بعد أن سبق له تنظيم الألعاب الأولمبية، ها هو الآن يشرف على تنظيم كأس العالم. ويوم الخميس الماضي، افتتح فلاديمير بوتين الدوري العالمي لكرة القدم في روسيا، وهو حدث رياضي آخر من بين أكثر المناسبات مشاهدة على هذا الكوكب. وبصرف النظر عن نتائج المنتخب الوطني، والبعد الرياضي لهذه الفعاليات الدولية، فإن الرهان واضح بالنسبة لرجل الكرملين. في هذا الحوار، تطرق لوكاس أوبين، الباحث في العلوم الجيوسياسية بجامعة نانتير، والمتخصص في الرياضة الروسية من موسكو، إلى هذه الرهانات.
هل يمكن لفلاديمير بوتين أن يستفيد سياسياً من كأس العالم الذي انطلقت فعالياته يوم الخميس في روسيا؟
ستكون أول فائدة محققة من تنظيم كأس العالم على الصعيد الوطني. فهذه الأحداث الرياضية التي تكتسب بعدا دوليا وتعكس مقدار حب الوطن، تلقى صدى رائعا في روسيا، وإن كان السكان أقل اهتماماً بكأس العالم مقارنة بأولمبياد سوتشي الشتوية التي دارت سنة 2014. وبالنسبة لفلاديمير بوتين، تبدو هذه المناسبة عاملا مهما من أجل زيادة شعبيته. ومن هذه الزاوية، يبدو أن بوتين انتصر في هذه المعركة، حتى لو لم يقدم المنتخب الروسي نتيجة جيدة.
هل يخوض الرئيس الروسي معركة أمام الرأي العام الدولي؟
من الواضح أن هذا الرهان موجود وليس مجرد تكهنات، وقد باءت مختلف جهود بوتين في هذه المعركة الدبلوماسية بالفشل. فقد قررت المملكة المتحدة مقاطعة الحدث بعد قضية سكريبال ثم انضمت إليها أيسلندا، بينما تستخدم معظم الحكومات الغربية هذا الحدث ليكون مناسبة لتوجيه الانتقادات لروسيا عوض إعادة إحياء العلاقات معها. ومن ناحية أخرى، إن الرأي العام الدولي مهم، وهذا هو المضمار الذي يجب أن ينجح فيه بوتين من خلال تنظيم هذا الحدث الرياضي، أي من خلال حسن استقبال السياح، وإظهار أن بلاده حديثة من حيث امتلاك بنية تحتية وقدرتها على نقلهم.
يفترض هذا أن كل شيء سيحدث دون تجاوزات
نعم، ولكن حتى إن سار كل شيء على ما يرام، إلا أن خطر ارتداد هذا الحدث على منظمه لا يزال قائما. فقد سارت ألعاب سوتشي بشكل جيد للغاية، دون تسجيل وقوع حادث يستحق الذكر. وقد عملت هذه الأحداث في الغالب مثل منبر ساهم في تردد صدى صوت المعارضة، خاصة في سياق الصراع الأوكراني.
ما الذي تغير عن سوتشي؟
نشعر بأن الدولة الروسية تولي اهتماما أقل بالحدث مقارنة بما قدمته في دورة الألعاب الأولمبية. كما انخرطت السلطات أيضا في الجانب الرياضي الأخلاقي من خلال استبعاد وزير الرياضة فيتالي موتكو الشهر الماضي. وتجدر الإشارة إلى أنه قُدمت عدة تعهدات حتى تتمكن روسيا من العودة في اللعبة الرياضية العالمية، إلا أنه من وجهة نظر دبلوماسية، يبدو كأس العالم اليوم أقل إشعاعا مقارنة بالألعاب الأولمبية.
