لقد عرفتُ الأستاذ محمد قطب قبل أكثر من 7 سنوات، في شبابي الباكر حين كنت في طريق البحث عن الحقيقة وسط خضمّ الأفكار والمذاهب والمناهج.. كان الأستاذ سيد قطب رحمه الله سابقا له، ثم توجّهت لقراءة كتب الأستاذ محمد رحمه الله بعد قراءتي لكتب الأستاذ سيد رحمه الله، وذلك بعد أن أشار إلى كتبه في الكثير من الهوامش. كان الأستاذ محمد قطب من أولئك العلماء الأخفياء الذين لا يداهنون الطواغيت ويفضّلون العزلة عن الإعلام والعمل بهدوء بعيدا عن الصخب. وكنت أنا شغوفا بالبحث عن أمثاله، والهروب قدر الإمكان ممن تلاحقني وسائل الإعلام بأفكارههم!
وسوف أحاول في هذه العجالة استعراض أهمّ القضايا والمحطّات في فكر الأستاذ محمّد قطب رحمه الله ومسيرته العلمية والدعوية، والتي أرى فيها أهمّ ما طرحه الأستاذ مما ينبغي أن يستفيد منه الشباب المسلم بشتّى توجّهاته.
نظرية المعرفة الإسلامية
أكمل الأستاذ محمد قطب رحمه الله جهود أخيه الأستاذ سيد قطب رحمه الله في التأسيس لنظرية إسلامية للمعرفة مقابلة ومواجهة للنظرية الغربية المهيمنة (الجاهلية المعاصرة)، وممّا يؤسفني أنّ الكثير من الشباب عرف طرح الأستاذ محمد “من القشور”، أي من خلال بعض الاقتباسات من كتبه، يهدف غالبها إلى خدمة رأي وتوجّه سياسي وافقهم فيه الأستاذ محمد قطب، ثم بعد ذلك يتم إغفال هذه المدرسة الفكرية والتربوية العريقة، والتغاضي عن أهمّ ما طرحه الأستاذ، وخصوصا فيما يتعلّق بالتأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية.
كانت كتب الأستاذ الأولى في الخمسينيّات والستّينيّات علامة فارقة في هذا المجال، أي مجال نظرية المعرفة الإسلامية ودحض التصورات والنظريات والمذاهب الفكرية الغربية المعاصرة. بدأ ذلك من خلال كتب “الإنسان بين المادية والإسلام”، وهو باكورة كتبه حيث أصدره عام 1951 في فترة مبكّرة جدّا. وكتاب “التطوّر والثبات في حياة البشرية” و”دراسات في النفس الإنسانية” و”منهج التربية الإسلامية” و”منهج الفنّ الإسلامي” و”في النفس والمجتمع”.. كانت هذه الكتب نقلة نوعية في المجال، حيث كانت من أوائل الأعمال الإسلامية التي تتطرّق لعلوم التربية والاجتماع والنفس والآداب من وجهة النظر الإسلامية، بل كانت فتحًا عظيمًا انتفع به الكثيرون بعده. ثم جاءت الأعمال الأحدث لتكمل المسيرة ككتاب “حول التفسير الإسلامي للتاريخ” و”مذاهب فكرية معاصرة”، والكتاب المهمّ الذي جمع فيه خيوط القضية وهو “حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية”، والذي أعتبره من أهمّ ما كتب الأستاذ محمد رحمه الله.
في آفاق التوحيد
اهتمّ الأستاذ محمد قطب رحمه الله كثيرا بقضية التوحيد، بل يمكننا أن نقول دون تردّد إنّ حياته كلّها كانت نموذجا مضيئا لمحاولة “إزالة الغربة الثانية” من خلال التوحيد.
في جميع كتب الأستاذ محمد قطب ستجد أنّ التوحيد هو “المحور” الذي تدور حوله القضية كلّها؛ قضايا الفكر والاجتماع والنفس والتربية والأدب مشدودة كلّها – برباط دقيق وقويّ في آن – إلى قضية التوحيد!
