ترجمة وتحرير: نون بوست
صوّرت وسائل الإعلام الغربية فضيحة التعذيب الجنسي الإسرائيلية، التي اعتُقِل على إثرها تسعة جنود في 29 تموز/ يوليو بتهمة تعذيب رجال فلسطينيين جسديًا وجنسيًا، على أنها انحراف عن أساليب التعذيب المعتادة في إسرائيل. وتكمن الفكرة في أن جلّادي الأسرى الفلسطينيين الإسرائيليين لا يخضِعونهم عادة للاغتصاب. وقد تم إطلاق سراح أربعة من الجنود المعتقلين في وقت لاحق بعد أعمال شغب واسعة النطاق.
وصفت وزارة الخارجية الأميركية، التي ربما شعرت بالفزع إزاء هذا التعذيب، مقطع الفيديو الذي يظهر عملية الاغتصاب بأنه “مروع”، وأصرت على أنه “ينبغي عدم التسامح بتاتا مع الاعتداء الجنسي، واغتصاب أي معتقل، وإذا كان هناك معتقلون تعرّضوا للاعتداء الجنسي أو الاغتصاب، فإن حكومة إسرائيل، والجيش الإسرائيلي، لابد وأن يحققوا بشكل كامل في هذه الأفعال ويحاسبوا أي شخص مسؤول إلى أقصى حد يسمح به القانون”
التزم البيت الأبيض، الذي ربما استغرب أيضًا من إساءة معاملة السجناء السياسيين المحتجزين في زنزانات الولايات المتحدة، الصمت ولكنه وجد أن التقارير عن التعذيب الجنسي الإسرائيلي “مقلقة للغاية”. وحذا الاتحاد الأوروبي حذوه وزعم أنه “قلق للغاية”.
لكن هذا ليس تطوراً جديداً في قسوة النظام الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي. فالجيش الإسرائيلي يستخدم التعذيب الجسدي والجنسي ضد الفلسطينيين بشكل منهجي منذ سنة 1967 على الأقل، وذلك حسب ما كشفته جماعات حقوق الإنسان قبل سنوات. والواقع أن السادية كانت سمة مميزة لمعاملة المستعمرين الصهاينة للفلسطينيين منذ ثمانينات القرن التاسع عشر، كما اشتكى حتى الزعماء الصهاينة في ذلك الوقت.
إن هذه السادية والتعذيب الجنسي الذي يصاحبها غالبا لا يتجذران في الغطرسة الاستعمارية الأوروبية فحسب، بل وأيضاً في وجهات النظر الاستشراقية التي ترى أن العرب “لا يفهمون إلا بالقوة” وأنهم أكثر عرضة للتعذيب الجنسي من الأوروبيين البيض.
ممارسة عادية
أدى اعتقال الجيش الإسرائيلي للجنود المارقين الذين زُعم أنهم اغتصبوا السجين الفلسطيني جماعيا إلى إثارة الغضب في صفوف الإسرائيليين اليمينيين، الذين يشكلون أغلبية الناخبين. وقد حاول العشرات من المحتجين، إلى جانب أعضاء الكنيست الإسرائيلي، اقتحام منشأتين عسكريتين ومبنى قضائي حيث كان الجنود محتجزين بقصد تحريرهم. كما دافع العديد من وزراء الحكومة الإسرائيلية عن اغتصاب السجناء الفلسطينيين باعتباره “مشروعًا”.
وفي التلفزيون الإسرائيلي الصباحي، ناقش مقدّمو البرامج والمحللون أفضل السبل لترتيب اغتصاب السجناء الفلسطينيين، منتقدين فقط الطريقة “غير المنظمة” التي أجريت بها. وبينما تبدو مثل هذه المناقشات عادية في إسرائيل، فإن المراقبين الغربيين تظاهروا بالصدمة.
يأتي هذا الرد على الرغم من أن منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بتسيلم ذكرت أن إسرائيل تتبع سياسة إساءة معاملة السجناء وتعذيبهم بشكل منهجي منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وتعريض المعتقلين الفلسطينيين لأعمال عنف – بما في ذلك الاعتداء الجنسي.
