لماذا يخشى الرئيس عباس شعبه؟
لم يتوقع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن العاصمة السياسية “رام الله” التي تُعتبر تحت سيطرته الأمنية بالكامل، ستثور بشعبها ذات يوم ضد سياسته التي يتبعها في قطاع غزة، ورفضًا للعقوبات الاقتصادية الصارمة التي يفرضها على السكان منذ أبريل من العام الماضي.
رام الله نجحت أخيرًا في نزع قناع الصمت الذي كانت تلبسه لسنوات طويلة، وقالت من خلال الحراك الجماهيري الحاشد الذي ظهر في دوار “المنارة”، كلمتها بكل قوة ودون خوف “لا للعقوبات على غزة”، الأمر الذي أعاش المدينة في أجواء مشحونة مرجحة للتصاعد خلال الفترة المقبلة.
السلطة وبأمر مباشر من الرئيس عباس تعاملت بكل حزم وقوة مع المشاركين في الحراك الشعبي منذ الساعة الأولى لخروجه من خلال القمع والضرب أمام عدسات وكاميرات وسائل الإعلام، كما صعدت حركة فتح من لهجتها ضد المتظاهرين حتى وصلت إلى التهديد المباشر بالاعتقال والقتل.
وأصدرت الرئاسة تعميمًا عاجلًا لجميع محافظات الضفة الغربية بـ”منع منح تصاريح لتنظيم مسيرات أو لإقامة تجمعات من شأنها تعطيل حركة المواطنين وإرباكها والتأثير على سير الحياة الطبيعية خلال فترة الأعياد“.
قمع الحرية
تشهد مدينة رام الله منذ 10 من يونيو، تظاهرات هي الأضخم من نوعها في المدينة منذ سنوات، فيقدر عدد المشاركين فيها بأكثر من ألفي شخص، بهدف رفع العقوبات المفروضة من السلطة على غزة، وهي تظاهرة تم الدعوة والحشد لها منذ أسابيع على موقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان “ارفعوا العقوبات عن أهلنا في غزة“، وشارك فيها المئات بالنشر والتدوين.
شذى حماد الناطقة باسم حراك “ارفعوا العقوبات عن أهلنا في غزة” تقول: “الحراك الشبابي انطلق لنصرة غزة ولرفع العقوبات عنها، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع”
وانطلقت التظاهرات من وسط مدينة رام الله وجابت شوارع المدينة، حيث أعرب المتظاهرون عن غضبهم إزاء استمرار العقوبات المفروضة من السلطة على قطاع غزة، محملين الرئيس عباس مسؤولية فرض العقوبات، ومطالبين برفعها فورًا.
شذى حماد الناطقة باسم حراك “ارفعوا العقوبات عن أهلنا في غزة” تقول: “الحراك الشبابي انطلق لنصرة غزة ولرفع العقوبات عنها، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع”، مشيرة إلى أن الحراك بدأ بـ”حملات نشر وتدوين إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة تحت هاشتاغ موحد #ارفعوا العقوبات، وتطورت الحملة فيما بعد لتنظيم تظاهرة ضخمة في مدينة رام الله”.
وأكدت حماد أن “الحراك يضم شبابًا من الأحزاب والتوجهات السياسية والفكرية كافة، ونشطاء وصحافيين وحقوقيين، وهو ما يجعله حراكًا وطنيًا”، لافتة إلى أن الحراك يجري تنسيقًا مع المؤسسات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني للمشاركة وإعلاء الصوت ضد العقوبات.
وقالت: “تم التواصل مع شخصيات وطنية وحقوقية وطنية، أبدت تأييدها للحراك والاستعداد للمشاركة فيه، فالجميع كان ينتظر الشرارة للتحرك والمطالبة برفع العقوبات عن غزة، لإيمانهم بأنها ظالمة وعنصرية”، مؤكدة أن المسيرة التي جرت لن تكون الأخيرة، بل مجرد بداية للتحرك في الميدان، وستتبعها تحركات أخرى للمطالبة برفع العقوبات عن غزة.
وفي إطار وسائل القمع والتهديد التي استخدمتها حركة فتح، هدد القيادي في الحركة ومحافظ نابلس أكرم الرجوب، المشاركين في حراك “ارفعوا العقوبات عن غزة”، بكلمات وعبارات مليئة بالسب والشتم واللعن والقذف.
