إن الإجابة القاطعة عن سؤال العنوان، هي أن سلوك السياسة الخارجية بالطبع سوف يتغير وذلك بالأساس لطبيعة التغيير في السياسة الخارجية بشكل عام وللتغيير في السياسة الخارجية التركية بشكل خاص تاريخيًا بعد المراحل الفاصلة مثل انتخابات 2002 أو محاولة انقلاب 15 من يوليو/تموز 2016 أو عملية غصن الزيتون.
ولعل السؤال الأدق هو: كيف سيتغير سلوك السياسة الخارجية التركية؟ وبأي مسوغات؟ ووفق أي سيناريوهات؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال نلقي نظرة على السياسة الخارجية الحاليّة في ضوء المشهد الانتخابي.
ذكرت في تقرير سابق لمركز الجزيرة للدراسات “أن السياسة الخارجية كانت حاضرة بالأصل في تحليل أسباب تبكير الانتخابات من قبيل الاستفادة من نجاح عملية غصن الزيتون والتأييد الشعبي للسياسة التركية تجاه قرار الولايات المتحدة بنقل سفارتها إلى القدس وخشية مما أسمتها الحكومة التركية مؤامرات خارجية تجاه الاقتصاد والاستقرار في البلاد”.
يدافع حزب العدالة والتنمية عن السياسة الخارجية التي تبناها خلال الفترة الماضية وبدا واضحًا اعتمادها على حماية الأمن القومي التركي من التهديدات مع وجود اعتناء بالسياسة الأخلاقية في إيواء اللاجئين والتعامل مع قضايا الظلم التي تتعرض لها الشعوب الإسلامية
وكذلك أيضًا منذ إعلان موعد الانتخابات المبكرة كانت قضايا السياسة الخارجية حاضرة بشكل أكثر وضوحًا من كل مرة سواء في ممارسة الدولة أم في برامج الأحزاب السياسية أكثر من أي انتخابات سابقة، وربما يعود ذلك لفعالية الدبلوماسية التركية وانخراطها في ملفات إقليمية ودولية وللوجود العسكري التركي المتزايد خارج البلاد وسخونة الأحداث في منطقة الشرق الأوسط.
وفيما يدافع حزب العدالة والتنمية عن السياسة الخارجية التي تبناها خلال الفترة الماضية وبدا واضحًا اعتمادها على حماية الأمن القومي التركي من التهديدات مع وجود اعتناء بالسياسة الأخلاقية في إيواء اللاجئين والتعامل مع قضايا الظلم التي تتعرض لها الشعوب الإسلامية خاصة الشعب الفلسطيني، فإن أحزاب المعارضة الأخرى تنتقد السياسة الخارجية التي يتبناها حزب العدالة والتنمية وخاصة تجاه الأوضاع في سوريا، وقد أكد حزب الشعب الجمهوري على سبيل المثال أن السياسة الخارجية إحدى المشاكل الرئيسية الخمسة في تركيا بالإضافة للاقتصاد والتعليم والسلم الاجتماعي والديمقراطية التي قال إنه سيعمل على حلها.
إن أمامنا نظريًا وفي السياق العام مسارين: أحدهما فوز الرئيس أردوغان وتحالفه بالرئاسة وبأغلبية البرلمان ويندرج في سياقه فوز الرئيس أردوغان بالرئاسة وأغلبية للمعارضة في البرلمان، أما المسار الثاني فهو فوز مرشح معارض بالرئاسة مع فوز المعارضة بأغلبية البرلمان.
وفيما يتعلق بالمسار الأول فإن فوز الرئيس أردوغان بالرئاسة وتحالفه بالبرلمان سيمنحه قوة كبيرة وسيعطيه زخمًا كبيرًا في التعاطي مع ملفات السياسة الخارجية، حيث سيصبح المسؤول الأول رسميًا عن السياسة الخارجية وسيعطيه النظام الرئاسي مزايا تجاوز البيروقراطية وإصدار المراسيم الرئاسية وقيادة القوات المسلحة وأجهزة الدولة التي تعمل في الخارج وخاصة الدبلوماسية والعسكرية والأمنية.
وفي إطار هذا السياق فإن احتمالات انخراط تركيا في القضايا الإقليمية سيكون أكثر وضوحًا، كما أن تركيا ستعمل بكثافة في نطاقات أوسع من الإقليم، ومع هذا السيناريو فإن تركيا ستكون أيضًا أمام تحديات، فالزخم والقوة سيجعلان الأطراف الإقليمية والدولية المتوجسة منها أصلاً أكثر توجسًا من طموحاتها وتحركاتها.
