بوخارست واحدة من أجمل العواصم في وسط أوروبا، تعرف أيضًا باسم باريس الصغيرة أو باريس البلقان بسبب هندستها المعمارية التي تتأثر بالفن المعماري الفرنسي، ومن أبرز أوجه التشابه وجود قوس للنصر مطابق لذلك الذي بباريس في شمال بوخارست وأُنشئ ليمر تحته الجنود في الاحتفال بعد حصول رومانيا على استقلالها عام 1878 وكان ذلك من أهم الأسباب إطلاق لقب باريس الصغيرة على المدينة البلقانية.
وعلى الرغم من ذلك فإن بوخارست على كونها من أهم المدن الأوروبية في الهندسة المعمارية والمباني، فإنها لم تكتف فقط بتلك العمارة المجلوبة، فهناك تضاد متشكل في سمائها حيث تجمع بين عصور زمنية مختلفة متجاورة ومتداخلة بشكل عجيب، فهنالك تباين حاد بين العمارة القديمة والجديدة في وسط المدينة، وكأن المباني ذات النمط الشيوعي سوفيتية أكثر من التي في روسيا ذاتها وتشعر بأنها تلاحقك وتهاجمك في أثناء مشيك وخاصة عند وقوفها شامخة بجانب المباني الأحدث الأكثر رحمة.
ويقف أولاء جميعًا بجانب المباني القديمة الباقية التي تحكي لك تاريخ تلك المدينة المتأرجحة بين الملكية فالماضي القريب حيث الشيوعية ثم الحاضر حيث الديمقراطية وحكم السوق الحر، فمن الناحية الاقتصادية ولكونها العاصمة، تعد بوخارست المكان الأكثر رخاءً في رومانيا بطبيعة الحال!
تقع بوخارست في جنوب شرق رومانيا، وتبعد مسافة 80 كيلومترًا فقط عن بلغاريا، ويسكن بها ما يقرب من مليوني شخص، وبسبب وجود بنية تحتية جيدة وتعليم ذو جودة واستضافتها للعديد من الأنشطة الثقافية، تعد من أكثر مدن شرق أوروبا تقدمًا.
وبسبب توافر الكثير من المباني الشيوعية، يعتقد البعض أن بوخارست مدينة رمادية بعض الشيء، ولكن هذا التصور خاطئ، فالحدائق الخضراء والمناظر الطبيعية تغطي جزءًا كبيرًا من العاصمة، مما يخلق نوعًا من أماكن الجذب للسكان المحليين الذين يستفيدون من تلك المساحات في التجول أو مساحات للعب الأطفال والمرافق الرياضية وخلافه.
تضم العاصمة الرومانية ثاني أكبر مبنى إداري في العالم بعد البنتاغون، وهو قصر الشعب الذي أسسه الديكتاتور تشاوشسكو ليكون البرلمان الأكبر في العالم، وأراد به تشاوشسكو – كما يحب العديد من الديكتاتوريين في جميع أنحاء العالم – تجسيد غروره في بنية مادية صلبة!
ومن الأماكن التي ينبغي مشاهدتها بالتأكيد في بوخارست المدينة القديمة في ليبسكاني نظرًا لأجوائها التاريخية التي تحتوي على أماكن الترفيه والمطاعم والمراكز الفنية، ومن الجدير بالذكر أن تلك المدينة تحتوي على أكثر من 50 معرضًا ومتحفًا ومسرحًا وأوبرا! لعل أهمها الذي يحمل رمز الثقافة الرومانية بدخوله قائمة التراث الأوروبي عام 2007 مبنى الأوبرا الذي افتتح عام 1888 ليستضيف فيما بعد المؤتمر التاريخي الذي أعلن فيه إنشاء رومانيا الحديثة عام 1919، وتحتوي تلك الأوبرا على أعمال فنية رائعة في سقفها وتسع لـ600 شخص وتم تصميم المبنى على الطراز النيوكلاسيكي.
