“بيحاولوا يخوفوا الضباط، لكن احنا مبنخفش”، هذا ما قاله الضابط المصري رؤوف الذي يلعب دوره الممثل فتحي عبد الوهاب في مسلسل “عوالم خفية”، تعليقًا على محاولات اغتيال الضباط في مصر على يد مجموعات إرهابية كما يروي المسلسل.
مسلسل عوالم خفية من إخراج رامي إمام عُرض في رمضان 1439هـ – 2018م، يلعب دور البطولة فيه الفنان المصري عادل إمام إضافة إلى مجموعة من الممثلين المعروفين، أمثال صلاح عبد الله وأسامة عباس وبشرى ورانيا شوقي وغيرهم.
يروي مسلسل عوالم خفية حكاية صحفي مصري معارض يعمل في صحيفة “نبض الشعب” المعارضة، يقع بين يديه دفتر مذكرات شخصية لممثلة مشهورة تدعى مريم رياض كشفت فيها تفاصيل وقضايا فساد عاينتها بنفسها، وكتبت عنها وعن الأشخاص المشتركين فيها لكن دون أن تكتب أسماءهم، بل اكتفت بالأحرف الأولى من الاسم الثنائي للشخصية، وهنا تبدأ الإثارة في كشف أصحاب هذه القضايا وسط قالب من الفانتازيا الدرامية، ومن خلال أطراف الخيوط والأدلة المخبئة التي تركتها صاحبة المذكرات التي على ما يبدو ألقيت من النافذة ليُظن أنها انتحرت بملء إرادتها.
السيناريو كان محبوكًا بشكل عبقري، مشاهد التأسيس كانت في مكانها، وتوظيف الفانتازيا في التوصل إلى الشخصيات المختلفة كان مقنعًا، لكنه يبقى في الدراما والخيال ويصعب إيجاده في الواقع
تميز المسلسل بحبكته الدرامية الجذابة وأسلوب الانتقال من قضية إلى أخرى بطريقة سلسة ومقنعة دراميًا، الممثلون بمعظمهم كانوا على قدر كبير من الكفاءة رغم وجود الوجوه الجديدة التي لعبت أدوارها بشكل مقبول.
السيناريو كان محبوكًا بشكلٍ عبقري، مشاهد التأسيس كانت في مكانها، وتوظيف الفانتازيا في التوصل إلى الشخصيات المختلفة كان مقنعًا، لكنه يبقى في الدراما والخيال ويصعب إيجاده في الواقع، وهذا هو حال المسلسلات والأعمال الفنية على أي حال، وأخيرًا كان الإخراج متقنًا واللعب على حبال الزمن كان سلسًا باستثناء بعض اللقطات هنا أو هناك.
المسلسل بحلقاته الـ30 ناقش العديد من القضايا الحارقة والحية في المجتمع المصري خصوصًا، أبرزها قضايا الفساد الإداري والرشاوى وسرقة الأطفال والتجارة بالأعضاء، بالإضافة إلى مشاكل الفساد في مؤسسة التربية والتعليم، وكل ما يتعلق بالإرهاب ومحاربة “المتطرفين” الذي يدخل إلى الخط بين الفينة والأخرى.
سيلاحظ المشاهد “نظافة” ونزاهة المؤسسة العسكرية برمتها، حيث يحاسب النقيب الأعلى أحد القادة عنده لاستغلاله منصبه ورفع مسدسه على أحد المواطنين، ثم سيلاحظ كم هو مرتفع سقف الحريات الصحفية بمصر، لدرجة أن مقالًا واحدًا من الصحفي هلال كامل بإمكانه الإطاحة بمجموعة من الوزراء، حيث تكون الاستجابة والخوف من الصحافة المعارضة كبيرة، على عكس ما نعرفه في الواقع المصري.
فيما يتغاضى المسلسل عن غلاء الأسعار والبطالة المفرطة والفقر المدقع الذي كان سببه الأول والأخير فساد النظام المصري أولًا واهتراء المنظومة ونظامها الداخلي ثانيًا، وليس الأمر متعلقًا بأشخاص معينين فقط.