الحقوقي الفلسطيني فريد الأطرش، كان من ضمن العشرات اللذين تلقوا رسائل تهديد، وكشف تعرضه للتهديد والتحريض على خلفية مشاركته في الحراك الشعبي المطالب برفع “العقوبات ” عن قطاع غزة
وقال الرجوب: “السلطة لن تسكت على الذين خرجوا في تظاهرة رام الله للمطالبة برفع الإجراءات المفروضة على غزة و”هتلعن أبوهم”، مضيفًا في فيديو نشر له “مش هنسكتلكم بعد اليوم وإلي هيطاول هنلعن أبوه، وإلي هيشتمنا هنلعن أبوه ومش هنسكتله.. وهنلعن أبوهم كلهم ومش هنسكتلهم كلهم“.
وخلال قمع السلطة للحراك الجماهيري أصيب نحو 10 فلسطينيين بالاختناق بالغاز المسيل للدموع، فيما جرى توقيف آخرين، ولم تتوقف وسائل القمع عند هذا الحد بل وصلت للتهديد للمشاركين بالقتل.
تهديد بالقتل
الحقوقي الفلسطيني فريد الأطرش كان من ضمن العشرات الذين تلقوا رسائل تهديد، وكشف تعرضه للتهديد والتحريض على خلفية مشاركته في الحراك الشعبي المطالب برفع “العقوبات ” عن قطاع غزة.
وقال الأطرش وهو مدير مكتب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان: “حجم التهديد والوعيد والتحريض وحملة التشهير والتشويه الممنهجة التي تعرضت لها من جهات معروفة لأنني انتقدت سلوكًا مرعبًا لم أحتمل مشاهدته وصل حد تهديد حياتي بالخطر ومن جهات وأفراد معروفين”.
وأضاف: “للأسف لم يحرك أحد ساكنًا حتى الذين كنت أعتقد أنهم قريبون مني، لأول مرة أشعر بالخوف وعدم الأمان في وطني”، مشيرًا إلى أن الأخطر أنه مرّ مرور الكرام وكأن شيئًا لم يحدث.
قال النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي حسن خريشة: “حراك رفع العقوبات عن غزة في رام الله حراك شعبي مساند لقطاع غزة، وهو بداية لحراك واسع ومستمر قد يشمل جميع محافظات الضفة المحتلة في حال لم تستجب السلطة للمطالب الحراك المشروعة”
وتابع “لم يحاسَب أحد، ولم يتم الاعتراف بالجريمة التي حدثت للمشاركين بشكل مرعب، والحديث يتم عن تكرارها، في ظل تحريض ممنهج وخطير لم يتوقف بشكل أعمى مدمر وتعبئة ضد المشاركين”.
وقال: “طالما حياتي أصبحت مهددة بالخطر وهنالك حملة تشويه ضدي، ولم يتحرك أحد لوقفهم ومحاسبتهم ومحاسبة من اعتدى على المواطنين بهذا الشكل المرعب، فإنني لن أعود إلى عملي حتى أشعر بالأمان في وطني، واعذروني لن أرد على أحد”.
وفي ذات السياق، قال النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي حسن خريشة: “حراك رفع العقوبات عن غزة في رام الله حراك شعبي مساند لقطاع غزة، وهو بداية لحراك واسع ومستمر قد يشمل جميع محافظات الضفة المحتلة في حال لم تستجب السلطة للمطالب الحراك المشروعة”.
وأضاف خريشة “لا يعقل أن نصمت على وضع قطاع غزة بتلك الصورة، ولا يعقل أن تتواصل العقوبات على غزة، ولا يعقل أن يستمر الحصار المفروض منذ 12 عامًا، وليس من المنطق مكافأة من ينتصر للقضية الفلسطينية بالحصار والعقوبات، لذلك فإن الحراك سيستمر وسيتصاعد حتى زوال الغمة عن قطاع غزة.
رسالة لعباس
وأوضح خريشة أن الحراك يحمل رسالة واضحة إلى الرئيس عباس وبطانته، مفادها أنّه من غير المقبول ولا المعقول الصمت على العقوبات التي تفرض على غزة، وأنَّ الشرفاء من أهالي الضفة سينتصرون لغزة.
يقول الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا: “السلطة منزعجة كثيرًا من الحراك في الضفة
وأشار خريشة إلى أن القيادات فشلت في رفع العقوبات على غزة وفشلت في إنهاء الانقسام، لذلك كان الخيار الشعبي في الضفة، متمنيًا أن ينجح الحراك في تحقيق أهدافه، وأن تستجيب السلطة على وجه السرعة لمطالب الحراك.
