لطالما استطاع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفت أنظار العالم إليه من خلال تغريداته على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، ومن بين كل المواضيع التي أثار الجدل بشأنها، يبدو أنه يركز اهتمامه حاليًّا على شركة التجارة الإلكترونية أمازون، وهذا بطبيعة الحال يضيف اسم مالكها جيف بيزوس إلى قائمة أعداء ترامب.
في شهر نيسان/أبريل الماضي انتقد ترامب، بيزوس أربع مرات على مدار أسبوع واحد، وكانت أسبابه مختلفة في كل مرة، ومن هذا الاحتدام الواضح تناوبت المواقع الصحفية والمصادر الخاصة المقربة من البيت الأبيض على تفسير موقف ترامب من بيزوس، فهل هو صراع قوة بين رجال الأعمال أم حسد لثروة بيزوس التي فاقت الـ141.5 مليار دولار أمريكي؟
هل يشعر الرئيس الأمريكي بعجز اقتصادي تجاه أمازون؟
توجه الرئيس الأمريكي بانتقاداتٍ صريحة للشركة، إذ قال ترامب بإحدى تغرايدته بأن الشركة تتهرب من دفع الضرائب وتستغل خدمات مكتب البريد الأمريكي، وتستخدم المؤسسة الإخبارية التي تملكها (واشنطن بوست) في تعزيز مصالحها الخاصة، كما لام الشركة على تسببها في إغلاق وخروج شركات التجزئة الناشئة من السوق.
لم يجب مؤسس أمازون بيزوس على هذه الاتهامات العلنية، ولكن هذا لا يعني أن تغريدات ترامب لم يكن لها عواقب سلبية على الشركة، ففي الصباح التالي من نشر هذه الانتقادات هبطت أسهم الشركة نحو 5%.
I am right about Amazon costing the United States Post Office massive amounts of money for being their Delivery Boy. Amazon should pay these costs (plus) and not have them bourne by the American Taxpayer. Many billions of dollars. P.O. leaders don’t have a clue (or do they?)!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) April 3, 2018
في الوهلة الأولى، قد يعتقد القارئ أن هذه المعاداة سببها الدفاع عن الاقتصاد والنظام الأمريكي الجديد الذي يعمل ترامب على تحقيقه داخليًا وخارجيًا، لكن من جهة أخرى يستبعد آخرون ارتكازها على القضايا المالية أكثر من كونها تعبيرًا عن العجز والإحباط الذي يشعر به ترامب تجاه رئاسة بيزوس الاقتصادية في العالم الرقمي.
وبحسب مصادر مقربة من ترامب، فإن هذا الصراع ينبع من التنافس المستمر في حياة ترامب مع المليارديرات الذين يتفوقون عليه بالمال والأرباح التجارية، والدليل على ذلك الضغوط التي مارسها ترامب على محرري مجلة “فوربس” من أجل التلاعب في وزن ثروته وجعلها أثقل مما يملكه في الواقع، لكن المجلة نشرت تقديراتها السنوية لثروات رجال الأعمال الأبرز في العالم مع ظفر بيزوس بالقمة بقيمة وصلت إلى 112 مليار دولار، مما جعله أول شخص يكسر 100 مليار دولار منذ أن بدأت المجلة في الترتيب منذ عام 1987، مقابل انخفاض ثروة ترامب بنحو 400 مليون دولار إلى 3.1 مليار دولار خلال أول عام له في منصب الرئاسة ليحل في المرتبة 776.
هذه الهوة الهائلة بين الطرفين قد تكون سببًا مقنعًا في إشعال الغيرة والحرب ضد أمازون دون تفكير، ولكن مصادر أخرى تبين أن المشكلة تكمن بالفجوة الثقافية، فالحقيقة أن ترامب لم يستطع مواكبة عالم التكنولوجيا والتسوق عبر الإنترنت واستخدام جميع التقنيات المتوفرة في يومنا الحاليّ، ولذلك من الصعب عليه إدراك السبب الذي يجذب المشتري الأمريكي نحو أمازون بدلًا من المتاجر العادية أو الإلكترونية الأخرى.