وقد دُعي أحد المغتصبين الإسرائيليين المزعومين، وكان ملثمًا، إلى القناة 14 التلفزيونية الإسرائيلية للدفاع عن عمليات الاغتصاب. ونشر لاحقا مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يخلع قناعه، معربا عن فخره بوحدته ومعاملتها للفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، كانت التغطية التلفزيونية الإسرائيلية تدعو إلى إلقاء القبض على رئيس وحدة الجندي الذي سرّب مقطع فيديو الاغتصاب إلى جماعات حقوق الإنسان، ووصفته بأنه “خائن” لإسرائيل.
تعذيب عنصري
لا تنفرد إسرائيل بمثل هذه الممارسات. ففي أعقاب الكشف عن التعذيب الجسدي والجنسي الممنهج الذي مارسته الولايات المتحدة ضد السجناء العراقيين في سجن أبو غريب في سنة 2003، كشف الصحافي الأميركي المخضرم سيمور هيرش أن فكرة “أن العرب معرّضون بشكل خاص للإذلال الجنسي أصبحت موضوعاً للحديث بين المحافظين المؤيدين للحرب في واشنطن في الأشهر التي سبقت غزو العراق في آذار/ مارس 2003”.
ووفقاً لهيرش، فإن المحافظين الجدد الأميركيين علموا بمثل هذا “الضعف” من كتاب المستشرق الإسرائيلي رافائيل باتاي سيئ السمعة الذي صدر سنة 1973 تحت عنوان “العقل العربي“. واستشهد هيرش بمصدر أشار إلى الكتاب باعتباره “إنجيل المحافظين الجدد فيما يتعلق بالسلوك العربي”. وأضاف أن مناقشات المحافظين الجدد برزت فيها فكرتان: “أولاً، أن العرب لا يفهمون إلا بالقوة، وثانياً، أن أكبر نقاط ضعف العرب هي العار والإذلال”.
ويواصل هيرش كشفه: “قال المستشار الحكومي إنه ربما كان هناك هدف جدي، في البداية، وراء الإذلال الجنسي والصور الملتقطة. وكان من المعتقد أن بعض السجناء سيفعلون أي شيء – بما في ذلك التجسس على زملائهم – لتجنب نشر صورهم المخزية بين أفراد الأسرة والأصدقاء. لقد قيل لي إن الغرض من الصور هو إنشاء جيش من المخبرين، أشخاص يمكنك إعادتهم إلى السكان. كانت الفكرة هي أن الدافع وراء ذلك هو الخوف من الفضيحة، وجمع المعلومات حول إجراءات التمرد الوشيكة، كما قال المستشار. إذا كان الأمر كذلك، فلم يكن فعالاً لأن التمرد استمر في النمو”.
إن مثل هذا التعذيب العنصري هو رمز للثقافات الإمبريالية، سواء في الوقت الحاضر أو عبر التاريخ. فيما يلي أحد هذه التقارير: “تتنوع أنواع التعذيب المستخدمة. فهي تشمل اللكم والدوس بالأحذية. فضلاً عن استخدام العصي للضرب والجلد حتى الموت. كما شملت استعمال العصا لاختراق المستقيم ثم تحريك العصا إلى اليسار واليمين، وإلى الأمام والخلف. كما تضمنت الضغط على الخصيتين باليدين والضغط عليهما حتى يفقد الضحية وعيه من الألم وتتورمان لدرجة لا يستطيع الضحية معها المشي أو الحركة إلا بحمل رجليه واحدة واحدة. كما تضمنت تجويع الكلاب ثم استفزازها ودفعها لالتهام لحمه وأكل فخذيه. كما تضمنت التبول على وجوه الضحايا، وهناك أشكال أخرى من التعذيب تضمنت قيام الجنود بممارسة اللواط معهم، حيث يبدو أن هذا تم مع عدد من الأشخاص”.