أحيانًا يكون من الجيد أن تسافر إلى أماكن لا تعرف شيئًا عنها، وأن تعرف عنها شيئًا فشيئًا عن طريق تجربة معيشية تبدأ من المشي في الشوارع ومراقبة الناس والاستماع إلى أحاديث المباني والعيش كمواطن لا كسائح، يمكنك أن تجد ما يعجبك أو ما لا ترغب فيه، ولكن الجوهر الحقيقي للسفر أن تفعل شيئًا جديدًا، هذا هو الأمر برمته، التعلم!
وقبل سفري إلى رومانيا كنت أستمع لبعض الصور النمطية عن رومانيا ككونها مكانًا لإقامة الغجر على سبيل المثال، ولكن الواقع أن الغجر لا يمثلون أكثر من 8% من التعداد السكاني الروماني.
من الطرائف أن التدخين داخل الأماكن المغلقة كان مسموحًا به في رومانيا إلى وقت قريب، حيث يعد الشعب الروماني من الشعوب المهووسة بالتدخين حيث ينتشر بكثرة بين جميع فئات المجتمع، ذكورًا وإناثًا، بالإضافة إلى عشقهم للقهوة، حيث ستجد في أثناء تجولك بها محلات القهوة وأكشاك القهوة وحتى آلات بيع القهوة في كل مكان، ولهذا السبب من السهل جدًا هنا تناول القهوة أو استراحة السجائر في أماكن العمل هنا.
إذا كنت تبحث عن مدينة تناسب ميزانيتك المتوسطة، تمتلك عمارة مميزة وطبيعة رائعة، وشعب طيب مضياف غير عنصري، فرومانيا وبوخارست قد تكون ضمن خططك القادمة
ومما لفت انتباهي وراق لي هنا توافر محلات التي تسمى بـ”لا-توقف” التي تعمل 24 ساعة، سواء المطاعم أم المقاهي أم الأكشاك الصغيرة وخلافه، فبوخارست من المدن التي لا تنام مبكرًا أو لا تنام على الإطلاق! ومما قد تعجب له أيضًا توافر العديد من محلات الشاورما العربية والتركية والفلافل، بالإضافة للمطبخ الإيطالى المنتشر في كل مكان، فتناول البيتزا والمكرونة من الأطعمة المحبوبة للغاية هنا.
بالإضافة إلى توافر المخابز ومحلات الحلويات في كل زاوية، لأن الشعب الروماني يعشق المعجنات، وأنا أشهد ليس فقط بجودة معجناتهم إنما أيضًا بتوافر كمية هائلة من المحلات التي توفر لك أفضل المعجنات بأرخص الأسعار.
من الملاحظ أيضًا انتشار سيارات الأجرة – التاكسي – في شوارع بوخارست، هنالك عدة تطبيقات على الجوال التي توفر لك استدعاء سائق الأجرة إلى مكانك مُعلمك بتكلفة الرحلة التي ستقوم بها، ولا تقلق، فإن أسعار سيارات الأجرة رخيصة هنالك بعكس تركيا مثلاً، فكنت أدفع ما يقل عن ربع اليورو لكل كيلومتر، ولا أعلم سر هذا الاستخدام الكبير لسيارات الأجرة، ولكن هل من الممكن أن صعوبة وجود مكان لركن السيارة سببًا لذلك؟ فمن المشاكل الكبيرة التي تواجهها بوخارست قلة مواقف السيارات مما قد يجعلك تجد بعضهم يتركون السيارة على الرصيف بشكل طبيعي ومقبول.
إذا كنت تبحث عن مدينة تناسب ميزانيتك المتوسطة، تمتلك عمارة مميزة وطبيعة رائعة، ذات حياة ليلية نشطة لا تنام ووسائل نقل مريحة وشعب طيب مضياف غير عنصري، فرومانيا وبوخارست قد تكون ضمن خططك القادمة.