ترجمة حفصة جودة
ارتفع عدد اللاجئين عالميًا على مدار 6 سنوات متتالية، فهناك نحو 68 مليون نازح بسبب العنف والاضطهاد، بما يعادل خُمس سكان أمريكا ونحو نصف سكان روسيا وأكثر من مجموع سكان المملكة المتحدة بأكملها.
في الوقت نفسه يعاني الدعم الإنساني من نقص مزمن، حيث تلقت وكالة الأمم المتحدة للاجئين والمفوضية السامية للاجئين في الأمم المتحدة وشركائهم تمويلًا أقل 17% عن احتياجهم هذا العام لتوفير المساعدات الأساسية لملايين من اللاجئين السوريين والأشخاص النازحين، هذا الوضع المؤلم يتكرر في كل مكان، حيث تصل أقل من نصف المساعدات الإنسانية اللازمة للمحتاجين في الدول المتأثرة بالصراعات.
لا يبدو مستغربًا أن يكون هناك قلق عام عميق، ليس فقط لأن الناس أصبحوا عديمي الرحمة، لكن لأن الوضع أصبح غير محتمل، والحل ليس أن تتخذ الدول تدابير قاسية أحادية الجانب تستهدف اللاجئين وتتعارض مع قيمنا ومسؤولياتنا، فهذا الأمر يزيد من تأجج المشكلة.
بدلًا من ذلك نحن بحاجة لتقليل عدد النازحين عالميًا وذلك بمنع وحل الخلافات التي تسببت في هروبهم من بلادهم، يجب أن نسعى لحشد الناس والأمم للعمل معًا وفق اهتمامات مشتركة وطموحات عالمية تجاه الأمن والكرامة والمساواة، ويجب أن نفهم أن ذلك لا يأتي على حساب أمننا ورفاهيتنا الاقتصادية في البلاد، لكنه مطلب ضروري عند مواجهة مشكلة ذات أبعاد دولية.
رغم سخاء دافعي الضرائب في الدول الغربية وكل الأرواح التي أُنقذت فإن مليارات المساعدات الإنسانية التي يتم توفيرها سنويًا لا تكاد تقترب من الاحتياجات المطلوبة لـ68 مليون نازح والمجتمعات التي تستضيفهم الآن
قد لا يكون من الرائج القول إننا بحاجة للعمل مع حلفائنا للعثور على حلول دائمة للصراعات المعقدة من خلال الدبلوماسية، لكنه صحيح، فالحقيقة أن هناك تحديات كبيرة بيننا وهذا الهدف لا يعني أن هذا ليس المسار الصحيح لنتبعه، فيجب أن ننظر للحقائق المجردة.
أولًا: هناك نحو 85% من اللاجئين والنازحين يعيشون في دول منخفضة ومتوسطة الدخل، ومعظم النازحين بسبب العنف ما زالوا داخل حدود بلادهم، أما هؤلاء الذين اضطروا للنزوح فيميلون للعيش بالقرب من بلادهم في الدول المجاورة، هناك فقط نسبة صغيرة جدًا من اللاجئين أقل من 1% عالميًا أُعيد توطينهم بما في ذلك الدول الغربية، أما الدول الفقيرة فهي تتحمل العبء الأكبر، ولا يمكننا ببساطة الافتراض أن تلك الدول ستستمر في القيام بذلك بغض النظر عن سياسات الدول الأكثر ثراءً.
ثانيًا: رغم سخاء دافعي الضرائب في الدول الغربية وكل الأرواح التي أُنقذت فإن مليارات المساعدات الإنسانية التي يتم توفيرها سنويًا لا تكاد تقترب من الاحتياجات المطلوبة لـ68 مليون نازح والمجتمعات التي تستضيفهم الآن، ناهيك عن أن هذا الرقم آخذ في الازدياد، لا يوجد حل يتضمن ببساطة استمرار الوضع كما هو أو القيام بعمل أقل أو التصرف كما لو أننا نستطيع ترك المشكلة لتتعامل معها الدول الأخرى.
ثالثًا: يقع نحو ثلثي اللاجئين تحت وصاية مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ويأتون من 5 دول فقط: سوريا وأفغانستان وجنوب السودان وميانمار والصومال، تحقيق السلام في أي من تلك الدول الـ5 يعني أن تتحسن الظروف ويعود هؤلاء الناس لبيوتهم مما يعني أن يقل عدد اللاجئين عالميًا بالملايين، هذا ما يجب أن نضغط عليه كناخبين مع ساستنا، يجب أن نتحداهم للإجابة عن سؤال: كيف تتعامل سياستهم مع جذور تلك المشكلة؟
لقد نجحنا من قبل في تقليل عدد اللاجئين، فعندما بدأت العمل لأول مرة مع وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قبل 16 عامًا كان عدد اللاجئين عالميًا في تناقص، ومن أولى المهام التي قمت بها مع المفوضية كانت مرافقة اللاجئين الكمبوديين العائدين إلى بلادهم، لقد التقيت بالعديد من اللاجئين الذين عادوا إلى بلادهم بعد انتهاء الصراع في يوغوسلافيا السابقة، وبالنظر إلى التاريخ سنجد أنه أُعيد توطين ملايين اللاجئين بعد الحرب العالمية الثانية.
يجب ألا نترك الأمر لهؤلاء الذين يستغلون القلق العام من أجل مصالحهم السياسية، نحن نخضع للاختبار اليوم واستجابتنا للأمر ستكون المقياس لإنسانيتنا
هذه الإستراتيجية تتطلب رؤية ومثابرة وقوة وليس الحديث القاسي ضد اللاجئين، نحن بحاجة للعزيمة والإرادة والمهارات الدبلوماسية اللازمة للتفاوض بشأن التسويات السلمية وتحقيق الاستقرار في الدول غير الآمنة وتنفيذ أحكام القانون، هذا هو الطريق العملي الاستباقي وهو في صالح أمننا ويتسق مع مبادئنا وقيمنا، سوف يتطلب ذلك أن تعمل الدول معًا لتتحمل هذا العبء بشكل أكثر إنصافًا، ولهذا أصبح تطوير الميثاق العالمي الجديد للاجئين أمرًا ضروريًا للغاية.
اللاجئ هو رجل أو امرأة أو طفل يعيشون في أضعف حالاتهم، مجبرين على ترك بلادهم ويعيشون بلا حماية من دولتهم وفي بعض الحالات يعيشون بلا أدنى مقومات الحياة، هذا الوضع الإنساني يختبر معتقداتنا بأن البشر جميعًا لهم نفس الحقوق ويستحقون الحماية.
نحن نعيش الآن في عصر من الصراع والانقسام، لكن التاريخ يخبرنا أننا قادرون على الاتحاد والتغلب على الأزمة العالمية وتجديد إحساسنا بالهدف المشترك مع الدول الأخرى، هذه أعظم قوة يمتلكها المجتمع المفتوح، يجب ألا نترك الأمر لهؤلاء الذين يستغلون القلق العام من أجل مصالحهم السياسية، نحن نخضع للاختبار اليوم واستجابتنا للأمر ستكون المقياس لإنسانيتنا.
المصدر: إيكونوميست