ويصف هذا التقرير، بعبارات متطابقة تقريبًا، ما عايشه السجناء العراقيون في سنة 2003 على أيدي الأميركيين وما عايشه السجناء الفلسطينيون منذ سنة 1967 تحت الاحتجاز الإسرائيلي. وكتب في آب/ أغسطس 1938، وهو يوضح كيف عامل الجنود البريطانيون والصهاينة اليهود الفلسطينيين الثوريين خلال الثورة الفلسطينية المناهضة للاستعمار في ثلاثينات القرن العشرين. وكان مؤلف التقرير، صبحي الخضراء، سجينًا سياسيًا فلسطينيًا محتجزًا في سجن عكا. وقد علم بتعذيب هؤلاء السجناء، الذي حدث في القدس، بعد نقلهم إلى عكا. وروى السجناء تجاربهم له وأظهروا له علامات التعذيب الجسدية على أجسادهم.
وفيما يتعلق بدوافع الجلادين البريطانيين، خلص الخضراء قائلا: “لم يكن هذا تحقيقًا يتم فيه استخدام أساليب القوة. لا. لقد كان انتقاماً وإطلاقاً للغرائز الأكثر وحشية وهمجية وروح الكراهية المركزة التي يشعر بها هؤلاء المتعصبون تجاه المسلمين والعرب. إنهم يقصدون التعذيب من أجل التعذيب وإشباع شهيتهم للانتقام، وليس من أجل التحقيق أو الكشف عن الجرائم”. وقد نُشر التقرير في الصحافة العربية وأُرسل إلى أعضاء البرلمان البريطاني.
“حدث موحّد”
إن مزيج الجنس والعنف في بيئة إمبريالية أميركية (أو أوروبية أو إسرائيلية) تتسم بالعنصرية والسلطة المطلقة يشكل حدثاً موحداً. فخلال حرب الخليج “الأولى”، من سنة 1990 إلى سنة 1991، أمضى طيارو المقاتلات والقاذفات الأمريكيون ساعات في مشاهدة الأفلام الإباحية ليضعوا أنفسهم في الحالة المزاجية المناسبة للقصف الهائل الذي كان من المقرر أن ينفذوه في العراق.
وفي فيتنام، لم يتم تطبيع اغتصاب الجنود الأميركيين للنساء الفيتناميات المقاتلات أثناء الغزو الأميركي واحتلاله للبلاد فحسب، بل كان حتى جزءا من تعليمات التدريب للجيش الأميركي. لقد كان النموذج الاستشراقي والجنساني نفسه الذي يشكل المواقف الإسرائيلية تجاه السجناء الفلسطينيين هو السائد في نظر الأميركيين في فيتنام.
وتم استخدام اغتصاب الإسرائيليين للنساء الفلسطينيات كسلاح أثناء حرب 1948 وما بعدها، مدفوعا بعنصرية سادية مماثلة. كما أن التعذيب الجنسي والإساءة التي تمارسها إسرائيل ضد الرجال والنساء الفلسطينيين كانت منتشرة على نطاق واسع في الضفة الغربية وغزة على مدى الأشهر العشرة الماضية، وذلك حسب ما أفادت به الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان.
إن التظاهر بأن الجيش الإسرائيلي “جيش أخلاقي“، ناهيك عن كونه “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”، كما تزعم العنصرية الإسرائيلية في كثير من الأحيان، ليس أكثر من محاولة أخرى من العلاقات العامة للتغطية على جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. ونظرًا لأن قتل واغتصاب الفلسطينيين وسرقة أراضيهم وبلادهم استراتيجية صهيونية مستمرة منذ سنة 1948، فإن وزارة الخارجية الأميركية تدعو إسرائيل إلى “التحقيق” في الأمر بنفسها.
ومن المرجح أن تؤكّد نتائج تحقيقات الجيش الإسرائيلي بشأن الاغتصاب الجماعي الذي تم الكشف عنه مؤخرا لسجين فلسطيني حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها مع التمسك بالمبادئ الأخلاقية والقانونية الأكثر نبلاً، وهي المبادئ الأخلاقية والقانونية ذاتها التي سمحت لإسرائيل منذ سنة 1948 باضطهاد شعب بأكمله وقمعه دون عقاب.
المصدر: ميدل إيست آي