كشف المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية أحمد رشيدي، حزمة استثمارات إماراتية جديدة في بلاده تقدر بنحو 3 مليارات دولار، اثنين منها في صورة استثمارات ومليار وديعة في البنك المركزي.
إعلان هذه الاستثمارات جاء في أعقاب زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، لأديس أبابا أول أمس واستمرت يومين، وتطرقت إلى بحث العلاقات الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، التقي خلالها رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي.
رشيدي في مؤتمر صحفي أشار إلى أنه “تم التوقيع على 7 مذكرات تفاهم في مجالات تنمية وتطوير السياحة والثقافة والشؤون القنصلية والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي واتفاقية تعاون في الشؤون المالية بين البنك الوطني الإثيوبي وصندوق أبو ظبي للتنمية”.
تأتي زيارة ابن زايد لأديس أبابا بعد أقل من 3 أشهر على زيارة وزير الخارجية عبدا لله بن زايد، وأقل من شهر على جولة رئيس الوزراء الإثيوبي السابق، مايو/آيار الماضي التي شملت الإمارات والسعودية، ليبقى السؤال: ما دوافع هذا التقارب الملحوظ بين البلدين في الآونة الأخيرة؟ وماذا تريد أبو ظبي من أديس أبابا في هذا التوقيت على وجه التحديد؟
تطور ملحوظ في العلاقات
يأتي اهتمام أبو ظبي بإثيوبيا في إطار مخطط توسيع قاعدة نفوذها في منطقة القرن الإفريقي التي أصبحت الآن تضم القاعدتين العسكريتين الوحيدتين للإمارات خارج حدودها، واحدة في بربرة والثانية في عصب، هذا بخلاف نهجها الجديد الذي وضعت قواعده الأساسية خلال السنوات العشرة الأخيرة.
هذا النهج يقوم على عدة مراحل مترتبة على بعضها البعض، بدءًا بالتبرع السخي لفقراء إفريقيا ومؤسساتها، ليلحق بهذا التبرع استثمارها في البنوك والموانئ والمشاريع الإنسانية من المؤسسات الاستثمارية الإماراتية الكبرى، حتى شمل هذا الاستثمار مجالات الغاز الطبيعي والأمن الغذائي، ليأتي في مرحلة لاحقة لهذا النهج الانخراط في علاقات تعاون أمني مع مجموعة من الدول الإفريقية، وهو ما يفسر النفوذ الإماراتي المتمدد في هذه المناطق مستغلة فقرها الشديد وحاجة شعوبها.
العديد من الجولات المكوكية التي قام بها مسؤولون إماراتيون لإفريقيا الأعوام الثلاث الأخيرة على وجه التحديد تكشف ملامح هذا الاهتمام الزائد، ففي 2015 قامت وزيرة الدولة ريم الهاشمي بجولةٍ إفريقية شملت رواندا وأوغندا كان عنوانها البارز تعزيز علاقة الإمارات بدول القارة السمراء، ورفع وتيرة التعاون والتبادل التجاري بين الجانبين.
الاهتمام الإماراتي بإثيوبيا وإن كان ممتدًا طيلة العشر سنوات الماضية غير أنه خلال العام الأخير فقط شهد تطورًا ملحوظًا غير مسبوق، وهو ما أثار بعض التساؤلات التي ذهبت إجابة إحداها إلى الحديث عن النفوذ القطري هناك ومخطط أبو ظبي لتحجيمه بعد اندلاع الأزمة الخليجية في يونيو/حزيران 2017
وقبل ستة أشهر، وبالتحديد يناير/كانون الثاني الماضي، ترأست الوزيرة ذاتها وفد بلادها المشارك في القمة الإفريقية التي استضافتها العاصمة الإثيوبية، وكان من اللافت أن ريم الهاشمي أقامت آنذاك حفلاً كبيرًا للتعبير عن “الشراكة الإماراتية الإفريقية” بحضور عدد من الوزراء وممثلي الدول الإفريقية، وذلك على هامش فعاليات الدورة العادية الـ30 للاتحاد الإفريقي.
اقتصاديًا.. فللإمارات حضور اقتصادي قوي في أديس أبابا، حيث ضخّت هناك نحو 1.5 مليار دولار بحسب إفادات هيئة الاستثمار الإثيوبية، ومن أشهر الاستثمارات الإماراتية في أرض الحبشة شركة الخليج للصناعات الدوائية (جلفار)، إضافة إلى مصنع سيراميك رأس الخيمة، وتتركز معظم الاستثمارات الإماراتية في قطاعات الزراعة والصناعات الزراعية (60 مشروعًا)، فضلاً عن وجود دراسات إماراتية للاستثمار في قطاع السياحة والفندقة وصناعة الترفيه بإثيوبيا.
