ترجمة وتحرير: نون بوست
كانت الغارة الجوية الإسرائيلية على مدرسة في مدينة غزة نهاية الأسبوع الماضي، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 80 شخصًا، الأحدث في سلسلة الحوادث المأساوية في الصراع الشامل المستمر منذ أكثر من 10 أشهر – والذي أثار مجموعة واسعة من ردود الفعل من قبل المستثمرين المؤسسيّين.
إن الجدل حول ما إذا كان ينبغي على المستثمرين التخلّص من الأصول الإسرائيلية لأسباب أخلاقية ومتى ينبغي عليهم فعل ذلك مستمر لسنوات. ويجادل الكثيرون بأن تصفية الأسهم الإسرائيلية لا تضر الشركات المعنية في شيء لينتهي بها الأمر فقط بقاعدة أقل من المساهمين ذوي الأخلاقيات.
ولكن حركة سحب الاستثمارات التي تستهدف “إسرائيل” منذ فترة طويلة اكتسبت زخمًا جديدًا بسبب الحرب في غزة والاحتجاجات الطلابية التي تدعو إلى تخلص أوقاف الجامعات التي تقدر بمليارات الدولارات من الأصول الإسرائيلية. كما أن المتطلبات التنظيمية الأوروبية الجديدة، التي تتطلب من المستثمرين إيلاء اهتمام أكبر لمخاطر حقوق الإنسان، تمثّل عاملاً آخر يجب على مديري الصناديق أخذه بعين الاعتبار.
الضغوط التي يتعرض لها المستثمرون
هدأت معظم الاحتجاجات التي اجتاحت الجامعات في الولايات المتحدة وأوروبا بسبب الحرب في غزة خلال العطلة الصيفية للطلاب. لكن الحرب التي بدأت مع الهجوم الذي شنته حماس على المدنيين الإسرائيليين في تشرين الأول/أكتوبر الماضي لا تزال مستمرة، وقد تسبب الهجوم البري الإسرائيلي على غزة في مقتل أكثر من 39 ألف شخص حتى الآن، وذلك وفقًا للسلطات الصحية الفلسطينية. وقد اكتسب سحب الاستثمارات من الأصول الإسرائيلية والأصول المرتبطة بـ”إسرائيل” بعض الزخم كجزء أساسي من أجندة الطلاب.
ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز يوم الخميس أن برنامج تقاعد الجامعات البريطانية قد باع 80 مليون جنيه إسترليني (102 مليون دولار) من الأصول الإسرائيلية، بما في ذلك الديون الحكومية. ومع وجود 500 ألف عضو – معظمهم من العاملين في التعليم العالي – وأصول بقيمة 79 مليار جنيه إسترليني، فإن برنامج التقاعد الجامعي هو أكبر مدير لصناديق التقاعد في القطاع الخاص في المملكة المتحدة. وقد مارس اتحاد الجامعات والكليات، الذي يمثل أعضاء صندوق التقاعد الجامعي، ضغوطاً على الصندوق لسحب الأصول المرتبطة بالحملة الإسرائيلية في غزة.
نشر برنامج تقاعد الجامعات البريطانية وقتها بيانًا قال فيه إنه “من الخطأ القول أو الإيحاء بأن قراراتنا اتخذت لأي شيء آخر غير الأسباب المالية”، ولكن تم الترحيب هذه الخطوة باعتبارها انتصارًا لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات المؤيدة للفلسطينيين، التي تضغط على المستثمرين والشركات والمسؤولين لقطع العلاقات مع “إسرائيل” منذ ما يقارب 20 سنة، مما أثار تدقيقًا شديدًا. تهدف حملة المقاطعة، المستوحاة من حملة الضغط على نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا خلال الثمانينيات، إلى فرض تكاليف على “إسرائيل” لإجبار حكومتها على تحسين معاملتها للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة.
مع ذلك، لا تزال التقارير العلنية عن التخلي عن الأصول الإسرائيلية أو المرتبطة بـ”إسرائيل” هي الاستثناء وليس القاعدة، ومعظم المستثمرين متحفّظون حيال هذه المسألة.
في الشهر الماضي، تواصل مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان غير الربحي مع 21 مستثمرًا لسؤالهم عن استجابتهم لدعوة خبراء الأمم المتحدة لشركات الأسلحة لوقف مبيعات الأسلحة لـ”إسرائيل” فورًا. وقد تم تسمية هذه المؤسسات من قبل خبراء الأمم المتحدة باعتبارهم من المستثمرين الكبار في شركات الأسلحة.
