“لا موعد لقدوم البالونات الحارقة علينا، في كل لحظة نشعر أن السماء تمطر بالونات حارقة”، هكذا علق المستوطنون في غلاف غزة على دفعات البالونات والطائرات الورقية الحارقة التي يطلقها الفلسطينيون.
وفي الطرف الفلسطيني مع صبيحة كل يوم يستعد الشبان الفلسطينيون لإعداد عشرات البالونات والطائرات الورقية الحارقة وإطلاقها باتجاه الريح على مستوطنات غلاف غزة، فتهبط لتحرق الأراضي الزراعية المحتلة في غلاف غزة، إنها أنغام الصباح الفلسطينية التي تستمر حتى المساء من كل يوم.
حرائق يومية بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي تفقد السيطرة في التعامل معها، إذ تصل إلى عشر أحيانًا في الكيبوتسات وداخل الأراضي الزراعية “كيسوفيم ونيتيفوت ومفتاحيم، وناحل عوز…”، قوات الاحتلال الإسرائيلي تتعامل يوميًا مع أكثر من أربع حرائق كأقل تقدير، وتحولت أجواء غزة الغربية على مستوطني الغلاف لحياة أشبه بالجحيم، خصوصًا إذا ما تم اعتبار هذه البالونات شكل من أشكال التظاهر السلمي، فلا يوجد يوم دون تحدث الصحافة العبرية على واجهة صحفها عن البالونات الحارقة الجديدة.
لا يمكن تقدير الخسائر بشكل دقيق، لكن لنأخذ بعين الاعتبار أن جميع الأراضي المحتلة المحيطة بقطاع غزة أراضي زراعية بالكامل، ما يعني أن الخسائر الأكبر طالت الجانب الزراعي في الكيان لتلك المنطقة
الخسائر التي عرضتها صحف الاحتلال الإسرائيلي حتى اللحظة أن الطائرات الورقية أحرقت منذ 30 من مارس ما يقارب 6000 فدان من الحقول والمحميات الطبيعية، بتكلفة اجمالية بلغت 2.5 مليون دولار، بواقع إطلاق 600 طائرة ورقية وأكثر من 500 بالون حارق وصل نصف عددهم للأراضي المحتلة مشعلًا النيران في حقول القمح والشعير والحقول الزراعية التي تشتعل نتيجة ارتفاع درجات الحرارة في تلك المناطق، لكن الطائرات والبالونات الحارقة لم تصب أي مستوطن بجروح ما يجعلها تشكل إحراجًا أمام الرأي العالمي إذا استخدم الاحتلال الإسرائيلي قوة القتل المفرطة ضد مطلقي البالونات الذين يعتبرونها شكلاً من أشكال التضامن السلمي.
لا يمكن تقدير الخسائر بشكل دقيق، لكن لنأخذ بعين الاعتبار أن جميع الأراضي المحتلة المحيطة بقطاع غزة أراضي زراعية بالكامل، ما يعني أن الخسائر الأكبر طالت الجانب الزراعي في الكيان لتلك المنطقة، وتوضح صور القمر الصناعي شكل الأراضي المحروقة التي تتزايد يوميًا على حدود غزة، ويوضح الشكلان القادمان من google maps حجم خسائر الأراضي الزراعية المتزايد، والمناطق التي تطالها الطائرات والبالونات الحارقة داخل مستوطنات غلاف غزة بلونها البني الغامق.
شكوى المستوطنين في ازدياد ومطالب المحللين بالتهدئة
بدأ المستوطنون يشتكون بأن المئات من الزواحف والثعابين تزحف باتجاه المنازل التي يسكنونها في غلاف غزة هروبًا من الحرائق التي تسببت بها البالونات الحارقة المنطلقة من قطاع غزة، كذلك كتبت يديعوت أحرنوت بالبنط العريض أن “الخسائر الاقتصادية بفعل البالونات والطائرات الحارقة في تصاعد مستمر”، حيث أدت الحرائق إلى نفوق 1500 ديك حبش اختناقًا بسبب البالونات، إضافة لحرق خلايا النحل في الأراضي الزراعية المحتلة.
ولا يكاد يخلو يوم من تهديدات وزير الجيش في الاحتلال الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان ضد مطلقي البالونات من غزة، لكن تطورًا بدا بشكل مختلف، حيث قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي ليلة الأحد 16 من يونيو 2018 سيارة مدنية فلسطينية في غزة قالت إنها تتبع لأحد مطلقي البالونات الحارقة، وفي نفس الوقت ردت وحدة البالونات والطائرات الحارقة الفلسطينية ببيان على استهدافها المباشر بالطائرات جاء فيه: ” نتوعد الاحتلال بمزيد من إطلاق المئات من الشعل والطائرات الحارقة اتجاه أراضينا المحتلة”.