وقد بلغ الأستاذ قمّة التعبير عن هذه القضية وعمقها المطلوب في حياة المسلمين وأثر غيابها في كتابه المهمّ “مفاهيم ينبغي أن تصحّح”، والذي سطره في ثمانينيّات القرن الماضي، ثم أتبعه في التسعينيّات بكتاب “لا إله إلا الله: عقيدة وشريعة ومنهاج حياة”، وقد أضاف فيه بعض الأبعاد التي رأى أنّه لم يوفّها حقّها. ثم كانت خاتمة الأعمال في المجال كتابه الكبير”ركائز الإيمان”، والذي تعمّد فيه يُسر التعبير وسلاسته، فوق ما في لغته من سلاسة ويُسر، وكأنّي بالأستاذ أراد أن يضع عقيدته التي أفنى حياته من أجلها أمام الجميع، دحضًا للافتراءات وبيانا لطبيعة الإيمان الحقّ كما أنزله الله.
تميّز طرح الأستاذ في قضايا العقيدة بـ “قرآنية المنهج”؛ حيث خاطب في كلماته العقول والوجدان في آن، كما هو حال كتاب الله، وهو في هذا تلميذٌ وفيّ لشقيقه الأستاذ سيّد، الذي أكّد على هذه القضية في كتابه المهم “مقوّمات التصوّر الإسلامي”. فحين تقرأ كلمات الأستاذ محمد في قضايا الإيمان لن تجد التعريفات الجافّة الصارمة، ولن تجد التعقيدات الصعبة.. ولكنّك ستجد “نشيدًا” ينساب إلى عقلك ووجدانك في آنٍ معًا، ومفهوما واضحًا تهضمه الفطرة الحيّة سريعًا، وصوتًا من أعماق الحقيقة يهزّ كيانك كلّه ويبصّرك بحقائق هذا الدين..
تميّز طرح الأستاذ أيضا بارتباطه الشديد بقضايا الواقع، فحين تُطالع كتابا له بعنوان “ركائز الإيمان” تحسب – بالعقلية التقليدية – أنّه سيبحر بك في قضايا الاعتقاد والغيب البعيدة عن الواقع الذي نعيشه، فتفاجأ أنّه يحكي لك عن التاريخ وعن السياسة وعن النفس والمجتمع.. حتّى لكأنّه يقول لك بلسان الحال: هذا الإيمان وهذا القرآن للحياة.. أنت تسير في الطريق الوعر الطويل، وهذه هي بوصلتك وهذا هو الحادي الأمين!
وتميّز طرحه كذلك بالارتباط الشديد بكتاب الله، فلم أقرأ حتّى الآن – فيما عدا الإمام ابن تيمية رحمه الله – عالمًا يملك هذا الارتباط العميق بكتاب الله، فيرى آياته في كلّ ما يعرض له من قضايا الفكر والسياسة والمجتمع والنفس والاقتصاد وغيرها.. ليس مجرّد ارتباط معرفيّ بارد، ولا تأتي الآيات بمثابة “إضافة” تتناسب مع موضوع الطرح، بل ينطلق منها تأسيسا وكأنّما هي “النبع” الذي يدفع بالأفكار والمشاعر والوجدانات ويسير بها إلى المصبّ الكبير!
وأخيرا، فقد ربط الأستاذ محمد قطب قضية نهضة هذه الأمة واستخلافها وتمكينها ربطًا محكمًا بقضيّة التوحيد؛ فهمًا وتفعيلا في مختلف شؤون الحياة، وهو خطّ واضح في معظم كتبه.
الصراع مع العلمانية
كان الأستاذ محمد قطب رحمه الله – ولا زال – رقمًا صعبًا أمام التوجّهات العلمانية في بلاد المسلمين. ويكاد يكون هذا الخط، أي مواجهة العلمانية، هو أبرز ما في كتابات الأستاذ محمد، فمنذ خمسينيّات القرن الماضي، حين كانت التوجّهات العلمانية على أشدّها، كان الأستاذ محمد قطب يفنّد جميع شبهاتهم التي لا زالوا حتى الآن يجترّونها مع بعض الإضافات الصغيرة هنا وهناك. كان يصدع في كتابه المهم “شبهات حول الإسلام” ليجلو البصائر في قضايا حساسّة جدّا حاول العلمانيّون من خلالها اغتيال العقل المسلم وشدّه للانحلال: الإسلام والرقّ.. الإسلام والإقطاع.. الإسلام والمرأة.. الإسلام والرجعية.. الإسلام والحضارة.. الإسلام والعقوبات.. الإسلام والكبت.. الإسلام وحرية الفكر.. الإسلام والطائفية.. الإسلام والمثالية.. وغيرها من القضايا.