مسلسل عوالم خفية بمثابة ورقة التوت التي يغطي بها النظام المصري عورته في كل ما نوقش وذكر
لقد أبرز المسلسل دور رجال الدين المسلمين بصراحة تامة في مسألة سرقة الأعضاء وإشاعة القتل وترويج المخدرات، بينما أظهر العم إبراهيم المسيحي المغلوب على أمره الذي قُتلت ابنته على يد هؤلاء المتطرفين لكونها مسيحية فقط، يدرس الأطفال القرآن الكريم رغم مسيحية عقيدتهم، وكذلك كشف لنا أن “العلماني الكافر” يفهم الدين بشكل أعمق وأفضل من الشيخ الداعية المتمرس.
نعم حاول أن يتدارك نفسه في بعض الأحيان، فعلى سبيل المثال قال على لسان العم إبراهيم المسيحي إن الاسلام بريء من هذه التصرفات والأعمال الإرهابية، لكنك تشعر بأنها كلمة حق يراد بها الباطل تهز بها رأي الشارع بمشايخه ومتدينيه وأنهم لا يؤخذ عنهم علم ولا شرع لأنهم لا يفهمون جوهر الدين كما يفهمه الناس البسطاء وغير الشرعيين، وأظنه استغلال واستغفال مقصود لما تمر به الأمة بشكل عام.
مسلسل عوالم خفية بمثابة ورقة التوت التي يغطي بها النظام المصري عورته في كل ما نوقش وذكر، خاصة أساس المسلسل الذي يتخذ من حرية الصحافة قاعدة يبدأ بها حكايته، ففي تقرير نشرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني مصرية) أكد أن الصحافة المصرية باتت أسيرة أجهزة الدولة المعادية لحرية الصحافة وحرية التعبير.
وأضاف أن ممارسة الصحافيين لدورهم بشكل مهني أصبح محفوفًا بالمخاطر مع تزايد الحصار والحجب والمصادرة، حيث غُرمت بعض الصحف مثل صحيفة “المصري اليوم” وموقع “مصر العربية” (المحسوبتان على النظام) بسبب نقلهم أو رصدهم أجواء الانتخابات الرئاسية مؤخرًا، وقولهم إن سلطات الدولة حشدت الناخبين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
أما المرصد العربي لحرية الإعلام فقال في بيانه “في نهاية شهر فبراير/شباط بلغ عدد المحبوسين 95 صحفيًا وإعلاميًا ومراسلًا صحفيًا حرًا (تعاون مع فضائيات ومؤسسات صحفية مستقلة أو معارضة)، بعد استمرار دوائر الإرهاب غير المختصة قانونًا والمخالفة لصحيح القانون والدستور في العصف بحقوقهم في الوقوف أمام قاضيهم الطبيعي وتطبيق معايير المحاكمة العادلة بحقهم، بجانب حالة الإخفاء القسري المستمرة بحق الصحفي حسام الوكيل”.
سيلاحظ المشاهد “نظافة” ونزاهة المؤسسة العسكرية برمتها، حيث يحاسب النقيب الأعلى أحد القادة عنده لاستغلاله منصبه ورفع مسدسه على أحد المواطنين
هذا بالإضافة إلى الأجور المتدنية للصحفيين، ومرورًا بظروف العمل القاسية وعدم اﻷمان الوظيفي، ووصولًا لأخطار أخرى تأتي من خارج أماكن العمل، كحجب الدولة لمواقع إلكترونية يعملون بها.
وعليه يبدو أن حرية الصحافة تحديدًا موجودة فقط هناك في عوالم خفية لا نعلمها ولا يعلم النظام عنها شيئًا، عوالم موازية لعالمنا، لا توجد إلا في الصورة الخيالية في ذهن كل صحفي مصري حر، أو في ذهن شركات الإنتاج التي تحاول بيع الماء في حارة يكثر فيها السقاة.