لا يتوقع أن تحدث مواجهات بين واشنطن وأنقرة ولكن في حال كانت الحلول للأزمات بينهما مؤقتة فإن هذه الأزمات ستنفجر بسرعة في حال شعرت تركيا بالتهديد المباشر لأمنها واستقرارها
وفي هذا السياق فإن علاقات تركيا مع السعودية وإيران و”إسرائيل” ستكون على المحك، حيث سيتولد تنافس أكبر من السابق على مستوى الملفات الخارجية خاصة في قضايا مثل الأزمة في سوريا والتدخل في العراق والقضية الفلسطينية وكلها قضايا لها تأثير مباشر على استقرار المنطقة وستحاول كل الأطراف تجيير الأمور فيها لمصلحتها.
وفي هذا السياق سيكون لعلاقة تركيا مع الولايات المتحدة أثر كبير على السياسة التركية، فواشنطن حاضرة بقوة في شمال سوريا ولها تأثير واضح على مواضيع تهم تركيا مثل تهديد حزب العمال الكردستاني وفروعه وكذلك موضوع الاتفاق النووي الإيراني وأيضًا العلاقة مع دول الخليج العربي والقضية الفلسطينية وهي قضايا ما زالت تركيا والولايات المتحدة تقفان فيهما على جوانب مختلفة نسبيًا.
لا يتوقع أن تحدث مواجهات بين واشنطن وأنقرة ولكن في حال كانت الحلول للأزمات بينهما مؤقتة فإن هذه الأزمات ستنفجر بسرعة في حال شعرت تركيا بالتهديد المباشر لأمنها واستقرارها وخاصة في حال حدث عبث في الاستقرار الداخلي لتركيا، وهو أمر تدركه واشنطن التي لا تريد لتركيا أن تبحث عن حلفاء لها في الشرق، وقد ظهرت مؤشرات هذه السياسة في اتفاق منبج قبل أيام ويمكن الرجوع لمقال اتفاق منبج المخرج الأخير قبل النفق.
أما فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي فقد حرص الطرفان على تهدئة التوترات، وأكد حزب العدالة والتنمية في برنامجه الانتخابي عزمه تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، ووجهت المستشارة الألمانية دعوة غريبة من حيث التوقيت للرئيس أردوغان لزيارة ألمانيا بعد الانتخابات الرئاسية (يمكن الرجوع لمقال سابق) وهو أمر استنكرته المعارضة التركية، كما أن العلاقات التركية البريطانية دخلت في مسار إيجابي جدًا منذ عام 2016 وحاليّا يوجد الكثير من التفاهمات بخصوص ما بعد عملية بريكست.
فوز المعارضة بالبرلمان، فسوف يضع تركيا أمام تحول كبير جدًا، حيث سيتراجع انخراطها في الملفات الخارجية وسوف يتعرض الاقتصاد ولو لمرحلة سنتين للتراجع
وفيما يتعلق بالجزء الثاني من المسار الأول فسنكون مع نفس المشهد لكن بشكل أقل راحة للرئيس أردوغان إذا كانت المعارضة ستشكل الأغلبية في البرلمان، ولكن من المعلوم أيضًا أن المعارضة لن تكون صفًا واحدًا، فحزبا الجيد القومي والشعوب الديمقراطي الكردي على خلاف في قضايا أساسية.
أما المسار الثاني وهو غير مرجح لكنه يبقى خيارًا مطروحًا يحدده قرار الناخب التركي وينطوي على فوز مرشح معارض بالرئاسة وفوز المعارضة بالبرلمان، فسوف يضع تركيا أمام تحول كبير جدًا، حيث سيتراجع انخراطها في الملفات الخارجية وسوف يتعرض الاقتصاد ولو لمرحلة سنتين لتراجع، فهذا المسار يعد بتحول تركيا للنظام البرلماني من جديد وهذا ربما يعني استفتاءً جديدًا وتوجهًا للانتخابات مرة أخرى وسيضع تركيا أمام حالة من الغموض.
كما أن هذا المسار لا يوجد اتفاق بين أعضائه وهم حزب الشعوب وبقية أحزاب المعارضة الأخرى، أما رؤيته للسياسة الإقليمية فهو يرى ضرورة التعاون مع إيران والعراق والنظام السوري لحل القضايا الإقليمية وقد اقترح إنشاء منظمة اقليمية تجمع هذه الدول مع تركيا، أما فيما يتعلق بالعلاقة مع الغرب فهذا المسار لا يحمل بذور تحد للقوى الغربية الكبرى ويدعو للتعاون معها، وفيما يتعلق بالعلاقة مع “إسرائيل” ربما يستمر رفض السياسة الإسرائيلية لكن أيضًا لن يكون الانتقاد لها بنفس الطريقة التي يقوم بها أردوغان.