كان الأستاذ يبيّن حقيقة “معركة التقاليد”.. فيأخذنا في “جولة مع التاريخ”، ليستعرض أمامنا “حقائق وأباطيل” يفنّد من خلالها المزاعم العلمانية حول تأخّرنا وتقدّمنا، ثم يصيح بنا جميعا قائلا: “فلنحن صرحاء!”.
يتميّز أسلوب الأستاذ محمد قطب خلال عرضه لقضية العلمانية وما يدور في إطارها من شبهات ومزاعم ومتعلّقات بالموضوعية والتفصيل؛ بحيث لا يدَعُ شاردة ممّا يطرحه العلمانيّون لتمرّ دون تعقيب حصيف يكشف عن مكمن الزيف الذي يتخلّلها، وقد ناقش أطروحات العلمانيين بعمق في كثير من الكتب المهمّة مثل: “حول تطبيق الشريعة” و”العلمانيّون والإسلام” و”قضية التنوير في العالم الإسلامي” و”مغالطات” و”هذا هو الإسلام”، فضلا عن القراءة التاريخية لأصول العلمانية في تلك الكتب وغيرها مثل “مذاهب فكرية معاصرة” حيث عقد فصلا كاملا عن العلمانية في هذا الكتاب، وتطرّق إلى تشكّلاتها في مختلف المجالات: في السياسة والاقتصاد والاجتماع والعلم والأخلاق والفن.
الواقع المعاصر
حين يتحدّث الأستاذ محمد قطب عن الواقع المعاصر وقضايا الأمة فهو لا يتحدّث بصفته المفكّر المترف الغارق في مكتبه بعيدا عن متاعب هذا الواقع وأزماته. بل كان الأستاذ محمّد منطلقًا من تجربة في الصراع المرير مع بقايا الاستعمار الغربي في بلاد المسلمين، في قلب العالم الإسلامي حيث ولد ونشأ، في مصر الكنانة التي تسلّط عليها عسكر مجرمون يحاربون الدعاة ويصدّون عن سبيل الله ويسيرون بالأمة إلى مستنقعات التخلّف والضياع.
كتب الأستاذ محمد قطب عن الأسباب التي أدّت إلى انحطاط هذه الأمة، وعن مظاهر هذا التخلف والانحراف السريع، وعن الطريق للخروج من النفق المظلم الطويل. وكان كتابه “واقعنا المعاصر” أحد أهمّ الكتب الكبيرة التي أودع فيها أفكاره بهذا الخصوص. وكان كتاب “كيف ندعو الناس” استلهامًا للمنهج النبوي وإسقاطا له على الواقع المعاصر، منهجه عليه الصلاة والسلام في التربية وبناء “القاعدة الصلبة” التي سيعهد إليها قيادة هذه الأمة نحو التمكين، وهداية البشرية إلى طريق النور.
كان الشيخ الكبير الذي عركتْهُ التجارب والمحن يصيح بروح الشباب “هلمّ نخرج من ظلمات التيه”، ويأخذ العبر ويعلّمنا الـ “دروس من محنة البوسنة والهرسك”، ويحدّثنا عن “الجهاد الأفغاني ودلالاته”، وعن “المسلمون والعولمة”، ويحلّق بنا في “رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر”، وكان قبل سجنه في الستينيّات على هذا المنهج حيث كتب كتابه المهمّ “جاهلية القرن العشرين”، واستعرض من خلاله المظاهر الواقعية المختلفة لهذه الجاهلية في جميع مجالات الحياة، في وقتٍ كان يسخر الناس فيه ممّن يصف أوضاع “الحضارة” الغربية بأنّها جاهلية!
