قررت العديد من الشركات العاملة في قطاع الطاقة النظيفة التخلي عن خططها التوسعية في ظل التغيرات السياسية المتوقعة، ويأتي هذا بعد أن صرّح دونالد ترامب أنه يعتزم إيقاف الجهود المبذولة لمكافحة تغيُّر المناخ، واصفًا إياها بأنها “احتيال أخضر جديد”، ما أثار قلقًا واسعًا بين الشركات التي تعتمد على السياسات البيئية الداعمة للطاقة النظيفة، ودفعها إلى إعادة تقييم استراتيجياتها المستقبلية.
في الوقت نفسه، تستعد شركات أخرى في هذا القطاع لمواجهة انخفاض حادّ في المبيعات، نتيجة سياسات ترامب المتوقعة في حال عاد وفاز في الانتخابات المقبلة، خاصةً شركات تصنيع السيارات الكهربائية، فقد أعلن ترامب صراحة معارضته لانتشار السيارات الكهربائية، ما يشير إلى تحديات كبيرة قد تواجهها هذه الشركات في المستقبل القريب.
القطاعات الأخرى ليست بمنأى عن هذه التغيرات، إذ إن تولّي ترامب رئاسة الولايات المتحدة قد يشكّل نقطة تحول كبيرة في مجال التكنولوجيا والصناعات المرتبطة بها، لذا من الضروري متابعة التطورات القادمة لفهم التأثيرات المحتملة على مختلف القطاعات الاقتصادية، وكيف ستتعامل الشركات مع هذا الواقع الجديد.
تأثير دونالد ترامب على قطاع التكنولوجيا
يعشق الجدل وانتهازي للغاية ولا يمكن التنبؤ بما سيفعله، هذه هي الصفات التي سيتعيّن على الشركات في جميع القطاعات التعامل معها، بعدما أشارت أحدث استطلاعات الرأي إلى أن احتمالية فوز دونالد ترامب باتت كبيرة، وأنه سيعود إلى البيت الأبيض أواخر هذا العام لبدء حقبة جديدة مليئة بالتصريحات الرنّانة وعدم المسؤولية والغوغائية.
لكن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد، حيث إن نجاح ترامب له تأثير إما بالسلب وإما الإيجاب على كافة القطاعات والشركات، وسنأخذكم في رحلة سريعة ونتعرّف إلى تأثير دونالد ترامب على القطاعات المختلفة كالتالي:
تطبيق “تيك توك”
رغم أن دونالد ترامب كان هو من بدأ الحرب على تطبيق الفيديو القصير “تيك توك“، عندما كان رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية في فترة 2017-2021، إلا أنه في تصريحاته ووعوده الأخيرة لمؤيديه تراجع عن محاولة حظر التطبيق الصيني، وأوضح أنه لم يعد بحاجة إلى شنّ حرب جديدة على “تيك توك”، ولإثبات حسن نيته في هذا الصدد انضمّ إلى منصة “تيك توك”، والآن يضمّ حسابه على المنصة عدة ملايين من المتابعين.
لكن رغم هذا التغيير في موقف ترامب، إلا أن المشكلة لم تُحل بالكامل بعد، حيث تواجه شركة بايت دانس، المالكة لتطبيق “تيك توك”، ضغوطًا كبيرة للانفصال عن التطبيق وفقًا لحكم قضائي صدر مؤخرًا، وإذا لم تلتزم بايت دانس بهذا الحكم، فإن “تيك توك” قد يواجه عقوبة الحظر النهائي في الولايات المتحدة الأمريكية.
السيارات الكهربائية
تشير تصريحات دونالد ترامب إلى معارضته القوية للسيارات الكهربائية، فهو يعتقد أن انتشار هذه السيارات في أمريكا سيؤدي إلى فقدان المزيد من الوظائف في قطاع السيارات التقليدية، وهو ما يعارضه بشدة. إذ يرى ترامب أن المجتمع الأمريكي لا يزال يشعر بالقلق من احتمالية زيادة نسبة البطالة، وتأثيرها السلبي على الاقتصاد.
وممّا يثير قلق ترامب بشكل خاص هو التقرير الأخير عن الوظائف الذي صدر قبل أيام، والذي أظهر تباطؤًا في عملية التوظيف، ما أدّى إلى انهيار البورصة الأمريكية في ما سُمّي بـ “يوم الزفاف الأحمر”.
بناءً على ذلك، يعتزم ترامب اتخاذ إجراءات صارمة ضد السيارات الكهربائية، حيث يخطط لزيادة التعرفة الجمركية على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين، إضافة إلى سحب أي حوافز أو تخفيضات كانت تُمنح لشركات تصنيع السيارات الكهربائية، وهي إجراءات، إذا ما تم تنفيذها، قد تتسبّب في خسائر فادحة لهذا القطاع.
إكس وإيلون ماسك
إيلون ماسك، مالك منصة إكس (المعروفة سابقًا باسم تويتر)، يعدّ من أكبر المؤيدين لدونالد ترامب، وظهر ماسك إلى جانب ترامب خلال بثّ مباشر على منصة إكس شاهده الملايين. ورغم أن العلاقة بينهما كانت متوترة لسنوات، حيث كان كل منهما يكره الآخر، إلا أن الظروف الراهنة جعلت المصالح المشتركة تجمعهما في علاقة وطيدة.
