمه إدارة الرئيس دونالد ترامب، لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي الأثناء، تواجه المظاهرات السلمية التي تقام على امتداد حدود قطاع غزة مع “إسرائيل”، بقمع عنيف من القناصة.
بعد مرور أكثر من قرن على وعد بلفور الشهير، و71 سنة على خطة التقسيم التي أصدرتها الأمم المتحدة، و51 سنة على احتلال الضفة الغربية، و25 سنة بعد إطلاق ما يعرف بمسار السلام، حان الوقت لإعادة تقييم القضية الفلسطينية. فهل بات ممكنا أن تنجح المظاهرات السلمية في تحقيق ما عجز عنه العمل المسلح والمفاوضات؟
فشل الكفاح المسلح
لطالما كانت هنالك ثلاثة أوجه للكفاح الفلسطيني، يحدث بينها تداخل لحد ما، وهي الكفاح المسلح، مسار أوسلو، والآن المقاومة القانونية الدولية المصحوبة بمظاهرات سلمية في قطاع غزة. وقد فشل الكفاح المسلح، إذ أنه انتهى رسميا في أيلول/ سبتمبر سنة 1993 في حديقة البيت الأبيض، عندما تصافح إسحاق رابين وياسر عرفات تحت أنظار الرئيس السابق بيل كلينتون، الذي كان يسعى لتحقيق إنجاز يخلد اسمه في التاريخ.
يعتقد عدة باحثين أن ملف المفاوضات أغلق بشكل كامل مع فشل كامب ديفيد في صيف سنة 2000
يدعي الإسرائيليون أن دوامة العنف لم تتوقف أبدا، بسبب أنشطة حركة حماس، ولكن الحقيقة هي أن أغلب الفصائل الفلسطينية كانت منفتحة على مسار أوسلو، إلى حدود الانتفاضة الثانية في سنة 2000. وقد كان الصراع المسلح طويلا ودمويا ومؤلما لكلا الطرفين. وقد حارب الفلسطينيون ضد القرارات التي اعتبروها غير منصفة، والتي كانت تهدف، بطريقة محبطة بالنسبة لهم، لافتكاك وطنهم وتقديمه لشعب آخر، وهو الشعب اليهودي الذي عانى لقرون من اضطهاد في أوروبا بلغ ذروته مع أحداث الهولوكوست.
من غير المفيد الآن مناقشة ما إذا كانت قرارات الفلسطينيين صحيحة أم خاطئة. إذ أن العنف هو أمر مرفوض دائما. وما يمكننا قوله هو أن هذا الخيار فشل في تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، رغم أنه نجح في رفع وعي المجتمع الدولي بالقضية الفلسطينية. وبينما نعلم أن مسار أوسلو انطلق في أيلول/ سبتمبرسنة 1993، نحن لسنا متأكدين من وقت انتهاء هذا المسار. ولكن الشيء المؤكد هو أن أطراف كثيرة أصدرت شهادات وفاة لمسار أوسلو في عدة مناسبات.
يعتقد عدة باحثين أن ملف المفاوضات أغلق بشكل كامل مع فشل كامب ديفيد في صيف سنة 2000، فيما يشير آخرون إلى المحاولة الفاشلة التي قام بها وزير الخارجية السابق جون كيري أثناء فترة رئاسة باراك أوباما. ولا تزال هنالك أقلية للآن متشبثة بالاعتقاد بأن مسار السلام متواصل مع الإدارة الأمريكية الحالية، في انتظار صفقة القرن التي يعكف دونالد ترامب على التحضير لها.
منذ فشل مفاوضات كامب ديفيد، ظلت الرواية السائدة هي أن الخلل يكمن في عرفات والفلسطينيين
فشل المفاوضات
بقطع النظر عما إذا كان مسار أوسلو لا يزال حيا أم لا، فإنه من الواضح أنه فشل في توفير حل عادل للمسألة الفلسطينية. ومنذ سنة 1993 إلى حدود سنة 2000، كان الطرفان يخوضان مفاوضات حول فرضية حل الدولتين عبر وساطة أمريكية. ولكن في نفس الوقت تضاعفت أعداد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، رغم أن هذه هي المنطقة التي كان من المفترض أن تقام عليها دولة فلسطينية. ورغم ذلك، فإن الفلسطينيين يواجهون دائما الاتهامات بأنهم يتصرفون بنوايا سيئة، وبأنهم يمارسون الخداع ويفشلون في التقاط الفرص التي قدمتها إدارة كلينتون.
أعضاء من الجالية الفلسطينية ومناصرون لهم، يتظاهرون ضد قرار دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية في “إسرائيل” للقدس في 15 أيار/ مايو 2018 في شيكاغو.