وزير الخارجية الإماراتي خلال زيارته لإثيوبيا مارس الماضي
تحجيم النفوذ القطري
الاهتمام الإماراتي بإثيوبيا وإن كان ممتدًا طيلة العشر سنوات الماضية غير أنه خلال العام الأخير فقط شهد تطورًا ملحوظًا غير مسبوق، أسفر عن زيارة ثلاثة من كبار رجالات الدولة (ولي عهد أبو ظبي ووزير الخارجية ووزيرة الدولة) لأديس أبابا في أقل من 6 أشهر، وهو ما أثار بعض التساؤلات التي ذهبت إجابة إحداها إلى الحديث عن النفوذ القطري هناك ومخطط أبو ظبي لتحجيمه بعد اندلاع الأزمة الخليجية في يونيو/حزيران 2017.
العلاقات القطرية الإثيوبية خلال العام الماضي شهدت انسجامًا لم تشهده منذ عقود، رغم موجات التوتر التي انتابت تلك العلاقات بين الحين والآخر، وصلت إلى حد القطيعة التامة فترة 4 سنوات بين 2008 و2012 وهو ما تعكسة الزيارات المتبادلة بين الجانبين، بدأت بزيارة وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن لأديس أبابا في أواخر 2016 لفتح صفحة جديدة في العلاقات.
ثم جاءت زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد الذي وصل أديس أبابا في أبريل/نيسان 2017 ضمن جولة إفريقية شملت كينيا وجنوب إفريقيا، وكانت إثيوبيا المحطة الأبرز في الجولة لمكانتها في القارة السمراء لتكشف النقاب عن توجه قطري جديد في المنطقة بعد غياب دام طويلاً.
فالعلاقات القوية التي تجمع بين أبو ظبي والنظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي، ربما دفعت القاهرة لطلب وساطة الحليفة الإماراتية للضغط بشأن سد النهضة وإحياء المسار التفاوضي مجددًا بعد موته إكلينيكيًا أبريل الماضي
وفي نوفمبر/تشرين الماضي جاءت زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي المستقيل هايلي مريام ديسالين الذي يعتبر مهندس إعادة العلاقات بين البلدين للدوحة، التي وُصفت بالتاريخية، فقد تم فيها التوقيع على اتفاقات عديدة كان أهمها اتفاقية للتعاون الدفاعي بين البلدين، أعقبها زيارة الأمين العام للهلال الأحمر القطري علي بن حسن الحمادي إلى أديس أبابا لافتتاح مقر المنظمة القطرية هناك إضافة إلى توقيع اتفاقية تعاون كبرى مع الصليب الأحمر الإثيوبي لتنفيذ مشروعات إنسانية وصحية وخدمية يستفيد منها آلاف المواطنين الإثيوبيين.
جدير بالذكر أن إثيوبيا ومنذ اندلاع الأزمة الخليجية اختارت الحياد ونأت بنفسها عن الانضمام لمحور الرياض ـ أبو ظبي، محافظة على علاقاتها بدولة قطر وتجنب الدخول كطرف في الأزمة خاصة أنها تحتضن مقر الاتحاد الإفريقي الأمر الذي يملي عليها اتخاذ مواقف رزينة تتناسب مع مكانتها وتأثيرها الجيوسياسي القوي.
التقارب القطري الإثيوبي خلال العام الماضي أقلق أبو ظبي
التوسط للقاهرة
لم يكن تحجيم النفوذ القطري في إثيوبيا الدافع الوحيد وراء زيارة ابن زايد لأديس أبابا، فالعلاقات القوية التي تجمع بين أبو ظبي والنظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي، ربما دفعت القاهرة لطلب وساطة الحليفة الإماراتية للضغط بشأن سد النهضة وإحياء المسار التفاوضي مجددًا بعد موته إكلينيكيًا إبريل الماضي.
الاستثمارات الإماراتية في إثيوبيا يراها البعض ورقة ضغط قوية يمكن استخدامها لدفع المفاوضات إلى صيغة توافقية ترضي جميع الأطراف خاصة بعد الموقف المتأزم الذي باتت فيه القاهرة عقب تورط السيسي بتوقيع اتفاق المبادئ في الخرطوم 2015، غير أن آخرين يقللون من فرص نجاح أبو ظبي في القيام بهذه المهمة خاصة في ظل الحديث عن ضلوع رجال أعمال إماراتيين في بناء السد.
من زاوية أخرى يرى البعض أن تلك الزيارة وغيرها تأتي في إطار التحرك الدبلوماسي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بشأن النفوذ الإماراتي – المهدد – في منطقة القرن الإفريقي، خاصة بعد سحب البساط من تحت أقدام أبو ظبي في كثير من الملفات، أبرزها قرار رئيس جيبوتي إسماعيل عمر قيلي بإلغاء امتياز شركة موانئ دبي لإدارة محطة حاويات “دوراليه”، وهو ما قد يدفع أبناء زايد إلى الاستعانة بأديس أبابا في هذا المضمار خاصة أنها تعتمد بنسبة 80% على استخدام ميناء جيبوتي في صادراتها ووارداتها.