تعدّ البوهيمية نمط حياة غير تقليديّ أبدًا، يميل لأنْ يكون مختلفًا عن أنماط الحياة المُتعارف عليها في المجتمعات، وغالبًا ما ينعكس ذلك النمط من خلال مجموعة من الأفراد ذوي الميول المشتركة في اللباس والنشاطات الموسيقية والفنية والتفضيلات الأدبية والشعائر الروحيانية وغيرها الكثير من الروابط المشتركة التي قد تشكّل طبيعة العلاقات الاجتماعية على المدى البعيد.
تعتبر البوهيمية نمط الحياة أو المعتقد الأسرع نموًا في العالم، وقد ظهر استخدام كلمة “البوهيمية” لأول مرة في اللغة الإنجليزية في القرن التاسع عشر لوصف أنماط الحياة غير التقليدية للفنانين المهمشين والفقراء والكتاب والصحفيين والموسيقيين والممثلين غير التقليديين في المدن الأوروبية الكبرى، غيرَ أنّ أصولها تعود لتاريخٍ قديم يتضمّن عناصر اللاهوت والإيديولوجية والميثولوجيا والروحانية، وهي أيضًا طريقة حياة تركز على الفرد وتأثيره على العالم من حوله.
وفي الوقت نفسه أيضًا، شاع الاسم في فرنسا عندما بدأت شريحة واسعة من الفنانين والمبدعين بالتركيز على أحياء الغجر الفقيرة ذات الأجار المتدنّي والحالات الاقتصادية الصعبة. أمّا عن أصل الاسم، فبوهيميا هي الجزء الغربي من جمهورية التشيك الحديثة، اعتاد الفرنسيّون أنْ يصفوا الغجر أو الفقراء بنسبتهم إلى هذه المنطقة من باب التحقير أو الازدراء.
استمرّت تلك النظرية الدونية حتى بدايات القرن التاسع عشر، خاصة بعد سطوع نجم مسرحية “مشاهدة من الحياة البوهيمة” للكاتب “هنري موجيه”، كما قام الموسيقي الإيطالي المشهور “بوتشيني” بتحويل هذه الأفكار إلى أوبرا موسيقية تدعى “البوهيمية” أو “La Bohem“، والتي حقّقت نجاحًا عالميًّا واسعَ الآفاق.
شيئًا فشيئًا، بدأت نظرة المجموعات والأفراد تتغير تجاه المجموعات البوهيمية، حتى أنّ قاموس الأكاديمية الفرنسيّة أضاف المصطلح لقائمة مصطلحاته معرّفًا الشخص البوهيميّ بأنه “من يعيش حياة التشرد وحياة غير منتظمة بدون موارد مضمونة، ومن لا يقلق حيال الغد”، أما في قاموس الكلية الأمريكية فقد وصفَ البوهيميّ بأنه: “شخص ذو ميول فنية أو فكرية، يعيش ويتصرف من دون أي اعتبار لقواعد السلوك التقليدية”.
وهكذا، تحوّل البوهيميّون من مجموعات غجرية فقيرة يُنظر إليها بكونها تعيش حياة التشرّد والتسوّل ولا تهتمّ بنظافتها الشخصية كما تؤمن بالتحرر الجنسيّ وتدعو للتخلص من أيّ نوعٍ من الإخلاص والالتزام في نطاق العلاقات العاطفية والزوجية، إلى مجموعات لا تقليدية تمتلك ميولات فنية وفكرية تمتاز بها عن غيرها، وتتسم بكونها لا تهتمّ بالغد وتركّز على اليوم والحاضر.
البوهيمي في يومنا هذا هو ببساطة فنان أو “littérateur” “، ينفصل بوعيٍ أو بغير وعي عن العرف والتقليد في الحياة والفنون ويحرص على استكشاف الروح الدينيّة، على الرغم من انتقاد الكثير من الأديان لطبيعة حياتهم. إذ يعتقد البوهيميون أن للإنسان قوة حياة، وأنَ على الأفراد استخدام هذه القوة ليصبحوا فريدين، الفكرة التي تختلف كثيرًا عن الفكرة السائدة في اللاهوت والتي تدعو إلى التواضع والطاعة.
