لم تمر أيام قليلة على قيام الأمين العام لحزب جبهة التحرير الجزائري بتغييرات كبرى في المكتب السياسي للحزب شملت إقالة 15 عضوًا من الأعضاء الـ19 المكونين له، وقراره بدء عملية تجديد هياكله الداخلية، حتى بدأت بوادر أزمة داخل صفوف الحزب الحاكم في الجزائر تظهر للعيان بعد أن كانت حبيسة البيت الداخلي للحزب.
قرار غير قانوني
أزمة تجلت في اتهام أعضاء المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني في الجزائر الذين تم إبعادهم قبل أيام الأمين العام للحزب بخرق القانون الداخلي للحزب، والتصرف خارج مؤسساته، مطالبين بعقد دورة للجنة المركزية من أجل الفصل في المواضيع المطروحة، علمًا أن اللجنة لم تجتمع منذ أكثر من 20 شهرًا.
أعضاء المكتب السياسي المبعدين، أكدوا في بيان لهم صدر بالمناسبة، أنهم ما زالوا يعتبرون أنفسهم أعضاءً، وقرار إبعادهم الذي اتخذه الأمين العام جمال ولد عباس غير قانوني، لأنه تم خارج مؤسسات الحزب، على اعتبار أن القرار كان يجب أن يمر على اللجنة المركزية التي يخول لها القانون الداخلي صلاحية تعيين وإبعاد أعضاء المكتب السياسي باعتبارها أعلى هيئة بين مؤتمرين.
القيادات المُبعدة من المكتب السياسي، أكدوا أن ولد عباس يسعى لإحكام قبضته على الحزب الأول للجزائر
نهاية شهر مايو/أيار الماضي، قرر حزب “جبهة التحرير الوطني” الذي يقوده الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إبعاد 15 من أعضاء مكتبه السياسي الوطني، في أكبر عملية تغيير تمس الهيئة القيادية العليا للحزب بأمر من الأمين العام للحزب، وسط حديث عن وجود خلافات بشأن “العهدة الخامسة”.
واستبعد جمال ولد عباس في هذه العملية، قدماء وإطارات الحزب الذي يحكم الجزائر منذ الاستقلال وأبقى على أربعة أسماء من بين 19 عضوًا، واستبدلهم بأعضاء جدد أغلبهم وزراء سابقين ونواب في البرلمان، وكذلك صحافيون.
ويأتي هذا البيان الصادر أمس الإثنين عن ثمانية أعضاء من المبعدين، بعد تصريحات سابقة لأعضاء من المكتب السياسي دعوا من خلالها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى التدخل من أجل تصحيح الاختلالات التي يعرفها الحزب، ووضع حد للتجاوزات التي يرتكبها الأمين العام جمال ولد عباس، على اعتبار أن الرئيس بوتفليقة هو رئيس الحزب، حتى إن لم يمارس مهامه أول ما وضع قدمًا داخل مقر الجبهة.
ولد عباس يحكم قبضته على الحزب
القيادات المبعدة من المكتب السياسي، أكدوا أن ولد عباس يسعى لإحكام قبضته على الحزب الأول للجزائر، معتبرين ما قام به بمثابة “وضع مكتب سياسي على المقاس، دون أخذ رأي اللجنة المركزية المعطلة منذ أكثر من 20 شهرًا، رغم المطالب المتكررة بعقدها من أجل الفصل في الكثير من القضايا المطروحة”.
وأكد الموقعون على البيان، ضرورة الذهاب إلى “عقد دورة اللجنة المركزية في 30 من الشهر الحاليّ، عملاً بالالتزام الذي قدمه المكتب السياسي في 19 من أبريل الماضي”، داعين منتسبي الحزب إلى التحرك من أجل وقف ما أسموه “مناورات الأمين العام”، وهو ما يرشح الحزب إلى الغرق أكثر في أزماته النظامية والسياسية.
