إن كنت لن تستطيع أن تجبر الناس على الوقوع في حبك، ولكن يمكنك أن تزيد من فرصة وقوعهم في حبك دون إجبارهم، وإن كنت تجد ذلك صعبًا على أرض الواقع أيضًا، فسيكون لك تطبيقات تساعدك على فعل ذلك لكي تتمكن من تأسيس علاقة عاطفية بشكل أكثر سهولة مما هو عليه في الواقع، ولكن هذا لن يضمن لك أنها ستستمر إلى الأبد أو حتى إلى أكثر من يومين.
بعد انتشار تطبيقات المواعدة على الإنترنت، وصف الخبراء هذه الحالة، “تطبيقات المواعدة”، بأنها “تكنولوجيا الحب” وهو المصطلح الذي يوصف العلاقات العاطفية بأنها لعبة تكنولوجية كألعاب الفيديو، التي تم فيها تحويل العلاقات إلى مجرد ألعاب تعتمد على مواصفات كل مستخدم، لقد وجد العديد من الناس أن تطبيقات المواعدة وعلى رأسها أكثرهم شهرة، تطبيق “Tinder” أنه جمع كل الأمراض النفسية التي أتت بها مواقع التواصل الاجتماعي ووضعها في مكان واحد، مثل “النوموفوبيا”، الخوف غير المبرر من عدم استخدام الهاتف لأي سبب مثل نفاذ شحن البطارية أو ضياع الهاتف.
ربما لا تستخدم أنت أي من هذه التطبيقات وتراها مجرد حماقة، إلا أنها جاءت بثقافة جديدة بين الجيل الذي يستخدمها ويراها من أكثر الأشياء إثارة للإعجاب، تلك الثقافة هي ثقافة الحب الرقمي الذي يفوق الحب الواقعي ويكون أكثر جدارة واستحقاقًا منه بالنسبة لذلك الجيل، وذلك من خلال بناء العلاقات العاطفية على “الحب من النظرة الأولى للصورة الشخصية” فإن حازت تلك الصورة على اهتمام المستخدم يمكن أن يزيحها إلى اليمين، أما إن وجد الصورة الشخصية لحساب أحد المستخدمين بشعة فيمكن أن يزيحها إلى اليسار، هكذا يعمل تطبيق “Tinder” ليبني العلاقات العاطفية في العصر الرقمي على ذلك.
لقد نجح ذلك التطبيق في جذب ملايين المستخدمين حول العالم ليكون لديه أكثر من مليار حركة على الصور الشخصية “الإعجاب بتحريك الصورة لليمين وعدم الإعجاب بتحريك الصورة إلى اليسار”، بعد عامين فقط من انطلاق التطبيق في عام 2012، ليكون التطبيق متوفرًا في أكثر من 190 دولة وبـ 40 لغة مختلفة، وينجح في إرضاء رغبات تلك أكثر من 50 مليون مستخدم حول العالم، وذلك من خلال جعلهم يفتشون عبر التطبيق بحثًا عن شخص يُعجب بشخصيتهم واهتماماتهم، ليجد لهم شخصًا يوائم تلك الاهتمامات من خلال البحث في معلوماتهم الشخصية على منصة فيسبوك والمنطقة الجغرافية التي يسكنون فيها ويكون عليهم أكبر من مليار ونصف توافق في الشخصية بين مستخدمين في عام 2017.
يمكن لمستخدمي التطبيق “Tinder” الحكم على حوالي 50 صورة شخصية في خلال دقيقتين فقط
إن كنت تحتاج كثيرًا من الوقت لكي تقتنع بالمبدأ الذي يسير عليه تطبيق المواعدة “Tinder” وكيف يمكنه أن يقنع ملايين من المستخدمين أن الرومانسية على أرض الواقع قد انتهت كليًا وتستبدلها الرومانسية التي يصفها بعض النقاد بالسطحية على منصات رقمية، ربما ستحتاج وقتًا أكثر لكي تقتنع وتفهم المبدأ الذي يأتي به التطبيق الجديد الذي أطلقته الشركة الأم لتطبيق “Tinder”، وهو تطبيق “crown” أو في سياق آخر “التاج” الذي يحقق حرفيًا كل الانتقادات التي اتهمت “Tinder” بأنه حوّل الحياة العاطفية للناس إلى مجرد لعبة.
تطبيق جديد يحول العلاقات العاطفية إلى لعبة
قامت مجموعة “Match Group” الشركة الأم لتطبيق “Tinder” باستغلال وهم “إيجاد الشريك المناسب” باستخدام الخوارزميات على المنصات الرقمية لإطلاق تطبيق جديد يحول هذا الوهم إلى لعبة بالفعل، يفوز فيها الشريك الأجدر بالمواصفات الملائمة ويهزم فيها أقرانه من المستخدمين الآخرين، حيث يحاول تطبيق “Crown” بمحاولة تصحيح الأخطاء التي وقع فيها التطبيق الأول، فبدلًا من وضع المستخدم أمام آلاف من الاختيارات، وهي في هذه الحالة الصور الشخصية للمستخدمين، فيصعب على المستخدم الاختيار من بينهم، فيما يُعرف بـ”الإفراط المعرفي”، يجعله يلعب ويفوز على المستخدمين للوصول إلى الشريك الملائم.