كما يعتقد البوهيميون أيضًا بأن الحياة هبة رائعة من المفترض أن يستمتع بها الإنسان، فهي ليست مجرد اختبار؛ وإنما ينبغي أن نعتزّ ونمتّع أنفسنا بها، كلُّ على طريقته الخاصة والمميزة. أمّا فيما يتعلّق بفكرة الموت والحياة الآخرة، فيعتقد البوهيميّون أنّ الحياة الآخرة تتكون من التأثير الدائم الذي يصنعه البوهيمي على البشر الآخرين من حوله بشكلٍ شخصيّ وعلى العالم من بعده، فعندما يموت البوهيمي فإنه يبقى حيًا في قلوب وعقول البشر الذين أثّر فيهم، بالإضافة إلى أن الأعمال التي يبدعها البوهيمي بما فيها الأعمال الفنية ستستمر بالتأثير على الآخرين الذين لم يستطع التأثير فيهم شخصيًا.
ومن أجل الحصول على هويتهم المميزة، مال البوهيميّون إلى الاتفاق على شكلٍ خاصٍ من الملابس والتفضيلات الموسيقية وطريقة التعامل مع إيقاع الحياة اليوميّ. يتألف الأسلوب البوهيمي من ملابس فضفاضة وملونة، وقد اشتهر هذا الأسلوب باسم “بوهو” أو الأسلوب الهِبي “hippie style“، مع الشعر المتدفق الطويل والأقمشة التي تُخاط من خيوط رقيقة وناعمة، والقبّعات ذات الحواف العريضة، والاستخدام الكثيف للاكسسوارات والجَماليات.
أزياء بوهيمية تمتاز ببفضافضيتها وألوانها المميزة
يبرز البوهيميون في حشد يمثل ثقافة مضادة ملونة مبنية على الإبداع والفقر واللامبالاة بالبنى والتقاليد الاجتماعية المعروفة. فمع بداية القرن التاسع عشر، أصبحت الحركة الجمالية نوعًا من أسلوب الحياة البوهيمي الذي تمرد ضد القيود الاجتماعية الصارمة في العصر الفيكتوري، فاحتضنت نمطًا يستند إلى ملابس الماضي ، وخاصةً ملابس القرون الوسطى والتصميمات الشرقية لا الأوروبية.
وبكلمات أخرى، تمتاز الملابس البوهيمية بشكلٍ عام بأنها فضفاضة وملونة مصنوعة من الأقمشة الطبيعية، كما يلا يُمانع البوهيميّ من ارتداء الملابس المستعملة أو البالية، بل نجده ينظر للأمر على أنه نمط حياةٍ خاص ومميز يُثري التجربة البوهيمية. إضافةً لاستخدام العناصر الشرقية بما في ذلك الجلباب والكيمونو والتصاميم العِرقية لبلاد فارس والهند وتركيا والصين، وارتداء المجوهرات والأساور والقلائد والأقراط الكبيرة المصنوعة يدويًا.
حديثًا، لم يتغير نمط البوهيمية على مدى سنواتٍ عديدة، وأصبح يرتبط بالشباب الذين يأملون في الابتعاد عن الثقافة المادية والاستهلاكية التي تكتسح العالم واكتسحت للأجيال السابقة. فظهرت حركة “الهيبي” أيضًا، التي تتمحور حول العيش الحر والتعبير عن الذات من خلال الموسيقى والأدب والفن المسرحي والسينمائي. كما اتّبعوا أنماطًا أكثر جرأةً في أزيائهم كدليلٍ ورمز على رفض مطابقة أزياء الشباب السائدة، بالإضافة لمعارضة المؤسسات والحكومات.
لكنّ النمط لم يبق محصورًا على من ينتمون للثقافة أو الفِكر البوهيميّ بشكلٍ تام، فأصبح الكثير من الأشخاص يحاول تقليد هذا النمط سواء باللباس والأزياء أو بتصميم المنازل الذي يعتمد على الأثاث العتيق والمستعمل الذي لا يرتبط أو يشترك بالتفاصيل، وإنما كلّ قطعة أثاث لها شكلها وخاصيتها المختلفة عن البقية. كما يعتمد الديكور البوهيميّ على تواجد النباتات الخضراء كطريقة لاحتضان الطبيعة والتمتّع بالخضار في نطاق المنزل.
يعتمد التصميم البوهيمي على الأثاث البسيط والنباتات الخضراء