منذ فشل مفاوضات كامب ديفيد، ظلت الرواية السائدة هي أن الخلل يكمن في عرفات والفلسطينيين. وحتى الجهود الشجاعة التي بذلت من قبل بعض مستشاري بيل كلينتون، مثل المفكر النزيه روبرت مالي، من أجل إعادة صياغة تقييم أكثر إنصافا لما حدث في تموز/يوليو 2000، ذهبت أدراج الرياح. وقد حرم ياسر عرفات بيل كلينتون من أن يحقق رغبته في تخليد اسمه في التاريخ. ويتمثل ذنب عرفات في رفضه لاتفاق يزعم له أنه يقدم للفلسطينيين خطة سلام، تتمثل في مجموعة من الرقع الجغرافية المتفرقة، مع السماح لهم بتسميتها دولة. ويبدو أن خطة السلام التي يتم تحضيرها الٱن قد تكون أكثر سوء.
منذ ذلك الحين، لم تتغير رواية كلينتون، سواء في وسائل الإعلام أو في أروقة اتخاذ القرار في العواصم الغربية. وفي السنوات الموالية، تم ترسيخ هذه الرواية من خلال ادعاء عدم وجود محاور فلسطيني جاد، وهي المغالطة التي ترددها “إسرائيل” بشكل ممنهج. وختاما، عندما بدت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما أكثر جدية في الدفع نحو السلام، دفعت “إسرائيل” فجأة بشرط جديد وهو الاعتراف بيهودية الدولة.
دور حركة مقاطعة “إسرائيل” وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها
إذا كان حل الدولتين لا يزال حيا، فإنه على الأرجح ميت إكلينيكيا. فقد شرع الفلسطينيون في المطالبة بحقوقهم عبر الوسائل القانونية التي يكفلها لهم القانون الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة، مثل المطالبة بالاعتراف بدولة فلسطينية. وقد أبدت واشنطن والدول الأوروبية تعنتا أمام هذا الطلب، متعللة بأنه غير بناء ولن يساعد على خوض مفاوضات مثمرة. ولو أن القوى الغربية وجهت جهودا نحو إيقاف الأنشطة الاستيطانية غير الشرعية، بمقدار عشر ما توجهه من جهود لعرقلة التحركات القانونية الفلسطينية، لكانت الأوضاع الآن مختلفة تماما.
لسوء الحظ، تزايدت حالات تشويه الشكاوى الصغيرة المقدمة ضد سياسات الحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ووصفها بأنها معادية للسامية، وهي عبارة فضفاضة لا يوجد تفسير دقيق لها
تمثل حركة مقاطعة “إسرائيل” وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) حركة سلمية عفوية ومبادرة قانونية للاحتجاج على سياسات الحكومة الإسرائيلية. لكن كثيرين سارعوا إلى وصمها بالمعادية للسامية، من أجل تحريك القوانين في عدة دول لحظر هذا النشاط. ورغم أنه من غير المقبول الترويج لحركة المقاطعة باستخدام خطاب معاد للسامية، فإنه من غير المقبول أيضا خنق الحقوق التي يكفلها الدستور وهي حرية التظاهر والتعبير. يندرج الانتقاد الموضوعي لسياسات “إسرائيل”، والدفاع عن حقوق الفلسطينيين، ضمن ما تكفله القوانين والدساتير من حريات.
لسوء الحظ، تزايدت حالات تشويه الشكاوى الصغيرة المقدمة ضد سياسات الحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ووصفها بأنها معادية للسامية، وهي عبارة فضفاضة لا يوجد تفسير دقيق لها، ولذلك تستخدم غالبا بشكل غير موضوعي.
مسؤولية المجتمع الدولي
عندما استخدم الفلسطينيون العنف، تم اعتبارهم إرهابيين ووقع إصدار الأحكام ضدهم ومقاطعتهم. وعندما خاضوا المفاوضات لأكثر من 20 سنة، تعرضوا للخداع من قبل الوسطاء، وتم تصويرهم على أنهم مخادعون، وإلقاء اللوم عليهم عند فشل المحادثات، ووصفهم بأنهم ناكرون للجميل وعاجزون عن استيعاب الفرص المقدمة لهم. والآن، بعد أن شرع الفلسطينيون في التظاهر بشكل سلمي على حدود قطاع غزة، وهو تماما ما كان المنظرون الغربيون ينصحونهم به، يتم استهدافهم بالقتل من قبل القناصة الإسرائيليين.
يبدو أن حركة المقاطعة، كما أظهر آخر مثال وهو مباراة المنتخب الأرجنتيني، هي طريقة أكثر أخلاقية وأكثر فاعلية من أي صواريخ يتم إطلاقها من قطاع غزة، في سبيل الدفاع عن القضية الفلسطينية. بالطبع يجب على من يسمون أنفسهم بالمجتمع الدولي، أن تكون لديهم الشجاعة للتصدي لنيران القناصة الإسرائيليين، عوضا عن السعي لتبريرها والتغطية عليها، أو استخدام أسلوب انتقائي في التعامل مع الحقوق الكونية مثل حرية التعبير وحرية التظاهر.
المصدر: ميدل إيست آي