إعادة كتابة التاريخ الإسلامي
كان للأستاذ محمد قطب رحمه الله اعتناء خاصّ بالتاريخ الإسلامي، ويرى أنّه يُكتب في الكثير من الدوائر الفكرية بمنهج مزيّف، متأثّر بتوجّهات المستشرقين وضلالاتهم حول تاريخ المسلمين، وأنّه من ثمّ يجب إعادة كتابة التاريخ الإسلامي بمنهج شرحه في كتابه المهمّ “كيف نكتب التاريخ الإسلامي؟”. وكان قد انتبه لهذه النقطة قبل سجنه في ستينيّات القرن الماضي، حين كانت الكتابات في نقد منهج المستشرقين شبه منعدمة في الأوساط الإسلامية، فكتب كتاب “المستشرقون والإسلام” الذي لم يشأ الله له إصداره إلا بعد خروجه من السجن، فكان يناقش أطروحات كبار المستشرقين آنذاك مثل “مرجو ليوث” و”فلهوزن” و”جِب” و”جرونيباوم” و”ولفرد كانتول سميث” و”واشنطن إرفنج” و”مرو برجر” و”هربر دكمجيان”.
أذكر كذلك أنّه كان يشجّع على الاهتمام بهذا الجانب، أي إعادة كتابة التاريخ الإسلامي، وأشاد بجهود الكاتبين د. عماد الدين خليل ومحمود شاكر (ليس محمود محمد شاكر الأديب).
“الدعوة تربية”!
“الدعوة تربية”.. لعلّها تكون من أكثر العبارات التي علقت في ذهني من كلام الأستاذ وتوجيهاته في محاضراته، والتي تمثّل خلاصة منهجه الذي يولي قضية “التربية” مركزيةً في طريق التغيير والتمكين. التربية بمفهومها الشامل كما يطرحه في كتابه “منهج التربية الإسلامية” بجزئيه، والذي يتوسّع في تطبيقاته في كتاب الله والسيرة النبوية ويسقطه على الواقع المعاصر في كتابه “كيف ندعو الناس”. وقد خصّص كتابا كاملا عن أهمية التربية تحت عنوان “مكانة التربية في العمل الإسلامي”، تحدّث فيه عن ضرورة الإصلاح والتربية في ثلاثة مجالات ملحّة، نرى يوميّا المآسي التي تحصل في العمل الإسلامي في ظلّ ضعفها أو غيابها، وهي “التجرد لله” و”الشورى” و”الأخلاقيّات”؛ في التعامل المالي والتعاملات الأخرى.
محمد قطب الإنسان
كان رحمه الله شديد التواضع كما أقرّ بذلك جميع من قابله، وقد تحدّث أكثر من واحد عن إصراره على تقديم الضيافة لمن يزوره حتى لو كانوا من الشباب الذين يصغرونه بأكثر من خمسين عامًا، وهو قد تجاوز التسعين من عمره!
لم يكن الأستاذ محمد قطب منعزلا في حياته بالمعنى السلبي للانعزال، وإنّما كان شديد الابتعاد عن الإعلام ووسائله، ويرى فيها شرّا مستطيرا، نظرًا لتزييف الإعلام للتصريحات واستخدامه للمقابلات والتصريحات في غايات يريدها القائمون عليه، ولذلك كان حريصًا على الابتعاد عن الأجواء الإعلامية، ويرفض العروض في الظهور على الفضائيات.
ورغم ما واجهه الأستاذ محمد قطب من هجوم وتشويه من قبل أفرع التديّن “الإرجائي” الذي رعته الحكومات الطاغوتية.. رغم ذلك كان حريصًا على تجنّب أسلوب “الردود”، وكان يكتفي بإيضاح المفاهيم ونقد التصوّرات التي يراها مغلوطة دون تجريح أو تطرّق للأسماء والشخصيات. كان يسير في طريقه واثقًا يعرف ما يريد. ومن المواقف المضحكة التي تدلّ على سرعة بديهة الأستاذ وقدرته على لفت نظر الشباب المسلم إلى القضايا الملحّة ذات الأهمية، حين سأله أحد الطلاب (بعد محاضرة طويلة في قضية الدعوة والتمكين) عن حكم ارتداء الساعة في اليد اليسرى! فأجابه الأستاذ فورا: المشكلة أنّ مسمار تحريك العقارب مثبّت عن يمين الساعة، وحين يخترع المسلمون ساعة فيها مسمار على الجهة اليسرى نرتدي الساعة باليد اليمنى! وكأنّي به – رحمه الله – أراد توجيه الشاب إلى القضايا الجادّة الملحّة التي ينبغي أن ينشغل بها الشباب المسلم.
