بعد غياب 12 سنة عن العرس العالمي، عادت تونس مجددًا للمشاركة في بطولة كأس العالم لكرة القدم المقامة في دورتها الـ21 في روسيا، مشاركة عالمية خامسة يطمح خلالها “نسور قرطاج” تحقيق فوزهم الثاني في هذه المسابقة العالمية بعد فوز أول ويتيم كان قبل 40 سنة من الآن.
فوز إن حصل له أن ينسي التونسيين بعض الهموم والمشاكل التي أضحت تلازمهم منذ سنوات عدة نتيجة أسباب يطول شرحها، فوز ظل التونسيون يمنون النفس به، لكن طال انتظاره، فآخر عهد لهم بالانتصارات في هذه التظاهرة كان يوم الثاني من يونيو/حزيران 1978، بعد أن تغلبوا على منتخب المكسيك العتيد بنتيجة 3 أهداف لواحد في دورة الأرجنتين.
انتصار كان الأول لإفريقيا والعرب في نهائيات كأس العالم، لتتالى بعدها الخيبات والهزائم، حتى إن البعض أصبح يبحث عن “هزيمة مشرفة” لاستحالة تحقيق الفوز، فقدر المنتخب التونسي عندهم الهزيمة لا غير.
آمال كبيرة
في هذه المشاركة الخامسة لتونس في كأس العالم، دخل المنتخب حاملًا معه أمل ملايين التونسيين الواثقين من قدرة فريقهم الوطني على تحقيق نتائج إيجابية، خاصة بعد أن عرف أداؤه الفني تطورًا كبيرًا مكنه من بلوغ المركز الـ14 عالميًا حسب تصنيف “الفيفا”، وذلك للمرة الأولى في تاريخه.
آمال كبرت عقب النتائج الكبيرة التي حققها المنتخب في آخر مبارياته الودية، فقد اقتنص التعادل مع المنتخب البرتغالي العملاق، وتعادل مع تركيا وهزم إيران وكوستاريكا، وانهزم أمام إسبانيا في الدقائق الأخير بهدف يتيم.
تونس مطالبة بالفوز على بلجيكا وبنما للمنافسة على إحدى بطاقات العبور الاثنتين إلى الدور الـ16 لهذه المسابقة
إلى جانب نتائج الوديات، أظهرت العروض القوية التي قدمها المنتخب خلال التصفيات المؤهلة للمونديال عن القارة السمراء أن كرة القدم التونسية بلغت مستوى مرموقًا، استنادًا إلى ذلك والخبرة الواسعة التي يتمتع بها الفريق من خلال مشاركته في بطولة العالم لكرة القدم للمرة الخامسة في تاريخه، توجه نسور قرطاج إلى روسيا بمعنويات عالية وثقة عالية بالنفس آملين تحقيق النجاح وبلوغ الدور ثمن النهائي الذي عجزوا عن بلوغه في بطولات العالم الأربعة السابقة التي شاركوا فيها.
وقد استقبل التونسيون نتيجة قرعة كأس العالم التي أجريت يوم 1 من ديسمبر/كانون الثاني 2017 في قصر الكرملين الحكومي في موسكو بتفاؤل حذر، إذ أسفرت القرعة عن وقوع الفريق التونسي في المجموعة السابعة التي تتصدرها بلجيكا وتضم إلى جانبها المنتخب الإنجليزي والمنتخب البنمي.
تجدد الهزائم
بداية مشوار المنتخب التونسي في هذه الدورة لم تكن جيدة، حيث انقاد في مباراته الأولى ضمن منافسات الدور الأول التي جمعته مع المنتخب الإنجليزي أول أمس الإثنين على ملعب على ملعب “فولغوغراد أرينا”، إلى الهزيمة بنتيجة هدفين لواحد.