ترامب يعتقد أن صحيفة واشنطن بوست – اشتراها بيزوس بمبلغ 250 مليون دولار قبل خمس سنوات – تعمل على ترويج الأخبار “وهمية” وتشوه سمعته سياسيًا
ووفقًا لمستشارين في البيت الأبيض، فإن ترامب يعتقد أن صحيفة واشنطن بوست – اشتراها بيزوس بمبلغ 250 مليون دولار قبل خمس سنوات – تعمل على ترويج الأخبار “وهمية” وتشوه سمعته سياسيًا، وقال: “هل تعتقد الصحيفة المزيفة (واشنطن بوست) بأنه يمكنها استغلال الصحافة كأداة ضغط ضد الكونغرس لتبعد أنظار السياسيين عن تلاعبها وتهربها من الضرائب؟”، مع العلم أن أمازون تستفيد بشكل كبير من عقودها مع الحكومة ووزارة الدفاع الأمريكية وتصل قيمتها إلى 10 مليارات دولار.
وتعليقًا على هذه الشكوك، قال الرئيس التنفيذي في الصحيفة فريد رايان “يبدو أن ترامب يرى الصحف كوسيلة لاستبقاء النفوذ وهذا عكس رؤية جيف الذي يعتقد أن قيمة وقوة الصحافة تكمن في كونها مستقلة، فلم يقترح جيف أي قصة ولم يتدخل على الإطلاق، ولم ينتقد أو يوجه أي اقتراحات”، مؤكدًا أن القرارات لا تحتاج إلى موافقة منه.
بعد كل هذه الضجة.. ما حقيقة هذه الاتهامات؟
اعتبر البعض أن اختيار ترامب لأمازون كان “سوء تقدير”، فالشركة ضغطت مؤخرًا بنفسها على القانون الفيدرالي لإنشاء نظام موحد لجمع ضرائب المبيعات عبر الإنترنت، وهذا من أحد الأسباب التي جعلت أمازون واحدة من أكثر العلامات التجارية احترامًا في البلاد.
وبشأن “احتيال” أمازون على مكتب البريد في البلاد، فيقول ترامب إن الخدمة البريدية تخسر 1.50 دولار أمريكي في المتوسط لكل حزمة تقوم بتوصيلها إلى أمازون، لكن بناءً على دراسة أجرتها “سيتي جروب” العام الماضي، فإن شركة أمازون وغيرها من شركات الشحن الكبرى تحظى بخصم من المكتب لأن أعمالها تضمن لهذه المكاتب وموظفيها استمرار العمل في الوقت الذي قل فيه استخدام الأمريكيين للبريد بنسبة 40%، إذ حققت أمازون وحدها نحو 7 مليارات دولار من الأرباح لها العام الماضي.
لذلك يستبعد المراقبون أن يكون هوس الرئيس الأمريكي بأمازون له صلة بأعمال الشركة، ويرجحون السبب إلى الاختلاف الذي يسيطر على شخصيتي بيزوس وترامب، فالأول مهوس بالأبحاث المتعلقة بسلوك المستهلك، والأخير يشكك دومًا فيها ويسخر من جميع الحقائق العلمية ويثق بأفكاره وحده، ولكنهما مع ذلك مشتركان في استغلال وسائل الإعلام لتعزيز صورتهما العامة، خاصة في السنوات الأولى من مسيرتهما المهنية.
So many stories about me in the @washingtonpost are Fake News. They are as bad as ratings challenged @CNN. Lobbyist for Amazon and taxes?
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) July 25, 2017
أما بالنسبة إلى صحيفة واشنطن بوست، صرح المحرر التنفيذي مارتن بارون بأن “بيزوس لا يتخذ أي قرارات بما يتم تغطيته أو كتابته”، وأضاف أن تدخلات بيزوس تنحصر في المسائل التكنولوجية وأسعار الاشتراك، فلقد قرر جيف أن تعمل الصحيفة بشكل مستقل من اليوم الأول.
وقال محررون آخرون، بأنه طلب منهم تغطية مشاريعه ومنتجاته مثلما يفعلون مع الشركات الأخرى، كما يبحث معهم طرق جذب القراء لا أكثر، وذلك على العكس من مالكي المؤسسات الإخبارية الذين يلعبون دورًا بارزًا في صياغة الآراء والمبادئ والسياسيات التحريرية، وعادةً ما يحطمون التنوع الفكري في المقالات.
نهايةً، وبحسب ما أوضحته بعض الصحف الغربية فإن هجوم ترامب ليس عشوائيًا أو لأغراض استفزازية، بل يناقش مسؤولي البيت الأبيض عن طرق تصعيد الهجمات بشكل جدي قد يؤدي إلى الحديث مع مكتب البريد لزيادة تكاليف الشحن على بضائع أمازون، أو إلغاء العقود الحكومية، وبتشجيع من بعض المحامين قد يطالب ترامب بفتح ملف تحقيق في أعمال الشركة.