كان شديد التأثّر بشقيقه الأستاذ سيد، وإنْ كانت له شخصيّته المتفرّدة وأسلوبه المختلف، فهذا ممّا ربّاه عليه شقيقه الأكبر سيّد، الذي كان بمثابة الأب والمربّي حين كانا يعيشان معًا مع أختيهما “أمينة” و”حميدة” رحمهم الله جميعًا، ويتناقشون جميعًا في مختلف شؤون المعرفة والحياة.
وربّما تكون هذه المقطوعة التي كتبها الأستاذ سيد قطب في ثلاثينيّات القرن الماضي كإهداء لديوانه “الشاطئ المجهول”، ربّما تكون الأكثر تعبيرا عن هذه العلاقة الوثيقة بين الشقيقين:
“أخي” ذلك اللفظ الذي في حروفهِ رموز، وألغـازٌ، لشتى العواطفِ
“أخي” ذلك اللحن الذي في رنينهِ ترانيمُ إخـلاص، وريّا تآلـــف
“أخي” أنتَ نفسي حينما أنت صورة لآمـاليَ القصـوى التي لم تشارف
تمنيتُ ما أعيـا المقاديرُ، إنّمــا وجدتكَ رمزاً للأمـاني الصوادف
فأنتَ عزائـي في حياة قصيــرةٍ وأنتَ امتدادي في الحياة وخالفي
تخذتكَ لي ابنًا، ثم خدنًا، فيا تـرى أعيشُ لألقى منكَ إحسـاس عاطف؟
على أيما حالٍ أراكَ مخلّـــدي وباعث أيامي العِــذاب السوالفِ
فدونكَ أشعـاري التي قد نظمتُها لتبقى على الأيـام رمزَ عواطفي
ثمار المسيرة المباركة
رغم غياب الأستاذ محمد قطب إعلاميّا خلال العقود الفائتة، ورغم عدم انتظامه في جماعة أو حركة إسلامية، إلا أنّه كان مؤثّرا في الجميع، وكان يخاطب جميع فصائل العمل الإسلامي تحت عنوان “الحركة الإسلامية”. لا يفضّل إحداهما عن الأخرى، وحين سئل مرّة إلى أيّ الجماعات الإسلامية ننضمّ أجاب قائلا: انظر أيّ الجماعات أكثر فهمًا لحقيقة الإسلام، وفي الوقت نفسه أكثر تطبيقًا لهذه الحقيقة في سلوكها الذاتي.
ملايين الشباب المسلم من جميع أنحاء العالم الإسلامي قد تأثروا ولا شكّ بما طرح الأستاذ محمد في مختلف المجالات التي كتب فيها، وغيرهم تأثر بالأطروحات الجامعية التي أشرف عليها حين كان أستاذا بقسم الدراسات الإسلامية العليا في جامعة أمّ القرى بمكّة المكرّمة، أذكر من بينها:
1) كتاب “العلمانية: نشأتها وتطوّرها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة”، لفضيلة الشيخ د. سفر عبد الرحمن الحوالي، والكتاب عبارة عن رسالة علمية تقدّم بها فضيلته لنيل درجة الماجستير.
2) كتاب “ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي”، لفضيلة الشيخ د. سفر عبد الرحمن الحوالي، والكتاب عبارة عن رسالة علمية تقدم بها فضيلته لنيل درجة الدكتوراة في جامعة أم القرى، قسم الدراسات العليا الشرعية، فرع العقيدة، وقد تناول فيها تاريخ نشأة الإرجاء، وأقوال السلف في الإيمان، وحكم تارك جنس العمل.