وتوافق محللون سياسيون من غزة على فعالية هذه البالونات في التأثير والضغط على الاحتلال الإسرائيلي لرفع الحصار عن غزة، وتصدر قضية غزة للصحف العالمية والرأي العام العالمي، لذا من الضروري الحفاظ على مسار حراك العودة السلمي دون الانزلاق لتصعيد أو حرب.
في هذا السياق يرى المختص في الشأن الإسرائيلي المحرر في صفقة شاليط محمود مرداوي أن هذه البالونات والطائرات “شكل من أشكال التضامن السلمي ولا يجب استخدامها في أي نشاط عسكري وربطه بالحراك السلمي الحاصل”.
وقال مرداوي: “يجب الحفاظ على عفوية البالونات والطائرات وعدم إظهارها بشكلها المنظم حتى لا يستغله الاحتلال، ويجب التخفيف من كمية البالونات الحارقة تجنبًا لانحراف مسارها لنقطة احتكاك خشنة تتحول لتصعيد عسكري على حساب الحراك السلمي”.
أما الخبير في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي فقد دعا لإعادة تقييم استخدام الطائرات الورقية والبالونات المشتعلة كوسيلة نضال مستخدمة في حراك العودة، بما يضمن ترشيد استخدامها بشكل جذري.
وقال النعامي: “رغم فاعلية هذه النشاطات، علينا أن نتذكر أنها وسيلة لتحقيق أهداف الحراك وليست هدفًا بحد ذاته، ورغم أن الاحتلال الإسرائيلي غير معني بتصعيد عسكري، يتعرض لضغط كبير من الرأي العام الداخلي ومن مستوطني غلاف غزة للتعامل مع مطلقي البالونات بالقوة”.
وقد شهدت قضية حصار غزة وحراك مسيرات العودة تصدرًا في الرأي العام العالمي، حيث تضامن الملايين مع حق المتظاهرين السلميين في غزة بالحياة ورفع الحصار، وسط مطالبات دولية وأممية بضرورة رفع الحصار فورًا عن غزة ما يشكل إحراجًا للاحتلال الإسرائيلي.
الاحتلال عاجز عن اتخاذ إجراءات ضد مطلقي البالونات
كشف المحلل العسكري يوسي مليمان في صحيفة معاريف الإسرائيلية خلافًا حادًا داخل وزراء الاحتلال الإسرائيلي وتحديدًا وزراء “الكابينت” عن كيفية الرد على الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، في حين لم يتم اتخاذ قرار من رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الجيش الذي كان يهدد باستمرار، إلا أن وزير التعليم في الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينت، ووزير الأمن الداخلي جلعاد أردان، يضغطان باتجاه المصادقة على استهداف مطلقي الطائرات والبالونات الحارقة والتعامل معهم كمطلقي الصواريخ.
يتعامل مطلقو البالونات الحارقة والطائرات الورقية مع هذه القضية أنها تعبير سلمي واحتجاجي ضد الاحتلال على حصار غزة الذي لم يتوقف منذ 12 عامًا، لا يجب أن يتوقف حتى يرفع الحصار فلا شيء يخسره مطلقو البالونات
ويبقى الموقف الرسمي للمنظومة الأمنية والجيش الإسرائيلي، هو الابتعاد عن قصف واستهداف مطلقي الطائرات الحارقة، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى تصعيد عسكري لا تريده في هذا الوقت.
تهديدات الاحتلال الإسرائيلي تتزايد ضد مطلقي البالونات والطائرات الحارقة، وتتزايد معها وتيرة إطلاق البالونات والطائرات الورقية الحارقة، كما أن توقعات المحللين السياسيين في غزة تخشى من تصعيد عسكري إذا تعامل الاحتلال الإسرائيلي مع مطلقي البالونات الحارقة بالقوة، ما يدفع باتجاه حرب لا يريدها الاحتلال الإسرائيلي ولا فصائل المقاومة التي تركز على قضية حصار غزة وحراك العودة السلمي، بتصديرها للإعلام والرأي العام الدولي كحق مدني مكتسب.
على كل الأحوال يتعامل مطلقو البالونات الحارقة والطائرات الورقية مع هذه القضية أنها تعبير سلمي واحتجاجي ضد الاحتلال على حصار غزة الذي لم يتوقف منذ 12 عامًا، لا يجب أن يتوقف حتى يرفع الحصار فلا شيء يخسره مطلقو البالونات.