وأشار إلى أن العقوبات المفروضة على غزة تسهل من تمرير صفقة القرن التي تسعى لتصفية القضية، موضحًا أن قطع أواصر العلاقة بين غزة والضفة يشجع على تطبيق وتمرير الصفقة، قائلًا: من يريد إفشال الصفقة والتصدي لها عليه أن يعمل على تعزيز تكامل الأدوار بين الضفة وغزة، لا أن يفرض العقوبات على القطاع الصابر الذي ينافح عن القضية الفلسطينية، ويبدع في مواجهة العدو الإسرائيلي.
كما لفت إلى أن الحراك يحمل رسالة ثانية موجهة إلى كل من أرادوا من وراء العقوبات أن ينقلب الشعب على المقاومة، مفادها “أن الشعب الفلسطيني أينما وجد هو من يقف ويحمي المقاومة”، قائلًا “لا خيار أمام الرئيس إلا بالقبول، وقيادة السلطة تدرك خطورة تمدد وتصاعد الاحتجاجات”.
وتوقع خريشة أن يستجيب الرئيس عباس من باب الخشية وليس التقدير لما آلت إليه الأمور في غزة، قائلًا “إذا كانت من استجابة فإنها ستكون نابعة من خشية وإدراك عميق للحراك المتدحرج والمتنامي”.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا: “السلطة منزعجة كثيرًا من الحراك في الضفة، وقد حاولت أن تحتويه بطرق أمنية معروفة، عبر دس عناصر أمنية وبلطجية في المسيرات وإحداث فوضى، ورفع شعارات مؤيدة للرئيس عباس، وتعليق يافطات تهاجم حماس والانقلاب على الرغم من أن حماس لا علاقة لها بالحراك، وغالبية المشاركين من الفئات المثقفة من المجتمع ونشطاء معروفين”.
توعد القيادي في حركة فتح ومحافظ نابلس أكرم الرجوب، المشاركين في حراك ما يُسمى “ارفعوا العقوبات عن غزة”، بكلمات وعبارات مليئة بالسب والشتم واللعن والقذف
وأضاف القرا “رغم سياسة القمع من السلطة خرج المئات في هذه المسيرات وبدأت تتسع رقعتها نحو محافظات الضفة، مما دعا الرئاسة لاستصدار قرار يمنع تنظيم المظاهرات والتحركات الشعبية، تحت ذريعة مرور مناسبة العيد وعدم إحداث فوضى، وهذا يتعارض من البيانات الأولى لقيادات السلطة التي تحدثت عن ضمان حرية الرأي والتعبير والتجمعات السلمية، لكن تهاوت هذه الشعارات أمام استمرار هذه التحركات“.
وتابع “الحراك في الضفة في جزئه المعلن هو الاحتجاج على الإجراءات التعسفية العقابية التي اتخذتها السلطة ضد قطاع غزة، لكن في الحقيقة هو احتجاج على سياسة السلطة ضد كل ما هو فلسطيني في الضفة الغربية وتغييب الهوية الوطنية لصالح الاحتلال، والقيادات المتنفذة في السلطة التي تعتاش على التنسيق الأمني والاقتصادي، ومن صالحهم استمرار الإجراءات ضد غزة”.
وذكر أن المتظاهرين خرجوا ليصرخوا في وجه الوعود الكاذبة لرئيس السلطة بوقف العقوبات ضد غزة التي صدرت عنه في أكثر من مناسبة، اتضح لاحقًا أنها سراب مقابل تمرير انعقاد المجلس الوطني وانتخاب اللجنة التنفيذية، وهي سياسة اتبعها عباس لتمرير سياساته خلال فترة حكمه وما زالت.
وختم حديثه بالقول “تنظر السلطة كما الاحتلال للحراك على أنه كابوس يمكن أن يقود نحو انفلات الأوضاع الأمنية واتساعه نحو مطالب جديدة تتعلق بالحريات ووقف الاعتقال السياسي ورفض الظروف الاقتصادية، والمطالبة بتغيير السلطة سياساتها في الضفة قطاع غزة، ورفع المطالب بوقف التنسيق الأمني“.
وفي 19 من مارس الماضي هدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، باتخاذ مجموعة من الإجراءات المالية والقانونية العقابية” (لم يعلن عن طبيعتها) ضد قطاع غزة.
وتبع هذا التهديد تأخر صرف رواتب موظفي السلطة في غزة عن مارس الماضي لنحو شهر، قبل أن يتم صرفها بداية مايو، بعد رفع نسبة المقتطع منها لتصل إلى 50% بدل 30%، رغم قرار المجلس الوطني مطلع مايو الماضي برفع العقوبات ودفع رواتب الموظفين.