يسعى ولد عباس إلى إبعاد كل المناوئين له من الحزب
ويتهم معارضو ولد عباس، أمين حزبهم العام الذي خلف الأمين العام السابق عمار سعداني في أكتوبر 2016، بالتأجيل المتكرر لدورة اللجنة المركزية للحزب، وهي المؤسسة الحزبية المسؤولة بين مؤتمرين، من أجل تجنب الصدام مع خصومه وتلافي أي سيناريو قد يؤدي للإطاحة به من على رأس الحزب، حيث تمكن من تأجيل الموعد لثلاث مرات متتالية منذ توليه منصبه.
ويقول عديد من المتابعين للشأن الجزائري، إن هذه اللجنة لن تنعقد إلا لإعلان ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى ولاية رئاسية خامسة، رغم مطالبة الكثير من قيادات الجبهة غير الراضين على الطريقة التي يسير بها الحزب، انعقادها منذ فترة وطيلة.
حل الأزمة
الخروج من هذه الأزمة التي يعيش على وقعها الحزب الذي يملك الأغلبية في البرلمان الجزائري، يتم وفقًا لبعض قيادات الحزب برحيل ولد عباس من الأمانة العامة للحزب، ذلك أنه فشل في مهمة تنظيم البيت الداخلي للحزب ورص صفوفه منذ تسلم الأمانة العامة في أغسطس/أوت 2016 من سابقه عمار سعيداني.
يستقوي ولد عباس ببوتفليقة من أجل إسكات خصومه والمناوئين له
ومنيت جبهة التحرير الوطني في عهد ولد عباس بتراجع تمثيلها على مستوى البرلمان والمجالس المحلية رغم محافظة الحزب على صدارته، لكن الفارق بينه وبين غريمه التجمع الوطني الديمقراطي تقلص مقارنة بانتخابات 2012.
يتهم معارضو ولد عباس، أمينهم العام بانتهاجه خطابًا شعبويًا سطحيًا ساهم في نفور الناخبين وتراجع مكانة الحزب لدى الجزائريين، ذلك أن هذا الخطاب لا يرقى إلى مستوى حزب يمثل الأغلبية البرلمانية والمحلية في البلاد، ما جعله في مرات عدة محل سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي من المناوئين للحزب.
وكان ولد عباس، قد شكل بعد تعيينه خلفًا لعمار سعداني، لجنة الخبراء والمستشارين، وتضم عددًا من الوزراء والكوادر والأكاديميين، بدعوى إثراء برنامج الحزب، لكن الخطوة انطوت على رغبة في سحب البساط من تحت أعضاء المكتب السياسي الذين يحسبون كموالين لسلفه سعداني.
تصر قيادات عديدة في جبهة التحرير على ضرورة رحيل ولد عباس من الحزب
سبق للعديد من قيادات الحزب أن شددوا على ضرورة رحيل ولد عباس من قيادة الحزب، بسبب ما أسموه “الفشل في احتواء التيارات الداخلية، واستقطاب الغاضبين على السياسات والخطاب المنتهج من طرفه، ما تسبب في تراجع حصيلة الحزب في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة”.
الاستقواء ببوتفليقة
أي قرار يتخذه ولد عباس يقول إنه نابع عن إرادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فهو يستقوي به من أجل إسكات خصومه والمناوئين له، وهو ما أثار حفيظة العديد من قيادات وقواعد الحزب الذين يرون أن الوفاء لبوتفليقة يتم عبر احترام مواثيق الحزب والالتزام بتطبيق قوانينه، وليس بالاستقواء باسمه واستغلال مركزه للقيام بإجراءات تخالف مصلحة الحزب.
ويخوض الأمين العام لجبهة التحرير خلال الفترة الأخيرة حملة دعائية مبكرة من أجل تمكين الرئيس بوتفليقة من ولاية رئاسية خامسة، كما يبدي تمسكه بقيادته الشخصية للمبادرة من أجل أن يكون القاطرة الأمامية التي تجر خلفها فعاليات الحزب وقوى الموالاة في التمهيد للعهدة الخامسة.