قالت إحدى المستشارين لشركة “Match Group” إن تطبيق “Tinder” يتسبب في نشر سلوكيات إدمانية لدى المستخدمين، وذلك لأنه يُقدم لهم آلاف وآلاف من الخيارات في وقت قصير جدًا مما يُصعب عليهم من مهمة الاختيار، وذلك بسبب فطرة الإنسان الذي تدفعه للبحث أكثر طالما يعرف أنه مازال هناك مزيدًا من الخيارات، ولأن الإنسان يرغب دومًا في الحصول على الأفضل لا يتوقف المستخدم عن البحث وسط الخيارات الكثيرة، ولهذا يكون لهم سلوك إدماني، فكلما قضى المستخدم وقتًا في البحث انتهى به المطاف أن يكون وحيدًا وبائسًا أكثر، فيقضي مزيدًا من الساعات على التطبيق.
بحسب إحصائيات تطبيق Tinder يقضي جيل الألفية الحديثة متوسط ساعات وصل إلى عشر ساعات في الأسبوع على التطبيق.
يأتي تطبيق “Crown” بثقافة جديدة مختلفة قليلًا عن التطبيق الأول، حيث يعزز مبدأ المنافسة بين المستخدمين، ويحول الأمر برمته إلى لعبة، ولا يقدم للمستخدم آلاف من الخيارات كما يفعل “Tinder” وإنما يقدم له خيارًا محدودًا من 16 مستخدم يختارهم التطبيق بحسب خوارزميات، وصفتها الشركة بأنها سرية، إلا أن سرية هي الكلمة الموازية لكلمة “خاطئة” في عالم التكنولوجيا، لا تكتم شركة تكنولوجيا ما سرًا إلا حينما تكون غير متأكدة منه، ومن خلال تلك الخوارزميات السرية التي تحاول جمع أكثر 16 مستخدم متوافقين في الشخصيات والاهتمامات مع المستخدم الذي يلعب اللعبة حينها تبدأ المنافسة.
صورة للتطبيق توضح المقارنة بين صورتين في كل جولة في اللعبة
تبدأ اللعبة بعرض صورتين في المرة الواحدة، يمنح المستخدم “التاج”، الأيقونة التي سُمي باسمها التطبيق”، للصورة التي يجد صاحبها أكثر ملائمة له، ومن ثم يعرض التطبيق صورتين آخرين، إلى أن يصل المستخدم للمرحلة النهائية التي يكون فيها أربع صور فائزة في كل مرحلة، حينها يتعين على المستخدم اختيار صورة واحدة فقط من بين الصور الأربع يكون صاحبها هو الفائز في تلك الجولة من اللعبة، التي يسمح فيها للفائزين ببدأ محادثة من خلال التطبيق مع المستخدم الذي اختارهم إن أرادوا ذلك وإن لم يرغبوا يمكنهم منع ذلك أيضًا.
يكمن سر الانجذاب للكثير من الأشياء في الحياة في غموضها، إن كان المرء لا يعلم الكثير عن كيفية عمل شيء ما فإنه ينجذب إليه أكثر، ربما تكون التكنولوجيا وخوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي كذلك، يكون سر انجذابنا إليها الغموض الذي يحيط بها بكيفية عملها، استغل تطبيق “Crown” ذلك، فقد أوهم المستخدمين أن هناك بحسب تعبيرهم “خوارزميات سرية” تختار إليهم أكثر المستخدمين موائمة لهم، وبناءًا عليه يشعر المستخدم أن هناك قوة سحرية اختارته لهذا الشخص وأنه يجب عليه التحدث إليه، ربما تعرف التكنولوجيا عنه أكثر مما يعرف هو عن نفسه!
وصفت نائب رئيس مجموعة Match Group” “آندي شين” بأن تطبيق “Crown” جاء ليصحح أخطاء تطبيقات المواعدة السابقة، إذ أنه مُثبت علميًا أن لكل فرد حد معين لعدد العلاقات التي يستطيع الحفاظ عليها، ولهذا قلل التطبيق الأخير من عدد الاختيارات لكل مستخدم لكل جولة “يلعب” فيها لاختيار شريكه بدلًا من الإفراط في وجود الخيارات.
تشجع فكرة المقارنة بين شخصين الموجودة في تطبيق Crown المستخدمين على اللعب، لأنهم إن فازوا في تلك المقارنة يعني أنهم انتصروا في شي ما، وهذا يرضي غرورهم بشكل أو بآخر
من الممكن أن تجد ملايين من الأشخاص ليقنعوك بأن فكرة العلاقات العاطفية المبنية على المنصات الرقمية هي الحل الأمثل للعالم الرقمي الذي نعيش فيه الآن والحل الأمثل لمواكبة العالم الرقمي الذي سوف نعيش فيه في المستقبل القريب، إلا أن هناك حقيقة واحدة قد تحسم الجدل بين المدافعين عن تطبيقات مثل Crown أو Tinder وبين من يحتقرونها ويرونها مهينة للإنسانية، ألا وهي أن تطبيقات المواعدة الرقمية تجني الملايين من الأرباح بشكل سريع، وأنها تستغل ملايين المستخدمين من خلال أوهام و “خوارزميات” سرية لتجعلهم أكثر إدمانًا عليها!