كفاح ونضال مستمر منذ مئة عام، حكاية الشعب الفلسطيني مع المشروع الصهيوني، قدم خلالها الكثير من الدماء والتضحيات، ودفع ثمنًا غاليًا للدفاع عن أرضه ضد الاحتلالين البريطاني والصهيوني وما زال يقدم إلى الآن.
حكاية النضال الفلسطيني بدأت مبكرًا عام 1920، حيث الشرارة الأولى للنضال الفلسطيني الذي اشتعل في موسم النبي موسى، حيث اشتبك المتظاهرون الفلسطينيون مع اليهود والقوات البريطانية في مدينة القدس لعدة أيام، قدم خلالها الفلسطينيون العديد من الشهداء والجرحى.
موسم النبي موسى
كان الفلسطينيون يجتمعون كل عام في شهر نيسان لزيارة مقام النبي موسى، حيث يستمر الاحتفال بهذا الموسم لعدة أيام، ويصادف الموسم أسبوع عيد الفصح (أسبوع الآلام) عند المسيحيين، وتم إقامة الموسم لأول مرة في عهد صلاح الدين الأيوبي عقب تحرير القدس من يد الصليبيين، وبعد سماحه للمسيحيين بزيارة الأماكن المقدسة دون أي قيد أو شرط.
وكان المسيحيون يجتمعون بأعداد كبيرة في هذا الأسبوع، مما شكل قلقًا لدى المسلمين، وخاصة أن الاطماع الصليبية في القدس كانت حاضرة، والاحتلال الصليبي لم ينته بشكل كامل من الأراضي الإسلامية بعد، فتم تنظيم مواسم يجتمع فيها المسلمون من كل أنحاء البلاد، لمواجهة الحشود المسيحية تحسبًا لأي خطر أو اشتباكات قد تؤدي إلى اختلال السلطة في البلاد.
لم ينقطع هذا الموسم إلا بعد الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس الشرقية عام 1967، حيث منعت السلطات الصهيونية الفلسطينيين من القيام بهذا الموسم
وتشكلت العديد من المواسم، منها موسم النبي موسى في القدس، وموسم النبي صالح في الرملة الذي يعقب موسم النبي موسى مباشرة، وموسم موسى النبي روبين في يافا، وموسم المنطار في غزة وغيرها العديد من المواسم الأخرى التي نُظمت في عهدي الدولة الأيوبية والمملوكية.
واستمرت المواسم في الحقب التالية، وأصبح لها بعد ديني محض، خلافًا لما أسست عليه، وكان من أهمها موسم النبي موسى الذي استمر حتى الاحتلال البريطاني لأراضي فلسطين.
وعند بداية موسم النبي موسى في شهر نيسان، كانت الوفود الفلسطينية تأتي من كل مكان، وخاصة من مدينتي نابلس والخليل، حيث يأتي كل وفد من وفود المدينتين في يومين مختلفين، وعند اجتماع الوفود الفلسطينية يأتي الذهاب إلى مقام النبي موسى الذي يقع على مسافة 25 كليومترًا شرق مدينة القدس، ومن ثم تجتمع الوفود لصلاة الجمعة في ساحة المسجد الأقصى في الجمعة العظيمة لدى النصارى، وعندما تنتهي احتفالات النصارى ويغادرون المدينة، تبدأ الوفود الفلسطينية بمغادرة المدينة بمواكب حماسية رائعة، وكل مدينة لها يوم تغادر فيه.
ولم ينقطع هذا الموسم إلا بعد الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس الشرقية عام 1967، حيث منعت السلطات الصهيونية الفلسطينيين من القيام بهذا الموسم.
بداية ثورة النبي موسى
في نيسان عام 1920، اجتمع الفلسطينيون كعادتهم في موسم النبي موسى، وبدأت الاحتفالات وبلغت الذروة في أحد الشعانين، حيث اجتمع الفلسطينيون عند باب الخليل بأعداد كبيرة، وشرع العديد من وجهاء المدينة في إلقاء الخطب الحماسية المنددة بالاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني، وفي أثناء احتفال الفلسطينيين في باب الخليل تهجم شباب يهود على بعض الفلسطينيين في أثناء سماعهم لخطبة المفتي أمين الحسيني، فرد عليهم الفلسطينون بقوة وهاجموهم بعنف، فأطلقت القوات البريطانية الموجودة في المكان النار على الفلسطينيين لحماية اليهود، ولم تلبث الاشتباكات إلا قليلًا، لكن ما لبثت أن عادت بعد فترة وجيزة، إثر قيام قوة بريطانية بسد باب الخليل وإنذار الفلسطينيين بأنهم سيطلقون عليهم النار إذا لم يغادروا المكان.
سارعت السلطات البريطانية بعد الاشتباكات التي جرت بين اليهود والفلسطينيين في باب الخليل إلى إغلاق المدينة، ونتيجة لذلك وقعت العديد من الاشتباكات بين الفلسطينيين والقوات البريطانية في العديد من المناطق الفلسطينية
وكانت الساحة قد أخليت بالفعل من الفلسطينيين إلا من بعض الشباب الفلسطينيين، وبعد فترة قصيرة أتت مظاهرة يهودية مسلحة من الجانب الغربي لباب الخليل، فاشتبك الفلسطينيون معهم مما أدى إلى مقتل عدد من اليهود واستشهاد فلسطينيين.
الثورة تشتعل
سارعت السلطات البريطانية بعد الاشتباكات التي جرت بين اليهود والفلسطينيين في باب الخليل إلى إغلاق المدينة، ونتيجة لذلك وقعت العديد من الاشتباكات بين الفلسطينيين والقوات البريطانية في العديد من المناطق الفلسطينية.
واستمرت الاشتباكات بين الفلسطينيين من جهة والقوات البريطانية واليهود من جهة أخرى لمدة أربعة أيام، حيث بدأت في الرابع من شهر نيسان إلى الثامن من الشهر نفسه، وسقط في الاشتباكات تسعة يهود قتلى وأربعة شهداء من الفلسطينيين و250 جريحًا من كلا الطرفين، حسب بلاغ بريطاني رسمي.
وحاولت بريطانيا إخماد جماح الثورة الفلسطينية الأولى بمنع التجوال في الأحياء الفلسطينية والبلدة القديمة، والقبض على العديد من الزعماء الوطنيين كموسى كاظم الحسيني رئيس بلدية القدس، كما قبضت على عشرات الشباب الفلسطينيين.
وقامت بحملة شعواء للقبض على المفتي أمين الحسيني باعتباره المحرك الأول للثورة، ونجحت في القبض عليه إلا أنه استطاع الفرار منهم في أثناء نقله إلى السجن، عقب قيام مجموعة من الشباب الفلسطينيين بمواجهة القافلة التي تقل المفتي، وما لبث الشيخ أمين الحسيني أن هرب من البلاد إلى منطقة الكرك ومن ثم إلى العاصمة السورية دمشق.
وعقب انتهاء ثورة النبي موسى، شُكلت محكمة بريطانية للحكم على الزعماء الفلسطينيين المشاركين في الثورة، وأصدرت المحكمة حكمًا غيابيًا على أمين الحسيني بالسجن لمدة خمسة عشرًا عامًا مع الأشغال الشاقة، كما حكمت على عارف العارف أحد القيادات الفلسطينية غيابيًا بالسجن لعشرة أعوام، وما لبثت الحكومة البريطانية بعد تحولها من الحكم العسكري إلى المدني، أن أصدرت عفوًا عن عارف العارف وأمين الحسيني.