بدأت المفاوضات من جديد بين الجانب التركي الذي يعد وكيلًا عن المعارضة المسلحة شمالي حلب، والجانب الروسي الذي أخذ دور المفاوض من جانبي النظام والوحدات الكردية، من أجل اتفاق يحل الخلاف الحاصل على مصير مدينة تل رفعت الواقعة بريف حلب الشمالي.
ورسم الطرفان الروسي والتركي خريطة الطريق الثانية من نوعها في ريف حلب مؤخرًا، إذ سبق هذا الاتفاق خريطة طريق لمدينة منبج بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وتركيا من جهة أخرى، وينتهي الاتفاق في مدينة تل رفعت بإخراج كل من ميليشيا الوحدات وميليشيا النظام التي وضعت عدة حواجز ومقار في المنطقة.
وحصل “نون بوست” على نسخة من مسودة الاتفاق التي قدمتها روسيا للجانب التركي تتضمن إنهاء وجود الوحدات والنظام في المدينة هو مقابل عدم وجود أي فصيل من المعارضة المسلحة، ويقع ذلك على عاتق كل من الجيش التركي والجيش الروسي، لوضع المدينة تحت إدارة عسكرية ومدنية، بمقابل ضمان عودة المهجرين كافة إلى المدينة والقرى المحيطة بها ويتم إدارة المدينة من مجلس محلي يتم اختياره من الأهالي.
وينتخب الأهالي مجلسًا محليًا للمدينة لخدمتها وتدعيم المرافق العامة وتفعيلها، ويقتصر على الجانب الروسي إزالة الألغام المنتشرة في المنطقة، وضمان عودة المهجرين، للمدينة دون العسكريين من المعارضة المسلحة شمال حلب.
اطلع وجهاء تل رفعت على بنود الاتفاق فيما قدم الوجهاء قائمة من المطالب تخص أهالي المدينة وعددًا من المخاوف التي تواجههم خلال العودة إليها
وسيتم خلال هذه العملية تشكيل إدارة عسكرية متمثلة بقوات الأمن والشرطة، من أبناء المنطقة، حيث يتم تدريبهم من الحكومة التركية التي دربت آلافًا من قوات الشرطة خلال العام الفائت، حيث تكفلت بتدريبهم وتحسين أدائهم، وتقديم إشراف ودعم تركي دائم لهم في مناطق وجودهم في درع الفرات وعفرين، ومهمة جهاز الشرطة المحلية في تل رفعت حفظ الأمن في المنطقة ونشر حواجز أمنية في محيطها على خطوط التماس مع المعارضة ومليشيات النظام في ريف حلب الشمالي.
وقال مصدر من مجلس مدينة تل رفعت العسكري لـ”نون بوست” إن “ممثلون ووجهاء من مدينة تل رفعت شمال حلب اجتمعوا مع وفد تركي يخوض المفاوضات مع روسيا من أجل مستقبل المدينة”، وذلك شمالي إعزاز، حيث اطلع وجهاء تل رفعت على بنود الاتفاق فيما قدم الوجهاء قائمة من المطالب تخص أهالي المدينة وعددًا من المخاوف التي تواجههم خلال العودة إليها.
ومن المخاوف التي تواجه أهالي المدينة بقاء ميليشيات للنظام أو للوحدات متنكرة بزي مدني حتى عودة المدنيين إليها، ويلي ذلك اعتقال شبان المدينة وزجهم في صفوف جيش النظام، واعتقال المطلوبين من المعارضة، وهذا الجانب حسب مسودة الاتفاق مهمة الجانب الروسي.
وعن موعد الاتفاق ذكر المصدر العسكري أن موعد دخول القوات التركية إلى تل رفعت والقرى المحيطة بها سوف يستغرق أسابيع وربما شهورًا، وذلك بشكل تدريجي، وحسب المصدر فإن عودة المدنيين ستبدأ في بداية الشهر القادم بعد إزالة الألغام في المنطقة من القوات الروسية والتركية.
