شهد ميدان يني كابي آخر أيام العيد واحدًا من أكبر التجمعات الشعبية التي جاءت لاستقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وعلى الرغم من الأجواء الماطرة والعاصفة في العاصمة التجارية إسطنبول وانشغال الأتراك باحتفالات العيد وسفر غالبيتهم إلى مدن أخرى، فإن الساحة امتلأت بمئات الآلاف من أنصار حزب العدالة والتنمية، كما ذكرت الصحف التركية.
بصفةٍ عام لم يخلُ خطاب أردوغان من نبرة الفخر والاعتزاز بإنجازات حزبه خلال 16 عامًا من الحكم، كما تضمنت كلمته الكثير من الانتقادات لحزب الشعب الجمهوري، وبالتحديد لمرشح الرئاسة محرم إينجه، مستنكرًا دورهم في البلاد بعد إخفاقهم في تحقيق أي تغيير ملموس.
والمفاجأة التي لفتت أنظار الشعب التركي ظهور أول رئيسة وزراء تركية تانسو تشيلر التي شاركت في هذا الحشد، لتثير المواقع التركية تساؤلات عما إذا كانت تشيلر ستوجد في التشكيلات السياسة الجديدة وتتولى منصب نائب الرئيس التركي بعد الانتخابات القادمة.
كيف بدل حزب العدالة والتنمية أحوال إسطنبول؟
حشود غفيرة تستمع لكلمة أردوغان
خلال الكلمة التي ألقاها أردوغان ذكّر الرئيس الشعب التركي بإنجازات الحزب التي حققها منذ تولي الحكم عام 2002، وقال “عام 1994 كانت أكوام القمامة تنتشر بكل مكان في إسطنبول، كما عانت المدينة من نقص حاد في مياه الشرب ووسائل النقل وتلوث الهواء”، مشيرًا إلى أن حزب الشعب الجمهوري المسؤول عن هذه الأوضاع المزرية بما أنه كان رئيس البلدية في تلك الفترة.
في الجهة الأخرى استعرض أردوغان إنجازات حزبه التي غيرت من ملامح البلاد ودفعتها إلى المقدمة لتحظى بمكانتها بين الدول الأخرى وتصبح منافس لا يستهان به في الشؤون الاقتصادية والسياسية الدولية، وعلى هذا الأساس عدد أردوغان المشاريع التي يعمل على تحقيقها، إذ تتنوع بين إنشاء مستشفيات ومطارات وأنفاق وجسور وحدائق وتجمعات سكنية.
الحكومات السابقة عبدت 6 آلاف و100 كيلومتر من الطرقات خلال 79 عامًا، أما حكومة حزب العدالة والتنمية فعبدت 20 ألف كيلومتر من الطرق خلال 16 عامًا فقط
مضيفًا إلى أنه عند التحدث عن الخدمات في إسطنبول، يتبادر إلى الذهن رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وأشار إلى أن الحكومات السابقة عبدت 6 آلاف و100 كيلومتر من الطرقات خلال 79 عامًا، أما حكومات حزبه فعبدت 20 ألف كيلومتر من الطرق خلال 16 عامًا فقط، وهي حقيقة يدركها كل من يقارن بين إسطنبول في فترة التسعينيات ويومنا الحاضر، هذا فضلًا عن الأزمات الاقتصادية التي أزاحها عن أكتاف الشعب، مثل تسديد الديون المتراكمة لصندوق النقد الدولي والبنوك العالمية التي وصلت إلى 23.5 مليار دولار، ورفع مستوى دخل الفرد السنوي.
أبرز انتقادات الطيب لحزب الشعب الجمهوري ومرشحه إينجه
مئات الآلاف يلوحون بالأعلام التركية في ساحة يني كابي
تخلل الخطاب بعض الاتهامات والمساءلات بشأن خطط حزب الشعب الجمهوري، خاصة أن الحزب في سنوات حكمه السابقة لم يستطع إثبات قدرته على التطوير ولم يصنع أي إنجاز يذكر في هذا الجانب، بل على العكس، فقد تسبب الإهمال الحكومي وضعف قطاع الخدمات في البلديات بموت 39 شخصًا في منطقة العمرانية في الشق الآسيوي بسبب الهواء الملوث وقمم القمامة، بحسب تصريحات الرئيس.
وخاطب الرئيس التركي مرشح الحزب الجمهوري محرم إينجه الذي يتهم العدالة والتنمية بالفساد، وتساءل أردوغان عما إذا كان إينجه يتعامى عن جميع الاستثمارات التي حققها الحزب في البلاد، مشيرًا إلى المسجد الذي يبنى حاليًا في شارع الاستقلال الذي يعمل عليه 5 آلاف شخص، بجانب إنشاء حديقة ضخمة بمساحة 26 دونمًا.