في الوقت الحالي، يقدّم ماسك دعمه للمرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب، وذلك بعدما تعرضت شركات ماسك لمجموعة من التحقيقات في ظل إدارة بايدن. هذه التحقيقات شملت ممارسات التوظيف، واستحواذه على منصة تويتر، بالإضافة إلى تدقيقات تتعلق بميزة القيادة الآلية في سيارات تسلا. ومع احتمال فوز ترامب في الانتخابات، يأمل ماسك أن يبقى هو وشركاته في مأمن من أي هجمات أو تحقيقات مستقبلية.
من جانبه، يعشق دونالد ترامب منصة إكس لأنها تتيح له التواصل مع مؤيديه بشكل مطوّل وفي أي وقت يرغب، دون أي قيود أو مشاكل، فهو يسعى إلى جعل إكس المنصة الرئيسية التي يمكنه من خلالها الإدلاء بتصريحاته والتغريد بما يشاء، دون مواجهة تحذيرات أو حظر حسابه كما حدث في السابق.
يُذكر أن العديد من الشبكات الاجتماعية كانت قد حظرت حساب ترامب بشكل دائم بعد أحداث مبنى الكابيتول، حيث اُعتبر أن تصريحات ترامب ساهمت في تحريض مؤيديه على مهاجمة المبنى، والتسبُّب في أعمال شغب عقب خسارته في سباق الرئاسة.
العملات الرقمية
كانت العملات الرقمية المشفّرة، أو ما يعرَف بالكريبتو، ولا تزال موضوعًا مثيرًا للجدل على مستوى العالم، ففي الوقت الذي لم تعلن فيه الولايات المتحدة الأمريكية بشكل صريح عن موقفها النهائي تجاه قبول أو رفض هذه العملات، نجد أن المرشحين للرئاسة الأمريكية قد انقسموا إلى فريقَين مختلفَين: فريق يعارض بشدة هذه الصناعة الناشئة التي تنمو بوتيرة سريعة ومثيرة للقلق، وفريق آخر يؤيد هذه الصناعة العالية المخاطر ويرى فيها فرصًا واعدة.
من الجدير بالذكر أن الرئيس السابق دونالد ترامب كان من أبرز المناهضين للعملات الرقمية المشفرة في فترة رئاسته، ومع ذلك تغيّر موقفه بشكل جذري، حيث أشار مؤخرًا إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تأخذ زمام المبادرة في مجال البيتكوين والعملات المشفرة، قبل أن تسبقها الصين والدول الأخرى في هذا المضمار، كما وعد بالكشف عن خطة تهدف إلى منح أمريكا التفوق في هذا المجال، وجعلها العاصمة العالمية للكريبتو.
قضايا الاحتكار ضد شركات التكنولوجيا العملاقة
على مدى السنوات القليلة الماضية، شنّ الرئيس جو بايدن حملة شرسة ضد شركات التكنولوجيا العملاقة، مثل آبل وجوجل وأمازون وميتا ومايكروسوفت وغيرها، وهي شركات واجهت تدقيقات وقضايا تتعلق بالاحتكار والممارسات غير العادلة، التي أسفرت عن الإضرار بالشركات الأصغر وتقليص القوة الشرائية للمستهلكين.
من المتوقع أنه في حال فوز كامالا هاريس، المرشحة المحتملة لمنافسة دونالد ترامب، ستستمر هذه الحملة على شركات التكنولوجيا، في المقابل، إذا فاز ترامب يُتوقع أن تشهد هذه الحملة تهدئة، حيث لن تكون بالشدة نفسها التي بدأها بايدن. ويعتقد العديد من المحللين أن ترامب قد يمنح هذه الشركات الضوء الأخضر للقيام بعمليات استحواذ ودمج، بهدف تجنُّب القضايا أو التحقيقات المتعلقة بالاحتكار والمنافسة غير العادلة في السوق.
لكن لماذا يظهر ترامب أقل حماسًا في هذا الصدد مقارنة بالرئيس الحالي بايدن؟ الجواب يكمن في خلفية ترامب، حيث يمتلك عقلية رجل الأعمال، ما يجعله أكثر تعاطفًا مع قطاع الأعمال والشركات، وهذا يؤثر بشكل مباشر على سياسته تجاه الشركات الكبرى.
“لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”
من المتوقع أن يركز ترامب جهوده على تحقيق فلسفته المتمثلة في “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، معتمدًا على استراتيجية تهدف إلى تعزيز النمو المحلي من خلال تخفيض الضرائب وتحفيز الاقتصاد، ومن المرجح أن يُظهر اهتمامًا خاصًا بقطاعات معيّنة، مثل العقارات والشبكات الاجتماعية، حيث يسعى إلى دعم هذه المجالات من أجل تحقيق أهدافه الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون داعمًا قويًا لشركات التكنولوجيا الأمريكية في مواجهة المنافسة الشرسة من الشركات الصينية.
من جهة أخرى، قد يكون موقفه تجاه بعض القطاعات الأخرى، مثل الطاقة النظيفة والسيارات الكهربائية، أقل دعمًا، وهذا التوجُّه قد ينبع من رؤية ترامب التي قد لا تضع هذه القطاعات في مقدمة أولوياته الاقتصادية.
مع ذلك، يجب أن نأخذ في عين الاعتبار أن مواقف دونالد ترامب ليست ثابتة، فهو شخصية سياسية ديناميكية قد تتغير آراؤه وسياساته حسب الظروف والمصالح، وفي عالم السياسة تحديدًا، التغيير يعتبر جزءًا لا يتجزّأ من اللعبة، وهو أمر يبدو أن ترامب يدركه جيدًا ويتكيّف معه بشكل مستمر.