كشفت الاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة الأردنية بسبب قانون ضريبة الدخل ورفع أسعار المحروقات النقاب العديد من الملفات المسكوت عنها طيلة الفترة الماضية التي كانت بحاجة إلى إجابات في ظل حالة الغموض التي تغلف أجواءها دون تفاصيل تزيح الستار عنها.
حزمة المساعدات التي قررت كل من السعودية والإمارات والكويت تقديمها للأردن والبالغ قيمتها 2.5 مليار دولار لمساعدته في تخطي أزمته الاقتصادية التي كانت السبب الرئيسي في اندلاع تلك الاحتجاجات دفعت بدورها إلى التساؤل عن الدوافع الحقيقية وراءها خاصة أن الدول الداعمة كانت على علم تام بحقيقة الأزمة، فضلاً عن كونها سببًا رئيسيًا فيها إثر وقف دعمها السابق للموازنة السنوية للمملكة.
لم تكن الدوافع وحدها كل التساؤلات التي فرضت نفسها على الشارع الأردني، في ظل تباين وجهات النظر بين من يراها سياسية وآخر اقتصادية، إلا أن المقابل الذي يُنتظر من عمان دفعه كان أحد أبرز التساؤلات التي أطلت برأسها بينما كات الدول الثلاثة تجتمع في مكة المكرمة لبحث كيفية إخراج الأردن من مأزقه الذي أطاح بحكومة هاني الملقي ويخشى من تجاوزه للسقف الذي من الممكن أن يهدد معه الأنظمة الملكية الخليجية.
التحرك المتأخر
لم يكن التحرك السعودي الإماراتي لدعم الأردن خوفًا على الأردنيين كما يحلو للبعض أن يصور، إذ إن السبب الرئيسي الذي دفع حكومة الملقي إلى فرض هذا القانون وزيادة أسعار المحروقات كان وقف الدعم السنوي المقدم من تلك الدول للموازنة الأردنية وكان يمثل عصبًا رئيسيًا للسلطات في تكييف أوضاعها الاقتصادية.
ومن ثم تشير التقديرات إلى أن تحرك السعودية جاء خوفًا من مآلات الحراك الشعبي الأردني، وليس خشية على الأردن، فالرياض التي قادت الثورة المضادة في مصر، ضد أي إصلاحات سياسية في المنطقة، بالتالي عندما شعرت بأن النظام السياسي في الأردن قد يضطر لتقديم تنازلات سياسية تدخلت ليس لمساعدته، بل لحماية نفسها من تكرار هذا السيناريو.
ولاحتواء هذه الاحتجاجات وإبقائها في إطارها الاقتصادي، وخشية ألا تتطور لمطالب سياسية ولمنع انتقال عدواها لشعوب دول الخليج، قدمت مساعدات اقتصادية تساهم في تقوية موقف النظام ودفع المتظاهرين لعدم رفع سقف مطالبهم.
في الأفق تسريبات عن عدم وجود سبب حقيقي منطقي لإلغاء الاتفاقية التجارية الحرة مع تركيا ولاضطرار الرئيس رجب طيب أردوغان للانتظار أربعة أيام على الأقل حتى يتصل هاتفيًا بالعاهل الأردني للاطمئنان في أثناء موجة الحراك الشعبي الأخيرة
وبالعودة إلى الوراء قليلاً للوقوف على أسباب تخلي أبو ظبي والرياض عن دعمهما لعمان، يلاحظ أن العلاقات بين الطرفين شهدت حالة من التوتر في الفترة الأخيرة بسبب تباين وجهات النظر حيال بعض الملفات على رأسها الموقف الأردني من قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس وما يسمى بـ”صفقة القرن”، هذا بخلاف التنازع بين الأردن والسعودية فيما يتعلق بالوصاية على المدينة المقدسة التي كانت سجالاً كبيرًا للتراشق بين إعلام الدولتين.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن السعودية والإمارات وكعادتهما تسعيان إلى تسييس دعمهما المقدم لأي دولة، وتفرضان وصاية عليها وإن لم تكن مكتوبة بشكل رسمي، فحين فتحت عمان أبواب التقارب مع كل من قطر وتركيا وإيران، وبات الحديث عن عودة العلاقات الدبلوماسية واسئتناف التعاون المشترك مسألة وقت، بخلاف حرص العاهل الأردني على حضور قمة القدس في إسطنبول بمشاركة زعيمي قطر وإيران في الوقت الذي امتنع فيه الحلف السعودي، كل هذا أثار حفيظة أبناء زايد وسلمان ومن ثم كان وقف الدعم كنوع من العقاب وتقليم الأظافر.
لكن وبعد التحرك المتأخر لدول الخليج لإنقاذ الأردن من أزمته، والتعهد بتقديم حزمة مساعدات – لم تُنفذ بعد – خلال قمة مكة المكرمة، بات السؤال الأكثر حضورًا: ما المقابل الذي طلبته السعودية والإمارات لتقديم هذا الدعم؟ وهل تستجيب عمان؟
الخوف من تجاوز الاحتجاجات للسقف المتوقع وراء التحرك الخليجي لدعم الأردن
ما المقابل؟
ضغوط خارجية متعددة أقر العاهل الأردني بممارستها على بلاده لإعادة النظر في توجهاتها حيال عدد من الملفات، وهو ما يدفع إلى الميل نحو الفريق الذي يقول بأن أزمة المملكة في المقام الأول سياسية وليست اقتصادية.