منتخب تونس استهل مشاركته الخامسة بهزيمة قاسية
هذه الهزيمة أربكت حسابات التونسيين وعقّدت وضعيتهم، فهم مطالبون الآن بالفوز على بلجيكا وبنما للمنافسة على إحدى بطاقات العبور الاثنتين إلى الدور الـ16 لهذه المسابقة، وتشارك تونس للمرة الأولى منذ 2006 والخامسة بعد 1978 و1998 و2002 (فوز و4 تعادلات و7 هزائم)، وتطمح لتكرار إنجاز المغرب (1986) والجزائر (2014) ببلوغ الدور الثاني للمرة الأولى في تاريخها.
نقص الخبرة وضعف الجاهزية
تجدد هزائم المنتخب التونسي أرجعه الإعلامي الرياضي التونسي زياد عطية إلى نقص تقاليد كأس العالم وخبرة اللقاءات الرسمية الكبرى التي تعد بالأصابع، واعتبر عطية في حديثه لنون بوست أن مونديال روسيا مناسبة مهمة للاحتكاك مع أفضل منتخبات العالم خصوصًا منتخبي إنجلترا المدجج بألمع نجوم الدوري المحلي، والمنتخب البلجيكي الذي ظل ضمن الخماسي الأفضل عبر العالم منذ عقود.
ويقول زياد إن أهمية البطولة وتضخيمها إعلاميًا يجعل من اللاعب التونسي نفسيًا غير جاهز وضعيف الشخصية بحكم نقص الخبرة وغياب ثقافة لعب اللقاءات الكبرى أمام منافسين يملكون نجومًا تصول وتجول في أقوى البطولات العالمية، ما مكنهم من كسب خبرة المواجهات الكبرى والصعبة في كل المناسبات.
يعتبر نبيل معلول المدرب العربي الوحيد الذي يقود منتخب بلاده إلى مونديال روسيا
إلى جانب نقص الخبر قال زياد: “المنتخب التونسي تنقصه أيضًا من الناحية الفنية والتكتيكية اللعب الهجومي والدخول من أجل الفوز، فنحن عمومًا لم نقطع مع ثقافة اللعب الدفاعي المفرط والتراجع في الشوط الثاني مع ضعف اللياقة البدنية في الكثير من الأحيان”.
وأكد الإعلامي التونسي أن منتخب بلاده يحتاج لمستوى لاعبين يكون قريبًا من نظيره الأوروبي واللاتيني خاصة فنيًا وبدنيًا، فمن البديهي أن نلاحظ فوارق شاسعة بين اللاعبين حتى في المنتخب ذاته بين اللاعب المحترف واللاعب الناشط في الدوري المحلي.
وأشار زياد في حديثه إلى إصابة النجم الأول يوسف المساكني الذي مثل نقطة قوة النسور خلال التصفيات الذي كان فيها هدافًا للمنتخب، وأوضح زياد أن غياب المساكني أثر كثيرًا على المنتخب خاصة على المستوى، حيث ظهر ضعف التنشيط الهجومي في لقاء إنجلترا، الذي يعد اللقاء الرسمي الأول بعد لقاء ليبيا الأخير في التصفيات الذي انتهى بالتعادل السلبي.
اختيارات المدرب
في مستهل حديثه لنون بوست أشار عطية إلى خيارات المدرب نبيل معلول، حيث قال “أعتقد أن خيارات نبيل معلول منذ إعلان القائمة الممثلة في المونديال التي جاءت خالية خصوصًا من مهاجم صريح هداف في قيمة حمدي الحرباوي مع إصابة ياسين الخنيسي والتخلي على لاعب تشيزينا الإيطالي كريم لعريبي الذي كان بالإمكان التعويل عليه في صناعة اللعب، كما ضمت القائمة بعض الأسماء العادية التي توقعت التخلي عنها لمحدودية إمكاناتها”، كانت إحدى الأسباب.