3) كتاب “الولاء والبراء في الإسلام”، لفضيلة الشيخ د. محمد سعيد القحطاني، والكتاب عبارة عن رسالة علمية تقدّم بها فضيلته لنيل درجة الماجستير، وهو يتركز حول مفهوم الولاء والبراء في الإسلام وعلاقته بواقع المسلمين.
4) كتاب “أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية والرد على الطوائف الضالّة فيه”، لفضيلة الشيخ د.علي بن نفيع العلياني، والكتاب عن رسالة علمية تقدّم بها فضيلته لنيل درجة الدكتوراة في جامعة أم القرى في مكة، فرع العقيدة.
5) كتاب “الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريّين وآثارها في حياة الأمة”، لفضيلة الشيخ علي بن بخيت بن عبد الله الزهراني، والكتاب عبارة عن رسالة علمية لنيل درجة الماجستير لعام 1414 هـ، في جامعة أم القرى بمكة المكرّمة، كلية الدعوة وأصول الدين، قسم العقيدة.
6) كتاب “الوثنية الحديثة وموقف الإسلام منها”، لفضيلة الشيخ يوسف محمد صالح الأحمد، وهي عبارة عن رسالة علمية مقدمة لجامعة أم القرى في مكة المكرمة، لنيل درجة الماجستير في الشريعة الإسلامية، فرع العقيدة لعام 1406 – 1407 هـ، في قسم الدراسات العليا في الجامعة.
ويُذكر أيضًا أنّ الأستاذ محمد قطب رحمه الله كان قد راجع كتاب “حدّ الإسلام وحقيقة الإيمان” للأستاذ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله، حيث نُشر الكتاب أثناء عمل الأستاذ محمد قطب في جامعة أم القرى وبمراجعة لجنة خاصة من العلماء بالجامعة.
وداعًا محمد قطب..
رحل الأستاذ محمد قطب رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جنّاته، وترك وراءه الكثير من الدروس العلمية والتربوية التي تزخر بها مكتبته، فضلا عن الدروس العملية من تجربته في الكفاح والصراع مع طغاة مصر. وأحسبها لن تضيع هدرًا بإذن الله، وستقرأ أجيال متطاولة هذه الكتابات المهمّة وتنهل ممّا فيها من قيم تساعدهم على إنهاض الأمة من كبوتها والعودة للريادة التي كانت عليها وكُلّفتْ بها.
ولا يسعني هنا إلا أن أترك القارئ الكريم بين يدي كلمات الأستاذ محمد قطب رحمه الله، في خاتمة آخر ما صدر له حتى الآن، من كتاب “هذا هو الإسلام” حيث قال:
“وليضع الدعاة في حسابهم أنّ الطريق الشاقّ الذي عليهم أن يسلكوه لمواجهة الجاهلية المعاصرة هو طريقهم إلى الجنّة:
((والذين جاهدوا فينا لنَهديَنّهم سُبُلَنا وإنّ الله لَمَعَ المُحسنين)) (العنكبوت: 69).
((أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)) (آل عمران: 142).
وليضعوا في حسابهم كذلك أنّ الجهد الذي يبذلونه لن تكون ثمرته – بحول الله – إنقاذ العالم الإسلامي وحده ممّا تردّت فيه الأمّة الإسلامية من ذلّ وهوان وتخلّف وضعف، وإنّما هم بعملهم هذا يقدّمون للبشرية كلّها طريق الخلاص ممّا تردّت فيه من ضلال وفساد، فقد أرسل الله رسوله الخاتم عليه الصلاة والسلام للبشرية كافّة، ليخرجها من الظلمات إلى النور:
((قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)) (الأعراف: 158).
((وما أرسَلْناكَ إلّا رحمةً للعالَمين)) (الأنبياء: 107).
وليحذروا أخيرا قوله تعالى: ((وإنْ تتولَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثمّ لا يَكونوا أَمْثالَكُم)) (محمد: 38). انتهى. (من كتاب “هذا هو الإسلام” للأستاذ محمد قطب).
لزيارة موقع الأستاذ محمد قطب: https://mqutb.wordpress.com
نُشر هذا المقال لأول مرة على موقع الشيخ عبدالمجيد الشاذلي