وبعيدًا عن الضغوط الممارسة من أمريكا و”إسرائيل” للدفاع عن مصالحهما فيما يتعلق بالقدس ومستقبل القضية الفلسطينية وصفقة القرن بصفة عامة، تبقى الضغوط الخليجية الأبرز لدفع الأردن إلى إعادة رسم خريطة تحالفاته الخارجية بما يتوافق وهوى ابن زايد وابن سلمان، خاصة فيما يتعلق بمحور (قطر – تركيا – إيران).
قطريًا.. قدمت الدوحة 500 مليون دولار ونحو 10 آلاف وظيفة احتفى بها الأردنيون وبدأوا في التسابق عليها بازدحام، كنوع من الدعم لإخراج المملكة من مأزقها الحاليّ، وهو التحرك الذي استقبله الشارع الأردني بالتقدير والاحترام بجانب البيان التضامني الصادر عن الجانب القطري مع الشعب الأردني في محنته الأخيرة.
جهود حثيثة تبذل خلف الستار لإعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها، بعدما تأزمت منذ اندلاع الأزمة الخليجية، دعمًا من عمان لحليفتها السعودية والإمارات، حتى بات عودة سفير قطر إلى عمان مطلبًا للشعب الأردني، ويبدو أن عمان تقترب إلى حد كبير من قرار بتسمية سفير جديد لقطر والسماح له بالعودة، غير أن المماطلة في تنفيذ ذلك بات علامة استفهام لدى كل من رجل الشارع وبعض الكتل البرلمانية على حد سواء، خاصة بعدما كشفت الاحتجاجات الأخيرة من أقرب للأردنيين ومن يسعى لابتزازهم من الأنظمة الخليجية.
تحرك السعودية جاء خوفًا من مآلات الحراك الشعبي الأردني، وليس خشية على الأردن، فالرياض التي قادت الثورة المضادة في مصر، ضد أي إصلاحات سياسية في المنطقة
تركيًا.. أحدث التقارب التركي الأردني حالة من القلق لدى الحلف السعودي، تكلل بمشاركة الملك عبد الله الثاني قمة إسطنبول لنصرة القدس، ويبدو أن الضغوط التي تمارسها كل من الرياض وأبو ظبي على الجانب الأردني لإعاقة أي نمو في علاقاته بتركيا تسير بخطى ثابتة رغم ما يعتريها من عثرات بين الحين والآخر.
في الأفق تسريبات عن عدم وجود سبب حقيقي منطقي لإلغاء الاتفاقية التجارية الحرة مع تركيا ولاضطرار الرئيس رجب طيب أردوغان للانتظار أربعة أيام على الأقل حتى يتصل هاتفيًا بالعاهل الأردني للاطمئنان في أثناء موجة الحراك الشعبي الأخيرة.
التقارب الأردني التركي القطري أثار حفيظة الرياض وأبو ظبي
إيرانيًا.. رغم سحب المملكة لسفيرها في طهران منذ عام ونصف تقريبًا، تعاطفًا مع الرياض، فإن العلاقات بين البلدين تسير دون سفارة، ويبدو أنه قد استقر في عقلية الخارجية الأردنية أن هذا الحل الأفضل مجاملة للجانب السعودي.
عدم تسمية عمان لسفير جديد لها في طهران أو عودة السفير القديم عبد الله أبو رمان، خطوة يراها البعض نسفًا لاستقلالية الإرادة السياسية الأردنية، خاصة أن تحركًا كهذا لم يأت من بنات أفكار المملكة ولا وفق مصالحها، بل جاء إرضاءً للحليف السعودي الداعم والممول للموازنة العامة للدولة.
علامات استفهام كثيرة تطل برأسها فيما يتعلق بخريطة العلاقات الأردنية الخارجية ومحدداتها وكيف يتم تشكيلها ومن المتحكم في وضع أسسها العامة، وعلى كل حال فالمماطلة مع قطر وتباطؤ عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة معها والحرص على الخصومة مع إيران والتحفظ في العلاقات مع تركيا، بات يثير ضجة في الأردن داخليًا على المستوى الشعبي والنخبوي لأن الشارع لم يعد يفهم الأسس التي تدار بها حسابات المملكة الخارجية والدبلوماسية.
غياب المعطيات والمعلومات يزيد من حالة التشويش على تلك الأسئلة، غير أن الزيارة المرتقبة التي تنتظرها المملكة لصهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر وهي نفسها الزيارة التي قد تؤسس لأول “تلامس حساس” بين الأردن والخطة الأمريكية الجديدة للسلام في الشرق الاوسط، ربما تحمل الإجابة عن بعض تلك الأسئلة.