حرقت الوحدات في مدينة تل رفعت بعد صدور مسودة الاتفاق بعض المقار في المدينة والبلدات المجاورة لها
وأضاف المصدر “أهالي المدينة والبلدات المجاورة لها بدأوا بتسجيل أسماء الراغبين بالعودة في مجلس المدينة، وذلك لضمان عودتهم”.
وأفاد المصدر العسكري أن الجانب التركي ضغط على الجانب الروسي بتسليم المنطقة لفصائل المعارضة “الجيش الحر” لقيادة الأمور فيها، قوبل هذا بالرفض من الجانب الروسي، حسب مسودة الاتفاق فإن روسيا طلبت أن يعود المدنيون فقط وتكوين إدارة محلية وعسكرية من تركيا وروسيا، ومن يود العودة من العسكريين يكون منزوع السلاح.
النظام والوحدات يبدأون بالانسحاب من المنطقة
حرقت الوحدات في مدينة تل رفعت بعد صدور مسودة الاتفاق بعض المقار في المدينة والبلدات المجاورة لها، حيث بث ناشطون صورًا لحريق بعض منازل المدنيين كانت قد استحلتها الوحدات عندما سيطرت على المدينة، فيما أشعلت الحرائق في منازل وعناصر من المعارضة المسلحة من المدينة وعشرات الهكتارات التي تعود ملكيتها لأبناء تل رفعت.
وشهدت الأيام القليلة الماضية انسحابات متتالية للوحدات والنظام، من المدينة والبلدات التي تجاورها، حسب شهود عيان، حيث سحبت قوات النظام عددًا من الأرتال تتبع للفرقة الرابعة، وميليشيات أخرى كانت تتخذ في المنطقة بعض المقار والحواجز لها، فيما بقي عدد من العناصر من قوات النظام وآخرين من الوحدات من المحتمل انسحابهم مع تنفيذ الاتفاق.
ظهور فصيلين عسكريين جدد.. ما دورهما؟
تزامنت بنود الاتفاق التي قدمت من روسيا، مع تشكيل فصيلين عسكريين، من المعارضة المسلحة، هما “كتائب المجد”، وفرقة السلطان عبد الحميد الثاني، وثقل هذين الفصيلين وقوتهما الكبرى في مناطق ريف حلب التي تسيطر عليها فصائل “درع الفرات”، وينحدر عناصر التشكيلين من أبناء ريف حلب الشمالي، ويبلغ تعدادهما نحو 4500 عنصر.
فيما أعلن تشكيل فرقة السلطان عبد الحميد الثاني الأسبوع الماضي يوم الثلاثاء، 12 من يونيو/حزيران، ويمتد عمل هذا الفصيل حسبما قيل في البيان من جبل التركمان بريف اللاذقية شمال سوريا حتى منطقة رأس العين بريف الحسكة، حيث يكون مروره بريف حلب الشمالي.
أكد البيان بشكل علني وصريح شكره لتركيا فقال: “نشكر الأخوة الأتراك حكومة وشعبًا على جهودهم الحثيثة في نصرة إخوانهم السوريين، راجين الله تعالى أن يعيننا على إقامة العدالة في أرضه”
وأضاف بالبيان “انطلاقًا من الواجب الثوري، واستمرارًا منا في نصرة قضية شعبنا الأعزل، والتزامًا بالعهد الذي قطعناه أمام أهلنا، وحفظًا لدماء شهدائنا الأبرار نعلن نحن الكتائب الثورية تشكيل فرقة السلطان عبد الحميد الثاني، التابعة للجيش السوري الحر بقيادة الأخ عمر هلال، العاملة في ريف حلب الشمالي، ومنطقة رأس العين، وفي منطقة جبل التركمان الساحلي، مساندين إخواننا الشرفاء في مقاومة الإجرام بأشكاله كافة”.
وأكد البيان بشكل علني وصريح شكره لتركيا قائلاً: “نشكر الأخوة الأتراك حكومة وشعبًا على جهودهم الحثيثة في نصرة إخوانهم السوريين، راجين الله تعالى أن يعيننا على إقامة العدالة في أرضه”.