لكن يجب علينا أن نفهم أنه عندما فاز ملف روسيا بتنظيم كأس العالم سنة 2010، فإن القضايا الجيوسياسية في ذلك الوقت لم تكن مشابهة لما هي عليه اليوم على الإطلاق. في ذلك الوقت، لم تكن هناك حرب في سوريا أو صراع أوكراني أدى إلى ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا. لقد تغير العالم منذ ذلك الوقت. آنذاك، كان الهدف من تنظيم كأس العالم في الأصل أن يكون بمثابة عرض إيجابي، مع وجود رغبة في إظهار روسيا أكبر وأكثر انفتاحا على العالم وتطورا. ولكن تلاشت هذه الفكرة، وزاد تصلب البلاد بعد فرض العقوبات الغربية.
على الصعيد الرياضي، هل من الممكن أن يتسبب فشل المنتخب الروسي في إفساد الحدث؟
بالنسبة لروسيا، إن الحدث مناسبة سياسية أكثر من كونه حدثًا رياضيًا. ويكمن الرهان في الجولة الأولى؛ فإن تمكنت روسيا من التأهل للجولة الثامنة فإنها بذلك ستكون قد حققت نتيجة إيجابية. ولكن في حال انسحب المنتخب الروسي في الجولة الأولى، فل نعتبر أن هذا شبه فشل لأن نصف عدد السكان والسلطة يتوقعان أن لا يحقق منتخبهم نتيجة جيدة، ذلك أن الأمور قد تغيرت مقارنةً بسنة 2010.
بعد نهائيات كأس الأمم الأوروبية سنة 2008 التي شهدت بلوغ روسيا الدور قبل النهائي، كانت الإرادة تتلخص في تأسيس منتخب أكثر تنافسية، من خلال تجنيس لاعبين برازيليين وانتداب الإيطالي فابيو كابيلو مدربا للمنتخب الوطني. لكن لم يتحقق المراد، لذلك يدرك الروس جيدا أن منتخبهم ليس في أفضل حالاته.
لا زال قابعا في ذهن فلاديمير بوتين أن الرياضة لها بعد خاص في روسيا
نعم، لأن الرياضة في الأساس تراث سوفيتي. فقد كانت الرياضة في ظل الاتحاد السوفيتي تستخدم كوسيلة لنشر النموذج السوفيتي على المستوى الدولي، في مواجهة النموذج الرأسمالي. وقد تمخض عن هذا ولادة “الهومو سوفييتس”، وهي فكرة إظهار أن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية ينتج رجالًا أقوى وأكثر كفاءة وصحة من الرجل الرأسمالي.
في هذا الإطار، تم إعداد آلة دعائية كاملة من أجل إنتاج الأبطال. تميّزت فترة التسعينيات بوجود فجوة كبيرة، حيث كان البلد من دون وريث معلوم، وكانت البنى التحتية والأندية في تراجع مستمر. لكن عندما وصل فلاديمير بوتين إلى السلطة، تبنى شعارات اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية التي تتمحور حول ما كان يسمى “بصحة المجتمع”، وهي فكرة تتلخص في تطوير الرياضة من أجل إبعاد المواطنين عن الكحول و التدخين. كما قرر الزعيم الروسي الجديد تنظيم أكبر الأحداث الرياضية على هذا الكوكب.
هل نجح في هذه النقطة؟
يمارس الروس اليوم الرياضة بشكل متزايد. فبين سنتي 2010 و2016، زاد عدد الرياضيين بمقدار الثلث، والفضل في ذلك يعود لسببين أولهما سياسة بوتن، وثانيهما استضافة روسيا لهذه الأحداث الرياضية، لأنها تفرض على البلاد بناء المزيد من البنى التحتية. ولهذا السبب يتعاطف الشباب، الذي يسمى “بجيل بوتين” لأنه لم يعرف غيره في السلطة، مع رئيسهم. ولتفهم المقصود، أدخل صالة رياضية روسية، وسترى صور بوتين معلقة في كل مكان. وفي الحقيقة، يُنظر إلى بوتين على أنه نموذج رياضي، ويتعزز ذلك من خلاله ظهوره العلني. وقد قد يبدو ذلك سخيفا في فرنسا لكنه فعالة جدا في روسيا، حيث تبلورت فكرة مفادها أن بوتين يمثل الرجل الروسي الجديد والرياضي الفخور بنفسه.
المصدر: صحيفة جورنال دي ديمونش الفرنسية