علق أردوغان على هذه الواقعة قائلًا “لم يزرعوا شجرة واحدة، والإجراء الوحيد الذي يذكر لهم حظر أذان محمد لمدة 18 عامًا”، واصفًا قرارات الحزب بالظلم والاضطهاد
وفي أثناء الحديث طرح أردوغان قضية منع قراءة الأذان باللغة العربية بأمر من مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، بعد مناقشات طويلة وبمطالبة من الأديب التركي ضياء كوك ألب في أحد أبياته الشعرية بتتريك القرآن، إلى أن سُمع الأذان باللغة التركية من الشيخ حافظ رباط في مسجد الفاتح لأول مرة، وأصدرت مديرية الشؤون الدينية بعدها قرارًا يمنع تداول اللغة العربية في أثناء الصلاة وقراءة القرآن الكريم والأذان بالتركية، وسجن الذين أصروا على استخدامها وذلك حتى عام 1950، حيث علق على هذه الواقعة قائلًا “لم يزرعوا شجرة واحدة، والإجراء الوحيد الذي يذكر لهم حظر أذان محمد لمدة 18 عامًا”، واصفًا قرارات الحزب بالظلم والاضطهاد.
بالنهاية عاتب أردوغان إينجه على زيارته رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين ديمرطاش في سجن إدرنة، وعدم احترامه لـ53 من الشهداء الأكراد في 7 من يونيو/حزيران الذين قتلوا بسببه، إضافة إلى استخفافه بالشأن القضائي بعد اعتقال ديمرتاش بتهمة الإرهاب وتحدي السلطات بالعمل مع حزب العمال الكردستاني ودعم وحدات حماية الشعب الكردية لحزبه.
هل تعود تانسو تشيلر إلى الساحة السياسية؟
لقاء صحفي مع تانسو تشيلر
بعد ظهور تشيلر وسط هذه الأجواء السياسية المتوترة، أثيرت بعض التساؤلات حول إمكانية ترشح تشيلر لمنصب نائب الرئيس التركي، خاصةً بعد أن سألها أحد الصحفيين ما إذا كانت ستعود للواجهة السياسية، لتجيب بأنها انضمت لهذه الحشود “بدافع الحسن الوطني”، إذ جاءت هذه الأقاويل بناءً على تكهنات بعض المواقع التركية.
وبعيدًا عن هذه الأسئلة، لم تختلف تشيلر كثيرًا عن خلفيتها الاجتماعية، حيث نشأت في منزل ميسور الحال، فلقد عمل والداها، حسن نجاتي تشيلر، كمحافظ في مدن مختلفة في تركيا، وترشح عن حزب الشعب الجمهوري لعضوية البرلمان التركي، لتؤسس لنفسها هوية سياسية بعد أن درست في كلية الاقتصاد بجامعة إسطنبول بوغاز إيجي عام 1967، وحصلت على الماجستير والدكتواره في الاقتصاد بالولايات المتحدة الأمريكية، وعندما عادت إلى تركيا عملت أستاذة في الجامعة التي تخرجت منها.
من المرجح أن تتضح الأمور بشأن دورها في الحكومة التركية في حال فوز أردوغان بالانتخابات الرئاسية المقلبة في تاريخ 24 يونيو.
حيث يذكر أن تشيلر أول امرأة تركية تتولى منصب رئيس الوزراء في تاريخ الجمهورية التركية عام 1993، حيث بدأت مشوارها السياسي منذ عام 1990 بعد أن انضمت إلى حزب الطريق القويم وانتخبت كنائبة عن مدينة إسطنبول بعد الانتخابات العامة التي أجريت في عام 1991. بعد ذلك، شغلت منصب وزير الاقتصاد في حكومة سليمان دميريل، وتولت زعامة حزب الطريق القويم خلفًا لدميريل الذي اتجه نحو كرسي رئاسة الجمهورية، لتتولى هي بدورها منصب رئاسة الوزراء على مر ثلاثة حكومات متتالية، كما فازت بمنصب وزير الشؤون الخارجية التركي.
وكانت بداية النهاية في عام 1999، عندما تراجعت شعبية الحزب وحل المرتبة الخامس في الانتخابات بحصوله على 12% من الأصوات، حتى تقاعدت عام 2002 بعد خسارة الحزب في الانتخابات، ومن المرجح أن تتضح الأمور بشأن دورها في الحكومة التركية في حال فوز أردوغان بالانتخابات الرئاسية المقلبة في تاريخ 24 يونيو.