ويعود قائد الفرقة عمر هلال من مدينة تل رفعت، وقد كان القائد العام لفصيل غرباء الشام المنحل سابقًا عام 2014، بعد أن ظهر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وعلى إثرها قتل أحد القادة البارزين في الفصيل وعدد كبير من العناصر على يد التنظيم في مدينة الأتارب بريف حلب في عام 2013م.
فيما أعلن عن “كتائب المجد” الإثنين 11 من يونيو/حزيران وقيادة الفصيل بيد الشيخ أحمد محمود فتوح، ويشغل منصب القائد العسكري للتشكيل الجديد عبد الكريم الجاسم، وحدد البيان بأن الهدف من إنشاء الفصيل العسكري إعادة أهالي حلب إلى مدينتهم.
وذكر البيان “نظرًا لما آلت إليه الأوضاع في ثورتنا المجيدة وتهجير شعبنا وتدمير مدنه وقراه واستجابة لمطالب أهالي حلب الشهباء لإعادتهم إلى مدينتهم، فإننا نعلن تشكيل كتائب المجد العاملة في ريف حلب لتحرير مدينتنا المغتصبة وانتصارًا لثورتنا العظيمة”، في حين لم يرد في البيان الجهة التي سيقاتل بها إلا أنه ادعى أنه سيحرر مدينة حلب وإعادة المهجرين إليها.
“كتائب المجد” تشكيل جديد وقائده له سوابق مع الجانب الروسي عندما شكل ألوية النصر واتهم بالعمالة مع روسيا وسجن على إثرها
وقد شكلت هذه الكتائب بقيادة الشيخ فتوح الذي أعلن عام 2016 تشكيل “ألوية النصر” التي تضم 16 تشكيلًا عسكريًا وتتمركز جميعها في ريف حلب الشمالي بالقرب من الحدود السورية التركية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وعلى إثر ذلك التشكيل اعتقلت الجبهة الشامية قائده الشيخ فتوح تحت تهمة تآمره مع روسيا، حيث اتهم بأنه كان يتلقى دعمه من روسيا، وخرج الشيخ فتوح للإقامة بتركيا بعد أن أقام أشهرًا في سجون الجبهة الشامية الفصيل العسكري الأبرز آنذاك في ريف حلب الشمالي.
وتزامن تشكيلهما ومع إعلان اتفاق مدينة تل رفعت، وهنا تعمل فرضية أن الفصيلين العسكريين ممثلان عن الجانبين التركي والروسي، اللذان يخوضان المفاوضات من أجل المدينة، فالفرقة الأولى تنحدر تحت مسمى تركي “فرقة السلطان عبد الحميد الثاني” إضافة إلى دعم تركي حسب الشكر الذي قدمه البيان لتركيا.
فيما كان الثاني “كتائب المجد” تشكيلاً جديدًا وقائده له سوابق مع الجانب الروسي عندما شكل ألوية النصر واتهم بالعمالة مع روسيا وسجن على إثرها. ومن الممكن أن يعمل هذا الفصيل تحت دعم وإشراف روسي، ليستلم المنطقة، والآخر بدعم وإشراف تركي، يمكنه استلام المنطقة، وهي توقعات مبدأيه للتفاهمات التركية الروسية في تل رفعت، ولكن البنود الأولى من الاتفاق ستكون قوات تركية وأخرى روسية أي أنها بإشراف دولي لعودة المهجرين إليها، ومستقبلًا ربما يستخدم الفصيلان لهذه المهام.
وفي حال نجاح هذا الاتفاق سيطبق على مناطق أخرى ربما تسلم مدينة حلب نظرًا لبنود الاتفاق خاصة أن كتائب المجد هدفها حسب البيان تحرير حلب وعودة المهجرين إليها، فهل سينجح الاتفاق؟ وهل سيستلم الفصيلان قيادة المنطقة؟ هذا ما سيظهره الغموض الحاصل في الأيام القادمة.