وأكد زياد أن لقاء انجلترا أظهر خللًا كبيرًا في الخيارات بتوزيع بعض اللاعبين في خطط غير خططهم الأصلية، ما أثر على عطائهم في اللقاء خصوصًا أفضل لاعب في الوديات أنيس البدري، إضافة الى تركيزه التام والواضح على اللعب الدفاعي المفرط في وقت توقعنا اللعب الهجومي بالاستناد إلى تصريحاته ما قبل البطولة للقطع مع الفشل الذي سبق ضمن النسخ الماضية.
عطية: معلول لم يوفق في اختياراته الفنية
وأضاف الإعلامي التونسي “عدم التعويل على لاعب وسط ميدان دفاعي ثالث كمحمد أمين بن عمر منذ البداية الذي كان بإمكانه تخفيف الضغط على زمليه ساسي والصخيري والمحافظة على الكرة أكثر ما يمكن، سبب بعض المتاعب للمنتخب”.
إلى جانب الاختيارات التي بدأ بها، لم يوفق نبيل معلول في التغييرات وفقًا لزياد الذي قال: “التغييرات لم تكن موفقة من جانب معلول حيث جاء دخول بن عمر متأخرًا، كما لاحظنا ضعفًا كبيرًا من الجهة اليسرى التي كان يجب التفطن لها بتحوير على الأقل بين اللاعبين الأساسيين، أيضًا ورقة بسام الصرارفي كانت ضرورية لسرعته في عكس الهجمات والمحافظة على الكرة”.
الحاجة إلى التدارك
لتجاوز هذه المصاعب، يرى الإعلامي التونسي المتخصص في المجال الرياضي زياد عطية، أن المنتخب التونسي يحتاج إلى دعم معنوي عام من جميع الأطراف خصوصًا المدربين الحاليين والسابقين، وتوخي النقد الهادف المراد منه الإصلاح والبناء لا الهدم وتصفية الحسابات لمصالح ضيقة”.
وأكد زياد “على المدرب الوطني نبيل معلول تدارك الأخطاء خلال لقاء بلجيكا وتفادي أسلوب اللعب الدفاعي المفرط وتقديم أداء جيد لإرضاء الجماهير، ولما لا تتحقق المفاجأة رغم صعوبة المنال”؟ ومن المنتظر أن يلعب منتخب تونس ضد نظيره البلجيكي السبت المقبل في إطار الجولة الثانية من البطولة.
تونس مطالبة بالفوز على بلجيكا وبنما للمرور إلى الدور الثاني
واستدرك زياد بالقول “رغم كل هذا لا بد من الإقرار بكون التأهل إلى مونديال روسيا 2018 يعد إنجازًا مهمًا لكرة القدم التونسية في حد ذاته، فهو نتاج مجهود من جميع الأطراف بعد غياب دام 12 عامًا، فالتأهل لم يكن بالسهولة التي يتوقع البعض والظهور في المسابقة شيء جميل وتخليد لذكرى رائعة للبلاد ككل”.
وأضاف “المنتخب التونسي تطور كثيرًا مقارنة لما وصل إليه من انحدار شديد في السنوات الماضية التي كادت أن تبعد المنتخب حتى عن المشاركة في مسابقة كأس إفريقيا فما بالنا بالتأهل إلى المونديال، هناك طفرة وثورة كروية صلب المنتخب التونسي حقيقة ثابتة، وبلوغنا المركز الـ14 للمرة الأولى خير دليل”.
ويعتبر نبيل معلول المدرب العربي الوحيد الذي يقود منتخب بلاده إلى مونديال روسيا، ودرب معلول – الذي لعب في العديد من الفرق الكبرى أهمها الترجي التونسي وهانوفر الألماني – فريق أولمبيك خريبكة المغربي ثم عين مساعدًا لمدرب منتخب تونس الفرنسي روجيه لومير عام 2002، واستطاع الثاني تحقيق اللقب الإفريقي الوحيد لتونس، حيث توج نسور قرطاج ببطولة كأس أمم إفريقيا عام 2004، وفي سنة 2017 عين مدرب للمنتخب الوطني التونسي.