لم يستجب للاستفسار سوى ثلاثة منهم فقط – أموندي لإدارة الأصول، وبنك نورجيس لإدارة الاستثمار، وشركة يونيون للاستثمار الألمانية. وهو معدل أقل بكثير مما يحصل عليه مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان عادةً في مثل هذه الممارسات، وذلك حسبما أخبرني به المدير التنفيذي فيل بلومر.
وقال إن مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان يحث المستثمرين على بذل “العناية الواجبة المعززة” في التعامل مع المخاطر المحتملة لحقوق الإنسان بدلاً من الضغط عليهم لسحب استثماراتهم من “إسرائيل” أو الشركات التي تتعامل معها الحكومة الإسرائيلية. وجادل بلومر بأن هذا ما تقتضيه مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان كلما واجه المستثمرون والشركات روابط محتملة مع النزاع.
مع ذلك، اكتسبت حملة سحب الاستثمارات زخمًا وسط الحرب الدائرة في غزة. فقد قامت مؤسسة التقاعد الدنماركية، التي تضم أكثر من 800 ألف عضو وتدير أكثر من 42 مليار يورو (46 مليار دولار)، ببيع استثماراتها في أربعة بنوك إسرائيلية “لأننا لم نستطع إنكار تورطها في أنشطة غير قانونية من خلال تمويل المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة”، وهذا وفقًا لبيان لها الأسبوع الماضي. وفي رأي استشاري الشهر الماضي، قالت محكمة العدل الدولية إن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية ومستوطناتها هناك غير قانوني.
قال وزير المالية الأيرلندي في نيسان/أبريل إن صندوقها السيادي الذي تبلغ قيمته 15 مليار يورو سوف يسحب استثماراته من ست شركات إسرائيلية، بما في ذلك بنوك كبرى، بسبب أنشطتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما قدمت كلية ترينيتي في دبلن – أعرق جامعات البلاد – تعهدًا مماثلًا للطلاب المحتجين.
ألقى مستثمرون آخرون نظرة فاحصة على تعرضهم للشركات التي تمارس أعمالًا تجارية مع “إسرائيل” أو تتعامل معها. في حزيران/يونيو، أعلن صندوق التقاعد الأكبر في النرويج “كي إل بي” أنه سيبيع حصة بقيمة 69 مليون دولار في شركة كاتربيلر بسبب مخاوف من أن الشركة الأمريكية “ربما تساهم في انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاك القانون الدولي في الضفة الغربية وغزة”، وقالت الشركة إن الشركة المنتجة للجرّافات فشلت في طمأنة الصندوق بشأن الاستخدام المحتمل لمنتجاتها في الحملة العسكرية في غزة، وكذلك في إخلاء منازل الفلسطينيين لصالح مستوطنات الضفة الغربية.
وقد أخبرتني كيران عزيز، رئيسة قسم الاستثمار في الصندوق، أن مدير الصندوق ملزم بإجراء فحص مكثّف وشامل لمخاطر حقوق الإنسان المتعلقة باستثماراته وفقًا لتشريعات الاتحاد الأوروبي والنرويج الجديدة. وأضافت أن شركة كاتربيلر فشلت في تقديم ردود مفصلة على استفسارات الصندوق حول هذا الموضوع: “إنهم غير قادرين على إعطائنا أي شيء ملموس باستثناء الإشارة إلى سياستهم – وهذا ليس له أي قيمة على الإطلاق”.
لكن حتى مع تحرك بعض المستثمرين لتقليل تعرضهم لـ”إسرائيل”، يضاعف آخرون من استثماراتهم. ويسعى بعض سكان بالم بيتش في فلوريدا إلى رفع دعوى قضائية ضد المراقب المالي للمقاطعة بسبب قراره استثمار 660 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب المحليين في سندات إسرائيلية منذ اندلاع الصراع في تشرين الأول/أكتوبر.
كما قامت حكومات محلية في ولايات أخرى بما في ذلك إنديانا ونيويورك وأوهايو باستثمارات كبيرة في السندات الإسرائيلية خلال الفترة نفسها. وفي الوقت نفسه، فإن الجامعات الأمريكية – التي اتُهم بعضها بالتساهل مع معاداة السامية – رفضت بأغلبية ساحقة اتباع دعوات الطلاب لسحب الاستثمارات.
وأكدت عزيز أن سحب الاستثمارات بالنسبة للمستثمرين مثل صندوق “كي إل بي” يعد الملاذ الأخير عندما يثبت عدم جدوى التعامل مع الشركات. وأضافت: “لست متأكدة من أن هذا سيساعد الناس في غزة. لكن هذا الإجراء الضمني قد يكون له بعض التأثير”.
المصدر: فاينانشال تايمز